أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-5-2017
1510
التاريخ: 2023-08-12
940
التاريخ: 2023-03-30
1106
التاريخ: 2024-10-25
54
|
ناوأَت كلدية أو ديار بابل بلاد مصر ونافستها في عمرانها، حتى إنه ليصعُب على الباحث أن يبتَّ السبق لإحدى الأُمَّتين في مسألة الحضارة؛ لأن كلًّا منهما أوجدت ركابها في ميدانها، وحاولت غلبة صاحبتها أو طمسها لتنال قصب السبق، فإذا كلتاهما بلغت الغاية في وقتٍ واحد، فكان لكلٍّ منهما فضل صاحبتها، ومن اجتماع فضلهما نشأَت الحضارة القديمة وكل ما يتعلَّق بها. ليس لنا في العراق من المباني القديمة ما يدلُّنا على ما بلغَت إليه الريازة من الشأو والأوج؛ لأن الأبنية التي شُيِّدَت إنما شُيدت بالآجر (بالطابوق)، ويتطلَّب صنعه وقتًا طائلًا ونفقات باهظة وعناية عظيمة إذا أُريد إتقان إحراقه أو شيُّه، هذا فضلًا عن أنه لا يصبر على طوارئ الجو وتقلُّباته صبر الحجر عليها؛ ولهذا إذا عُني بانٍ بتشييد أثر جليل أو قصر فخم ثم جاء بعده رجل آخر أراد تخليد اسمه، عمد إلى نقض بناء مَن تقدَّمه وانتزع منه ما يصلُح لإقامة أثره ورفع بنيته، وبفعله هذا يُميت ذكر من تقدَّمه ويُحيي اسمه، فيستفيد فائدتين من عملٍ واحد، وقد حذا الواحد حذو الآخر إلى يومنا. وهذا ما يبين لك قلة الأبنية الجليلة أو دثورها، ويمنعك من أن تحكم على ما بلغَت إليه هذه الديار من الرُّقي بالنظر إلى الآثار الباقية. ولو لم يلجأ العلماء إلى الأرض ويبحثوا في دفائن أحشائها ما بقي فيها من البقايا ليستنطقوها عمَّا كان على ظهرها في سابق الزمان؛ لما عرفنا منها اليوم شيئًا مذكورًا، وقد اتَّضح للإفرنج أن الأقدمين من البابليين والكلدان كانوا يتخذون نفس المواد التي يتخذها اليوم العراقيون في مبانيهم؛ أي الآجر (الطابوق)، وفي بعض الأحيان اللبِن (الطابوق غير المشوي)، والجص، والرماد، والنورة، والقار، ولم يعرفوا الحجر والجيار كما عرفهما المصريون، فصبرت مبانيهم على نوائب الزمن إلى عهدنا. وأشهر المباني التي اكتُشفَت آثارها في العراق كانت في أرك (الوركاء)، ولارسا أو لرسم (سنكرة)، وأريدو (أبو شهرين)، وأود (المقير)، ولجش أو سربرلا (تلو)، فوجدوا فيها هياكل وقصورًا بناها ملوك معاصرون للفراعنة الذين شادوا الأهرام المصرية، وهي كلها مبنية على أرهاص (قواعد من طين أو لبن يُرفع عليها البناء)، تسمُك نحو عشرين مترًا فتكون كالتل المصطنع حتى تدرأ الغرق عن البناء، ويبلغ سطحها أو أعلاها بمرتقى سهل المصعد للعجلات والخيل، وبسلم يكاد يكون محفورًا في الأرهاص لصعود الناس إليها، وكان القصر نفسه عبارة عن كتلة مربعة أو مستطيلة، ولم يكن لجدرانه الشامخة الجرداء فتحات سوى باب أو عدة أبواب في كل وجهٍ من أوجهه الأربعة، وكانت هذه الأوجه مُزينة في الغالب بتجاويف موشورية الشكل إراحةً للناظر إليها، وفي داخل القصر أفنية متداخلة، ويتيه في جنباتها المتسعة بعض السعة، وهناك غُرف وعلالي ثخينة لحيطان، هي طويلة أكثر منها عريضة، تجمعها من فوق عقود حسنة، العقد تشبه في شكلها مهد الطفل، ويُنيرها من أعلاها كوى ضيقة، وفي إحدى زوايا القصر يرتفع برج هرمي الشكل يُعرف عندهم بالزقورة، وهي من الأبنية الخاصة بالطَّرْز الكلداني، ولكل زقورة سبع طباق، ولكل طبقة لون يختلف عن لون أختها، وموقوفة على ربٍّ من أربابهم، وهي: الشمس، والقمر، والسيارات الخمس، وشكل كل طبقة مكعَّب تام متناسق الوضع، وكل طبقة ترتفع عن أختها متأخرة عنها ومنقبضة، وعلى أعلى الطبقة الأخيرة معبد يُعبد فيه إله المحل. أما زخرف القصر فكان في نهاية السذاجة، فإن حيطانه كانت مُغشَّاة بطبقة من الستوق، (1) أو من غلالة جصيَّة كانت تخفي عن الأبصار منظر الآجر، ويطبعون عليها نقوشًا هندسية أو تصاوير بشرية أو حيوانية، وكانوا يعتاضون غالبًا عن هذه الغلالة السريعة التلف بإزار يُتخذ من الآجر الملون، يصبر على الزمان أكثر من الغلالة الجصَّية، وكانوا يجمعون بين الألوان جمعًا تشُبُّها شبًّا فضلًا عن أنهم يُنشئون منها زخارف تُعجب العين وتشرح الصدر وتبسط النفس، فقد وُجد من هذا الآجر شيء كثير كان مطمورًا في الأرض، فأُخرج فإذا ألوانه أزهى ما حر ما يمكن أن تكون. وأما النحت عندهم فلقد وصلَنا منهم أقل مما وصلنا من منحوتات المصريين، وأغلب التماثيل الكلدانية التي اكتُشفَت إلى الآن وُجدت في لجش (تلو)، وهي محفوظة في اللُّفر، وهي منحوتة من المستماز (نوع من الحجر البركاني يُعرف بالديوريت عند الإفرنج) الأزرق أو الأسود مقطوعة الرؤوس، قطعها الحفَّارون المسلمون عند استخراجها من بطن الأرض لكي لا تُعبَد. وفي اللُّفر أيضًا رءوس مقطوعة عن أجسادها وجدها صاحب الحفريات الفرنسوي المسيو دسا رزيك بعد أن أُتلفت أجسادها، وهذه الرؤوس ذات منظر ثقيل جهم، عريضة الأذقان مربَّعتها، قوية الوجنات، ثخينة الشفاه ذات شبق واضح، فُطس الأنوف نجل العيون وُطف الحواجب مقرونتها. أما الأجساد فتُرى تارة واقفة وطورًا جالسة على كرسي بدون مُتَّكَأ للظهر. أما الملبوس فهو عبارة عن رداء ضافٍ يمر تحت إبط الرجل الأيمن وينتقل إلى كتفه الأيسر، ثم يقع متوسِّعًا شيئًا فشيئًا إلى أن يتهدَّل إلى عقبه. أما مثاني الرداء فظاهرة قليلًا وعلى وجهٍ مصطنع، ومعاريه منحوتة نحتًا ثقيلًا، غير أنه ينطق بالصدق. وقد أبدى الناحت من ناهض الهمة في صدق التمثيل ما يُدهش كل ناظر إليه؛ فلقد نجح في إظهار ما في خاطره رغمًا عن صلابة الحجر؛ إذ خطَّطَ اعوجاج الأظفار وغضون الجلد بصورة عجيبة، بيد أنه لم يُحافظ على تناسب أعضاء الجسم؛ فإن الكتفين والردفين عريضة، حتى بلغَت وراء المقصود بالنسبة إلى علو مرتفع صدره وطول ساقيه. وإلا فما عدا هذه الشوائب فإن تماثيل لجش هي صورة حقيقية لمن تُمثِّلهم؛ ففيهم الملك جوديا وأمراء بيته، وترى كل واحد منهم بموجب سمته الخاص به، والظاهر أن الناحت في ديار الكلدان كالناحت في وادي النيل، يبذل ما في وسعه ليُمثِّل الرجل الذي ينحته مدفوعًا بدافع ديني؛ لأنه يتخيل أن التمثال هو مأوى نفس، ينتقل إليه بعض مزدوجها لكي لا يتألَّم هذا المزدوج؛ ولهذا أراد أن يكون هذا المسكن الحجري نسخة صحيحة من المسكن الجسدي.
.................................................
1- الستوق: كلمة عربية فارسية الأصل، مركَّبة من «سه»؛ أي ثلاث، و«تو»؛ أي قوة، ومحصل معناها: المُركَّب من ثلاث قوى؛ أي: ثلاث مواد، وهي: الكلس أو النور، والجص، والهلام أو بدله الشب. ويُراد بالستوق شيء يشبه الرخام الصناعي المعروف عند المصريين بالخفقي وبياض المصِّيص، وعند غيرهم بمعجون المرمر أو معجون الرخام. والكلمة الفارسية تشهد على أن العرب أخذوا صنعه من الفُرس، والكلمة الإفرنجية (ستوك) Stuc تشهد على أن العرب علَّموا صنعه لأهل الغرب.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|