المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9100 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05
أوجه الاستعانة بالخبير
2024-11-05
زكاة البقر
2024-11-05
الحالات التي لا يقبل فيها الإثبات بشهادة الشهود
2024-11-05
إجراءات المعاينة
2024-11-05
آثار القرائن القضائية
2024-11-05



الخيار بين عاشوراء وعيد النوروز  
  
369   05:36 مساءً   التاريخ: 2024-07-20
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : الحق المبين في معرفة المعصومين
الجزء والصفحة : ص377-386
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسين بن علي الشهيد / مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام) /

بمناسبة قرب عاشوراء ، وأن هذا اليوم آخر أيام البحث . . أقدم ملاحظات إلى الأفاضل الذين يتوفقون في هذه الأيام لأداء خدمة التبليغ الكبيرة ، التي لا يقدر ثوابها ولا يوصف .

أوصيهم أولاً : أن يفتتحوا كل مجلس من مجالسهم ، بعد القرآن ، بزيارة : سلام على آل ياسين ، حتى يكون المجلس مشمولاً لإشراق شمس وجود الإمام المهدي أرواحنا فداه .

وأوصيهم ثانياً : أن يعلموا الناس أحكام الإسلام من الحلال والحرام ، لأن المنبر الخالي من إرشاد الجاهل وتنبيه الغافل ، لا يكون مشمولاً لرضا النبي والأئمة صلوات الله عليهم .

وأوصيهم ثالثاً : أن يرسخوا أصول عقائد الناس .

فإن كانت مجالسكم بهذه الصفات ، انطبقت على أحدكم ثلاثة عناوين : الأول ، عنوان المرابطة في سد ثغور المسلمين ، ودفع الشبهات عن قلوب أهل الدين . والعنوان الثاني ، عنوان الجهاد في سبيل الله تعالى . والثالث ، أنه من كافلي أيتام آل محمد صلى الله عليه وآله .

فهنيئاً لكم حيث أن كل واحد منكم يذهب إلى التبليغ بيد خالية ، ولكنه يرجع بيد مملوءة ، فهو مرابط ، ومجاهد ، وكافل لأيتام آل محمد صلى الله عليه وآله . . وهذا كله في عصر الغيبة الذي يتضاعف فيه الثواب .

وأوصيكم رابعاً : بوصية خاصة في هذه السنة التي يتقارن فيها عيد النوروز بأيام عاشوراء ، لا بد أن يفهم الناس ما معنى عزاء أبي عبد الله الحسين عليه السلام ؟ وأي مصيبة كانت مصيبته ؟ !

عندي كلمات أقولها في هذا اليوم ، لكن ليست لكل الناس ، فالناس قسمان : قسم لا شغل لهم بسيد الشهداء عليه السلام ، ونحن لا شغل لنا بهم !

أما الذين لهم به شغل عليه السلام ، ومّنْ مِنَّا ليس له شغل معه عليه السلام ونحن عما قريب سنواجه سكرات الموت التي لا توصف ، وليس عندنا لآخرتنا شئ !

إن تصور أحدنا أنه يملك شيئاً هو منتهى الجهل ! فلو عرفنا أنفسنا وعرفنا الله تعالى ، لفهمنا أننا لا نملك شيئاً إلا الأمل بأن يتداركنا برحمته ، ويشرفنا عند احتضارنا بحضور أمير المؤمنين عليه السلام .

والحاجة الثانية ، التي لنا عند الإمام الحسين عليه السلام وقتها في أول ليلة نحل فيها في قبرنا ، في تلك الظلمة الموحشة ، والحيرة المذهلة ، حيث لا حبيب ولا مؤنس ولا قريب ، ولا نور إلا نور جماله الرباني ، وجمال جده وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام .

والحاجة الثالثة ، وهنا انقطعت الكهرباء فقال الأستاذ : ليس مهماً أن تنقطع الكهرباء ، لا بأس ففي كل شئ عبرة ، قلنا إن المهم لنا يومذاك هو نور الإمام الحسين عليه السلام ، حاجتنا الثالثة للإمام الحسين عليه السلام يوم القيامة : يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . ( سورة الشعراء : 88 ) ، يوم لا وجود لعمل الإنسان إلا بالنور : يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شئ قَدِيرٌ ( سورة التحريم : 8 ) وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ( سورة النور : 40 ) . . فكما أن اتصال هذه السلك بتيار الكهرباء ومنبعها يضئ المكان ، فإن اتصال قلبنا وعقلنا بمركز نور الإمام الحسين عليه السلام يضئ ما حولنا فيسعى نورنا يوم القيامة بين أيدينا وبأيماننا !

إن المثل الذي ضربه الله لنا وأرشدنا فيه إلى مركز نوره في الأرض ، إنما هو لنور سيد الأنبياء والرسل وآله سادة الأئمة والأوصياء صلوات الله عليهم : مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَة الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضئُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شئ عَلِيمٌ . ( سورة النور : 35 )

نحن من ناحية العمل ، لا شئ عندنا ليوم موتنا وقبرنا وحشرنا ، إلا مثل هذا الظلام الذي سببه انقطاع الكهرباء ! وكل ما في كتابنا إنما هو كلمة واحدة هي ولاية الحسين وحب الحسين عليه السلام !

وهذا الحب إذا حل في قلب إنسان ، يستطيع صاحبه أن يفهم أي مصيبة أصيبها الوجود في عاشوراء بسيد الشهداء عليه السلام ، وماذا أثرت في الوجود ؟

إن واجبكم فرداً فرداً أن تحبوا الحسين عليه السلام وتَفهموا وتُفهموا الناس معنى : لا يوم كيومك يا أبا عبد الله !

ومن أجل أن نفهم عمل أبي عبد الله الحسين عليه السلام نحتاج إلى الاستعانة بقوله تعالى : وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ . ( سورة الأنعام : 132 ) ، فإن جميع الدرجات في نظام الحكمة الإلهية والعدل الإلهي ، تكون حسب العمل ، فلا بد أن نعرف العمل البشري ما هو ؟

ونحتاج إلى الاستعانة بقواعد الحكمة التي تنظر في كل عمل إلى ثلاث نقاط : جذره الذي هو مبدؤه ودافعه ، وثمرته أو منتهاه ، وأن ننظر ثالثاً إلى نفس العمل . لذلك ينبغي أن ننظر إلى عمل سيد الشهداء عليه السلام من هذه الزوايا الثلاث ، إلى بعضه بنظرة الدليل ، وبعضه بنظرة البرهان ، وبعضه عن طريق الإستدلال بإنْ ، وبعضه عن طريق الإستدلال بلمَ ، وبعضه بالطريقين . . وبعد ذلك ننظر إلى نفس العمل .

وعندما ننظر إلى عاشوراء من هذه الجهات يتضح لنا وللعالم أنه لا يستطيع أحد أن يفهم عمق شخصية الإمام الحسين عليه السلام ، أو يستوعب عظمة عمله !

أولاً ، ما هو مبدأ عمله ودافعه اليه ؟ إن عمل الإنسان ودافعه ينبع من مقامه وعالمه الذي يعيشه مع الله تعالى ، ومقام الإمام الحسين عليه السلام يفهمه الكاملون من أهل العرفان من دعائه في عرفات بالمقايسة مع مقام نبي الله يونس عليه السلام ! فمقام يونس يدل عليه نداؤه الذي ناداه في بطن الحوت : وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . ( سورة الأنبياء : 87 ) فمع أن يونس عليه السلام في الصف الأول في عظماء السالكين إلى الله تعالى ، فمقامه : لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ .

أما مقام الحسين عليه السلام فنجده في دعائه في عرفات حيث أضاف إلى جملة نبي الله يونس صلى الله عليه وآله أحد عشر جملة ، كما في بعض الروايات :

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المستغفرين .

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الموحدين .

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الخائفين .

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الوجلين .

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الراجين .

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المهللين .

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من السائلين .

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المسبحين .

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المكبّرين .

لا إله إلا أنت سبحانك ربي ورب آبائي الأولين .

ومعنى هذا أن الإمام الحسين عليه السلام في الرتبة الثانية عشرة من مقام يونس عليه السلام ! وإِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ( سورة التوبة : 36 ) ولا وجود لرتبة الثالث عشر في نظام الكون . . وهذا يعني أن الإمام الحسين عليه السلام في دعاء عرفة ، قد قطع مراحل شهور المعرفة التي هي المعنى الباطن لهذه الآية ! وقال ليونس : أنت قلت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، وبقيت الكلمات الباقية لي فأنا أقولها ! ( راجع إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس : 2 / 84 ، وبحار الأنوار : 95 / 222 )

إن كل واحدة من هذه الجمل بحر من المعرفة بلا قعر ، يغرق فيه جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ! فمن يستطيع أن يفهم أنه عليه السلام عندما قال : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الموحدين ، كيف قطع اثنتي عشرة مرحلة من التوحيد ، من مقامات توحيد الألوهية إلى توحيد الربوبية ، حتى وصل إلى توحيد المحبة لربه ، فصار لسان حاله : تركت الخلق طراً في هواكا !

هذا هو جذر العمل عند الحسين ودافعه ، منبعه من : لا إله إلا أنت ، التي وقف عندها عرفاء الأولين والآخرين ، فأنى لهم بما بعدها ؟ !

أما نفس عمل الإمام الحسين عليه السلام ماذا كان ؟ فهنا يصمت المتكلمون عن الكلام ! يقول أبو بصير رحمه الله : ( كنت عند أبي عبد الله ( الإمام الصادق عليه السلام ) أحدثه ، فدخل عليه ابنه فقال له مرحباً وضمه وقبله وقال : حقَّر الله من حقركم ، وانتقم ممن وَترَكم ، وخذل الله من خذلكم ، ولعن الله من قتلكم ، وكان الله لكم ولياً وحافظاً وناصراً ، فقد طال بكاء النساء وبكاء الأنبياء والصديقين والشهداء وملائكة السماء . ثم بكى وقال :

يا أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه مما أتي إلى أبيهم وإليهم ، يا أبا بصير إن فاطمة لتبكيه وتشهق فتزفر جهنم زفرة لولا أن الخزنة يسمعون بكاءها وقد استعدوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق أو يشرد دخانها فيحرق أهل الأرض فيكبحونها ما دامت باكية ، ويزجرونها ويوثقون من أبوابها مخافة على أهل الأرض ، فلا تسكن حتى يسكن صوت فاطمة .

وإن البحار تكاد أن تنفتق فيدخل بعضها على بعض ، وما منها قطرة إلا بها ملك موكل ، فإذا سمع الملك صوتها أطفأ نارها بأجنحته ، وحبس بعضها على بعض مخافة على الدنيا وما فيها ومن على الأرض ، فلا تزال الملائكة مشفقين ، يبكونه لبكائها ، ويدعون الله ويتضرعون إليه ، ويتضرع أهل العرش ومن حوله ، وترتفع أصوات من الملائكة بالتقديس لله مخافة على أهل الأرض . ولو أن صوتاً من أصواتهم يصل إلى الأرض لصعق أهل الأرض ، وتقطعت الجبال وزلزلت الأرض بأهلها .

قلت : جعلت فداك إن هذا لأمرٌ عظيم ! قال : غيره أعظم منه ما لم تسمعه ، ثم قال لي : يا أبا بصير أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة ؟ فبكيت حين قالها ، فما قدرت على المنطق ، وما قدرت على كلامي من البكاء ، ثم قام إلى المصلى يدعو ، فخرجت من عنده على تلك الحال ، فما انتفعت بطعام وما جاءني النوم وأصبحت صائماً وجلاً حتى أتيته ، فلما رأيته قد سكن سكنت ، وحمدت الله حيث لم تنزل بي عقوبة ! ) . ( كامل الزيارات ص 169 )

ماذا رأى أبو بصير ، وماذا كان حال الإمام الصادق عليه السلام ؟ !

فهل نستطيع أن نفهم ما عرفه الإمام الصادق من يوم جده أبي عبد الله عليه السلام ؟ أو ندرك ماذا قدم الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء وماذا جرى له ، حتى أن الصديقة الكبرى سيدة نساء أهل الجنة عليها السلام ، تبكي له في ملئها الأعلى فتضج لها السماوات ، وتضج لغضبها النار والبحار ؟ !

ماذا عمل الإمام الحسين عليه السلام حتى أن الإمام المعصوم قال إن يومه لا شبيه له في الصعاب الكبرى التي مرت على الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ، فقال عنه : ولا يوم كيومك يا أبا عبد الله !

قال الإمام الصادق عليه السلام : إن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام دخل يوماً على الحسن عليه السلام فلما نظر إليه بكى فقال له : ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟ قال : أبكى لما يصنع بك . فقال له الحسن : إن الذي يؤتى إلي سمٌّ يُدسُّ إليَّ فأقتل به ، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله ، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل ، يدعون أنهم من أمة جدنا محمد ، وينتحلون دين الاسلام ، فيجتمعون على قتلك ، وسفك دمك ، وانتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك ، وانتهاب ثقلك ، فعندها تحل ببني أمية اللعنة ، وتمطر السماء رماداً ودماً ، ويبكي عليك كل شئ حتى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار ! ) . ( أمالي الصدوق ص 177 )

هذه نفحةٌ عن دافع العمل ، وعن نفس العمل . .

أما ثمرات عمله عليه السلام فقد روى شيخ المحدثين الصدوق قدس سره في ثواب الأعمال وشيخ الطائفة قدس سره في التهذيب ، وسند الرواية في الكافي وفي كامل الزيارات في غاية الاعتبار ، ومتنها في نهاية العظمة ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال :

( لِمَوْضِعُ قبر الحسين حرمةٌ معلومة ، من عرفها واستجار بها أجير . قلت : صف لي موضعها ؟ قال : إمسح من موضع قبره اليوم خمسة وعشرين ذراعاً من قدامه ، وخمسة وعشرين ذراعاً عند رأسه ، وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رجليه ، وخمسة وعشرين ذراعاً من خلفه . وموضع قبره من يوم دفن روضة من رياض الجنة ، ومنه معراج يعرج منه بأعمال زواره إلى السماء ، وليس من ملك ولا نبي في السماوات إلا وهم يسألون الله أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين ففوجٌ ينزل وفوجٌ يعرج ) ( الكافي : 4 / 588 ، وكامل الزيارات ص 457 )

ولا يتسع المجال لشرح هذا الحديث الشريف ، فنكتفي بالإشارة إلى فقرته الأخيرة : وليس من ملك ولا نبي في السماوات إلا وهم يسألون الله أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين ، ففوجٌ ينزل وفوجٌ يعرج ! فقد استعمل عليه السلام صيغة النفي والاستثناء ، في النص على التعميم !

وهذا يعني أن جبرئيل ناموس الوحي ، وميكائيل ناموس الرزق ، وإسرافيل ناموس النفخ ، وعزرائيل ناموس القبض ، والكروبيين ، وحملة العرش ، وسكان البيت المعمور ، وحفظة الكرسي ، وجميع ملائكة الله في أرجاء الكون ، بدون استثناء . . يستأذنون الله في زيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام !

ولا نبي . . من آدم عليه السلام بعلمه للأسماء ، ونوح عليه السلام صاحب مقام العبد الشكور ، وإبراهيم عليه السلام صاحب رتبة خليل الله ، وموسى عليه السلام صاحب مقام كليم الله ، وعيسى عليه السلام صاحب منصب روح الله . . كلهم يطلبون في باب الله سائلين ، أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين عليه السلام ! هذه ثمرة عمل الإمام الحسين عليه السلام !

إن عملاً هذا جذره ودافعه ، وهذه طبيعته ، وتلك ثمرته ! واجبكم تجاهه أن تعرفوه ، وتعرِّفوه للناس كما هو على حقيقته .

إن الجهاز الحاكم لهذا البلد ، أولئك الذين يتكئون على كرسي النيابة ، أو يجلسون على كرسي الوزارة ، أو يقعدون في منصب الرئاسة . . إنما وصلوا إلى مناصبهم ببركة تاسوعاء وعاشوراء ! ومقتضى شكر المنعم عندما تتقارن عاشوراء مع عيد النوروز كما في هذه السنة ، أن تشطبوا على كل مراسم الفرح وأن تبدؤوا كلامكم وخطبكم ب‍ : السلام عليك يا أبا عبد الله ، فابدؤوا هذا الربيع الذي تزامن مع خزنة حدائق النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ، وانشروا رايات السواد على معالم البلد في كل أرجائه .

صلى الله عليك يا أبا عبد الله . صلى الله عليك يا أبا عبد الله .

السلام على الحسين ، وعلى علي بن الحسين ، وعلى أولاد الحسين ،

وعلى أصحاب الحسين .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.