أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-25
1344
التاريخ: 2024-06-25
500
التاريخ: 10-10-2014
2038
التاريخ: 2024-09-01
251
|
يقول تعالى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة: 57]
إنّ كفران بني إسرائيل ومعصيتهم وكذلك تهربهم من خوض الحرب مع من أجل دخول بيت المقدس كان السبب من وراء أن يتيهوا أربعين سنة في صحراء سيناء المفتوحة اللاهبة ومن ثم حرمانهم من النعم التي كانت تنزل عليهم وهم في ذلك الوضع. فالرب الذي هيأ لهم الوسيلة لعبور البحر من دون أن تتوفّر لذلك إمكانات مادية، سد بوجوههم سبيل قطع صحراء مفتوحة خالية من العوائق.
وبعد أن ارتفعت أصوات بني إسرائيل بالشكوى من القيض الفظيع وإثر دعاء موسى النبي أرسل عليهم الله المنان غماماً يظللهم ويهب منه نسيم بارد وبعدما اشتكوا الجوع أنزل عليهم المن والسلوى.
الغمام المذكور كان مانعاً لحرارة الشمس ولم يكن يمنع نورها وضياءها؛ كما أنه من أجل تأمين البرودة فقد كان يحمل رطوبة معتدلة ولم أنهم بمخالفتهم لنا قد ظلمونا غافلين عن أنهم لم يظلموا إلا أنفسهم، وكما أن صدور الظلم من الله قبيح وممتنع، فإن وقوعه على الله محال.
والعدول من صيغة المخاطب إلى الغائب في هذا القسم من الآية يستبطن الإعلام بعدم لياقة بني إسرائيل للخطاب بسبب استمرارهم في الظلم والكفران: كانوا... يظلمون كما ويتضمن ضرباً من إفشاء الحقائق بخصوصهم.
إن الساحة المقدسة لله سبحانه وتعالى مصونة من الظلم، لكن لما كانت المظاهر الإلهية عرضة لنصرة الأصدقاء وظلم الأعداء، فإنه إذا وقع الظلم على النبي الأكرم أو إمام أي عصر، وهم من المظاهر الإلهية ومن المتكفّلين بنشر المآثر الإلهيّة والآثار الدينية، فهو بمثابة وقوع على الله تعالى. ناهيك عن أن ما يصحح استعمال ضمير الجمع والمتكلم مع الآخر بخصوص الله جل وعلا في قوله: {وما ظلمونا} هو تجليل المقام الربوي او هو إشارة إلى الملائكة المدبرات للأمور.
الإنسان ليس هو المالك الحقيقي لكل شؤونه، بل هو أمين الله على الوديعة الإلهية وهي النفس؛ ومن هذا المنطلق فإن تعطيل وتبديل الأحكام العلمية والحكم العملية للنفس هو خيانة في الأمانة، وإن تحكيم وتأمير الحس والخيال والوهم والشهوة والغضب على العقل هو ظلم لأهم الشؤون الحياتية للنفس.
وإن السر في حصر عود الظلم إلى نفس الظالمين هو أن كل معصية فهي تضع الإنسان العاصي على خط المواجهة مع نظام الوجود الخاضع للقانون والمنسجم والمتناسق وكذلك مع الفطرة التي هي جزء في جسم هذا النظام مما لا يؤول بالمرء إلا إلى الفشل والسقوط والانزواء عن هذه المنظومة.
التفسير
"ظللنا": التظليل يعني جعل الظل، وصيغة التفعيل هنا تحكي كثرة الظلّ والمبالغة فيه وشدته؛ أي إننا قد جعلنا عليكم ظلاً كثيفاً ومستمراً من أجل حراستكم. وكلمة الظل تُستخدم تارة للتعبير عن الساتر المحمود؛ نحو قوله: {وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ} [فاطر: 21] ، {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا} [الإنسان:14]، وأخرى للإشارة إلى الساتر المذموم؛ نظير قوله: {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} [الواقعة: 43] {إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ} [المرسلات: 30]
"الغمام": جمع غمامة (مثل: سحاب جمع سحابة) وهو بمعنى السحاب. والفارق الوحيد بين الاثنين، طبقاً لرأي البعض (1)، هو أن الغمام يُقال للسحاب الرقيق، والظاهر أن المقصود من الغيم الأبيض كما في قول البعض (2) هو أصل الغمام من الغم وهو بمعنى الستر، وإن العلة في تسميته بالغمام هي كونه ساتراً للسماء أو لضياء الشمس (3)، كما أنه يُقال للحزن غم لأنه يؤدي إلى ستر قلب الإنسان فيغطي سروره وبهجته (4).
تنويه: ذلك الذي يظهر في الجوّ تُطلق عليه أسماء متعددة تبعاً للوازمه
وآثاره ومقارناته الخاصة؛ مثل الغمام والسحاب والضباب، والقتام، و... الخ حيث يُعهد توضيح كلّ منها والتمايز فيما بينها إلى فقه اللغة.
"المن": ذكرت للمن معان مختلفة حيث ذكر له القرطبي ستة منها:
وتعيينه على أقوال:
1.فقيل الترنجبين بتشديد الراء وتسكين النون، وهو ما يترشح على أوراق وسيقان نبات "العاقول" (5) ] يذكره النحاس ويُقال الطرتجبين بالطاء وعلى هذا أكثر المفسرين.
2. قيل صمغة حلوة.
3. وقيل عسل
4. وقيل شراب حلو
5. وقيل خبز الرقاق، عن وهب بن منبه
6. وقيل: "المن" مصدر يعم جميع ما من الله به على عباده من غير تعب ولا زرع ومنه قول رسول الله في حديث ... : "الكمأة من المن الذي أنزل الله على بني إسرائيل وماؤها شفاء للعين".(6)
تنويه: المعنى الأخير ل "المن" يتناسب مع معناه اللغوي؛ لأن المن هو الإحسان (7)، وإذا أطلق لفظ المن على نماء خاص مثل الكمأ فهو لأنه يجنى من دون عناء الزراعة ومتاعب التملك.
ثم يُتبع بالقول:
روي أنه كان ينزل عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كالثلج (8)
فيأخذ الرجل ما يكفيه ليومه فإن ادّخر منه شيئاً فسد عليه، إلا في يوم الجمعة فإنّهم كانوا يدخرون ليوم السبت فلا يفسد عليهم؛ لأن يوم السبت يوم عبادة وما كان ينزل عليهم يوم السبت شيء (9).
كما ذهب البعض إلى أنه التين، ونقل عن البعض الآخر:
إنه شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار وطعمه كالشهد والعسل (10).
وقد جاء في سفر الخروج من التوراة ما يلي:
.. كان سقيط الندى حوالي المحلة. ولما ارتفع سقيط الندى إذا على وجه البرية شي دقيق مثل قشور دقيق كالجليد على الأرض... ودعا بيت إسرائيل اسمه مناً؛ وهو كبزر الكزبرة أبيض وطعمه كرقاق بعسل (11).
وكتب البلاغي أيضاً:
المن ويسمى بذلك أيضاً في التوراة العبرانية الدارجة... . وقال بعض المفسرين إنّه الترنجبين وليس له مستند يعول عليه (12).
ويستفاد من مجموع ما سبق ذكره أن "المن هو شيء شبيه بالترنجبين، وليس عينه، ولعل مراد المفسرين القائلين بهذا المعنى هو هذا أيضاً.
"السلوى": ذُكرت بضعة معان لكلمة السلوى أيضاً؛ فصاحب منهج الصادقين (13) اعتبره طائر السماني (وهو الطائر الذي يسمى باللغة التركية "البلدر تشين" ويُطلق عليه أهل خراسان اسم الكرك") وروى عن معظم المفسرين أنه طائر أكبر من العصفور وأصغر . من الحمامة وهو على شكل السماني وليس السماني نفسه؛ كما أنه قيل عن "المن": إنّه مادة شبيهة بالترنجبين وليس الترنجبين ذاته. والمعنى الثالث الذي نقل عن بعض المفسرين أن السلوى هو العسل (14) وفي سفر الخروج في التوراة جاء كما يلي:
فكان في المساء أن السلوى وهي طيور شبيهة بالحمام صعدت وغطت المحلة (15).
وجاء في قاموس الكتاب المقدس ما نصه:
سلوى طيور ترحل من إفريقية في الجنوب إلى الشمال في أسراب كثيرة العدد جداً ... وقد طارت أسرابها من الجنوب عن طريق البحر الأحمر، فقطعت خليجي العقبة والسويس، ووصلت إلى البر في شبه جزيرة سيناء متعبة مرهقة، وإذا بدخان محلّة العبرانيين يعاكسها فتسقط بالآلاف على الأرض، فيسهل إمساكها باليد (16).
تنويه: في هل إن "السلوى" جمع أم مفرد فهناك ثلاثة أقوال: أولها قول الخليل بأنه جمع ومفرده "سلواة"، وثانيها قول الكسائي إنه مفرد 594 وجمعه "سلاوى"، وأخيراً قول الأخفش الذي ذهب إلى أنه جمع لا مفرد له أو أن الجمع والمفرد فيها واحد؛ مثل "الخير" و"الشر" (17).
على الرغم من أن الفيومي في مصباحه المنير قد اختار قول الأخفش (18)، إلا أن قول الخليل أولى؛ لأنه مؤيَّد ببيت من أشعار العرب (19) استشهد به الخليل، ومن أجل ذلك فقد رجح الالوسي في روح المعاني قول الخليل أيضا (20).
"كلوا": تقدیر جملة كلوا هو "قلنا كلوا"، لكنها حذفت للاختصار ولدلالة ظاهر الكلام الأمر في كلوا هو للترخيص والإباحة". بطبيعة الحال قد يكون الأكل واجباً أحياناً من أجل سد الرمق وحفظ أصل الحياة، بيد أن هذا الوجوب العرضي خارج عن مجال أصل التجويز والإباحة.
كلمة "من" في: من طيبات إذا كانت للتبعيض فهي تُشعر بقلة الأكل، التي إذا لم تكن مضرة لجهاز الهضم فإن لها دوراً فاعلاً في تزكية الروح.
"طيبات": الطيبات هي جمع "طيب" ولفظة طيّب تطلق على الطعام
الذي يكون لذيذاً وحلالاً في آن واحد؛ كما صرح بذلك بعض المفسرين (21).
تناسب الآيات
هذه الآية، حالها حال سابقاتها، تذكّر ببعض ما أغدق الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل من أنعم، وهما النعمتان الثامنة والتاسعة، وقد تكررت في الآية 160 من سورة "الأعراف" بنفس هذه التعابير (باستثناء عليكم التي بدلت هناك إلى {عليهم}).
بعد أن نجا بنو إسرائيل من البحر، وخرجوا من مصر فقد أمرهم بدخول بيت المقدس وخوض الحرب مع العمالقة. لكنهم أجابوه قائلين: {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]. من أجل ذلك فقد غضب الله عليهم وقدر لهم أن يبقوا في هذه الصحراء تائهين متحيرين مدة أربعين سنة ويُحرموا من دخول بيت المقدس: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: 26] من هنا فقد باتوا يسيرون في صحراء مسطحة مستوية لا فيها جبل ولا فيها خيمة ولا ظل يظلهم من حرارة الشمس اللاهبة، وكانوا كلّما أمسوا ليستريحوا يصبحون ليجدوا أنفسهم في نفس موضعهم الأول (22)، فاشتكوا إلى موسى شدة الحر وطلبوا منه أن يسأل ربه حل مشكلتهم. وعندما سأل موسى ربه أظلهم الإله المنان بغمام كان يهب منه نسيم بارد فقالوا: لقد نجونا من القيض لكن ليس لدينا طعام نسد به رمقنا. فأنزل الله عليهم المن والسلوى. فالآية مدار البحث تتطرق إلى هاتين النعمتين وإلى كفران بني إسرائيل لهما.
لقد أوجد الغمام المذكور من أجل الحماية من أشعة الشمس في صحراء سيناء المفتوحة. لذا يُستفاد بأنه كانت لهذه الظلة خصائص عديدة:
1. كانت وقاء من الحرارة.
2. لم تكن تمنع نفوذ الضوء واستضاءة المكان.
3. لم تكن محمّلة بالمطر؛ وبتعبير آخر لم تكن من نوع: {السَّحَابَ الثِّقَالَ} [الرعد: 12]
4. لقد كانت تحمل رطوبة معتدلة لتأمين برودة الهواء؛ وقد عبر البعض عنه بالسحاب الرطب (23). إن مثل هذا التظليل كغيره مما بذل لبني إسرائيل من نعم من شأنه أن يكون مدعاة للامتنان وإلا فإن السحاب العادي الذي يوجد في المناطق المختلفة بوفرة لن يكون سبباً للمنة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. راجع الجامع لأحكام القرآن، مج 1، ج 1، ص 380
2. المفردات في غريب القرآن، ص613.
3. المصباح المنير، ص454.
4. معرب عن قاموس المعين، ج 1، ص 1072 (وهو بالفارسية).
5. الجامع لأحكام القرآن، مج1، ج 1، ص 381.
6. مجمع البيان، ج 1 - 2، ص 242
7. روي نزول المن ما بين الطلوعين عن الإمام الصادق أيضاً مع إضافة لطيفة، فقد قال : كان ينزل المن على بني إسرائيل من بعد الفجر إلى طلوع الشمس فمن نام في ذلك الوقت لم ينزل نصيبه، فلذلك يُكره النوم في هذا الوقت إلى بعد طلوع الشمس"، (مجمع البيان، ج 1 - 2، ص 244؛ وتفسير نور الثقلين، ج 1، ص 82).
8. الجامع لأحكام القرآن، ج 1، ص 382.
9. مجمع البيان، ج 1 - 2 ص 243.
10. راجع الكتاب المقدس (العهد القديم)، سفر الخروج، الأصحاح 16، ص 113 - 114.
11. آلاء الرحمن، ص191
12. منهج الصادقين، ج 1، ص 276، (وهو بالفارسية).
13. راجع الجامع لأحكام القرآن مج 1، ج 1، ص381.
14. الكتاب المقدس (العهد القديم)، سفر الخروج، الأصحاح 16، ص 113.
15. قاموس الكتاب المقدس، ص 483، "سلوى".
16. راجع الجامع لأحكام القرآن، مج 1، ج 1، ص 383.
17. المصباح المنير، ص 287.
18. كما انتفض السلوات من بلل القطر.
19. روح المعاني، ج 1، ص 418.
20. الجامع لأحكام القرآن . مج 1، ج 1، ص 383.
21. روح المعاني، ج 1، ص 418.
22. الجامع لأحكام القرآن، مج1، ج 1، ص 383.
23. راجع مجمع البيان، ج 3 - 4، ص 281؛ وراجع الجامع لأحكام القرآن، مج3، ج 6، ص 86 ؛ وراجع منهج الصادقين، ج 3، ص 207.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|