أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-2-2016
3977
التاريخ: 17/10/2022
1407
التاريخ: 2024-01-02
1033
التاريخ: 2024-08-29
235
|
نقول من كتاب الحقائق والرقائق للمقري
وقد سنح لي أن أسرد هنا شيئاً من هذا الكتاب الفذ في بابه فنقول:
قال قيه مولاي الجد رحمه الله تعالى: هذا كتاب شفعت فيه الحقائق بالرقائق، ومزجت المعنى الفائق باللفظ الرائق، فهو زبدة التذكير، وخلاصة المعرفة، وصفوة العلم، ونقاوة العمل، فاحتفظ بما يوحيه إليك فهو الدليل، وعلى الله قصد السبيل.
حقيقة - عمل قوم على السوابق وقوم على اللواحق والصوفي من لا ماضٍ له ولا مستقبل، فإن كان زجاجياً فبخ بخ.
رقيقة - من لم يجد ألم البعد، لم يجد لذة القرب، فإن اللذة هي التخلص من الألم.
310
حقيقة - لما انطبعت الصور في مرآة الخيال قال العقل: أنا الملك المكوكب، فقالت الرياضة: الزمني وتعرف قدرك، فإذا العقل عقال.
رقيقة - من ضحك في نوم الغفلة بكى عند الانتباه، فإن الأضغاث أضداد.
حقيقة: أثر الزهد عقل دن سقراط على سراج غوطة أبي نصر، فقيل: فأين اعتبار " أفلا ينظرون " فقال: " وفي أنفسكم أفلا تبصرون ".
رقيقة: طالب الدنيا يخاف الفوت، وصاحبها يترقب الزوال ولو بالموت، فإذا حمي الوطيس، وحج الرئيس، أنشأ الزاهد بينهما ينشد:
عزيز النفس لا ولد يموت ... ولا أنس يحاذره يفوت
حقيقة - العابد طالب رياسة وحرمة، والزاهد صاحب نفاسة وهمة، والمعنى للعارف يعادي في لله تعالى ويوالي، ويرضي الله ولا يبالي.
رقيقة - من سابق سبق ومن رافق ارتفق، ومن لاحق التحق والعجز والكسل مقدمتا الخيبة، و:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
حقيقة - العمل دواء القلب، وإذا كان الدواء لا يصلح إلا إذا كان على حمية البدن، فكذلك العمل لا ينجح إلا بعد صوم النفس، فارق نفسك وتعال.
رقيقة - مثل دواعي الخير والشر في الإنسان كمثل الخلط الفاعل والقوة الدافعة في العليل، تغلب القوة فيسكن الخلط فيجد الراحة، وعن قليل يتحرك فيجد الألم.
حقيقة - العمل على السلامة مسالمة، وعلى الغنيمة تجارة، وعلى الأمر قرض، فيضاعف له أضعافاً كثيرة.
رقيقة - تطهر من أدناس هواك، وتزين بلباس تقواك، وقم لمسجد انقطاعك
311
على قدم شكواك، وأحرم بتوجيه قلبك إلى قبلة نجواك، تجد الحق عندك وليس بسواك.
حقيقة - وجد العارف فجاد بنفسه، فوجد الله عنده، وتواجد المريد فحاكى، ومن لم يبك تباكى.
رقيقة - زك نفسك لقلبك، تزك عند ربك، بعها منه رخيصة، فهي على ثمنها لديه حريصة " إن الله اشترى..... ".
حقيقة - الزوال وقت المناجاة، فطهر قلبك قبله من الحاجات، وإياك والحظ، فذهاب نقطته أسرع من اللحظ.
رقيقة - الزاد لك وهو مكتوب، والزائد عليك وهو مسلوب، فأجمل في طلب المضمون، ولا تلزم نفسك صفقة المغبون.
حقيقة - أمر بالتوكل لتقصر الطرف عليه، وأذن في التسبب لتنصرف منه إليه، فذاك مخبر بحقيقة التفرد وهذا مظهر لحكمة التعبد.
رقيقة - الملك أبو الدنيا، وهو مع ذلك محبوس فيها، تبهم عليه الأبواب، ويستدعي الحراس والحجاب، فإذا خرج حدقت إليه الألحاظ وأحدقت بجهاته الحفاظ، أي حظ حظ من فقد نعمة " فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ".
حقيقة - قال صاحب الزهر الأنيق: علامات المحبة أربع الإفلاس، والاستئناس، والأنفاس، والوسواس. قلت: الإفلاس التجرد إلا عنه كالخليل، والاستئناس التوحش إلا منه كالكليم، والأنفاس والوسواس صلة الاسم وعائده.
رقيقة - ذكر مذكر بمالقة، فقام الخطيب الشيخ الولي أبو عبد الله الساحلي بهذا البيت:
ليت شعري أفي زمام رضاكم ... كتب اسمي أم في زمام (1) الهوان
312
وكنت يوماً مع السلطان والجند يعرضون عليه، وكان يسقط ويثب، وأنا أتفكر في البيت، حتى خفت أن أفتضح، فقلت: واهماه من هذا الإبهام! ثم كدت أخلد بقبح العمل إلى الأرض فينشلني (2) حسن الظن بالله عز وجل فأنهض:
إن المقادير إذا ساعدت ... ألحقت العاجز بالحازم (3)
حقيقة - إذا قابل إبرة القلب مغناطيس الحسن صبا فانجذب، فإذا اتصل عشق فانقطع، فإذا انجد فني فبقي، حاشا الصوفي أن يموت.
رقيقة - افتخر الغراب بإقامة قرآن الفجر، حتى تغسل بول الشيطان من أذنك، فطرب الديك فرحاً بالفوز، وندب العصفور ندماً على الفوت.
حقيقة - الخلوة بيت الاعتبار، وفي بيته يؤتى الحكم، وباب هذا البيت العلم " وائتوا البيوت من أبوابها ".
رقيقة - واقع فقير هناة، ثم دخل خلوته، فبدت له نفسه بوجه مومسة، فقال: ما أنت قالت أم الحياة، فقال: ما أجمل أن تبدل هائك همزة، فقالت: إذن لم تصنع ما شئت، فانتبه لقرع العتاب (4) ، فتاب.
حقيقة - القلب إيوان الملك ويسعني، وعز الملك يأنف عن ذل المزاحمة، أنا أغنى الشركاء عن الشرك.
رقيقة - لما وضع البسطامي أوزار حوبه، فك طابع الصحيفة عن قلبه، فلم يجد بها غير الطفرى، فصاح بنفسه لك البشرى، انزل طيفور عما تريد، ليس في الدار أبو يزيد.
حقيقة - قال شيخنا أبو هادي يوماً لأصحابه: بماذا يرتقي العبد عن مقامه إلى
313
مقام أعلى منه قالوا: بفضل الله ورحمته، فقال: إنما أسألكم عن السبب الخاص بهذا الأمر، قالوا: ما عند الشيخ قال: يخلق الله له همة فيرتقي بها إلى رتبة أسمى من رتبته.
ومن هذا الكتاب: حقيقة: التفت إلى مواهب الملوك تجدهم إنما يوسعون فيما قد يسترجعون، فأما العلماء وكل من يعطي بحق فإنما يعطون بقصد " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم " واصبر نفسك دونهم فعن قريب تنصرف عنهم.
رقيقة - قلت لقلبي: كيف تجدك فقال: أما من أمارتك ففي عناء الجهاد، وأما من لوامتك فعلى جمر الصبر، قلت: فمتى الراحة قال: إذا اطمأنت النفس، فاضمحل الوهم وغاب الحس.
حقيقة - قطع السوى طهارة المنيب، ولا يقبل الله صلاة بغير طهور، وكتابه النحيب، والمكاتب عبد ما بقي عليه، وبابه الدخول على الحبيب.
نظر رجل إلى امرأة عفيفة فقالت: يا هذا غض بصرك عما ليس لك، تنفتح بصيرتك فترى ما هو لك.
رقيقة - لما حنكت الطينة بتمر (5) الجنة، وغذيت بلبانها، فطرت على محبتها - انظروا إلى حب الأنصار التمر - فلم تطق الفطام عنها.
وتأبى الطباع على الناقل (6) ... فذاك ما تجد من الحنين إلى التلاق، والأنين على الفراق، والشغف بمدح العابر، وذم الغابر، وفي ذلك (7):
314
كم أردنا ذاك الزمان بمدح ... فشغلنا بذم هذا الزمان
وإن لم تعرف عصراً خالياً، ولا خلاً نائياً، لم يمر عليك مما تشتهيه، أطيب مما أنت فيه (8) :
كم منزل في الأرض يألفه الفتى ... وحنينه أبداً لأول منزل ومنه:
حقيقة - قيل: عرض الكليم بطلب القوت في رحلة الهجرة " إني لما أنزلت إلي من خير فقير " فحمل على كاهل " إن أبي يدعوك " وصرح في سفر التأديب " لو شئت لاتخذت عليه أجراً " فحمل على كاهل " هذا فراق بيني وبينك " قلت: لما تمحض الطلب له اكتفى، فلما تعلق حق الغير به وفى، ولذلك قضى أبا المرأتين الأجلين.
رقيقة - كان قد خرق السفينة إراءة لكرامة " فاقذفيه في اليم " في مرآة {وكان وراءهم ملك} (الكهف: 79) .
وربما صحت الأجسام بالعلل (9)
وقتل الغلام إشارة إلى اشتمال قتله " فقضى عليه " على رحمة " فنجيناك من الغم " برمز " فخشينا أن يرهقهما " والمحن الصم حبائل المنح، وإقامة الجدار إثارة لفتوة " فسقى لهما " ليخفض له جناح " إني لما أنزلت إلي من خير فقير " فيستظل من حر " لو شئت لاتخذت عليه " في نية " هذا فراق بيني وبينك "
315
حقيقة: قيل لمحمد بن حسن الزبيدي التونسي وأنا عنده بها: كيف لم يصبر الكليم وقد ناط الصبر بالمشيئة " ستجدني إن شاء الله صابراً " وقد جاء في الصحيح في قصة سليمان عليه السلام " لو قال إن شاء الله لكان كما قال " والمقام الموسوي أجل " واصطنعتك لنفسي " وطلابه أفضل ما جميع أعمال البر والجهاد في طلب العلم إلا كبصقة في بحر، فقال: كان موسى على علم من علم الله، وهو علم المعاملة، لا يعلمه الخضر، وكان الخضر على علم من علم الله لا يعلمه موسى، فلم يظن أن ما لم يحط به خبراً يأباه حكم الظاهر، وإلا كيف يلتزم الصبر عليه، وقد أمر بصرف الإنكار إليه " ما منعك إذ رأيتهم ضلوا " بل لم يعد مثله من ملاقاة المشاق، فيما كان عليه الخضر من اختراق الآفاق، وركوب الطباق، فما عقله بقوله، فقد صدقه بفعله، وما لم يستطع عليه صبراً، فلم يدخل في التزامه اعتقاداً ولا ذكراً.
رقيقة - قال لي عبد الرحمن بن يعقوب المكتب: كان عندنا بالساحل سائح هجيراه: إلهي بسطت لي أملي، وأحصيت علي عملي، وغيبت عني أجلي، ولا أدري إلى أي الدارين يذهب بي، لقد أوقفتني موقف المحزونين ما أبقيتني.
حقيقة - تنازع القلب والنفس الخلق، فقسمها بينهما قاضي العقل، فمن باع منهما حظه فلا شفعة لصاحبه عليه.
ومنه:
حقيقة - الحجب ثلاثة: فحجاب الغيرة منع، وحجاب الحيرة دفع، وحجاب الغفلة قطع " أولئك كالأنعام بل هم أضل "
رقيقة - اللحم أيام التشريق مكروه، وكل لذة عند أرباب الدنيا كاللحم عندك أيام الأضحى، فلا ترينك الغفلة عن سرك زيادة النعمة عندك.
حقيقة - الفقر إلى الله الاستغناء به عما سواه، وهوية الرضى بالله أن لا يخطر بالبال إلاه.
316
ومنه:
حقيقة - التلون مجون، تارة طرباً وطوراً (10) شجون، والتمكن معرفة، وأين الحال من الصفة؟
رقيقة - قال لي محمد بن عبد الواحد الرباطي: قال لي محمد بن عبد السيد الطرابلسي: دخلت على أبي الحسن الحرالي فقلت له: كيف أصبحت فأنشد:
أصبحت ألطف من مر النسيم سرى ... على الرياض يكاد الوهم يؤلمني
من كل معنى لطيف أحتسي قدحاً ... وكل ناطقة في الكون تطربني
حقيقة - قال الطالب: الوقت سيف، وقال الواصل: بل مقت، فتلا العارف {قل الله، ثم ذرهم في خوضهم يلعبون} (الأنعام: 91) .
رقيقة - لصاحب الوقت يومان:
يوم بأرواح يباع ويشترى ... وأخوه ليس يسام فيه بدرهم
وفصل الفضل (11) بينهما:
وما تفضل الأيام أخرى بذاتها ... ولكن أيام الملاح ملاح
ومنه:
حقيقة - قال لي الشيخ أبو عبد الله محمد بن مرزوق العجيسي بعباد تلمسان: قال لي أبو عبد الله ابن حيون: إنه وجد على ظهر كتاب بخط عتيق: قال أبو يزيد البساطي: يظهر في آخر الزمان رجل يسمى شعيباً، لا تدرك له نهاية، قالا: وهو أبو مدين، قلت: وقف بظاهره مع الشريعة، وذهب ببطانه مع الحقيقة، فما انقطع لصحة البداية، ولا رجع لعدم الغاية.
317
رقيقة - قمت ببعض الأسحار، على قدم الاستغفار، وقد استشعرت الصبابة، واستدثرت الكآبة، فأملى الجنان على اللسان، بما نفث في روعه روح الإحسان:
منكسر القلب بالجنايا ... يدعوك يا مانح العطايا
أقعده الذنب عن رفيق ... حثوا لرضوانك المطايا
ومنه، إثر حقيقة في شأن الحلاج ما نصه، ثم قلت:
ولرب داع للجمال أطعته ... وأبى الجلال علي أن أتقدما
فأطعت بالعصيان أمرهما معاً ... وجنحت للتسليم كيما أسلما
ومنه:
حقيقة - قلت للسر: ما لك تحس من خلف الموانع فقال: خرق شعاعي سور العوائق، ثم انعكس إلي بصور الحقائق، فأصبحت كما قيل:
كأن مرآة عين الدهر في يده ... يرى بها غائب الأشيا فلم يغب
رقيقة - الليل رداء الرهبة، تهاب الجبان فيه الأبطال، وتتقي الحواس دونه الخيال " إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلاً "
حقيقة - النهار معاش النفس، فهو استعداد " إن لك في النهار سبحاً طويلاً " والليل رياش الأنس، فهو معاد " واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً " فهذا جمع وذلك فرق، والحال أسرع ذهاباً من البرق.
ومنه:
حقيقة - إن أكبرت النفس حالها، فذكرها أصلها ومآلها، فإنها تصغر عند ذلك، وتستقيم بك على أرض المسالك احثوا التراب في وجوه المداحين " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ".
318
رقيقة - إنما يتعاظم من يجد الحقارة من نفسه، ويتوهم المهانة عند أبناء جنسه، فذلك تراه مغمزاً للعيون، مهمزاً للظنون؛ من أسر سريرة حسنة كساه الله رداءها.
رقيقة - رأيت الملوك لا يشمتون، ولا يدعى لهم إلا بما يتعلق بأغراض الدنيا، وأكثر ذلك مما تحيل عقوده العوائد، فعلمت أن الدنيا ضد الآخرة.
حقيقة - من لم يفر خور وذلك الجبن، من خاف أدلج ورجا، من لم يكر تمن وتلك الزمانة " يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً ".
رقيقة - سمعت أبا محمد المجاصي يقول: رويت بالسند الصحيح أن عابداً رابط ببعض الثغور مدة فكان كلما طلع الفجر يسمع من ينشد دون أن يرى شيئاً (12) :
لولا رجال لهم سرد يصومونا ... وآخرون لهم ورد يقومونا
لزلزلت أرضكم من تحتكم غضباً ... فإنكم قوم سوء لا تبالونا
حقيقة - ما حمد الله حق حمده، إلا من عرفه حق معرفته، وذلك مما لا ينبغي لغيره لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
رقيقة - قلت:
أشيم البرق من بين الثنايا ... وأشتم العبير من الثناء
فأبدو تارة وأغيب أخرى ... مثار الشوق مثني الحياء
حقيقة - تحقق الحامد بكمال الذات فغاب عن حسه في بحار العظمة، وتعلق الشاكر بجمال الفعل فوقف مع نفسه بسوق النعمة، فهذا تاجر " لئن شكرتم لأزيدنكم " وذاك ذاكر " وما بكم من ".
ومنه:
حقيقة - الصبر مطية المريد، والرضى سجية المراد، فهذا القوم للأمر، وذاك يسعى للأجر.
319
رقيقة - الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والصبر بغير حساب، والرضى بالرضى، وذلك سدرة المنتهى.
حقيقة - النفس الأمارة آبدة لا تملك إلا بلطائف الحيل، والمطمئنة ذلول لا تنفلت إلا ممن غفل " وأخاف أن يأكله الذئب ".
رقيقة - الدنيا معشوق الطالب، عاشق الهارب، هذا يستخدمها، وذاك يخدمها، يبني الخادم المسجد ليقال، ويعمره المخدوم لينال، فعلى الخادم السعي من غير جدوى:
وليس لرحل حطه الله حامل
وللمخدوم الجدوى بغير سعي:
وليس لما تبني يد الله هادم
إن السعادة أصلها التخصيص
حقيقة - الجمال رياش، والحسن صورة، والملاحة روح، فذلك ستره عليك، وهذا سره فيك {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي} (الحجر: 29) .
رقيقة - أعطي يوسف شطر الحسن، يعني حسن آدم، لأنه إن لم يكن في الإمكان أبدع مما كان فقد خلقه الحق بيده في أحسن تقويم، ثم نفخ فيه من روحه لتتم علة الأمر بسجود التحية والتكريم، فكان كما قال من أنزل عليه الفرقان خلق الله آدم على صورة الرحمن فآدم إذا كمال الحسن، وإلا فهو المراد، لأن الشطر، يقتضي الحصر، والنصف، ينزع عن الوصف، وأعطي محمد صلى الله عليه وسلم كمال الجمال، فما أبصره أحد إلا هابه، وتمام الملاحة فما عرفه شخص إلا أحبه، مع أنباء نوره في الآباء، بأن أبوة المعنى لسيد نجباء الأبناء، كما قال العارف عمر:
وإني وإن كنت ابن آدم صورة ... فلي فيه معنى شاهد بأبوتي
320
حقيقة - لا يثنينك الخوف عن قرع الباب فتيأس، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ولا يدنينك الرجاء من الفترة فتأمن، فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، فإن لم تستطع بعد الحرص أن تعدل، فلا تمل كل الميل مع النفس " إن النفس لأمارة بالسوء ".
رقيقة - ارفع قصتك في رقعة الإقبال على كف الرجاء، خافضاً من طرف الحياء، وصوت الإدلال، عاكفاً في زاوية الانكماش من وراء ستر الخوف، يخرج عليك حاجب القدر من باب الكرم بتوقيع " فاستجبنا له ".
ومنه:
حقيقة - صدق مجاهدة الفاروق أيقظ الوسنان، وطرد الشيطان، وأرضى الرحمن، ففاز بسلامة ما سلكت فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غير فجك؛ وحقق مشاهدة الصديق أسمع من ناجى، فحاز غنيمة لو كشف الغطاء ما ازداد يقيناً.
رقيقة - ذهب أبو بكر في السابقين، ولحق عمر بأهل اليقين، فما أدرك الصديق أداء التصلية، حتى استدرك الفاروق قضاء التقفية:
ولو كنت في أهل اليمين منعماً ... بكيت على ما فات من زمن الصبا
حقيقة - النص سلاح، والنظر مطية، والاتباع جنة، والورع نجاة، والخلاف فتنة، والبدع مهالك، وخير الأمور أوساطها (13) .
ومنه:
حقيقة - تخير المساعد، واختبر المصاعد، وليكن همك في سفرك منك معرفتك كيف ترجع إليك، فلن يحقق صفة الربوبية، من لم يتحقق نعت العبودية.
321
رقيقة - حدثت أن سيدي أبا الحسن الشاذلي لما أزمع على التحول من طيبة على من بها الصلاة والسلام، أوقف فعله على إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم له، فرآه في منامه فقال: توحشنا يا علي فأخذ يعتل، فأذن له، وقال: إذا جئت مصر فاقرأ عز الدين بن عبد السلام مني السلام، قال: فلما التقينا بلغته المألكة (14) سراً، فلم تظهر نفسه لذلك، فلما قام المزمزم قال:
صدق المحدث الحديث كما جرى ... وحديث أهل الحب ما لا يفترى
فاستغفر الشيخ، ثم كذب نفسه، ثم حط للتسليم رأسه.
حقيقية - الوهم شيطان القلب يأتيه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وسائر الجهات لمراقبة " قل هو القادر " فمن ثم كان أشد تقلباً من المرجل على النار، فإذا ذكر الله سكن " ألا بذكر الله تطمئن القلوب ".
رقيقة - فرق القلب من ذكر الله خوف " وجلت قلوبهم " ثم سكن لذكره ورجاء " وتطمئن قلوبهم " فعاد داء تقشر منه دواء " ثم تلين " فنعق بلائمه:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء
ثم هتف بمنادمه:
وداوني بالتي كانت هي الداء
حقيقة - العبودية صفة نفسك، لأنها حال أحد العبيد، والعبودة صفة قلبك، لأنها ملكة واحد العباد، والعبادة قصد وجهك، لأنها نعت الفردوس من العباد.
322
ومنه:
حقيقة - إنما تزيد في الدنيا بقدر ما تنقص من الآخرة، فإن تشييد الجدار على قدر(15) انتقاص الجبل.
رقيقة - من جر لنفسه جار على قلبه، فلا تجوز شهادته عند ربه، لأن العدل من ترك العدول والميل.
حقيقة - لا تقدمن إلا بدليل وإذن، واحذر ما لا ينفع ما استطعت فقد تم، انظر فلا حرج إن جهلت ما لم تكلف علمه، وأخاف عليك سوء العاقبة الهجوم.
رقيقة - إذا اهتز العرش بالسحر لدعاء أهل " تتجافى جنوبهم " انبعث من نسيمه ما أغشاهم طيبه الراحة " أمنة منه " وأهب المستغفر من نومه لإدراك فضل " رضي الله عنهم ورضوا عنه ".
حقيقة - دع الغريب وما يريب، واركب الجادة، ولا تسلك بنيات الطريق " فترق بكم عن سبيله ".
ومنه:
حقيقة - سفر المريد تجارة، وسفر الأعراف عمارة، فهذا يرحل للإقامة عند الحقيقة، وذاك يطلب الاستقامة على الطريقة.
رقيقة - إياك أيها المصلي لنا، أن تلتفت إلى غيرنا، وأقبل علينا بصدق نيتك، وناجنا بخلوص سريرتك، فقد قمنا بينك وبين قبلتك، وناجيناك بلسان تلاوتك، فإن غبت عنا، فلست منا.
حقيقة - الشطح كناية، والكرامة عناية، والاعتراض جناية، فإياك ولك فإن عرفت فاتبع، وإن جهلت فسلم.
323
رقيقة - الليل معاد الأنس " إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلاً " والنهار معاش النفس " إن لك في النهار سبحاً طويلاً " فهذا نشاط رغبة يتسع في مناكبه المجال، وتعتور على مراكبه الأحوال، وذلك حجاب رهبة تهوي إليه الأوجال، وتجتمع فيه هموم الرجال، ألا ترى كيف تهاب الجبان دونه الأبطال، وتتقي الحواس خلفه الخيال كما قال:
نهاري نهار الناس حتى إذا دجا ... لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهم بالليل جامع
حقيقة - حجب الطالب أربعة: فحجاب الغيرة قاذع، قيل لبعضهم: أتحب أن تراه فقال: لا، قيل: ولم قال: أجل ذلك عن نظري مثلي، وحجاب التيه قامع، نزل الفقير على ابن عجوز، فبينما هي تصلح له الطعام غشي على الفتى، فسألها الفقير فقالت له: إنه يهوى ابنة عم له بتلك الخيمة، فخطرت، فاشتم غبار ذيلها، فذهب الفقير ليخطبها عليه، فقالت: إذا لم يطق غبار ذيلي فكيف يستطع أن يشاهدني وحجاب الحيرة دافع، ومن ثم حلا لأرباب الغيبة، قال بعضهم: يا دليل الحائرين، زدني تحيراً، ومر على أصحاب الرغبة والرهبة، كما قال:
قد تحيرت فيك خذ بيدي ... يا دليلاً لمن تحير فيكا
وحجاب الغفلة قاطع، كان بعضهم يقول: إن عذبتني بشيء فلا تعذبني بذل الحجاب. ونظر أخر إلى امرأة فوقع عليه سهم فعوره وعليه مكتوب: نظرت بعين العورة فرميناك بسهم الأدب، ولو نظرت بعين الشهوة لرميناك بسهم القطيعة.
رقيقة - حدثت أن ابن الفارض دخل على الشيخ عز الدين وقد ذهب به التفكر فيما له عند الله عز وجل، فكاشفه بأن أنشده من قصيدة له:
324
لك (16) البشارة فاخلع ما عليك فقد ... ذكرت ثم على ما فيك من عوج
فبدرته البشاشه، وأظن أن قد خلع قماشه.
حقيقة - وقفت ذات يوم بالجبانة، واستفهمت اسمي ها عرف منها مكانه، فأملى بعد هنيئة من نظمه، ما وقفت منه على حقيقة مبلغ علمه:
كل ميت رأته عيني فإني ... ذلك الميت إن نظرت بقلبي
وجميع القبور قبري لولا ... جهل نفسي بما لها عند ربي
رقيقة - أهم ما على المسالك مراعاة قلبه، أن يتلف في تقلبه، فذلك فساد حاله، وذهاب رأس ماله، تزوج فقير فلبس ثياب العرس، فطلب قلبه فلم يجده، فصاح: خلقاني، فأعطوه، فأخذها وخرج.
حقيقة - حجب المطلوب ثلاثة: فحجاب التيه جمال، كما قال العارف عمر:
ته دلالاً فأنت أهل لذاكا ... وتحكم فالحسن قد أعطاكا
وحجاب العزة جلال:
همت بإتياننا حتى إذا نظرت ... إلى المراة نهاها وجهها الحسن
وحجاب الكبرياء كمال، أنشدت لرابعة:
أحبك حبين حب الهوى ... وحباً لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الهوى ... فشغلي بذكرك عمن سواكا
وأما الذي أنت أهل له ... فأن ترفع الحجب حتى أراكا
وما الحمد في ذا ولا ذاك لي ... ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
325
وهذا معنى ما في الصحيح وما بين أهل الجنة وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن.
ومنه:
حقيقة: الآثار منصة التجلي، فمن لم يزر مهلب " ويتفكرون " زار عمير " يمرون " وبطل رصد الحجاج.
رقيقة: من تفكر تذكر، ومن تذكر تبصر، فإن أكمل وقف، وإن قصر انصرف " إنا هديناه السبيل ".
حقيقة: الوحدة فهم، والتوحيد علم، والاتحاد حكم، والأثينينية وهم.
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
ومنه:
حقيقة - أهم ما على السالك مراعاة قلبه، أن يتلف في تقلبه، فإن ذلك فساد حاله، وذهاب رأس ماله، رؤي فقير ينادي في السوق: ارحموا صوفياً ذهب رأس ماله، فقيل له: وهل للصوفي رأس مال فقال: نعم، كان لي قلب ففقدته.
ومنه:
حقيقة (17) - تنازع القلب والنفس الخلق، فترافعا إلى العقل، فقسمه بينهما، فانفردت النفس بالهوى، والقلب بالتقوى، فصرفت طرقهما إلى الجهتين، وقطعت الشفعة فيهما بين الفئتين.
ومنه، عند ختم الكتاب، ما نصه:
حقيقة - لا يودع السر إلا عند أهله، ولا يذيعه إلا من ضاق ذرعاً بحمله،
326
فإن عدا مودعه الرمز فقد زل، وغن تعدى مذيعه الغمز فقد ضل.
رقيقة - الحسن خلق، والجمال خلق، وحسن الأدب في الظاهر عنوان حسن الأدب في الباطن، وحيث هو الجمال هو الجميل.
حقيقة - تحقق العلماء بالتوحيد فاستشعروا " والله خلقكم وما تعملون " لكنهم اعتبروا خلق السبب والابتلاء به، فتصرفوا بدلالة الإذن في مذهبه، فاستقاموا على طريقة الأدب، ولم يفتهم فضل التوكل، ولم تتسع معارف الزهاد لما عرفوا المشبب بكيفية الانصراف إلى السبب منه، لدقة الفرق بينه وبين الانصراف عنه، فوقفوا مع التوكل للعذر، ولم يستعملوا أدب الجريان مع ابتلاء الأمر، وعكف الغافلون على ظاهر السبب، ففاتهم التوكل والأدب " أولئك كالأنعام بل هم أضل ".
رقيقة: الفيت لعبد الحق الإشبيلي بيتاً هو عندي أفضل من قصيدة، وهو:
قد يساق المراد وهو بعيد ... ويريد المريد وهو قريب ومن أراد معرفة قدر هذا البيت فليتل " الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب ".
حقيقة: أشرف أسمائك ما أضافك إليه، وأكرم صفاتك ما دل فيك عليه (18) .
لا تدعني إلا بيا عبدها ... فإنه أشرف أسمائي
ولا تصفني بالهوى عندها ... فعندها تحقيق أنبائي
رقيقة:
أعزز بمن سوداء قلبي مغرب ... لخياله، وسواد عيني مشرق
إن غاب عن سري فعنه لم يغب ... أو عن عياني فهو فيه محقق
327
والعين تعجز أن ترى إنسانها ... والقلب بالروح اللطيف مصدق
صن عينك عن قلبك لربك، وقلبك عن نفسك لحبك، ونفسك عن طبعك لويلك، وطبعك عن هواك لعدوك، وهواك عمن سواك، وقد كنت من نسل الجنة، وكان بينك وبين البلاء أوقى جنك، لطف الله تعالى بي وبكم في مجاري أحكامه، ويسرنا أجمعين للعمل بموجبات إكرامه، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم لقائه؛ انتهى ما تعلق به الغرض من كتاب الحقائق والرقائق لمولاي الجد الإمام، سقى الله عهده صوب الغمام. وما ذكرته من كلامه غيض من فيض، وقل من كثر، ويكفي من الحلي ما قل وستر العنق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ق: ذمام؛ والزمام: الديوان.
(2) ص: فينشدني.
(3) ص: بالقادر.
(4) ق: الباب.
(5) ق ص: بثمر.
(6) شطر بيت لأبي الطيب وصدره: يراد من القلب نسيانكم.
(7) البيت للمعري من قصيدته: " عللاني فإن بيض الأماني ... ".
(8) البيت لأبي تمام.
(9) عجز بيت للمتنبي وصدره: " لعل عتبك محمود عواقبه ".
(10) ق: وتارة.
(11) ق: وفصل القضاء.
(12) قارن بما في التكملة: 842.
(13) ص: أواسطها؛ ق: أوسطها.
(14) المألكة: الرسالة.
(15) ق: حسب.
(16) ص: ولي.
(17) مر هذا آنفا ص: 316.
(18) مر البيت الأول فيما تقدم المجلد 2: 193.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|