أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-9-2016
![]()
التاريخ: 16-9-2016
![]()
التاريخ: 2024-09-06
![]()
التاريخ: 2024-09-02
![]() |
الوجه الأول: حديث الرفع المعروف:
حيث أن أحد العناوين التسعة فيه هو ما اضطروا اليه وكذا نفي الضرر ويشكل عليه - كما هو معروف في كلمات الأعلام في العصر المتأخر:-
أولا: بأن الاضطرار لا يصدق إلا باستيعاب الوقت كلّه والاضطرار في بعض الأفراد ليس هو الاضطرار في ترك الكلي الطبيعي المأمور به، وحيث أن المركب ارتباطي فترك بعضه ترك له كلّه فالاضطرار انّما هو في رفع الأمر المتعلّق بالمجموع، فالرفع ليس مفاده اثبات الأمر للباقي الناقص .
وبعبارة مختصرة انّ الضمني غير مجعول بالذات و انّما المجعول الأمر المجموعي فهو المضطر الى تركه المشمول لحديث الرفع والباقي لا يثبته مفاد الرفع .
ثانيا: انّ الالتزام برفع الأوامر الضمنية يلزم منه فقه جديد إذ يلزم تبعيض لا حصر له في المركبات العبادية كالصوم و الاعتكاف وابعاض الحج والصلاة الى أنحاء ودرجات عديدة .
ثالثا: ما سيأتي من الاشكال المشترك على الوجوه الأخرى .
والجواب عنه:
امّا الأول: فبما أشرنا اليه في المسح على الخفّ والحائل أن حديث الرفع وإن كان بلسان الرفع إلا أنّه لبّا تخصيص و تقييد، فكما أن الأدلّة الواردة في الاجزاء والشرائط تقيد بعضها بعضاً وتخصصه من دون الايراد عليها بأن الأوامر الضمنية غير مجعولة، فان التخصيص فيها محمول على بيان اعتبار حدود تعلّق الأمر المجموعي بالجزء أو الشرط ولو كان بلسان الجعل أو نفي الجعل أو الوضع و نفيه فانّه لا يتوقّف في استظهار التخصيص أو التقييد بمجرد تلك الألسنة بدعوى انّ الجعل ورفعه أو الوضع ورفعه في الجزء والشرط غير معقول بنفسه بل بتوسط الأمر المجموعي، بل أنّه يحمل على بيان حدود متعلّقة. كذلك الحال في حديث الرفع فانّه تارة يبين تقييد الأمر المجموعي بتمام المتعلّق بالعناوين التسعة أو الستة .
وأخرى يبين تقييد حدود تعلّق الأمر المجموعي بالجزء أو الشرط بتوسط العناوين الطارئة، فحيث يكون طروّ العناوين على الكل أو الأكثر يكون التقييد للأمر المجموعي بلحاظ كلّ المتعلّق .
وحيث يكون طروّ العناوين الثانوية على بعض الأجزاء أو الشرائط أو الموانع يكون تخصيصا لحدود تعلّق الأمر المجموعي بذلك الجزء أو الشرط أو المانع، فلسان الرفع لمعروض العناوين الطارئة تارة يكون الكل وأخرى البعض، وفي الصورتين الرفع لبّا تخصيص وتقييد على وزان الأدلّة المخصصة للأدلّة العامّة المتعرضة لاعتبار الأجزاء والشرائط، وكما لم يتوقّف في استظهار تحكيم ظهور الرفع في تقييد الأوامر الأولية في الأبواب المختلفة كذلك الحال في تحكيمه على ظهور أدلّة اجزاء و شرائط تلك الأبواب .
وكذلك الحال في قاعدة الحرج والضرر كما هو مفاد حسنة عبد الأعلى مولى آل سام الواردة في المسح على المرارة الموضوعة على الاصبع المقطوع اظفره المتقدمة في مسألة المسح على الحائل. والغريب التفكيك في اجراء حديث الرفع في الاوامر الضمنية بين فقرة (ما لا يعلمون) وبقية الفقرات، ومن ثمّ اضطرّ ذلك بعض المحققين من السادة المشايخ الى التوسّل بالانحلال في التنجيز الحكمي واجراء البراءة في الأمر المجموعي المتعلّق بالأكثر المشكوك دون المتعلّق بالأقلّ للعلم بتنجزه على كل حال، وإن كان هذا التقريب غير تام كما حررناه في محلّه .
أما عن الثاني: فقد أشرنا فيما سبق في المسح على الحائل عند الضرورة- أنّه غاية هذا المحذور هو عدم التمسّك باطلاق الرفع في كل المركبات ما لم يظهر من الأدلّة في المركب المعيّن ما يدلّ على تعدد مراتب المطلوب فيه عند الشارع اجمالا، وهذا لا يعني انتفاء فائدة حديث الرفع كما لا يخفى، و بعبارة أخرى بعض المركبات هي كالوحدة البسيطة غير قابلة للتفكك هيئة وملاكا، وبعضها هي في عين وحدتها هي ذات درجات ائتلافا وتركبا،
ويكفي ظهور بعض الأدلّة على كون المركب من النمط الثاني في التمسّك بعموم الرفع، وان كانت تلك الأدلّة واردة في اجزاء أو شرائط أخرى غير الجزء أو الشرط الذي يراد رفعه بطروّ العناوين الثانوية. وتأتي تتمّة ذلك في الوجوه اللاحقة ثم انّه لا يخفى انّ التمسّك بحديث الرفع انّما هو في الاضطرار المستوعب لا مع المندوحة الطولية .
الوجه الثاني: ما كان بلسان الاثبات كالحل والسعة ونحوهما:
1- ما في صحيح الفضلاء قالوا: سمعنا أبا جعفر (ع) يقول: (التقيّة في كلّ شيء يضطر اليه ابن آدم فقد أحلّه الله له) (1) ، بتقريب أن الحلّ يتناول التكليفي والوضعي، أو انّ الحلّيّة مقابل الحرمة التكليفية النفسية والغيرية، أو أن الحلّية مقابل التكليفية النفسية المستقلّة والضمنية، فالشيء بعمومه يتناول المركب بتمامه و الفعل الواحد كما لو كان أصل الصيام يوم فطرهم يتخوّف منه أو أكره على شرب النبيذ، ويتناول أبعاض المركب من الجزء أو الشرط و ذلك بحسب تحقق طروّ العناوين التسعة أو الستة تارة على الفعل والمركب بتمامه وأخرى على الأبعاض فقط .
2- موثّق مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (ع)- في حديث- (و تفسير ما يتقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم و فعلهم على غير حكم الحق و فعله. فكل شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة مما لا يؤدي الى الفساد في الدين فانّه جائز) (2)، والتقريب كما سبق لاسيّما وأن الشيء فيه وصف بالعمل الذي يأتيه بينهم بصورة التقيّة وهو أصرح في تناول الأبعاض للمركب .
3- صحيح زرارة (قال: قلت له: في مسح الخفّين تقيّة؟ فقال: ثلاثة لا أتقي فيهنّ أحدا: شرب المسكر، ومسح الخفّين، و متعة الحج، قال زرارة: و لم يقل الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهنّ أحد) (3) ومثله صحيح هشام بن سالم عن أبي عمر الأعجمي عن أبي عبد الله (ع)- في حديث- (أنّه قال: لا دين لمن لا تقيّة له، و التقيّة في كل شيء إلا في النبيذ والمسح على الخفّين) (4) وظاهرها عموم جريان التقيّة في الأحكام النفسية والغيرية أو الاستقلالية والضمنية بشهادة استثناء مثالا من كلا القسمين من العموم المقتضي لتناوله لهما .
4- صحيح أبي الصباح- المتقدم- عن أبي جعفر (ع)- وفيه- (ما صنعتم من شيء أو حلفتم عليه من يمين في تقيّة فأنتم منه في سعة) (5) ، بتناول عموم الشيء لترك جزء وشرط أو اتيان مانع، أو بتناول (ما) للعمل الذي صنعه بنحو ناقص فاقد للجزء أو الشرط .
5- موثق سماعة قال: (سألته عن رجل كان يصلّي فخرج الامام وقد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة؟ قال: إن كان اماما عدلا فليصل أخرى وينصرف ويجعلها تطوعا وليدخل مع الامام في صلاته كما هو، و إن لم يكن امام عدل فليبن على صلاته كما هو و يصلي ركعة أخرى ويجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمدا عبده ورسوله (ص) ثم ليتمّ صلاته معه على ما استطاع، فانّ التقيّة واسعة، وليس شيء من التقيّة إلا وصاحبها مأجور عليها، إن شاء الله) (6) .
فإن صلاته وإن لم تكن اقتداء بالامام منهم بل صورة اقتداء اذ هو يتابع ويبني على ما ابتدأ به، إلا أن قوله (ع) (ليتمّ صلاته معه على ما استطاع) دال على إجزاء صلاته وإن كانت ناقصة لبعض الاجزاء والشرائط أو مشتملة على بعض الموانع، فانّه قيّد الأمر بإتمام بقية اجزائها بالقدرة عليها وكلّما لم يقتدر عليه فهو غير مخلّ بالصحّة .
ثمّ انّ مقتضى هذا اللسان وإن كان الاضطرار المستوعب لورود اللفظ به، إلا أن اشتماله على عنوان التقيّة يظهر منه كفاية مطلق الاضطرار ولو في الفرد لا بحسب كلّ الطبيعة، لما سياتي من عدم اعتبار المندوحة في عنوان التقيّة .
- الإشكال على هذا اللسان عموما -
أولا: بأن دليل الاضطرار لا يحقق موضوعه و لازم دعوى شموله للأمر الغيري أو الضمني هو ذلك، بيانه انّ الجزء و الشرط لما كان ارتباطيا فالعجز عنه عجز عن المركب بتمامه، ولا محصل للاضطرار الى تركه بخصوصه لأنه عين الاضطرار الى ترك الكل، فلا اضطرار الى الجزء والشرط بخصوصه، وهذا مقتضى الارتباطية ووحدة الأمر المتعلّق بالاجزاء، نعم بحلّية ترك الجزء أو الشرط ينفّك هذا الارتباط فينفّك الاضطرار الى ترك الجزء عن الاضطرار الى ترك الكل، ولكن هذا من تحقيق الحكم و الموضوع نفسه، و إلا فمع فرض الارتباطية فالاضطرار هو لترك الكل والحلّية هي في تركه لا ترك خصوص الجزء (7)، و كذلك الحال في لسان السعة التي موضوعها الضيق وفي لسان الجواز الذي موضوعه ما كان محرّما في نفسه وفي لسان ما استطاع الذي موضوعه القدرة .
وفيه: إنّه وإن كان ترك الجزء تركا للكلّ بمقتضى الارتباطية والاضطرار الى ذلك اضطرار الى ترك الكلّ، إلا أن ذلك لا ينفي صدق تحقق عنوان الاضطرار الى ترك الجزء بشهادة صدق تعليل عدم القدرة على الكل بعدم القدرة على ذلك الجزء فأحد الاضطرارين في طول الاخر وأحد العجزين في طول الآخر، ومع صدق ذلك لا حاجة الى التوسّل بالحكم- وهو حلّية الترك- لتحقيق صدق الاضطرار الى ترك الجزء، ومن ثم ترى اسئلة الرواة مفترضاً فيها الحرج أو الاضطرار في خصوص جزء أو شرط ما كما في أكثر الروايات الواردة في الخلل في المركبات العبادية، ومع جريان الرفع في الاضطرار أو الحرج المتقدم رتبة لا تصل النوبة لجريانه في الاضطرار الى ترك الكل أو الحرج في المجموع. و هكذا الحال في لسان الضيق أو الحرمة فانها صادقة على الحرمة الضمنية النفسية .
ثانيا: بأن لازم اجراء حلّية الاضطرار- ولو للتقيّة- في اجزاء العبادات هو اجراؤها في المعاملات بالمعنى الأعم كتطهير الثوب المتنجس اذا اضطر الى غسله مرّة أو بغير الماء أو الطلاق بغير عادلين، وكذلك لازمه اجراء حلّية الاضطرار في التقيّة في الموضوعات و عدم اختصاصها بالتقيّة في الأحكام، كما اذا اعتقد بعض العامّة غير الحاكم لديهم بأن هلال شوال قد تولّد وأن غدا عيد والظاهر عدم التزام الفقهاء بذلك .
وفيه: إن عدم جريان حلّية الاضطرار و لو للتقيّة في المعاملات بالمعنى الأعم فلوجوه: أما المعاملات بالمعنى الأخصّ الشاملة للايقاعات، فلأن جريانه في السبب لا يثمر في وجود المسبب الذي هو عبارة عن معنى المعاملة الذي يوجد بوجود بسيط اعتباري لا تركيبي متدرج كالسبب- الايجاب والقبول- هذا بالنسبة الى لسان الرفع، وأما لسان الحلّ بالاضطرار فلعدم تصور تحقق عنوان الاضطرار و موضوعه أو أن الامتنان هو في عدم نفوذ السبب لو أكره عليه، مضافا الى بقاء تأثير السبب السابق على حاله والفرض أن السبب اللاحق وجد ناقصا. وأما غير المعاملات بالمعنى الأخص، فلأن مطلق الأسباب اذا لم توجد تامّة فلا يتحقق ما هو مضاد للسبب السابق، فمثلا ملاقاة النجس للثوب تسبب نجاسته وهذا السبب باق تاثيره حتى يرفعه سبب تام لاحق من التطهير مرّتين مثلا، و الفرض عدم وجوده، وأما السبب الناقص فلا تجري فيه قاعدة الاضطرار سواء بلسان الحل الاثباتي أو الرفع النافي، لأن المفروض جريانها في أفعال المكلف لا ما هو خارج عنها مترتب على وجود أسباب ليست من افعاله كالأعيان أو الأوصاف الخارجية، بخلاف ما لو اضطر الى الصلاة في الثوب النجس أو شرب المتنجس .
وأما عدم جريان التقية لديهم في الموضوعات التي لا تؤول الى الأحكام الكليّة والخشية من السلطان فلانتفاء الاضطرار والتقيّة حينئذ غالبا، لأنه من الاختلاف في الاحراز في طبيعة البشر و يمكن رفعه بالتنبيه و الإلفات، ولو افترض الاضطرار أو الاكراه نادرا فعدم جريان القاعدة حينئذ أول الكلام، اذا افترض انّ المورد من مواردها التي تتوفّر فيها بقيّة شرائط جريان القاعدة وقد تقدمت الاشارة الى بعضها فلاحظ .
وأشكل على خصوص موثّق مسعدة ثالثا: بضعف السند به و بأن الجواز مسند الى فعل فهو ظاهر في الجواز النفسي لا الغيري، و الرواية متعرضة لحكم التقيّة نفسها لا حكم الفعل المتقى به بقرينة صدرها- الذي تقدم نقله في الأمر الثالث .
وفيه: أما مسعدة فانّه و إن كان عاميا بتريا إلا انّه صاحب كتاب بل كتب معتمدة رواها عنه هارون بن مسلم الثقة، وقد اعتمدها المحدّثون في الأبواب الروائية المتعددة بل قد روى هو روايات عن الصادق في الأئمّة الاثني عشر وغيرها مما يدل على تشيّعه إلا أنه كان مخالطا للعامّة للتقيّة، ومن ثمّ يسند روايات الصادق عن آبائه (عليهم السلام)، هذا مع قوّة القول باتّحاده مع مسعدة بن زياد الربعي الموثّق لاتّحاد الطبقة والراوي عنهما واتّحاد اللقب واتّحاد ألفاظ روايتهما في كثير من الموارد .
وأمّا الجواز فاسناده الى عموم الفعل لا يوجب ظهور الجواز في خصوص النفسي المستقل، إذ من الأفعال ما يكون مركبا عباديا ناقصا بعض أجزائه ومنها ما يكون فعلا ذا ماهية واحدة كمتعلّق الحرمة التكليفية كمدح الظالمين واظهار توليهم، والغالب في ما يتقى به من الأعمال هو في العبادات فكيف يدعى انصراف العموم عنه، وأما كون الحكم هو للتقيّة لا للفعل المتّقى به فغريب لأن التقيّة من المسببات التوليدية أو العناوين الصادقة على نفس الأفعال، و يشهد لذلك صدر الرواية حيث ذكر فيها الموانع التي لا تجوز فيها التقية، والحرمة انما هو للافعال التي يتّقى بها أنّها باقية على حرمتها في المواضع التي لا تشرع فيه التقيّة، و بعبارة أخرى إن في باب التقية ثلاثة أمور:
أولها: موضوعها وهو ما يوجب الخوف أو الضرر على النفس أو على المؤمنين .
ثانيها: الفعل الذي يتّقى به و له حكم أولي، ثالثها: الوقاية كاسم مصدر الواجبة لحفظ النفس وصيانتها ونحوها، ومن الواضح أن الرواية متعرضة للأمرين الأولين لا للثالث، ومتعرضة للتقية كمصدر حدثي يحصل بالفعل الذي يتّقى به، نظير ما في رواية أخرى (إن التقيّة تجوز في شرب الخمر) (8) .
وأشكل على خصوص رواية أبي عمر الاعجمي. رابعا: بضعف السند وبأنّ حمل الرواية على هذا المعنى يستلزم استثناء شرب المسكر و المسح على الخفّين من حكم التقيّة، و الحال أنهما ليس بأعظم من هلاك النفس فاذا اضطر اليهما يلزم ارتكابهما حفظا عليها، بل الصحيح في معنى الاستثناء هو عدم تحقق موضوع التقيّة فيهما لأن حرمة المسكر بنص القرآن ولا يختلف فيه أحد، ومسح الخفّين غير واجب عند العامّة بل مخيّر بينه و بين غسل الرجلين فيتعيّن الثاني للأمر به تقيّة وأقربيّته للوظيفة الأولية من المسح على الخفّ، فالرواية في هذا الصدد لا في ارتفاع أحكام الفعل المأتي به .
وفيه: أنّه على المعنى الثاني أيضا لا يضرّ بالاستشهاد بالرواية لأنه أيضا تنصيص على عموم مشروعية التقيّة في الأفعال ذات الحكم النفسي المستقل أو ذات الحكم الغيري والضمني، إلا انّه استثنى هذين الموردين أو الثلاثة لانتفاء موضوعها بخلاف سائر الموارد، ولعلّ مراد المستشكل ما يرجع الى الاشكال الثالث من انّ الرواية متعرضة لحكم التقيّة لا لرفع حكم الفعل الذي يتّقى به وقد تقدم الجواب عنه .
وأمّا ضعف السند فمضافا الى أن الرواية يمكن أن تعدّ حسنة، أن صحيحة زرارة بالطرق المتعددة متحدة المضمون معها .
وأشكل على خصوص صحيحة أبي الصباح خامسا: بأن السعة انّما هي بلحاظ الأمور والآثار المترتبة على العمل في الخارج كالإلزام بالحرمة أو الحدّ أو الكفّارة والحنث ونحو ذلك، وأما الفساد المترتب على ترك الجزء والشرط أو اتيان المانع فانّه أمر قهري تكويني ليس من محل وضع أو رفع الشارع، كما أن وجوب الاعادة أو القضاء ليس من آثار العمل الخارجي و انّما هما بمقتضى الأمر الابتدائي .
وفيه: إن الوجوب أو الحرمة النفسيين ليسا مترتبين على الوجود الخارجي للعمل كما هو الحال في الكفّارة و الحدّ و نحوهما، بل ارتباطهما هو بنحو يكون الفعل متعلّقا لهما بوجوده الفرضي التقديري كما هو الشأن في سائر المتعلقات للاحكام، المغاير لكيفية ارتباط الحكم بموضوعه فانّه مترتب على وجوده الخارجي المتحقق لا مرتبط بوجوده الفرضي المقدّر إلا في القضية الانشائية، واذا كان الحال كذلك كان تعلّق الحرمة الغيرية أو الضمنية النفسية أو الوجوب كذلك هو بالوجود الفرضي التقديري للفعل لا بالترتب على الوجود الخارجي، كما هو الحال في الحرمة والوجوب النفسيين الاستقلاليين، غاية الأمر قد قدمنا أنّ قاعدة الاضطرار بلسان الرفع والنفي أو بلسان الحل و الاثبات إما ترفع حكم المتعلّق أعم من الاستقلالي أو الضمني، ومن ثمّ ترتفع الأحكام الأخرى التي نسبتها الى الفعل نسبة الموضوع الى حكمه تبعا لأنها مترتبة على الفعل المنجز حكمه كما هو الحال في الكفارة والحدّ، وإما ترفع القاعدة كل من الحكمين اللذين
لهما ارتباط مختلف بالفعل سواء بنحو المتعلّق له أو بنحو الموضوع له كما هو مفاد صحيح صفوان وابن ابي نصر- المتقدم في صدر الكلام في الأمر الرابع- في مثال الحلف بالطلاق و العتاق، حيث ان رفع الالزام والكفارة والحنث المرتبطة بالفعل بنحو الموضوع لهما وليس من حكم مرتبط بنحو المتعلّق بالحلف المكره عليه .
وأشكل على خصوص موثّق سماعة سادسا: بأن مفادها ليس هو الاقتداء بالامام الذي ليس بعدل بل هو اظهار الائتمام والاقتداء به بقدر يستطيعه من الاظهار والابراز لأن التقيّة واسعة، لا الاكتفاء في الصلاة معهم بما يتمكّن منه من الاجزاء والشرائط كما صرّح بذلك صاحب الوسائل في عنوان الباب باستحباب اظهار المتابعة في أثناء الصلاة مع المخالف تقيّة، مضافا الى كونها مضمرة .
وفيه: انّ مفادها وإن لم يكن الاقتداء بالمخالف حقيقة، بل استحباب اظهار المتابعة معه إلا أن قوله (ع) (ثم ليتمّ صلاته معه على ما استطاع فان التقيّة واسعة) ظاهر في اتمام صلاته- التي يظهر المتابعة فيها- بقدر ما يستطيع من اتيان الاجزاء والشرائط، لأن المتابعة ولو الصورية توجب تقيّد المصلي ووقوعه في الضيق عن الفسحة و اتساع المجال لاتيان كلّ الأجزاء والشرائط بحدودها المقررة في الوظيفة الأولية، و أما المعنى الآخر المدعى لمفاد (على ما استطاع) من أن اظهار المتابعة وابرازها هي بحسب قدرته لأن التقيّة واسعة، فلا محصل له، اذ أي معنى لتسويغ الاظهار للمتابعة الناقصة غير الكاملة في الصورة فانّ ذلك نقض لحصول التقيّة، و كيف تفسّر وسعة التقية بمعنى شمولها للدرجات الناقصة للتقية والدرجات التامّة، فانّ النقص في اتيان التقيّة يخالف الغرض المطلوب من التقية، بل المراد من سعة التقيّة تجويزها لكلّ صورة عمل تتحقق به التقيّة من دون تحديده صورة معيّنة خاصّة لذلك العمل بل بحسب ظرف الشخص الذي تنزل به ويحلّ به الاضطرار، فالتعليل شاهد آخر للمعنى الذي قرّبناه للرواية .
الوجه الثالث: لتصحيح العمل الناقص المأتي به:
هو السيرة المتشرعية القائمة على عدم اعادة ما أتى به تقيّة و القدر المتيقن منها ما كثر الابتلاء به كالتكتّف في الصلاة وغسل الرجلين في الوضوء، و قد يعدّ منه الصلاة على ما لا تصحّ السجود عليه، وفيه نظر، اذ المساجد في عصر النصّ كانت اما مفروشة بالحصى أو بالبواري والحصر مما يجوز السجود عليه، وكالوقوف بعرفات يوم المردد انّه الثامن أو التاسع من ذي الحجّة بحسب الواقع، وان كان بحسب الامارة الظاهرية هو اليوم الثامن من رؤية الهلال، لكنّه محتمل تولده في الليلة السابقة ولم ترصد رؤيته، فان في مثل هذه الموارد لو لم يكن العمل مجزئاً لورد ما يدل على الاعادة ولم يكف للدلالة عليها الأدلة الأولية على الجزئية و الشرطية بعد قيام السيرة المتكررة لكثر الابتلاء، ولا سيما وان العمل صدر بتسبيب اوامر التقية العامة- ولو بني على عدم استفادة الاجزاء منها- وأما ما يظهر من عدّة من الروايات (9) الامر بالصلاة في المنزل قبل الصلاة معهم أو بعدها فسياتي أنّها واردة في التقيّة للمدارة والعشرة معهم لا التقيّة في الخوف أو أنّها محمولة على وجه آخر، ثمّ انّه يمكن جرد الوجوه الدالة على أجزاء الوقوف مع العامّة في يوم الشكّ على النحو الآتي :
الأول: ما تقدم من السيرة المستمرة على ذلك طوال ثلاثة قرون من عهد الحضور للمعصومين (عليهم السلام)، حيث لم يشيروا الى مخالفتهم في الوقوف، ولو أمروا شيعتهم لتوفر النقل عنهم، وما قد يقال من رصد بعض كتب التاريخ للاختلاف في الموقف بين العامّة أنفسهم فهو في أواخر القرن الرابع، وهذا التقريب للسيرة لا يبعد تأتيه في اليوم المعلوم انّه ليس التاسع من ذي الحجّة أي انّه إما الثامن وأما العاشر منه، والصورة الأولى وإن كانت نادراً وقوع العلم بها، لكن الصورة الثانية ممكنة الوقوع بأن يتأخّر حكمهم بالهلال ليلة، اذ طوال القرون الثلاثة يبعد عدم تحقق الاختلاف المعلوم مع الواقع. ثمّ انّه هذا لا يفرق فيه بين حجّة الاسلام و غيرها، لاسيّما وأنّه بانشاء الحج يتولّد وجوب اتمامه صحيحا .
الثاني: ما يستفاد من صحيح زرارة المتقدم وصحيح هشام عن ابي عمر الاعجمي من استثناء خصوص المتعة للحج من عموم التقيّة، الظاهر في تأتيها في غير المتعة من أجزاء وشرائط الحج كالوقوف معهم .
الثالث: معتبرة ابي الجارود قال: (سألت ابا جعفر (ع) أنّا شككنا سنة في عام من تلك الأعوام في الأضحى فلما دخلت على أبي جعفر (ع) وكان بعض أصحابنا يضحي، فقال: الفطر يوم يفطر الناس والاضحى يوم يضحي الناس، و الصوم يوم يصوم الناس) (10) .
ومعتبرته الأخرى، قال: (سمعت أبا جعفر محمد بن علي (ع) يقول: صم حين يصوم الناس وافطر حين يفطر الناس، فان الله جعل الأهلة مواقيت) (11) .
وظاهرهما الاعتداد بما يبنون عليه في الهلال كإمارة ظاهرية- بقرينة الصوم- وهما انّ لم يعمل بهما في هلال شهر رمضان و شوال فلا يخل في دلالتهما على هلال ذي الحجّة،- ان لم يحملا على اشتهار الرؤية ولو بقرينة لفظة (الناس) المراد بهم العامّة دون الخاصّة، وامّا توهم الاعتداد بحكمهم في الهلال كبدل واقعي فلا يساعده الظهور بعد ما كان الحال في شهر رمضان هو بحسب الواقع، وإن أمكن دفع الاشكال بأن عدم الاجزاء هو لعدم الاتيان وترك الفعل، لا أن الفعل الناقص للتقيّة غير مجزئ .
لرابع: قاعدة الحرج بالمعنى الثاني- أي التي أدلّتها محمولة على بيان نمط التشريع وحكمته انّه يسر وليس بعسر وأن الشريعة سمحة سهلة بيضاء، فإنّها وإن لم تكن رافعة نظير قاعدة الحرج بالمعنى الأولي المعروفة الدائرة مدار الحرج الشخصي، إلا ان مجموع أدلّتها تكون كالقرينة العامّة المنضمة الى أدلّة الأحكام الأولية في كلّ باب، فتكوّن دلالة اقتضائية تحدد العموم و تقيده أو توسعه، بالقدر القطعي من مدلول الاقتضاء، ففي ما نحن فيه من الحج لعموم المكلفين المؤمنين لو يجعل الموقف هو بحسب الامارة المعتد بها شرعا، لكان في ذلك من الحرج البالغ على غالب المكلفين ولأدّى ذلك الى الفتنة على الطائفة، والضرر البالغ، ولا يفرق في ذلك بين صورة الشك في يوم التاسع- بحسب الواقع- أو صورة العلم بمخالفته للواقع، وان كان في الشقّ الأول الابتلاء أكثر شيوعا .
الخامس: أدلّة التقيّة العامّة من رفع الاضطرار .
وقد يشكل على الوجهين الأخيرين أولا بأن الوقت مقوم لماهية الموقف الذي هو ركن كما في ظهرية صلاة الظهر فبرفعه ترتفع الماهية وثانيا بان الاضطرار غير مستوعب لأن الحج لا يشترط في صحّته وقوعه في عام خاص بل يصحّ في أي عام والجواب انّه لو كان النظر الى دليل الموقف و قيد الوقت فيه لكان الاشكال الأول في محلّه، و لكن بالنظر الى دليل جعل البدل الاضطراري للموقف كليلة العاشر أو اختياري المشعر وحده أو اضطراريه يظهر منها تعدد المطلوب في الجملة فيحرز ما هو بمنزلة الموضوع لأدلة الرفع و أما الاستيعاب فيكفي فيه تحقق الضيق الناشيء من التكليف المحض وان لم يكن من الوضع، وهو متحقق في المقام لفورية الحج .
وتوهّم سقوطها للعذر مدفوع بأنّه افتراض للاضطرار والضيق. مضافا الى تصور الضيق الوضعي على مسلك ظاهر المشهور من أخذ الاستطاعة قيدا في الوجوب وأن الحج بدونها لا يقع حجة الاسلام، حيث انّه لا تبقى الاستطاعة لمن انفقها في عام استطاعته في سفر الحج عند كثير من المكلفين، فالحج في القابل لا يقع مجزيا لانعدام الموضوع، وهكذا بالاضافة الى قاعدة الحرج بالمعنى الثاني فان الحكم بعدم اجزاء حج عامّة المؤمنين في ذلك العام فيه من الحرج ما لا يخفى .
ثمّ انّه لا يخفى بأن مقتضى بعض الوجوه المتقدمة الاجزاء الظاهري فتختصّ بفرض الشك دون العلم بالخلاف، كما هو مقتضى الوجه الأول على أحد تقريبيه والثالث بخلاف بقيّة الوجوه .
أقول: والمعروف في الكلمات في المقام أن التقيّة بالمعنى الأخص لما كانت في الأحكام دون الموضوعات فيخص الاجزاء بصورة الشك مع حكم حاكمهم دون صورة العلم بالمخالفة ودون ما اذا لم يكن بحكمه، إلا اذا كان مذهبهم- ولو بعضهم- نفوذ حكمه حتى مع العلم بالمخالفة، لكن الظاهر عدم تمامية هذا التفصيل، لأن الاختلاف وان رجع الى الموضوع في بعض الصور و في موارد اخرى، إلا أن اتفاقهم عليه يؤدي الى نسبته اليهم كمذهب أو فرق، والى تميزنا كفرقة ومذهب فيتأتى موضوع التقيّة مضافا الى أن ثبوت الهلال بالشهرة لديهم على وزان حكم حاكمهم، مضافا الى عموم الأدلة المتقدمة لهذه الصورة كما لا يخفى عند التدبّر، نعم لو انقسموا هم انفسهم لانتفى موضوع التقيّة .
الوجه الرابع: اقتضاء إطلاق الأمر الاضطراري ونحوه:
للاجزاء كما هو محرر في علم الأصول بعد فرض تحقق موضوعه، وليس هو من كشف الخلاف وتخيّل وجوده، وهو ظاهر في الأوامر الخاصّة الواردة في مثل الوضوء أو الصلاة في موارد ونحوهما، وأما أوامر التقيّة العامّة فيستشكل فيها بأنّها ليست امرا بالعمل المتقى به، بل أمرا بالتقيّة، فيبقى الأمر الأولي على حاله بلا امتثال وقد يدفع بأن ظاهر التعبير المتكرر في الروايات- (التقيّة ديني ودين آبائي) وفي صحيح هشام عن ابي عمر الأعجمي عن أبي عبد الله (ع) (انّ تسعة أعشار الدين في التقيّة) و (التقيّة في كل شيء)- هو كونها كيفية في العمل المأمور به و أن الأمر بها بتبع الأمر بالأوليّ عند تحقق ظرفها، وبعبارة أخرى انّه لو كان الأمر في التقيّة من باب وجوب حفظ النفس ونحوه فهو أجنبي عن الأمر بالصلاة وبالوضوء وغيرها من المركبات وان انطبق على العمل، وأما اذا كانت التقيّة من باب رفع ما اضطروا اليه وكل ما صنعتم في دار التقيّة من عمل فأنتم منه في سعة، فهو وزان الأدلّة الثانوية العامّة المحددة للأحكام في الأبواب نظير لا ضرر ولا حرج حيث أنها محددة لقيود الحكم في كل باب باب لا أنّها حكم في عرض الأحكام الأولية .
_____________
(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 215، باب 25 من ابواب الامر والنهي، ح 2 .
(2) المصدر، ح 6 .
(3) المصدر، ح 5 .
(4) المصدر، ح 3 .
(5) وسائل الشيعة، ج 23، ص 224، باب 12 من ابواب الايمان، ح 2 .
(6) وسائل الشيعة، ج 8، ص 405، باب 56 من ابواب صلاة الجماعة، ح 2 .
(7) التنقيح في شرح العروة الوثقى، ج 5، ص 276 .
(8) وسائل الشيعة، ج 16، ص 217، باب 25 من ابواب الامر، ح 7 .
(9) وسائل الشيعة، ج 8، ص 302، الباب 6 من ابواب صلاة الجماعة. التي منها: ما رواة الشيخ الصدوق باسنادة عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (ع) انه قال (ما منكم احد يصلي صلاة فريضة في وقتها ثم يصلي معهم صلاة تقيه وهو متوضئ الا كتب الله له بها خمساً وعشرين درجة ...) المصدر، ح 1 .
(10) وسائل الشيعة، ج 10، ص 133، باب 57 من ابواب ما يمسك عن الصائم، ح 7 .
(11) وسائل الشيعة، ج 10، ص 292، باب 12 من ابواب احكام شهر رمضان، ح 5 .
|
|
هل يمكن أن تكون الطماطم مفتاح الوقاية من السرطان؟
|
|
|
|
|
اكتشاف عرائس"غريبة" عمرها 2400 عام على قمة هرم بالسلفادور
|
|
|
|
|
رئيس هيأة التربية والتعليم يطَّلع على سير الأعمال في المبنى الجديد لجامعة العميد
|
|
|