المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9142 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



النبي "ص" في كفالة جده الحنون ، وبيت عمه الحنون « عليهم السلام »  
  
432   09:04 صباحاً   التاريخ: 2024-09-08
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة : ج1، ص149-164
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / أسرة النبي (صلى الله عليه وآله) / آبائه /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-5-2017 3373
التاريخ: 11-12-2014 3200
التاريخ: 4-5-2017 4063
التاريخ: 4-4-2017 3495

1 . في كفالة جده الحنون عبد المطلب

في الكافي : 1 / 448 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « كان عبد المطلب يُفرش له بفناء الكعبة ، لا يُفرش لأحد غيره ، وكان له وُلْدٌ يقومون على رأسه فيمنعون من دنا منه ، فجاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو طفل يدرج حتى جلس على فخذيه ، فأهوى بعضهم إليه لينحيه عنه ، فقال له عبد المطلب : دع ابني فإن المُلك قد أتاه » !

وفي رواية كمال الدين / 171 ، عن ابن عباس ، قال : « دعوا ابني فوالله إن له لشأناً عظيماً ، إني أرى أنه سيأتي عليكم يوم وهو سيدكم ، إني أرى غرته غرة تسود الناس ، ثم يحمله فيجلسه معه ويمسح ظهره ويقبله ويقول : ما رأيت قبلة أطيب منه ولا أطهر قط ، ولا جسداً ألين منه ، ولا أطيب منه . ثم يلتفت إلى أبي طالب وذلك أن عبد الله وأبا طالب لأم واحدة ، فيقول : يا أبا طالب إن لهذا الغلام لشأناً عظيماً فاحفظه واستمسك به ، فإنه فردٌ وحيدٌ ، وكن له كالأم ، لا يوصل إليه بشئ يكرهه ، ثم يحمله على عنقه فيطوف به أسبوعاً .

وكانت هذه حاله حتى أدركت عبد المطلب الوفاة ، فبعث إلى أبي طالب ، ومحمد على صدره وهو في غمرات الموت ، وهو يبكي ويلتفت إلى أبي طالب ويقول : يا أبا طالب أنظر أن تكون حافظاً لهذا الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه ، ولا ذاق شفقة أمه ، أنظر يا أبا طالب أن يكون من جسدك بمنزلة كبدك ، فإني قد تركت بنيَّ كلهم وأوصيتك به ، لأنك من أم أبيه . يا أبا طالب إن أدركت أيامه فاعلم أني كنت من أبصر الناس وأعلم الناس به ، فإن استطعت أن تتبعه فافعل ، وانصره بلسانك ويدك ومالك ، فإنه والله سيسودكم ويملك ما لم يملك أحد من بني آبائي . يا أبا طالب ما أعلم أحداً من آبائك مات عنه أبوه على حال أبيه ، ولا أمه على حال أمه ، فاحفظه لوحدته ، هل قبلت وصيتي فيه ؟

فقال : نعم قد قبلت واللهُ عليَّ بذلك شهيد ، فقال عبد المطلب : فمدَّ يدك إليَّ فمد يده إليه فضرب يده على يده ثم قال عبد المطلب : الآن خفَّ عليَّ الموت !

ثم لم يزل يقبله ويقول : أشهد أني لم أقبل أحداً من ولدي أطيب ريحاً منك ، ولا أحس وجهاً منك ، ويتمنى أن يكون قد بقي حتى يدرك زمانه !

فمات عبد المطلب وهو ( صلى الله عليه وآله ) ابن ثمان سنين ، فضمه أبو طالب إلى نفسه لا يفارقه ساعة من ليل ولا نهار ، وكان ينام معه لا يأتمن عليه أحداً » !

قال اليعقوبي : 2 / 12 ، « أوصى لأبي طالب برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبزمزم ، وقال له :

وصيك يا عبد مناف بعدي * بمفرد بعد أبيه فرد

فارقه وهو ضجيع المهد * فكنت كالأم له في الوجد

تدنيه من أحشائها والكبد * فأنت من أرجى بَنِيَّ عندي

لدفع ضيم أو لشد عقد

وتوفي عبد المطلب ولرسول الله ثماني سنين ، ولعبد المطلب مائة وعشرون سنة وقيل مائة وأربعون سنة ، وأعظمت قريش موته ، وغُسل بالماء والسدر ، وكانت قريش أول من غسل الموتى بالسدر ، ولُفَّ في حلتين من حلل اليمن قيمتهما ألف مثقال ذهب ، وطرح عليه المسك حتى سترهُ ، وحمل على أيدي الرجال عدة أيام ، إعظاماً وإكراماً وإكباراً لتغييبه في التراب !

واحتبى « جلس » ابنه بفناء الكعبة لما غيب عبد المطلب ، واحتبى ابن جدعان التيمي من ناحية ، والوليد بن ربيعة المخزومي ، فادعى كل واحد الرئاسة » .

2 . استسقى به جده عبد المطلب فسقاهم الله تعالى

قال اليعقوبي : 2 / 12 : « كان أصحاب الكتاب لا يزالون يقولون لعبد المطلب في رسول الله منذ ولد ، فيعظم بذلك ابتهاج عبد المطلب ، فقال : أما والله لئن نَفَستني قريش الماء ، يعني ماءً سقاه الله من زمزم ، وذي الهرم « بئر » لتنفسني غداً الشرف العظيم ، والبناء الكريم ، والعز الباقي ، والسناء العالي ، إلى آخر الدهر ويوم الحشر ! وتوالت على قريش سنون مجدبة حتى ذهب الزرع وقحل الضرع ففزعوا وقالوا : قد سقانا الله بك مرة بعد أخرى ، فادع الله أن يسقينا ، وسمعوا صوتاً ينادي من بعض جبال مكة : معشر قريش إن النبي الأمي منكم ، وهذا أوان تَوَكُّفه ، ألا فانظروا منكم رجلاً عظاماً جساماً له سنٌّ يدعو إليه وشرفٌ يعظم عليه ، فليخرج هو وولده ليمسوا من الماء ويلتمسوا من الطيب ويستلموا الركن ، وليدع الرجل وليؤمِّن القوم ، فخصبتم ما شئتم إذن وغُثتم !

فلم يبق أحد بمكة إلا قال : هذا شيبة الحمد ، هذا شيبة الحمد ! فخرج عبد المطلب ومعه رسول الله وهو يومئذ مشدود الإزار ، فقال عبد المطلب : اللهم سادَّ الخَلة ، وكاشف الكُربة ، أنت عالمٌ غير مُعلم ، مسؤولٌ غير مُبَخَّل ، وهؤلاء عُبداؤك وإماؤك بعذرات حرمك ، يشكون إليك سنيهم التي أقحلت الضرع ، وأذهبت الزرع ، فاسمعنَّ اللهم ، وأمطرنَّ غيثاً مَريعاً مغدقاً . فما راموا حتى انفجرت السماء بمائها ، وكظ الوادي بثجه » ، وفي ذلك يقول بعض قريش :

بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا * وقد فقدنا الكرى واجلوَّذَ المطر

مناً من الله بالميمون طائرُهُ * وخيرِ من بُشرت يوماً به مضر

مبارك الأمر يستسقى الغمام به * ما في الأنام له عدلٌ ولا خَطَر

وقد اشتهرت رواية رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم ، وفيها : « قام فاعتضد ابن ابنه محمداً فرفعه على عاتقه ، وهو يومئذ غلام قد أيفع أو كرب ، ثم قال . . . فورب الكعبة ما راموا حتى انفجرت السماء بمائها . . . فسمعت شِيخان قريش وجلتها : عبد الله بن جدعان ، وحرب بن أمية ، وهشام بن المغيرة يقولون لعبد المطلب : هنيئاً لك سيد البطحاء » ! الدعاء للطبراني / 606 ، معجمه الكبير : 24 / 260 ، مجمع الزوائد : 2 / 214 ، شرح النهج : 7 / 271 وغيرها .

ومعنى : قد أيفع أو كرب : أنه كان صبياً يافعاً قارب البلوغ ، فكان يبدو كبير السن للناظر ، وإن كان سنه أصغر من ذلك ( صلى الله عليه وآله ) .

وكان جده يعتمد عليه في المهمات ! ففي الكافي : 1 / 447 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « كان عبد المطلب أرسل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى رعاته في إبل قد ندَّت له ليجمعها فأبطأ عليه ، فأخذ بحلقة باب الكعبة وجعل يقول : يا رب أتهلك آلك إن تفعل فأمرٌ ما بدا لك ! فجاء رسول الله بالإبل ، وقد وجه عبد المطلب في كل طريق وفي كل شعب في طلبه . . ولما رأى رسول الله أخذه فقبله وقال : يا بني لاوجهتك بعد هذا في شئ ، فإني أخاف أن تُغتال فتقتل » .

وقال اليعقوبي : 2 / 10 : « رجع من بني سعد ابن أربع سنين أو خمس وهو في خلق ابن عشر وقوته » .

3 . عاش صباه وشبابه في بيت عمه الحنون أبي طالب ( ( ع ) )

« توفي عبد المطلب في شهر ربيع الأول وللنبي ( صلى الله عليه وآله ) ثماني سنين من عمره ، فكفله أبو طالب أحسن كفالة » . كنز الفوائد / 72 .

« فكان خير كافل ، وكان أبو طالب سيداً شريفاً مطاعاً مهيباً . . وخرج به إلى بُصْرَى من أرض الشام وهو ابن تسع سنين ، وقال : والله لا أكلك إلى غيري !

وربته فاطمة بنت أسد بن هاشم امرأة أبي طالب وأم أولاده جميعاً ، يروى عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما توفيت وكانت مسلمة فاضلة أنه قال : اليوم ماتت أمي ! وكفنها بقميصه ونزل في قبرها واضطجع في لحدها ، فقيل له : يا رسول الله لقد اشتد جزعك على فاطمة ! قال : إنها كانت أمي ، إنْ كانت لتُجيع صبيانها وتشبعني ، وتشعثهم وتدهنني ، وكانت أمي » . تاريخ اليعقوبي : 2 / 13 .

وفي أمالي الصدوق / 390 ، عن ابن عباس : « قال : يا فاطمة أنا محمد سيد ولد آدم ولا فخر ، فإن أتاك منكر ونكير فسألاك : من ربك ؟ فقولي : الله ربي ومحمد نبيي ، والإسلام ديني ، والقرآن كتابي ، وابني إمامي ووليي . ثم قال : اللهم ثبت فاطمة بالقول الثابت . ورويَ أنه ( صلى الله عليه وآله ) قال : يا علي أدخل ، يا حسن أدخل ، فدخلا القبر ، فلما فرغ مما احتاج إليه قال له : يا علي أخرج ، يا حسن أخرج فخرجا ، ثم زحف النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى صار عند رأسها ، ثم قال : يا فاطمة أنا محمد سيد ولد آدم ولا فخر ، فإن أتاك منكر ونكير فسألاك : من ربك ؟ فقولي : الله ربي ومحمد نبيي ، والإسلام ديني ، والقرآن كتابي ، وابني إمامي ووليي » .

أقول : توفيت فاطمة بنت أسد « عليها السلام » في شوال في السنة الرابعة أو الخامسة ، فدعا النبي ( صلى الله عليه وآله ) سبطه الحسن وعمره نحو سنتين ، لينزل في قبرها إيذاناً بمكانته ، ولعله إشارة إلى أن هذه بقعته ( عليه السلام ) . مستدرك سفينة البحار : 5 / 207 و 8 / 256 .

وفي الحدائق الناضرة : 22 / 634 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « كانت أول امرأة هاجرت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من مكة إلى المدينة على قدميها » !

وروى الحاكم : 3 / 108 : « لما ماتت فاطمة بنت أسد كفنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في قميصه وصلى عليها وكبر عليها سبعين تكبيرة ، ونزل في قبرها فجعل يومي في نواحي القبر كأنه يوسعه ويسوي عليها ، وخرج من قبرها وعيناه تذرفان وحثى في قبرها . فلما ذهب قال له عمر بن الخطاب : يا رسول الله رأيتك فعلت على هذه المرأة شيئاً لم تفعله على أحد ! فقال : يا عمر إن هذه المرأة كانت أمي التي ولدتني ! إن أبا طالب كان يصنع الصنيع وتكون له المأدبة ، وكان يجمعنا على طعامه ، فكانت هذه المرأة تفضل منه كله نصيبنا فأعود فيه . وإن جبريل أخبرني عن ربي عز وجل أنها من أهل الجنة ، وأخبرني جبريل أن الله تعالى أمر سبعين ألفاً من الملائكة يصلون عليها » !

وعقد في مجمع الزوائد : 9 / 256 بابا : مناقب فاطمة بنت أسد رضي الله عنها .

4 . واستسقى به عمه أبو طالب فسقاهم الله تعالى

اشتهر قول أبي طالب « رحمه الله » في مدح النبي ( صلى الله عليه وآله ) في قصيدته اللامية العصماء :

وأبيضُ يُستسقى الغَمامُ بوجهه * ثمالُ اليتامى عصمة للأرامل

ورووا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) طلب أن يُنشدوه القصيدة ، كما في بدائع الصنائع : 1 / 283 ، البخاري : 2 / 15 ، أحمد : 2 / 93 وأمالي المفيد / 301 ، قال : « جاء أعرابي إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : والله يا رسول الله لقد أتيناك وما لنا بعير يئط ، ولا غنم يغط ، ثم أنشأ يقول :

أتيناك يا خير البرية كلها * لترحمنا مما لقينا من الأزْلِ

أتيناك والعذراءُ يُدمى لُبانها * وقد شُغلت أم الصبي عن الطفل

وألقى بكفيه الفتيُّ استكانةً * من الجوع ضعفاً ما يُمِرُّ وما يُحلي

ولا شئ مما يأكل الناس عندنا * سوى الحنظل العاميِّ والعلهز الفَسْل

وليس لنا إلا إليك فرارن * وأين فرار الناس إلا إلى الرسل

فقال رسول الله لأصحابه : إن هذا الأعرابي يشكو قلة المطر وقحطاً شديداً !

ثم قام يجر رداءه حتى صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وكان مما حمد ربه أن قال : الحمد لله الذي علا في السماء فكان عالياً ، وفي الأرض قريباً دانياً ، أقرب إلينا من حبل الوريد . ورفع يديه إلى السماء وقال : اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً ، مريئاً مريعاً ، غدقاً طبقاً ، عاجلاً غير رائث ، نافعاً غير ضائر ، تملأ به الضرع ، وتنبت به الزرع ، وتحيي به الأرض بعد موتها . فما رد يديه إلى نحره حتى أحدق السحاب بالمدينة كالإكليل والتفت السماء بأردافها ، وجاء أهل البطاح يضجون يا رسول الله : الغرق الغرق ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اللهم حوالينا ولا علينا ، فانجاب السحاب عن السماء ، فضحك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : لله در أبي طالب ، لو كان حياً لقرَّت عيناه ، من ينشدنا قوله ؟ فقام عمر فقال : عسى أردت يا رسول الله :

وما حملت من ناقة فوق رحلها * أبرُّ وأوفى ذمةً من محمد

فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ليس هذا من قول أبي طالب ، بل من قول حسان بن ثابت ، فقام علي بن أبي طالب فقال : كأنك أردت يا رسول الله قوله :

وأبيضُ يُستسقى الغمامُ بوجهه * ربيعُ اليتامى عصمةٌ للأراملِ

يلوذُ به الهُلاَّكُ من آل هاشمٍ * فهم عنده في نعمةٍ وفواضل

كذبتم وبيت الله نُبزي محمداً * ولما نطاعنْ دونه ونقاتل

ونُسلمه حتى نُصَرَّع حوله * ونَذهل عن أبنائنا والحلائل

فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أجل . فقام رجل من بني كنانة فقال :

لك الحمد والحمد ممن شكرْ * سقينا بوجه النبي المطر

دعا الله خالقه دعوةً * وأشخص منه إليه البصر

ولم يك إلا كقلب الرداء * وأسرع حتى أتانا المطر

دفاق العزائل جم البعاق * أغاث به الله عَلْيَا مُضر

فكان كما قاله عمه * أبو طالب ذا رواء غزر

به الله يسقي صيوبَ الغمام * فهذا العيان وذاك الخبر

فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : بوأك الله يا كناني بكل بيت قلته بيتاً في الجنة » .

وستأتي لامية أبي طالب ، وقول ابن كثير إنها أبلغ من المعلقات السبع !

وقال ابن حجر في فتح الباري : 2 / 412 : « قال السهيلي : فإن قيل : كيف قال أبو طالب يستسقى الغمام بوجهه ، ولم يره قط استسقى ، إنما كان ذلك منه بعد الهجرة ؟ وأجاب بما حاصله : أن أبا طالب أشار إلى ما وقع في زمن عبد المطلب حيث استسقى لقريش والنبي ( صلى الله عليه وآله ) معه غلام . . . وهذا البيت من أبيات في قصيدة لأبي طالب ذكرها ابن إسحاق في السيرة بطولها ، وهي أكثر من ثمانين بيتاً ، قالها لما تمالأت قريش على النبي ، ونَفَّروا عنه من يريد الإسلام » .

وفي خزانة الأدب : 2 / 61 : « قال السهيلي في الروض الأنف : إن أبا طالب قد شاهد من ذلك في حياة عبد المطلب ، ما دله على ما قال » .

وقول السهيلي والبغدادي صحيح ، فقد أجدبت قريش فشكت إلى عبد المطلب فاستسقى بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم أجدبت فشكت إلى أبي طالب فاستسقى بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وإنما حذفوه من السيرة حسداً لأبي طالب « رحمه الله » وأولاده !

وقال عنها في المناقب : 1 / 119 : « والسبب في ذلك أنه كان قحط في زمن أبي طالب فقالت قريش : اعتمدوا اللات والعزى ، وقال آخرون اعتمدوا مناة الثالثة الأخرى ، فقال ورقة بن نوفل : أنى تؤفكون وفيكم بقية إبراهيم وسلالة إسماعيل أبو طالب فاستسقوه ، فخرج أبو طالب وحوله أغيلمة من بني عبد المطلب ، وسطهم غلام كأنه شمس دِجَنَّة « مشرقة » تجلت عنها غمامة ، فأسند ظهره إلى الكعبة ولاذ بإصبعه ، وبصبصت الأغيلمة حوله ، فأقبل السحاب في الحال . فأنشأ أبو طالب اللامية » !

وروى آخرون هذه المعجزة بتفصيل ، كفخار بن معد في كتابه : الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب / 311 ، والصالحي في سبل الهدى : 2 / 137 ، والذهبي في تاريخه : 1 / 52 ، بسند صحيح عندهم ، عن أبان بن تغلب ، عن جلهمة بن عرفطة قال :

« إني لبالقاع من نِمْرة ، إذ أقبلت عيرٌ من أعلى نجد ، فلما حاذت الكعبة إذا غلام قد رمى بنفسه عن عجز بعير ، فجاء حتى تعلق بأستار الكعبة ، ثم نادى يا رب البنية أجرني ! وإذا شيخ وسيم قسيم عليه بهاء الملك ووقار الحكماء ، فقال : ما شأنك يا غلام فأنا من آل الله وأجير من استجار به ؟ قال : إن أبي مات وأنا صغير وإن هذا استعبدني وقد كنت أسمع أن لله بيتاً يمنع من الظلم ، فلما رأيته استجرت به . فقال له القرشي : قد أجرتك يا غلام قال : وحبس الله يد الجندعي إلى عنقه . قال جلهمة : فحدثت بهذا الحديث عمرو بن خارجة وكان قِعْدَد الحي ، فقال : إن لهذا الشيخ ابناً يعني أبا طالب . قال : فهويت رحلي نحو تهامة أكسع بها الحدود وأعلوا بها الكدان حتى انتهيت إلى المسجد الحرام ، وإذا قريش عزين ، قد ارتفعت لهم ضوضاء يستسقون فقائل منهم يقول : اعتمدوا اللات والعزى ! وقائل يقول : اعتمدوا مناة الثالثة الأخرى . وقال شيخ وسيم قسيم حسن الوجه جيد الرأي : أنى تؤفكون وفيكم باقية إبراهيم وسلالة إسماعيل ؟ قالوا له : كأنك عنيت أبا طالب ! قال : إيهاً . فقاموا بأجمعهم وقمت معهم فدققنا عليه بابه فخرج إلينا رجل حسن الوجه مصفر ، عليه إزار قد اتشح به ، فثاروا إليه فقالوا : يا أبا طالب قحط الوادي وأجدب العباد ، فهلم فاستسق ، فقال : رويدكم زوال الشمس وهبوب الريح ، فلما زاغت الشمس أو كادت ، خرج أبو طالب معه غلام كأنه دِجَنٌّ « سماءٌ لحسنه » تجلت عنه سحابة قتماء ، وحوله أغيلمة ، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة ، ولاذ بإصبعه الغلام ، وبصبصت الأغيلمة حوله ، وما في السماء قزعة فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا ، وأغدق واغدودق ، وانفجر له الوادي ، وأخصب النادي والبادي ! وفي ذلك يقول أبو طالب :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ربيع اليتامى عصمة للأرامل

تطيف به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل

وميزان عدل لا يخيس شعيرة * ووزان صدق وزنه غير عائل

أقول : كفى بهذا الحديث وهذه القصيدة دليلاً على إيمان أبي طالب ( عليه السلام ) بنبوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) من صغره ! ولكن الذهبي وأمثاله من أتباع القرشيين والأمويين أشربوا في قلوبهم الإعراض عن عترة نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) ، بل كرههم » !

5 . حديث بَحِيَرا الراهب مع النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) وعمه في الشام

قال علي بن يوسف الحلي « رحمه الله » في العدد القوية / 118 : « وخرج مع عمه أبي طالب في تجارة إلى الشام وله تسع سنين ، وقيل اثنتا عشرة سنة » . وفي الخرائج : 1 / 71 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « فلما انتهى به إلى بصرى وفيها راهب لم يكن يكلم أهل مكة إذا مروا به ، ورأى علامة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الركب ، رأى غمامة تظله في مسيره ، ونزل تحت شجرة قريبة من صومعته فتثنت أغصان الشجرة عليه والغمامة على رأسه بحالها ، فصنع لهم طعاماً فاجتمعوا عليه وتخلف محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما نظر بحيرا إليهم ولم ير الصفة التي يعرف قال : فهل تخلف منكم أحد ؟ قالوا : لا واللات والعزى إلا صبي ، فاستحضره فلما لحظ إليه نظر إلى أشياء من جسده قد كان يعرفها من صفته فلما تفرقوا قال : يا غلام أتخبرني عن أشياء أسألك عنها ؟ قال : سل . قال : أنشدك باللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه ! وإنما أراد أن يعرف لأنه سمعهم يحلفون بهما ، فذكروا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال له : لا تسألني باللات والعزى ، فإني والله لم أبغض بغضهما شيئاً قط !

قال : فبالله إلا أخبرتني عما أسألك عنه ؟ قال : فجعل يسأله عن حاله في نومه وهيئته وأموره ، فجعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يخبره ، فكان يجدها موافقة لما عنده .

فقال له : إكشف عن ظهرك فكشف عن ظهره ، فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على الموضع الذي يجده عنده ، فأخذه الإفكل وهو الرعدة ، واهتز الديراني فقال : من أبو هذا الغلام ؟ قال أبو طالب : هو ابني . قال : لا والله لا يكون أبوه حياً . قال أبو طالب : إنه ابن أخي . قال : فما فعل أبوه ؟ قال : مات وهو ابن شهرين . قال : صدقت . قال : فارجع بابن أخيك إلى بلادك واحذر عليه اليهود ، فوالله لئن رأته وعرفوا منه الذي عرفت ليبغينه شراً ! فخرج أبو طالب فرده إلى مكة » .

وفي رواية كمال الدين / 187 : « لما بلغَ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أراد أبو طالب أن يخرج إلى الشام في عير قريش ، فجاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتشبث بالزمام وقال : يا عم على من تخلفني لا على أمٍّ ولا على أب ؟ ! وقد كانت أمه توفيت فرقَّ له أبو طالب ورحمه وأخرجه معه . . . فلما نظر إليه بحيرى قال : من هذا الغلام ؟ قالوا : ابن هذا وأشاروا إلى أبي طالب . . فقال بحيرى : رُدَّ هذا الغلام إلى بلاده ، فإنه إن علمت به اليهود ما أعلم منه قتلوه ! فإن لهذا شأناً من الشأن ، هذا نبي هذه الأمة ، هذا نبي السيف » .

وفي قرب الإسناد / 213 ، من حديث للإمام الكاظم ( عليه السلام ) مع حاخامات اليهود : « قالوا : إنا نجد في التوراة أن الله تبارك وتعالى آتى إبراهيم وولده الكتاب والحكم والنبوة وجعل لهم الملك والإمامة ، وهكذا وجدنا ذرية الأنبياء لا تتعداهم النبوة والخلافة والوصية ، فما بالكم قد تعداكم ذلك وثبت في غيركم ، ونلقاكم مستضعفين مقهورين لا تُرقب فيكم ذمة نبيكم ؟ ! فدمعت عينا أبي عبد الله ( عليه السلام ) ثم قال : نعم لم تزل أمناء الله مضطهدة مقهورة مقتولة بغير حق ، والظلمة غالبة ، وقليل من عباد الله الشكور ! قالوا : صدقت ، فما أعطي نبيكم من الآيات اللاتي نفت الشك عن قلوب من أرسل إليهم ؟ قلت : آيات كثيرة أعدها إن شاء الله . . .

ومن ذلك : أنه توجه إلى الشام قبل مبعثه مع نفر من قريش ، فلما كان بحيال بحيراء الراهب نزلوا بفناء ديره ، وكان عالماً بالكتب وقد كان قرأ في التوراة مرور النبي ( صلى الله عليه وآله ) به وعرف أوان ذلك ، فأمر فدعى إلى طعامه ، فأقبل يطلب الصفة في القوم فلم يجدها ، فقال : هل بقي في رحالكم أحد ؟ فقالوا : غلامٌ يتيم . فقام بحيراء الراهب فاطَّلع فإذا هو برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نائم وقد أظلته سحابة ! فقال للقوم : ادعوا هذا اليتيم ، ففعلوا وبحيراء مشرف عليه ، وهو يسير والسحابة قد أظلته فأخبر القوم بشأنه ، وأنه سيبعث فيهم رسولاً ، وما يكون من حاله وأمره ! فكان القوم بعد ذلك يهابونه ويجلونه ، فلما قدموا أخبروا قريشاً بذلك ، وكان عند خديجة بنت خويلد فرغبت في تزويجه وهي سيدة نساء قريش » .

وفي كمال الدين / 182 : « لما فارقه بحيرى بكى بكاء شديداً وأخذ يقول : يا ابن آمنة كأني بك وقد رمتك العرب بوترها ، وقد قطعك الأقارب ! ولو علموا لكنت لهم بمنزلة الأولاد ، ثم التفت إليَّ وقال : أما أنت يا عم فارع فيه قرابتك الموصولة . . » .

وفي العدد القوية / 132 ، أن بحيرا قال للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : « يا من بذكره تعمر المساجد ، كأني بك قد قدمت الأجناد والخيل الجياد ، وتبعك العرب والعجم طوعاً وكرهاً ، وكأني باللات والعزى قد كسرتهما ، وقد صار البيت العتيق لا يملكه غيرك ، تضع مفاتيحه حيث تريد ، كم من بطل من قريش والعرب تصرعه ، معك مفاتيح الجنان والنيران ، ومعك الذبح الأكبر وهلاك الأصنام ! أنت الذي لا تقوم الساعة حتى يدخل الملوك كلها في دينك صاغرة قمئة ! فلم يزل يقبل رجليه مرة ويديه مرة ويقول : لئن أدركت زمانك لأضربن بين يديك بالسيف ضرب الزند بالزند . أنت سيد ولد آدم وسيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين . والله لقد بكت له البيع والأصنام والشياطين ، فهي باكية إلى يوم القيامة ! وأنت دعوة إبراهيم وبشرى عيسى ، أنت المقدس المطهر من أنجاس الجاهلية » !

أقول : روى ابن هشام قصة بحيرا : 1 / 116 وحذف منها ما يتعلق بإيمان أبي طالب ( عليه السلام ) !

وفي رواية ابن إسحاق : 2 / 55 : « فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن ، فأسرعْ به إلى بلاده . فخرج به عمه أبو طالب سريعاً حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام . فزعموا فيما يتحدث الناس أن زبيراً وتماماً ودريساً ، وهم نفر من أهل الكتاب قد كانوا رأوا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب أشياء فأرادوه ، فردهم عنه بحيرا ، وذكرهم الله عز وجل وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته ، وأنهم إن أجمعوا لما أرادوا لم يخلصوا إليه ، حتى عرفوا ما قال لهم وصدقوه بما قال ، فتركوه وانصرفوا ! فقال أبو طالب في ذلك من الشعر يذكر مسيره برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وما أرادوا منه أولئك النفر ، وما قال بحيرا :

إن ابن آمنة النبي محمداً * عندي بمثل منازل الأولاد

لما تعلق بالزمام رحمته * والعيس قد قلَّصن بالأزواد

فارفضَّ من عَيْنَيَّ دمعٌ ذارفٌ * مثلُ الجمان مفرَّقُ الأفراد

راعيت فيه قرابةً موصولة * وحفظت فيه وصية الأجداد

وأمرته بالسير بين عمومةٍ * بيض الوجوه مصالت الأنجاد

ساروا لأبعد طيةٍ معلومة * فلقد تباعدَ طيةُ المرتاد

حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا * لاقوا على شرفٍ من المرصاد

حبراً فأخبرهم حديثاً صادقاً * عنه وردَّ معاشر الحساد

قوماً يهوداً قد رأوا ما قد رأى * ظِل الغمام وعزَّ ذي الأكباد

ساروا لقتل محمد فنهاهم * عنه وأجهد أحسن الإجهاد

فثنى زبيرٌ بَحِيراً فانثنى * في القوم بعد تجادل وبعاد

ونهى دريساً فانتهى عن قوله * حبر يوافق أمره برشاد

وقال أبو طالب أيضاً :

ألم ترني من بعد همٍّ هممته * كأن لا يراني راجعاً لمعاد

بأحمد لما أن شددت مطيتي * برحلي وقد ودعته بسلام

بكى حَزَناً والعيس قد فصلت بنا * وأخذتُ بالكفين فضلَ زمام

ذكرتُ أباه ثم رقرقتُ عبرة * تجود من العينين ذات سجام

فقلت تروح راشداً في عمومة * مواسين في البأساء غير لئام

فرحنا مع العير التي راح أهلها * شآمي الهوى والأصل غير شآمي

فلما هبطنا أرض بصرى تشوفوا * لنا فوق دور ينظرون بسام

فجاد بحيرا عند ذلك حاشداً * لنا بشراب طيب وطعام

فقال اجمعوا أصحابكم لطعامنا * فقلنا جمعنا القوم غير غلام

يتيم ، فقال ادعوه إن طعامنا * كثير عليه اليوم غير حرام

فلما رآه مقبلاً نحو داره * يوقيه حر الشمس ظل غمام

حنا رأسه شبه السجود وضمه * إلى نحره والصدر أي ضمام

وأقبل ركب يطلبون الذي رأى * بحيرا من الأعلام وسط خيام

فثار إليهم خشية لعرامهم * وكانوا ذوي دهى معا وعرام

دريساً وتمَّاماً وقد كان فيهم * زبيراً وكل القوم غير نيام

فجاءوا وقد هموا بقتل محمد * فردهم عنه بحسن خصام

بتأويله التوراة حتى تفرقوا * وقال لهم : ما أنتم بطغام

فذلك من أعلامه وبيانه * وليس نهار واضحٌ كظلام

وقال أبو طالب أيضاً :

بكى طرباً لما رآنا محمد * كأن لا يراني راجعاً لمعاد

فبتُّ يجافيني تهللُ دمعه * وقربته من مضجعي ووسادي

فقلت له قرب قعودك وارتحل * ولا تخشى مني جفوةً ببلادي

وخل زمام العيسى وارتحل بنا * على عزمة من أمرنا ورشاد

ورح رائحاً في الراشدين مشيعاً * لذي رحم في القوم غير معاد

فرحنا مع العير التي راح ركبها * يؤمون من غوري أرض إباد

فما رجعوا حتى رأوا من محمد * أحاديث تجلو غم كل فؤاد

وحتى رأوا حبار كل مدينة * سجوداً له من عصبة وفراد

زبيراً وتماماً وقد كان شاهداً * دريساً وهموا كلهم بفساد

فقال لهم قولاً بحيرا وأيقنوا * له بعد تكذيب وطول بعاد

كما قال للرهط الذين تهودوا * وجاهدهم في الله كل جهاد

فقال ولم يملك له النصح رده * فإن له أرصاد كل مضاد

فإني أخاف الحاسدين وإنه * أخو الكتب مكتوب بكل مداد »

وابن عساكر : 3 / 10 ، سبل الهدى : 2 / 142 ودلائل النبوة : 2 / 29 وغيرها .

6 . شاعت نبوءة بحيرا عند العرب

قال الله تعالى : الَّذِينَ يَتَّبِعونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالأنْجِيلِ . . « الأعراف : 157 » وقال : الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الأنعام : 20 .

وقال : وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يدي مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِى مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ . . الصف : 6 .

وقال : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ . . . ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الأنْجِيلِ كَزَرْعٍ أخرج شَطْأَهُ . . . « آخر سورة الفتح » . وغيرها من الآيات .

وقد شاعت وذاعت قصص علماء النصارى واليهود في مكة والجزيرة ، واتفقت الرواية على أن بحيراء الراهب النصراني واسمه نسطور « تاريخ دمشق : 3 / 10 » قد آمن بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) عندما رآه وكلمه وكان في الثانية عشرة من عمره أو دونها ، وأن أحبار اليهود أرادوا قتله ( صلى الله عليه وآله ) فنهاهم بحيراء كما ذكر أبو طالب في شعره ، وأقنعهم بأنهم إن أرادوا فسيمنعهم الله تعالى لأنه قضى أن يكون النبي الخاتم ( صلى الله عليه وآله ) .

وفي الخرائج : 1 / 71 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « فنشأ رسول الله في حجر أبي طالب ، فبينا هو غلام يجئ بين الصفا والمروة إذ نظر إليه رجل من

أهل الكتاب فقال : ما اسمك ؟ قال : اسمي محمد . قال : ابن من ؟ قال : ابن عبد الله .

قال : ابن من ؟ قال : ابن عبد المطلب . قال : فما اسم هذه وأشار إلى السماء ؟ قال السماء . قال : فما اسم هذه وأشار إلى الأرض ؟ قال : الأرض . قال فمن ربهما ؟ قال : الله . قال : فهل لهما رب غير الله ؟ قال : لا » .

أقول : إحفظ عندك أن علماء اليهود والنصارى كانوا يعرفون النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، كما نصت الآيات وتواترت الأحاديث والأخبار ، وأنهم بشروا به قبل ولادته ، وعرفوا يوم ولادته من علامات النجوم ، ثم عرفوه بصفته لما رأوه ، وأخبروا عمه أبا طالب وغيره ، وشاع ذلك وذاع في مكة وبين العرب !

يضاف إلى ذلك ما دل على أنه ( صلى الله عليه وآله ) كان نبياً يرافقه ملك من طفولته ، وأن جده عبد المطلب وعمه أبا طالب « عليهما السلام » كان يعرفان أن سيبعث نبياً ، وسيكذبه قومه ويحاولون قتله فيهاجر ، ويحاربونه فينصره الله ويخضع له العرب .

إحفظ هذه الحقائق ، لأنك سترى أن رواة الحكومات يظهرونها أحياناً ، ويطمسونها أحياناً ! فقد طمسوها عند حديث عائشة في كيفية بدء الوحي ! وطمسوها لينفواوجود صحابة قرشيين منافقين ، بحجة أنه لم يكن للنبي ( صلى الله عليه وآله ) دولة تجذب أحداً ليسلم طمعاً ، مع أن خبر نبوته ( صلى الله عليه وآله ) كان يستهوي مغمورين في قبائلهم لاتباعه طمعاً بموقع في دولته ! فهو ابن عبد المطلب زعيم العرب ، وقد شهد له علماء اليهود والنصارى بأنه سيحكم العرب ، وهو يعد الناس بأنه سيملك كنوز كسرى وقيصر ! فمن الطبيعي أن يطمع عديدون في موقع في دولته ليخرج من فقره ومهانته !

وهؤلاء الأشخاص أخطر على الإسلام من المنافقين العاديين ، لأنهم أصحاب طموح سياسي ، ولذلك سماهم الله تعالى « مرضى القلوب » وذكرهم في أوائل سور القرآن فقال في المدثر : وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً . . وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً . . « المدثر 31 » . ثم تحدث عنهم في اثنتي عشرة آية ! ووصفهم بأنهم وقحون ، يفرون في الحرب ، ويحملون النبي ( صلى الله عليه وآله ) مسؤولية الهزيمة ، لأنه لم يشركهم في القيادة !

قال عنهم في آيات أحُد : وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمر مِنْ شَئٍْ قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ للهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَالايُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شَئْ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ! آل عمران : 154 .

وكاد القرآن أن يسميهم لما وصفهم بأنهم كانوا في مكة مستعجلين ليقاتل النبي قريشاً ببني هاشم الشجعان ليقطفوا هم الثمار ، لكنهم لما كتب القتال في بدر نكصوا وخوفوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) من قريش ! فذكَّرهم الله بنفاقهم في مكة وقال : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً . . النساء : 77 .

قال الطبري : 5 / 233 : « نزلت في قوم من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كانوا قد آمنوا به وصدقوه قبل أن يفرض عليهم الجهاد . . فلما فرض عليهم القتال شقَّ عليهم » !

وفي برهان الزركشي : 1 / 422 : « فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ! هذه الإشارة للفريق الذين نافقوا ، من القوم الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ » .

وقال ابن حجر : « نزلت في عبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص وهما من بني زهرة ، وقدامة بن مظعون ، والمقداد بن الأسود ، وذلك أنهم استأذنوا في قتال كفار مكة لما يلقون منهم من الأذى فقال : لم أؤمر بالقتال ، فلما هاجر إلى المدينة وأذن بالقتال ، كره بعضهم ذلك » ! أسباب النزول : 2 / 918 . والحاكم : 2 / 66 ، وصححه بشرط بخاري . ، وفسرها النسائي : 6 / 3 والبيهقي : 9 / 11 ، بابن عوف وأصحابه .

وكذبوا على المقداد « رحمه الله » فجعلوه منهم ، مع أنهم رووا قوله للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : « يا رسول الله إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ، ولكن إمض ونحن معك ! فكأنه سُرِّيَ عن رسول الله » . البخاري : 5 / 187 .

ومعناه أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) غضب من أهل آية : كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ، وليس من المقداد « رحمه الله » !

قال الرازي : 10 / 184 : « والأولى حمل الآية على المنافقين ، لأنه تعالى ذكر بعد هذه الآية قوله : وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ، ولا شك أن من هذا كلام المنافقين . . . فالمعطوف في المنافقين وجب أن يكون المعطوف عليهم فيهم أيضاً » .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.