أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-4-2017
2145
التاريخ: 24-7-2021
2739
التاريخ: 2023-02-12
959
التاريخ: 21-4-2016
2802
|
القسم من الأمور العظيمة التي يعتني بها العقلاء فإن المُقسَم عليه يعتبر معظماً، ومقدساً عند المقسِم به، ولذلك فمتى يقسم الإنسان فانه بذلك يثبت صدقه، أو يدفع كذبه، أو يرفع عنه حداً، أو يثبت حداً، كما لو أدعى الزوج أنه رأى زوجته تزني، فيحلف بالله خمس مرات، وكذا المرأة أيضاً تقسم لتدفع عن نفسها الحد. إلى غير ذلك من الأمور التي لا تخفى على أحد.
ولذلك كان القسم أمراً عظيماً لا يقال على الصغائر من الأمور، بل وحتى على الكبائر لا يذكر إلا إذا دعت الحاجة. وأعظم قسم وحلف هو القسم والحلف بالله سبحانه وتعالى. فلا يجوز أن يحلف بالله كاذباً ويكره أن يقسم محقاً أيضاً قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 224].
وقد روي عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «من حلف على يمين وهو يعلم أنه كاذب فقد بارز الله بالمحاربة، وأن اليمين الكاذبة تذر الديار بلاقع من أهلها وتورث الفقر في العقب»(1).
ومن هنا يجب على الإنسان أن لا يجعل الحلف بالله وسيلة رائجة في ترويج بضاعته، وأفكاره مهما كانت بل ينزه الله عن كل ذكر إلا ذكره ومجده وتسبيحه، سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً. ومتى لم يرتدع الإنسان عن القسم كاذباً، فأنه قد بارز الله بالمحاربة لأنه استهان بالله وبحرمته وعظمته وهذه الاستهانة هي المحاربة لله. ومتى حارب الإنسان ربه فقد وكله إلى نفسه وخذله خذلاناً مبينا، وهذا الذي حدث مع عبد الله بن مصعب الزبيري(2). فقد نقل الاصفهاني قصته، ونقلها العلامة الحجة السيد هاشم الرسولي المحلاتي في كتابه «عقاب الوب».
هذه القصة هي أن يحيى بن عبد الله بن الحسن من أحفاد الإمام الحسن (عليه السلام)، وكان من رواة الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) وروى أحاديث متعددة عن إمامنا الصادق (عليه السلام) ومن المقربين للإمام. لما ثار الحسين بن علي شهيد فخر في عصر الهادي العباسي خرج يحيى لمناصرة شهيد فخر وبعد استشهاد الحسين بن علي شهيد فخر توارى عن الأنظار لأن السلطة العباسية كانت تطارده وتطالب به. وظل كذلك لا يراه أحد ولا يعلم بخبره حتى وصل إلى الديلم في عهد الرشيد، والتف الناس حوله وأصبحت له شوكة يستطيع أن يناهض سلطه الرشيد إلا إنها لم تكن بذاك القوة العظيمة التي يعتمد عليها، وفي نفس الوقت كان يخاف من نمو حركته فلذلك عقد صلحا مع الرشيد بعد أن أجرى مفاوضات مع الفضل بن يحيى البرمكي وحصل على بعض الامتيازات مثل العيش بأمان وأن لا يتعرض له أحد بأي مضايقة، فأبرم الصلح ووقعت الوثيقة وكتب فيها إمضاء له بالأمان، إلا أن الرشيد كان يتربص به وينتظر الفرصة السانحة من أي طرف يشي به من أجل التخلص منه - ولولا خوفه من الظهور بمظهر الخائن لو قتل يحي بن عبد الله لقتله وكذا تسقط مهابته بين الناس، لينهي أمر هذا العالم الذي هو يحيى بن عبد الله بن الحسن. وهذا ما حدث فعلاً، ففي مرة من المرات جاء عبد الله بن مصعب الزبيري وهو من أحفاد الزبير إلى الرشيد وأخبره أن يحيى بن عبد الله طلب منه البيعة، قال هذا يحيى بن عبد الله طلب مني أن أبايعه.
فلم يعجب هذا القول الرشيد بل طلب منه أن يواجه يحيي بن عبد الله بهذا الأمر فوافق على ذلك، فجمع الرشيد بينهما، وفي هذا الاجتماع قال عبد الله بن مصعب في حضرة الرشيد: نعم يا أمير المؤمنين هذا دعاني إلى بيعته.
فالتفت يحيي بن عبد الله إلى الرشيد قائلاً: أتصدق هذا وتستنصحه وهو ان عبد الله ابن الزبير الذي أدخل أباك (جده وولده الشعب وأضرم عليهم النار حتى خلصه أبو عبد الله الجدلي صاحب علي ان أبي طالب)، يقول نحن عندنا أصحاب جدي أمير المؤمنين هم الذين خلصوا من جد هذا، وهو الذي بقي أربعين جمعة يقول له هذا جده هذا، من جده. ثم أردف بقوله: فو الله إن عداوة هذا يا أمير المؤمنين لنا جميعاً بمنزلة سواء، هو يعاديني ويعاديك، لكنه قوي عليّ بك، وضعفت عنه فتقرب بي إليك ليظفر منك بما يريد، إذ لم يقدر علي مثله منك، وما ينبغي لك أن تسوغه ذلك فِيَّ، فإن معاوية بن أبي سفيان وهو أبعد نسباً منك إلي ذكر يوماً الحسن بن علي فسفهه فساعده عبد الله بن الزبير على ذلك فزجره معاوية وانتهره، فقال الزبير: إنما ساعدتك يا أمير المؤمنين فقال معاوية: إن الحسن لحمي آكله ولا أرضى لأحد أن يأكله، وبيننا روابط نحن وإياك، فقال يحيى يا أمير المؤمنين ما أنصفنا المهم فرفع يحيى رأسه إليه، ولم يكلم عبد الله ابن الزبير ولم يكن يكلمه قبل ذلك وإنما كان يخاطب الرشيد بجوابه لكلام عبد الله لكن عبد الله بن مصعب كان يلح على الرشيد بأن ما أخبره به هو الحق.
فالتفت يحيى فقال للرشيد: ومع هذا فهذا هو الذي خرج مع أخي على أبيك وهو القائل أبياتاً في ذمكم بني العباس.
قال الرشيد: وماذا قال فينا؟
قال: هكذا ذكر أبياتاً:
إنا لنأمل أن ترتد ألفتنا بعد التدابر والبغضاء والإحن
حتى يثاب على الإحسان محسنا ويأمل الخائث المأخوذ بالدم
وتنقضي دولة أحكام قادتها فينا كأحكام قوم عابدي وثن
فطالما قد بروا بالجور أعظمنا بري الصناع قداح النبع للستن
قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتنا إن الخلافة فيكم يا بني الحسن
فلما سمع هذا الرشيد هذا غضب غضبا شديدا، قال:
يأتي ويشتكي عليك وهو قائل هذه الأبيات في ذمنا وإننا عبدة وثن وأننا ظلمة وأصحاب جور.
فابتدأ عبد الله بن مصعب الزبيري يحلف بالله ويقول:
والله والذي لا إله إلا هو، والله العظيم البر الرحيم، ويقسم أقسام مغلظة في الله أنه لم يقل هذه الأبيات وإن هذا الشعر هو لغيره لشاعر يقال له شبيب.
رد عليه يحيى قائلا: والله يا أمير المؤمنين ما قاله غيره وما حلفت بالله كاذبا ولا صادقاً وإن الله إذا مجده العبد في يمينه كما كان يحلف هذا، يحلف بالله ممجداً له، فالله تبارك وتعالى يستحي أن يعاقبه وإن كان كاذبا.
قال له الرشيد: إذن ما تعني؟
قال: هذا لا يعاقب لأنه كان يحلف ويقول والله الذي لا إله إلا هو والله الذي هو الحق المبين يعني يمجد الباري تبارك وتعالى فإذا أقسم بالله ممجداً للباري، الباري يستحي أن يعاقبه، أما إذ كان صادقا في قوله أنا أجعله يقسم بقسم ما أقسم به أحد كاذباً إلا عجلت له العقوبة في الدنيا قبل الآخرة.
قال الرشيد: حلِّفه.
قال له: دعه يحلف، قل: برئت من حول الله وقوته واعتصمت بحولي وقوتي وتقلدت الحول والقوة من دون الله استكباراً على الله واستغناء عنه واستعلاء عليه إن كنت قد قلت هذ الشيء.
سمع عبد الله بن معصب هذا القسم فارتبك، وامتنع عن القسم بذلك. فغضب الرشيد وقال للفضل بن الربيع: ما له لا يقسم؟ إذا كان صادقاً لابد أن يقسم.
ثم قال الرشيد هذا طيلساني على تاج الملك وهذه فيها لو حلفني أنها لي لحلفت، يقول أي واحد كان له الحق ويريد أحد يأتي يقول له اقسم أن هذا لك لابد أن يقسم فإذا أنت لم تقل هذا الشعر وحلفت أنك لم تقله لماذا تخاف؟ اقسم، فرفس الفضل بن الربيعة عبد الله بن مصعب برجله وصاح فيه: احلف ويحك، فحلف باليمين وهو يرتعد، فضرب يحيى بين كتفيه ضربة، فقال له: يا بن مصعب قطعت والله عمرك، والله لا تفلح بعدها.
فما برح من موضعه حتى أصابه الجذام، ومات في اليوم الثالث وعند دفنه حضر الفضل بن الربيع جنازته ومشى الناس معه فلما جاءوا به إلى القبر، وضعوه في لحده وجُعل اللبن في القبر فوقه، انخسف القبر فهوى به حتى غاب عن أعين الناس فلم يروا قراراً للقبر؛ لأن القبر أصبح مثل هاوية وخرجت منه غبرة عظيمة، فصاح الفضل التراب التراب فكان الناس يطرحون التراب وهو يهوي في القبر ودعي بأحمال الشوك فطرحت في هذا القبر من غير فائدة، فأمر حينئذ بسقف القبر بخشب وانصرف الناس عنه، فكان الرشيد بعد ذلك يقول للفضل: أرأيت يا عباسي ما أسرع ما أجيب ليحيى في مصعب، كيف الله عجله عقوبته؟
ونحن من هذه الحادثة يجب علينا أن نتعلم أمرا مهما وهو أن لا نُقدم على الكذب سواء من أجل كسب حق، أو تخلص من بلاء فلربما أوقع القسم بلاءً أعظم مما تخاف منه.
____________________________
(1) بحار الأنوار 101: 283.
(2) كان عبد الله بن مصعب من الذين يبغضون يحيى ويبغض الأئمة (عليهم السلام). فكان في أوائل أمره مع الحسنين يقاتل معهم ويشيد بهم، وينشأ الأشعار لكن سوء العاقبة في آخر حياته جعلته يتبدل حاله وأصبح من أعداء أبناء الإمام الحسن (عليه السلام).
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|