أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-6-2018
14747
التاريخ: 22-4-2022
1593
التاريخ: 9-4-2017
3828
التاريخ: 12-4-2017
3078
|
إنَّ هذا النوع من مصادر اجراءات الخصومة الادارية يشمل جميع النصوص القانونية المكتوبة، التي تستقي منها اجراءات الخصومة الادارية وهي بطبيعة الحال تكون واضحة ومحددة، غير أنها لا تكون موحدة في مدونة اجرائية واحدة بل انها تكون موزعة في مختلف القوانين على اختلاف اشكالها سواء اكان معاهدات دولية او دستور او تشريع او لوائح (1).
اولا : المعاهدات والاتفاقيات الدولية
يرى البعض من الفقه أن نصوص المعاهدات الدولية التي تتعلق بإجراءات التقاضي تعد من مصادر اجراءات الخصومة، ومنها النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية (2) وكذلك اتفاقية حماية الحقوق الشخصية فيما يتعلق بحماية المتقاضين (3). كما كرست العديد من المعاهدات الدولية مبدأ المحاكمة العادلة الذي يعد بدوره تجسيداً للحقوق والضمانات الواجب توافرها في الخصومة الادارية. لقد اشارت المادة الثامنة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان " لكل شخص حق اللجوء الى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه الفعلي من اي اعمال تنتهك الحقوق الاساسية التي يمنحها اياه الدستور او القانون (4) ، وحيث ان الانصاف الفعلي لا يمكن تصوره من دون توفير الضمانات التي من شانها ان تكفل الخصومة العادلة.
وقد أشارت الفقرة الثالثة من المادة الثانية من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ،على الدول الاطراف ان تتعهد بما يلي " أ: بأن تكفل توفير سبيل فعال للتظلم لأي شخص انتهكت حقوقه أو حرياته المعترف بها في هذا العهد حتى لو صدر الانتهاك عن أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية ب بأن تكفل لكل متظلم على هذا النحو أن تبت في الحقوق التي يدعى انتهاكها سلطة قضائية أو إدارية أو تشريعية مختصة، أو أية سلطة مختصة أخرى ينص عليها نظام الدولة القانوني، وبأن تنمى إمكانيات التظلم القضائي...(5).
كما اشارت الاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان في المادة السادسة الفقرة (أولاً) على " لكل شخص عند الفصل في حقوقه المدنية والتزاماته الحق في مرافعة علنية عادلة خلال مدة معقولة...(6)، كما جاء في المادة الثالثة عشر منها ان " لكل إنسان انتهكت حقوقه وحرياته المحددة في هذه المعاهدة الحق في وسيلة انتصاف فعالة أمام سلطة وطنية، ولو كان هذا الانتهاك قد وقع من أشخاص يعملون بصفة رسمية (7) ، ويعد الحق في الانتصاف الفعال هو بمثابة اجراءات المحاكمة العادل امام القضاء الاداري(8).
بينما يرى البعض الآخر أنَّ المعاهدات والاتفاقيات الدولية لا تكون من مصادر الخصومة الا بعد أن يتم النص عليها في التشريعات الوطنية لتكون بذلك ملزمة للقضاء ليس على اعتبارها معاهدة دولية وانما لاعتبارها قانوناً صادراً عن السلطة التشريعية . ومن جانبنا نرى وجاهة الراي الذي يذهب الى اعتماد الاتفاقيات الدولية المصادق عليها مصدر لإجراءات التقاضي امام القضاء الاداري بسبب ان الاخيرة لاتزال في تطور مستمر تبعاً لإيجاد الحلول المناسبة لاستكمال سير الخصومة الادارية والفصل فيها مع النقص الحاصل في النصوص التشريعية المنظمة لإجراءات التقاضي امام القضاء الاداري وحداثتها اذا ما قورنت بمثيلتها المدنية او الجنائية وحيث ان الاخذ بهذه المعاهدات والاتفاقيات الدولية كمصدر للإجراءات القضائية الادارية يعد من وجهة نظرنا تكريساً للضمانات التي كفلتها تلك المعاهدات التي تؤول بدورها الى تحقيق معايير المحاكمة العادلة التي تتباها بها الامم المتحضرة.
ثانياً: الدستور
يعد الدستور من أهم المصادر المدونة لإجراءات للخصومة الادارية، فنجد أن الدستور الفرنسي لعام 1958 قد اشار في المادة (34) منه على ان البرلمان يصدر النظم الاساسية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية والضمانات الاساسية الممنوحة للمواطنين وكذلك البت في الجرائم والعقوبات المنطبقة عليها، والاجراءات الجنائية وايضاً تحديد فئات جديدة من المحاكم وتنظيم شؤون اعضاء الهيئة القضائية من خلال انظمة محددة (9).
اما الدستور المصري لسنة 2014 فقد اشار في العديد من نصوصه الى اجراءات التقاضي، التي بدورها تعد مصدراً من مصادر الخصومة الادارية العادلة، ومن بينها نص المادة (96) التي تؤكد على كفالة حق الدفاع لتحقيق محاكمة قانونية عادلة، كما اشارت المادة (98) الى " حق الدفاع اصالة او بالوكالة مكفول ويضمن القانون لغير القادرين مالياً وسائل الالتجاء الى القضاء ، والدفاع عن حقوقهم." اما المادة (187) فقد قررت ان تكون جلسات المحاكم علنية مع استثناء سريتها مراعاة للحالات المتعلقة بالنظام العام، أو الآداب العامة اما النطق بالحكم فيكون في جلسة علنية. واخيرا قد جاءت المادة (190) بأحكام استقلال مجلس الدولة المصري وبيان اختصاصه في النضر بجميع المنازعات الادارية ومنازعات التنفيذ المتعلقة بأحكامه، والدعاوى التأديبية واحالة تحديد بقية الاختصاصات الأخرى الى التشريع (10).
وفي العراق فنجد أن قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية قد اشار في الفقرة (د) من المادة (15) الى كفالة الحق في المحاكمة العادلة على الصعيد المدني والجنائي(11). اما الدستور العراقي لعام 2005 فقد تبنى مفهوم الخصومة الادارية العادلة، حيث اشار في نص المادة (19) الفقرة (سادساً) على " لكل فرد الحق في ان يعامل معاملة عادلة في الاجراءات القضائية والادارية (12) ، وهذا ما اكدت عليه المحكمة الاتحادية العليا في العراق بقولها "... كما يعتبر نص المادة (16) من قانون تنظيم الاستثمار المعدني رقم (91) لسنة 1988 المعدل بالقانون رقم (13) لسنة 1994 معطلاً لتعارضه مع نص المادة (19 سادساً) من الدستور والتي تنص على الكل فرد الحق في ان يعامل معاملة عادلة في الاجراءات القضائية والادارية في حين ان المادة (16) من القانون موضوع الطعن تحرم الفرد من التمتع بإجراءات قضائية عادلة... (13)
إنَّ الحكم السابق يعد تطبيقاً على مفهوم الخصومة الادارية العادلة، إذ جاء تأكيداً على استقلال القضاء، وتوفير ضمانات اجراءات التقاضي التي قد تم حرمان الخصم في مقاضاة الادارة منها وذلك بموجب نص المادة (16) من قانون تنظيم الاستثمار المعدني رقم (91) لسنة 1988 المعدل. اذ استثنت هذه المادة الاجراءات المنصوص عليها في قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 المعدل عند تطبيق احكام المواد (13، 14، 15) من قانون تنظيم الاستثمار المعدني. وكما نص الدستور في الفقرة (سابعاً) من المادة (19)على علنية جلسات المحاكم مع استثناء جعلها سرية تبعاً لتقدير المحكمة، وفي المادة (101) قد قررت انشاء مجلس الدولة بقانون ليتولى مهمة القضاء الاداري (14) . ولذا نرى بان الدستور يعد من اهم المصادر المدونة لإجراءات الخصومة الادارية التي تلزم القضاء الاداري سواء في فرنسا او مصر او العراق احترام نصوصها وعدم مخالفتها لكي لا يوصم الاجراء المخالف للدستور بشائبة عدم الدستورية (15).
ثالثاً : القانون
تعد النصوص القانونية الواردة في قانون مجلس الدولة هي الاساس القانوني لإجراءات الخصومة الادارية، اذ تأتي في المرتبة الأولى من حيث ترتيب المصادر المدونة التي تنظم اجراءات التقاضي امام القضاء الاداري. ففي فرنسا تعود هذه النصوص الى زمن انشاء مجلس الدولة بمقتضى دستور السنة الثامنة لعام 1800 ، اذ صدر في 22 يوليه 1806 مرسوم متضمن اجراءات قضائية لمجلس الدولة التي جاءت على سياق اللائحة الصادرة في 18 يونيه 1738 (التي كانت مطبقة امام مجلس الدولة حتى الغائه بالأمر الصادر في 31 يوليه 1945(16). والامر الصادر في 1931/2/2 الذي يتعلق بعلانية الجلسات وتمثيل الخصوم من قبل المحامين، والامر الصادر في 1964/11/2 بشان الاعفاء من ضرورة الاستعانة بحمامي في دعاوى تجاوز السلطة وتوسيع حالات قبول سماع الدعاوى في طعون تجاوز السلطة. اما الامر الصادر في 1945/7/31 تضمن الاجراءات امام مجلس الدولة، اذ نصت المادة (88) منه على الغاء جميع النصوص السابقة عليه، وبناء على ذلك عد قانونا اساسيا لمجلس الدولة، الذي جرى تعديله بمرسوم 1953/9/30 و مرسوم 1963/7/30 . اما قانون 1955/11/18 فهو يتضمن اجراءات القضاء الاداري المستعجل وقانون 1956/6/6 جاء بتنظيم تفصيلي للمواعيد وقانون 1956/8/4 الذي انشا النفقات القضائية (17).
اما الاجراءات المتبعة امام المحاكم الادارية فقد نظمت بموجب قانون 1865/6/21 الذي الغى بدوره مرسوم 1862/12/30 والذي عدل بعد ذلك بموجب مرسوم 1865/7/12 الى ان تم تنظيم اجراءات التقاضي امام القضاء الاداري بشكل شامل بموجب قانون 1889/7/22 الذي يعد الحجر الاساس لإجراءات التقاضي امام المحاكم الادارية الذي استلهم القواعد التي استخلصها قضاء مجلس الدولة، وتلاشت فيه الاحالة الى نصوص المرافعات المدنية، ومن الجدير بالذكر ان هذا القانون قد عدل مرات عديدة، ومنها مرسوم 1953/12/30 حيث جاء بتعديل جوهري اناط بموجبه الفصل بالمنازعات الادارية الى مجالس الاقاليم واصبحت هي القاضي العام للفصل فيها تحت مسمى المحاكم الادارية (18).
ثم جاء مرسوم 1972/2/22 بالإصلاح القضائي الذي تضمن تبسيط الاجراءات، كنتيجة لتزايد عدد الطعون امام المحاكم الادارية، التي كان من شانها اطالة أمد اجراءات التقاضي وبطئها، وكما صدر قانون 1973/7/13 الذي تضمن بعض النصوص الاجرائية التي تطبق امام كل من مجلس الدولة والمحاكم الادارية، وصدر مرسوم 1977/7/7 ومرسوم 1977/11/19 لتبسيط اجراءات فحص الدعاوى . اما قانون 1986/1/6 جاء معدلا لمرسوم 1982/10/27 تضمن ضرورة زيادة اعضاء مفوضي الحكومة بالتعيين الفوري والمباشر واستقلال اعضاء المحاكم الادارية، كما بسط اجراءات الدعاوى لسرعة الفصل فيها. وصدر بعد ذلك قانون 12/31/ 1987 ، وقانون 1989/9/10 الذي تضمن جميع اجراءات التقاضي. ثم جاء قانون 1990/6/25 الذي الغى منصب المستشار المفوض للسلطة القضائية، ومرسوم 1992/3/17 الخاص بالمحاكم الاستثنائية (19) . واخيرا اصدر المشرع الفرنسي قانونا اجرائياً مستقلاً بتنظيم اجراءات التقاضي امام القضاء الاداري في تقنين واحد ( Code de justice administrative ) (20) في 2001/12/1 الذي وحده فيه جميع شتات النصوص القانونية المتعلقة بتنظيم اجراءات التقاضي الاداري هو المصدر الاساسي لإجراءات الخصومة الادارية في فرنسا (21).
اما في مصر فنجد أنَّ المشرع المصري ومنذ انشاء مجلس الدولة بالقانون رقم (112) لسنة 1946 ، قد نص على اجراءات التقاضي ،امامه واحال كل ما لم يرد به نص الى احكام قانون المرافعات المدنية (22)، ثم جاء قانون رقم (47) لسنة 1972(23) ، الذي اشار في نص المادة (3) منه على " تطبق الاجراءات المنصوص عليها في هذا القانون، وتطبق احكام قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص، وذلك الى ان يصدر قانون بالإجراءات الخاصة بالقسم القضائي (24) ، الأمر الذي يفهم من خلاله وجود قصوراً تشريعياً يتعلق بالنصوص التي تحكم سير اجراءات الخصومة الادارية عبر الاحالة الى تطبيق احكام قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم (13) لسنة 1968 المعدل، فيما لم يرد فيه نص، وذلك بموجب نص المادة (3) من قانون المجلس،
وهذا ما اكدت عليه المحكمة الادارية العليا المصرية بقضائها " أن قضاء هذه المحكمة قد استقر على انه لا يجوز اللجوء الى الاعلان طبقاً للإجراءات المقررة في قانون المرافعات قبل استنفاذ وسيلة الاعلان المقرر بقانون مجلس الدولة ...(25) . بيد ان ذلك لم يكن عائقاً . افصاح المشرع المصري بحسب المادة الثالثة من القانون ذاته عن ضرورة ان يكون هناك قانوناً اجرائيا خاص بالقضاء الاداري وكما تعد من بين مصادر الخصومة الادارية النصوص الاجرائية الواردة في قانون النيابة الادارية رقم ( 117) لسنة 1958 المعدل التي تنظم احكامه اجراءات الدعوى التأديبية، بالإضافة الى قانون الجهاز المركزي للمحاسبات رقم (144) لسنة 1988 ،المعدل، وقانون الخدمة المدنية رقم (81) لسنة 2016 ، وبذلك تعد جميع هذه القوانين من مصادر اجراءات الخصومة الادارية (26).
اتجه العراق في بداية التنظيم القضائي فيه الى اتباع اسلوب ازدواجية القوانين ووحدة القضاء وهو نهج مغاير للنظام القضائي الفرنسي والمصري، حيث اسندت ولاية الفصل في جميع المنازعات الى القضاء العادي سواء اكانت اطراف هذا النزاع افراد عاديين ام جهة ادارية(27)، الا ان هناك من يرى في ذلك محلاً للنظر من خلال الاشارة الى دور لمجلس الانضباط العام الذي تولى مهمة الفصل في المنازعات الناشئة بين الموظف والحكومة، الذي اشارت اليه المادة (59) الفقرة (1) من قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 المعدل.
فمن جانب أنّ المادة السابقة قد اشارت الى لفظ الدعوى، وأن الاخيرة لا يمكن اقامتها الا امام جهة قضائية، ومن جانب اخر قد اشارت في الفقرة (2) من المادة ذاتها الى ان مجلس الانضباط يصدر حكما نهائي، وأن الحكم لا يصدر الامن جهة قضائية مختصة، بالتالي يرى البعض من ان مجلس الانضباط العام كان يمارس جزء من اختصاصات القضاء الاداري، وهو ما يدل على وجود القضاء الاداري في العراق قبل عام 1989 الا أنَّه كان محدود الاختصاص (28)، ومع ذلك فان غالبية الفقهاء ترى بان نظام القضاء المزدوج في العراق لم يظهر الابعد صدور قانون رقم (106) لسنة 1989) قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة رقم (65) لسنة 1979)، الذي انشات بموجبه محكمة القضاء الاداري بالإضافة الى مجلس الانضباط العام (29). اما اختصاص المحاكم الادارية التي انشأت بموجب قانون رقم (140) لسنة 1977، فأنها كانت تنظر في جميع الدعاوى التي تكون الادارة احد اطرافها، بصرف النظر عن طبيعة تلك المنازعات سواء كانت مدنية ام ادارية، ولاحقا قد الغيت بموجب قانون رقم (16) لسنة 1988(30) .
تعد احكام قانون مجلس الدولة رقم (71) لسنة 1979 المصدر الرئيسي لإجراءات الخصومة الادارية، اذ تعاقبت على هذا القانون عدة تعديلات كان من ابرزها التعديل الثاني بالقانون رقم (106) لسنة 1989 ، حيث انشأ بموجبه محكمة القضاء الاداري، واعاد مجلس الانضباط العام الى مجلس شورى الدولة ليكون احد هيئاتها بعدما كان هيئة مستقلة بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المنحل ذي الرقم (1717) في 21/12/1981 (31) واصبح بعد التعديل يمارس اختصاصاته بموجب قانون اضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل (32)، وكذلك قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 المعدل(33)، الذي جعل من مجلس الانضباط العام هو الجهة المختصة بالنظر في الدعاوى الادارية المتعلقة بالموظفين.
أما قانون رقم (17) لسنة 2013 قانون التعديل الخامس لقانون مجلس شورى الدولة، فانه يعد من مصادر اجراءات الخصومة الادارية، حيث ان المشرع العراقي في هذا القانون قد تلافي بعض السلبيات التي جاءت بقانون مجلس شورى الدولة ولكن ليس جميعها، ومنها الاستثناءات الواردة على اختصاصات محكمة القضاء الاداري، اذ اورد بنص المادة (7) الفقرة (4) استثناء القرارات التي لم يعين مرجع للطعن فيها من اختصاص القضاء الاداري مما يعد ذلك خروجاً على مبدأ سيادة القانون الذي يخضع جميع تصرفات الدولة لرقابة القضاء (34). كما يعد من مصادر الخصومة الادارية كلا من قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 المعدل حيث اشارت المادة (59) منه على اختصاص مجلس الانضباط العام (سابقا) محكمة قضاء الموظفين (حاليا) بالنظر في دعاوى الموظفين ضد الادارة المتعلقة بحقوقهم الواردة في هذا القانون وايضا بينت الاجراءات المتعلقة برسوم الدعاوى الادارية، ومدد الطعن الخاصة بالقرارات محل النزاع والطعن بالأحكام الصادرة عن المجلس (35). وقانون اضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 ،المعدل التي بينت اجراءات الطعن بالعقوبات الانضباطية امام محكمة قضاء الموظفين مجلس الانضباط العام(سابقا) (36).
وتلافيا لحالات القصور في التشريعات المتعلقة بتنظيم اجراءات التقاضي امام القضاء الاداري، اتفق كل من المشرع الفرنسي (37) والمصري (38) والعراقي (39) على احالة كل ما لم يرد فيه نصاً في قانون القضاء الاداري الى احكام قانون المرافعات المدنية والقوانين الاجرائية الأخرى، لتعضد احكام قانون القضاء الاداري، نظراً لحداثة اجراءات القضاء الاداري مقارنة بقانون المرافعات المدنية ولإمكانية تطبيق العديد من المبادئ التي تحتويها الاخيرة على الخصومة الادارية، ومنها على سبيل المثال ما يتعلق بحقوق الدفاع، كمبدأ المواجهة في الاجراءات، ومبدأ حق الاطلاع على الملف وغيرها من المبادئ التي تكفل للخصوم توفير القدر الكافي من ضمانات التقاضي اثناء سير الخصومة (40) . كما تعد قوانين الاجراءات الجنائية ايضاً من مصادر اجراءات الخصومة الادارية بالقدر الذي تتفق احكام نصوصه مع طبيعة الدعاوى التأديبية، وهذا ما نجده في نص قانون مجلس الدولة المصري بموجب المادة (52) منه على جواز الطعن بطريق التماس اعادة النظر في احكام المحاكم التأديبية، الصادرة في الدعوى التأديبية، تبعاً للأحوال المنصوص عليها في قانون الاجراءات الجنائية (41).
اما قانون قانون مجلس الدولة العراقي رقم (71) لسنة 2017 فقد نص في الفقرة الحادي عشر) من المادة (7) منه على تطبيق احكام قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 ،المعدل، فيما يتعلق بإجراءات الدعاوى الانضباطية (42)، بالإضافة الى ما نص نص عليه قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل بموجب الفقرة (خامسا) من المادة (15) منه التي اقرت سريان احكام قانون اصول المحاكمات الجزائية السابق عند نظر مجلس الانضباط العام (سابقا) محكمة قضاء الموظفين (حاليا) الطعون المقدمة اليها.
وفي خضم هذه المسالة يثار السؤال التالي، عن مدى امكانية تطبيق قواعد قانون المرافعات المدنية امام القضاء الاداري من دون وجود نص صريح بالإحالة الى ذلك؟
فكانت الاجابة من غالبية الفقهاء بإمكانية ذلك، طالما ان نصوص قانون المرافعات لا تتعارض مع طبيعة المنازعة الادارية سواء نص عليه بإحالة صريحة، في قانون القضاء الاداري او ان لم يكن ذلك (43) . الامر الذي اكدته المحكمة الادارية العليا بقولها " الاصل ان اجراءات قانون المرافعات المدنية والتجارية واحكامه لا تطبق امام القضاء الاداري الا فيما لم يرد فيه نص خاص في قانون مجلس الدولة وبالقدر الذي لا يتعارض مع الاصول العامة للمرافعات الادارية واوضاعها الخاصة بها...(44). هذا ومن الضرورة بمكان أن نبين اهمية بعض القرارات التي تصدر عن السلطة التنفيذية، التي تأخذ شكل اللائحة او التعليمات، فهل تعد من المصادر المدونة لإجراءات الخصومة الادارية قدر تعلقها بتنظيم اجراءات التقاضي امام القضاء الاداري؟ أن هذه القرارات من حيث القيمة القانونية تكون بمرتبة ادنى من القانون الصادر عن السلطة التشريعية، بحيث لا يكون لها مخالفته او مخالفة الدستور، ولكنها بحسب مضمون احكامها تعد مؤثرة في اجراءات التقاضي امام القضاء الاداري كونها جاءت متفقة مع طبيعة المنازعة الادارية، لذا تعد من مصادر اجراءات الخصومة الادارية، فتكون من حيث ترتيب مصادر اجراءات الخصومة الادارية قبل مصدر قانون المرافعات المدنية(45). ومنها على سبيل المثال النصوص اللائحية الواردة باللائحة الداخلية لمجلس الدولة المصري(46)، وقرار المجلس المرقم (72) لسنة 1973 الذي ينظم اجراءات التظلم الوجوبي من القرارات الادارية وطريقة الفصل فيها (47)، كذلك تعليمات رقم (5) لسنة 2016 ، التي تتعلق بتنظيم اجور الخدمات المقدمة من مجلس الدولة العراقي (48).
_____________
1- مصطفى محمد تهامي منصورة، إجراءات الخصومة الإدارية، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق بجامعة عين شمس القاهرة، 2006 ، ص 88
2- جاء في النظام الاساسي لمحكمة العدل الدولية بموجب الفصل الثالث منه ( الاجراءات) على الاجراءات المتبعة امام المحكمة وذلك تباعا من نص المادة رقم (39) ولغاية المادة رقم (64) منشور في الشبكة الدولية الانترنت على الموقع: (https://bit.ly/2k7biS ) آخر زيارة 2017/10/7 .
3- د. مصطفى محمود الشربيني، بطلان إجراءات التقاضي أمام القضاء الإداري، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2006 ، ص 199 هامش رقم (2) للمزيد ينظر: نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، منشور في شبكة الانترنت على الموقع http://hrlibrary.umn.edu/arab/iccprocedure.htm اخر زيارة للموقع في 2017/10/7.
4- ينظر : المادة (2) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان.
5- ينظر : المادة رقم (3) فقرة (ثالثا) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، منشور في شبكة الانترنت
على الموقع: https://www.unicef.org/arabic/crc/files/ccpr_arabic.pdf آخر زيارة للموقع في 2017/10/7
6- ينظر: المادة رقم (6) الفقرة ( اولاً ) من الاتفاقية الأوربية لحقوق الانسان، منشور في شبكة الانترنت على الموقع: http://hrlibrary.umn.edu/arab/euhrcom.html اخر زيارة للموقع في 2017/10/7. ينظر : المادة رقم (13) من الاتفاقية الأوربية لحقوق الانسان،
7- د. مازن ليلو راضي الخصومة الادارية العادلة بين احكام القضاء الاداري وقضاء المحكمة الأوربية لحقوق الانسان، مجلة الحقوق، م ، ع (29-30) ، 2016 ، ص2.
8- د. مصطفى محمود الشربيني، مصدر سابق، ص 199، هامش رقم (2)
9- ينظر : المادة رقم (34) من دستور فرنسا لعام 1958 ، د. يحيى الجمل، دساتير العالم، ط2، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2012، ص 68.
10- ينظر: المادة رقم (96) والمادة (98) والمادة (190) من الدستور المصري لعام 2014.
11- نصت الفقرة (د) من المادة رقم (15) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية على " يضمن للجميع الحق بمحاكمة عادلة وعلنية في محكمة مستقلة وغير متحيزة سواء كانت المحاكمة مدنية أو جنائية ......
12- ينظر : المادة رقم (19) الفقرة (سادساً) من الدستور العراقي لعام 2005.
13- ينظر : حكم المحكمة الاتحادية العليا في العراق رقم (10/ اتحادية /اعلام / 2013) الصادر في 12/3/2013 منشر في الشبكة الدولية (الانترنيت) عل موقع 020320146740882- http://www.iraqld.iq/LoadLawBook.aspx?SC، اخر زيارة 2017/10/27
14- للمزيد ينظر : المادة رقم (19) والمادة رقم (101) من الدستور العراقي لعام 2005.
15- ينظر : المادة رقم (5) والمادة رقم (46) من الدستور الفرنسي لعام 1958 ، والمادة رقم (139) والمادة (159) والمادة (195) والمادة (224) من الدستور المصري لعام 2016، والمادة رقم (13) من الدستور العراقي لعام 2005.
16- د. احمد كمال الدين ،موسى طبيعة المرافعات الإدارية ومصادرها مجلة العلوم الإدارية في مصر، السنة التاسعة عشر ، العدد الأول، يونيه، 1977 ، ص 21.
17- د. مصطفى محمود الشربيني، مصدر سابق، ص 202.
18- مصطفى محمد تهامي منصورة، إجراءات الخصومة الإدارية، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق بجامعة عين شمس القاهرة، 2006، ص 94.
19- د. مصطفى محمود الشربيني، مصدر سابق، ص 203-204.
20- ينظر : قانون القضاء الاداري الفرنسي Code de justice administrative).
21- د . اسلام احسان ، نظرية البطلان في المرافعات الادارية ، منشأة المعارف الاسكندرية، 2015 ، ص 100.
22- تعاقبت التشريعات التي نظمت اجراءات التقاضي امام المجلس حيث الغي قانون رقم (112) لسنة 1946 بموجب قانون رقم (9) لسنة 1949 ، وقد الغي الاخير بموجب قانون رقم (165) لسنة 1955، الذي فيما بعد استعيض عنه بالقانون رقم (55) لسنة 1959 ابان الوحدة بين مصر وسوريا.
23- د. ماجد راغب الحلو، القضاء الإداري، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2004، ص 82
24- ينظر : المادة رقم (3) من قانون مجلس الدولة المصري رقم (47) لسنة 1972 المعدل.
25- ينظر: حكم المحكمة الإدارية العليا في مصر، الطعن رقم (854) لسنة 50 ق، تاريخ الجلسة 2005/5/14 ، موسوعة أحكام المحكمة الإدارية العليا، ج 3، البند رقم (2678)،ص 1420 .
26- د. اسلام احسان، مصدر سابق، ص 107.
27- د. مازن ليلو راضي موسوعة القضاء الإداري، مصدر سابق، ص 87
28- غازي فيصل ،مهدي د. عدنان عاجل عبيد القضاء الاداري ،ط 2 ، مؤسسة النبراس للطباعة والنشر والتوزيع، النجف الاشرف، 2013، ص 131.
29- د. مازن ليلو راضي، موسوعة القضاء الإداري، مصدر سابق، ص 88
30- د. غازي فيصل ،مهدي د. عدنان عاجل عبيد القضاء الاداري ،ط 2 ، مؤسسة النبراس للطباعة والنشر والتوزيع، النجف الاشرف، 2013 ، ص 131.
31- د. مازن ليلو راضي دعاوى الموظفين، دار المطبوعات الجامعية الاسكندرية، 2016، ص 17 - 18.
32- ينظر : المادة رقم (15) والمادة (24) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل.
33- ينظر : المادة رقم (14) الفقرة (5) والمادة (20) الفقرة (2) من قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل.
34- د. مازن ليلو راضي اصول القضاء الاداري، مصدر سابق، ص 135.
35- ينظر : المادة رقم (59) من قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل.
36- ينظر : المادة (15) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل.
37- ينظر المادة رقم (50) من الامر الصادر في 31 يوليو 1945 بشان مجلس الدولة التي احالت مسالة تنظيم مواعيد اجراءات الدعوى الى المادة (73) من قانون المرافعات المدنية الفرنسي، وينظر : المادة رقم (198) من قانون المحاكم الادارية ومحاكم الاستئناف الادارية التي احالت نظام ضبط جلسات المحاكم الادارية ومحاكم الاستئناف الى المواد (438) و (439) و (441) من قانون المرافعات المدنية الفرنسي.
38- نصت المادة الثالثة من قانون مجلس الدولة المصري رقم (47) لسنة 1972 على تطبق الاجراءات المنصوص عليها في هذا القانون، وتطبق احكام قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص، وذلك الى ان يصدر قانون بالإجراءات الخاصة بالقسم القضائي"
39- نصت الفقرة الحادية عشر من المادة السابعة من قانون التعديل الخامس لقانون مجلس شورى الدولة العراقي رقم (65) لسنة على 1979 " تسري احكام قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 وقانون الاثبات رقم (107) لسنة 1979 وقانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 وقانون الرسوم العدلية رقم (114) لسنة 1981 في شان الاجراءات التي تتبعها المحكمة الادارية العليا ومحكمة قضاء الموظفين فيما لم يرد فيه نص خاص في هذا القانون .
40- د. مصطفى محمود الشربيني، مصدر سابق 224
41- د اسلام احسان ، نظرية البطلان في المرافعات الادارية ، منشأة المعارف الاسكندرية، 2015 ، ص 103
42- ينظر المادة رقم (7) فقرة (11) من قانون التعديل الخامس لقانون مجلس شورى الدولة العراقي رقم (65) لسنة على 1979
43- ( لقد اثارت هذه المسألة تبايناً في اراء الفقهاء، فيرى العميد (Haurio) ان تطبيق قواعد قانون المرافعات المدنية أمام القضاء الاداري لا يمكن من دون وجود نص قانوني بالإحالة الصريحة على ذلك، اما الاستاذة (Jacquelin) فترى امكانية تطبيقها من دون الاحالة الصريحة، شرط ان لا تتعارض مع طبيعة المنازعة الادارية، اما الدكتور احمد ابو الوفا فيرى أن قانون المرافعات المدنية هو القانون العام للإجراءات القضائية التي يتعين الرجوع الى نصوصه اذا ما شاب القوانين الاجرائية الأخرى نقص او غموض او ابهام، ويرى الدكتور عباس العبودي أن الصفة العامة لقانون المرافعات العراقي قد جاءت بناءً على ارادة المشرع ، وذلك بحسب نص المادة الأولى من قانون المرافعات المدنية التي نصت على اعتبار قانون المرافعات مرجعاً لكافة القوانين الاجرائية ما لم يكن هناك نص يتعارض معه، بالإضافة الى ما يتضمنه من مبادئ أساسية استقر عليها القضاء بناءً على اسبقيته (التاريخية للمزيد ينظر : د. مصطفى محمود الشربيني، مصدر سابق 209، د. احمد ابو الوفاء المرافعات المدنية والتجارية، مصدر سابق، ص 14، د. عباس العبودي، شرح أحكام قانون المرافعات المدنية، ط 1 ، دار السنهوري، بيروت، 2016 ، ص 27.
44- ينظر : حكم المحكمة الإدارية العليا في مصر ، الطعن رقم (801) لسنة 8 ق ، تاريخ الجلسة 1966/3/27، موسوعة أحكام المحكمة الإدارية العليا مصدر سابق، ج 3، البند رقم (2648) ، ص 1407.
45- د. مصطفى محمود الشربيني، مصدر سابق 206.
46- د. اسلام احسان، مصدر سابق، ص 107.
47- ينظر: قرار رئيس مجلس الدولة المصري رقم (72) لسنة 1973 ، الوقائع المصرية، العدد (81) في 12/4/1973 اشار اليه د. مصطفى محمود الشربيني، مصدر سابق 207
48- ينظر : تعليمات رقم (5) لسنة 2016 اجور الخدمات المقدمة من مجلس شورى الدولة، الوقائع العراقية ، العدد ( 4404) في 9/5/2016
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|