أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-6-2017
2006
التاريخ: 25-9-2016
1434
التاريخ: 2023-12-19
1065
التاريخ: 2023-12-19
1269
|
قال الله تعالى:
{ادْعوني أسْتَجِبْ لَكُمْ} (1).
{قُلْ ما يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ} (2).
{وَما خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدونِ} (3).
ورد في الحديث النبويّ الشريف:
«الدعاء مخّ العبادة».
«أفضل العبادة الدعاء».
«الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السماوات والأرضين» (4).
ونتيجة الآية الكريمة والرواية الشريفة: أنّ فلسفة الحياة العبادة، وأصل العبادة الدعاء. فمن حكمة الحياة الدعاء، وما أكثر الآيات والأخبار التي تحثّ الإنسان على الدعاء وابتغاء الوسيلة إلى الله سبحانه وتعالى، وما أكثر فوائد الدعاء الفرديّة والاجتماعيّة، فإنّ الدعاء قرآن صاعد، وإنّه حلقة وصل بين العبد وربّه، ومحضر اُنس وحديث العشّاق وكلام المحبّين.
وطالب العلم في سيرته الأخلاقية منذ البداية وحتّى آخر لحظة من حياته العلميّة والعمليّة لا بدّ أن يستأنس بالأدعية والأذكار والأوراد، فإنّه بدعائه يشفع العلم ليكون نافعاً له ولغيره، وإنّما تزداد بركات العلم وثمراته بمثل الدعاء والتوسّل بالله وبرسوله وأوليائه (عليهم السلام)، وإنّه يفلح الطالب في الحياة وفي تحصيل العلوم والفنون.
يقول أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام):
«الدعاء مقاليد الفلاح ومصابيح النجاح».
«الدعاء مفاتيح النجاح ومقاليد الفلاح».
«الدعاء مفتاح الرحمة ومصباح الظلمة».
«أحبّ الأعمال إلى الله في الأرض الدعاء».
وأخطر شيء على طالب العلم هو الشيطان ووساوسه وحبائله وحزبه وأعوانه، ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «أكثر من الدعاء تسلم من سورة الشيطان»، وكان هو (عليه السلام) رجل دعّاء.
فالدعاء سلاح المؤمن وسلاح الأنبياء (عليهم السلام)، وكلّما ازداد الإنسان علماً ازداد دعاءً، قال أمير المؤمنين على (عليه السلام): «أعلم الناس بالله سبحانه أكثرهم له مسألةً».
والجهل يُعدّ من أمرّ الداء، ويقول الإمام الصادق (عليه السلام):
«عليك بالدعاء فإنّ فيه شفاء من كلّ داء».
كما أنّه علينا أن نسأل الله في كلّ الأشياء صغارها وكبارها، حتّى شسع النعل، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
«سلوا الله عزّوجلّ ما بدا لكم من حوائجكم حتّى شسع النعل، فإنّه إن لم ييسّره يتعسّر».
«يا موسى سلني كلّ ما تحتاج إليه حتّى علف شاتك وملح عجينك».
وموسى هذا من أنبياء اُولي العزم، والعلماء ورثة الأنبياء، وأولى الناس باتّباعهم والاقتداء بهم، فلا بدّ أن يدعو الله في كلّ شيء حتّى ملح الطعام.
وأمّا التوسّل وابتغاء الوسيلة بمحمّد وآله الطاهرين، فما أكثر النصوص الدينية والقضايا التأريخية والحوادث الواقعيّة تدلّ على أهميّة ذلك في حياة المؤمن، لا سيّما طالب العلوم الدينيّة.
كما إنّ الأذكار والأوراد والنوافل والأعمال المستحبّة، لا سيّما صلاة الليل لها دور عظيم جدّاً في توفيق وسعادة طالب العلم، والانتفاع بعلمه المبارك، وتكامله في حياته العلمية والعمليّة.
ومن هذا المنطلق نجد حياة أسلافنا في العلم والعمل مشحونة بالحكايات والخواطر ذات العبر والدروس، كما إنّها مليئة بالوصايا والاهتمام البالغ بهذا الجانب الروحي الملكوتي.
يقول العلاّمة الطباطبائي صاحب الميزان في تفسير القرآن: كنت أيّام شبابي في النجف الأشرف حين كسب علوم أهل البيت (عليهم السلام) أتردّد على المرحوم آية الله العارف بالله السيّد علي القاضي، فذات يوم كنت واقفاً عند باب المدرسة، فمرّ بي المرحوم القاضي، فلمّـا اقترب منّي وضع يده على كتفي وقال: بنيّ، إن كنت تريد الدنيا فعليك بصلاة الليل، وإن كنت تريد الآخرة فعليك بصلاة الليل. يقول السيّد: لقد أثّرت هذه المقولة الروحيّة في نفسي غاية التأثير، فصرت اُلازم السيّد القاضي ليل نهار لاُدرك فيضه وكمالاته الروحيّة.
ويحدّثنا مؤسّس حوزة قم المباركة آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري أنّه حين كان في سامراء يتلقّى العلوم من اُستاذه آية الله العظمى المجدّد الشيرازي، دخل عليه في يوم آية الله السيّد محمّد الفشاركي منقبض الوجه قلقاً وكان مضطرباً من مرض الوباء الذي اجتاح العراق تلك الأيّام، فقال المجدّد لتلامذته: هل تروني مجتهداً؟ فقالوا: نعم. ثمّ قال: وهل تروني عادلا؟ فقالوا: نعم. فلمّـا أقرّوا باجتهاده وعدالته، قال: آمر كلّ امرأة ورجل من الشيعة بأن يقرأوا زيارة عاشوراء نيابة عن اُمّ صاحب الزمان (عليه السلام) السيّدة نرجس خاتون، فيتوسّلون بها بحقّ ولدها عجّل الله فرجه الشريف أن يشفع عند الله بنجاة المسلمين من الوباء.
وبمجرّد صدور هذا الحكم التزم شيعة سامراء بالزيارة، فدفع الله عنهم الوباء.
وفي عصرنا هذا حدث لنا مثل هذه الواقعة حيث كان صدّام الكافر يقصف مدن إيران ومنها قم المقدّسة، فأمر آية الله العظمى السيّد محمّد رضا الكلبايكاني أن يتوسّل الناس بسيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فدفع الله شرّ صدّام.
«إنّ هذه التوسّلات تساعد الإنسان مساعدةً عظيمة جدّاً في تحصيل العلم وكسب الإخلاص وتهذيب النفس وترك الذنوب والمعاصي، وحتّى المكروهات والمباحات.
فهذا الإمام الخميني قائد الثورة الإسلامية طيلة إقامته في النجف الأشرف لم يترك زيارة حرم أمير المؤمنين على (عليه السلام) كلّ ليلة، كان يقصد ضريح سيّد الشهداء (عليه السلام)، وكان يقرأ دائماً زيارة عاشوراء مع تكرار الفقرات التي ينبغي تكرارها مئة مرّة.
كان عابداً متهجّداً مستغفراً في الأسحار، وابنه يقول: ذات ليلة وقع في العراق انقلاب عسكري، وفرضت الأحكام العرفيّة، وجاء وقت زيارة الإمام، فتبيّن أنّه ليس موجوداً فاضطربت وفتّشت عنه الغرف فوجدته على السطح أمام قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) مشغولا بالزيارة، كان يقرأ زيارة الجامعة في كلّ ليلة إلاّ عند الضرورة.
وفي أواخر أيّامه في طهران بعد انتصار ثورته كان كلّ يوم يتمشّى ساعتين أو ثلاثة والسبحة بيده، وهو مشغول بالذكر أو بزيارة عاشوراء.
وكان بمجرّد أن يسمع كلمة (يا حسين) يبكي لعشقه بأهل البيت (عليهم السلام).
ذات يوم قال أحد طلاّب مدرسة الرفاه للإمام: لماذا لا تذكرون في أحاديثكم الإمام المنتظر إلاّ قليلا، وبمجرّد أن سمع الإمام ذلك وقف وقال: ماذا تقول؟ ألا تعلم أنّ كلّ ما عندنا هو من الإمام صاحب الزمان عجّل الله فرجه، وكلّ ما عندي هو من الإمام صاحب الزمان، وكلّ ما عندنا من الثورة هو من الإمام صاحب الزمان (عليه السلام).
وهذا العلاّمة الأميني (قدس سره) صاحب الغدير، من خصائصه العشق والولاء الكامل لآل محمّد (عليهم السلام) عشقاً كان مشهوراً تتناقله الألسن، بحيث يمكن القول أنّ الغدير أثر من آثار العشق العارم، ومن هنا كانت له علاقة خاصّة بسماع مصائب الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه الكرام والتأمّل في مصائبهم، وكان يبكي بصوت عال بكاءً مريراً ومتفجّعاً.
وهذا العبقري العظيم الشيخ الوحيد البهبهاني صاحب مدرسة في الاُصول، كان عندما يتشرّف بحرم سيّد الشهداء (عليه السلام) للزيارة يقبّل أوّلا عتبة الباب (الكفشداريّة) «محلّ نزع الأحذية» ويمسح وجهه المبارك ولحيته الشريفة، وبعد ذلك يتشرّف بدخول الحرم بخضوع وخشوع وبكاء، ثمّ يقرأ الزيارة.
يقول المحدّث القمّي: حيث إنّ السيّد نعمة الله الجزائريّ لم يكن يستطيع في بدء دراسته أن يشتري مصباحاً للمطالعة، فقد كان يطالع في ضوء القمر، ونتيجة كثرة المطالعة، ضعف بصره، ولذلك بدأ يمسح بتربة سيّد الشهداء وتربة سائر الأئمة (عليهم السلام) على عينيه، ومن بركة تلك التربة كان نور بصره يزداد ويقوى.
ويضيف المحقّق القمّي: وليس هذا الأمر غريباً ؛ لأنّ الدميري في (حياة الحيوان) وغيره، ينقلون أنّ الأفعى عندما تصاب بالعمى تمسح عينيها بنبات معيّن فتبصر، وإذا كان الله تعالى يجعل تلك الخاصّية في نبتة ما، فما العجب في أن يجعل مثلها في تربة ابن النبيّ (صلى الله عليه وآله)، ويضيف قائلا: وهذا الحقير أيضاً كلّما ضعف بصري بسبب كثرة الكتابة أتبرّك بتراب مراقد الأئمة (عليهم السلام)، وأحياناً بمسّ كتابة الأحاديث والأخبار، وبحمد الله فإنّ يميني في غاية القوّة، وأملي إن شاء الله أن تقرّ عيني ببركتهم في الدنيا والآخرة.
يقول ابن المحدّث القمّي: حينما كنّا في النجف الأشرف سنة 1357 ه قبل وفاة الوالد بسنتين استيقظ والدي وقال: اليوم تؤلمني عيناي ولا أستطيع المطالعة والكتابة، فذهبت إلى الدرس، ولمّـا رجعت ظهراً وجدته يطالع ويكتب، فسألته عن ذلك فقال: توضّأت وجلست تجاه القبلة ومسحت كتاب الكافي على عيني فارتفع الألم، والعجيب أنّه لم يبتلِ بعدها بألم العينين طيلة عمره.
وقد كان الفقيه العادل المرحوم الشيخ جواد مشكور مرجع تقليد قسم من الشيعة في العراق، وفي ليلة 26 صفر 1336 ه ق رأى في منامه في النجف الأشرف عزرائيل سلام الله عليه، وبعد السلام سأله من أين جئت؟ قال: من شيراز، وقد قبضت روح المرحوم الميرزا إبراهيم المحلاّتي. فسأله: ما حال روحه في عالم البرزخ؟ فقال: في أحسن الحالات وفي أحسن حدائق البرزخ، وقد وكّل الله به ألف ملك يطيعون أوامره. فقال: بأيّ سبب وصل إلى هذا المقام؟ فأجابه عزرائيل: بسبب قراءة عاشوراء. وفي اليوم التالي جاءت برقيّة من شيراز إلى النجف تحمل نبأ وفاة الميرزا المحلاّتي، وثبت صدق منام الشيخ.
كان آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري مؤسّس الحوزة بقم قبل التدريس يأمر خطيباً أن يقرأ العزاء على سيّد الشهداء (عليه السلام) أوّلا، ثمّ كان يدرّس، وكان يشترك حافي الأقدام في مواكب اللطم والعزاء، وكان يقول: كلّ ما عندي فهو من الإمام الحسين (عليه السلام)، وكيف نجّاه من الموت أيّام شبابه.
وهذا السيّد مير حامد حسين صاحب (عبقات الأنوار)، كان يغشى عليه عندما يسمع مصائب سيّد الشهداء (عليه السلام).
كما امتاز العلاّمة الطباطبائي صاحب تفسير الميزان بولائه وعشقه الخاصّ بأهل البيت (عليهم السلام)، وحينما كان يدخل حرم الإمام الرضا (عليه السلام) كان يقبّل عتبة الباب، وكان يشترك في عزاء سيّد الشهداء (عليه السلام)، وفي بعض الأحيان حتّى السحر وكان يبكي بكاءً مريراً وبصوت عال، ولا شكّ أنّ كثير من توفيقاته وليدة هذه الخصلة.
فسيرة علمائنا الكرام ـ رحم الله الماضين وحفظ الباقين ـ هي التوجّه والتوسّل بالأئمة الأطهار (عليهم السلام) وقراءة الأدعية والأوراد والأذكار والزيارات (5).
وهذا سيّدنا الاُستاذ يقول في وصيّته (6):
واُوصيه بتهذيب النفس والمجاهدات الشرعيّة، فإنّي نلت به ما نلت، ورزقني ربّي الكريم ما لم تره أعين أبناء العصر، ولا طرقت أسماعهم، ولا سمعت آذانهم، فالحمد لله تعالى على هذه الموهبة العظيمة والفضل الجسيم.
واُوصيه ونفسي الخاطئة بتقوى الله في السرّ والعلن والاهتمام في الورع والزهد في زخارف هذه الدنيا الدنيّة، وألا يترك زيارة أهل القبور والاعتبار بهم، فإنّهم من كانوا بالأمس فما صاروا اليوم؟ وأين كانوا فإلى أين صاروا؟ وكيف كانوا فكيف صاروا؟ الأموال قد قسمت، والأكفاء قد زوّجت، والدور قد سكنت، وما بقي لهم إلاّ ما كانوا يفعلون ويعملون، وألا يترك تلاوة القرآن ومطالعة الأحاديث والتدبّر فيهما والاستنارة من أنوارهما، وألا يترك صلاة الليل والتهجّد في آنائه والاستغفار في أسحاره، فقد قال مولانا سيّد المظلومين أمير المؤمنين روحي له الفداء في وصاياه: عليك بصلاة الليل...
واُوصيه بمداومة قراءة زيارة الجامعة الكبيرة ولو في الاُسبوع مرّة.
واُوصيه بقراءة سورة (يس) بعد فريضة الفجر كلّ يوم مرّة، وبقراءة سورة (النبأ) بعد فريضة الظهر كذلك، وبقراءة (العصر) بعد فريضة العصر كذلك، وبقراءة سورة (الواقعة) بعد فريضة المغرب، وبقراءة سورة (الملك) بعد فريضة العشاء كذلك، واُؤكّد عليه بالمداومة على ما ذكرت، فإنّي أروي هذه الطريقة عن مشايخي الكرام وجرّبتها مراراً.
واُوصيه بمداومة تسبيحات جدّتنا الزهراء البتول روحي لها الفداء.
واُوصيه بالتوسّل ومداومة الأدعية والأذكار.
واُوصيه بالاستغفار في آناء الليل والنهار.
واُوصيه أن يجعل على صدري في كفني المنديل الذي نشفت دمعاتي في رثاء جدّي الحسين المظلوم وأهل بيته المكرمين سلام الله عليهم أجمعين.
واُوصيه بالمداومة على السنن والمستحبّات وترك المرجوحات والمكروهات مهما أمكن.
واُوصيه بتلاوة القرآن الشريف وإهداء ثوابه إلى أرواح شيعة آل الرسول الذين لا وارث لهم أو لا متذكّر في حقّهم، فإنّي قد جرّبت هذه الحسنة مراراً ووفّقني ربّي الكريم بما وفّقني بسببها، فالموفّقية والرشد والتقدّم في التضرّع والدعاء:
{وَإذا سَألَكَ عِبادي عَنِّي فَإنِّي قَريبٌ اُجيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعانِ فَلـْيَسْتَجيبوا لي وَلـْيُؤْمِنوا بي لَعَلَّهُمْ يِرْشُدونَ} (7).
وأمّا صلاة الليل، فإنّ القلم ليعجز عن بيان فضلها وتأثيرها في حياة طالب العلم، فإنّها سرّ النجاح ومفتاح الفلاح، ويكفي في فضلها أنّها كانت واجبة على رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وقد أشار القرآن الكريم في أكثر من عشر مواضع على هذا الأمر الخطير، وقد ورد الثناء والإطراء الإلهي على المتهجّدين بالأسحار بعبارات مختلفة.
ويقول العارف بالله الميرزا جواد الملكي التبريزي صاحب (المراقبات): إنّ الروايات في فضيلة صلاة الليل وذمّ تركها قد بلغت حدّ التواتر (9).
يقول الإمام الصادق (عليه السلام): ليس من شيعتنا مَن لم يصلّ صلاة الليل.
ويرى علماء الأخلاق أنّ من الواجبات الأخلاقية على الطلاّب أن يهتمّوا بهذا المستحبّ ويلتزموا به لإنارة قلوبهم والاختلاء بالله حبيب القلوب.
يقول المرحوم الملكي التبريزي: وحكى لي شيخي في العلوم الحقّة: أنّه ما وصل أحد من طلاّب الآخرة إلى شيء من المقامات الدينية إلاّ إذا كان من المتهجّدين.
وكيف كان، فإنّ من له أدنى تتبّع في أخبار أهل البيت (عليهم السلام) وأحوال السلف من مشايخنا العظام (رحمهم الله)، لا يشكّ في أنّ صلاة الليل ليست ضدّ تحصيل العلم، بل هي من أسبابه القريبة والقويّة، وكثيراً ما رأينا من المحصّلين من كان من المتهجّدين وصار ذلك سبباً لاستقامة فهمه وجودة ذهنه في الوصول إلى المطالب الحقّة في المسائل العلميّة، وارتقى إلى المراتب العالية في العلم بخلاف الطلاّب المجدّين في مطالعة الكتب العلميّة ـ غير المتهجّدين ـ فقلّما خرج منهم صاحب ملكة مستقيمة، نعم، ربما يوجد فيهم مشكّك مدقّق، ولكن لا يكون محقّقاً، ولا يكون في علمه بركة كاملة، بل يقلّ خيره ونوره ولا يوفّق لفوائد هذا العلم.
وهذه زينب الكبرى، الصدّيقة الصغرى، العالمة غير المعلَّمة، في مثل ليلة الحادي عشر من يوم الطفّ وتلك الرزيّة العظمى تصلّي صلاة الليل من جلوس لانهيار طاقتها، فلم تترك التهجّد.
وما ألذّ تلك السويعة الروحانيّة التي يقوم فيها طالب العلم لأداء صلاة الليل وليخلو بحبيبه ربّ العالمين.
وهذا السيّد الإمام الخميني (قدس سره) منذ شبابه وحتّى آخر أيّامه لم يترك صلاة الليل سواء في حالة الصحّة أو المرض، وفي السجن وغيره، حتّى في الطائرة التي نقلته إلى إيران أيّام الثورة.
وهذا سيّدنا الاُستاذ آية الله العظمى السيّد النجفي المرعشي يوصي ولده أن يدفن معه سجّادته التي صلّى عليها سبعين سنة صلاة الليل.
وجاء في ترجمة آية الله الملكي التبريزي أنّه قبل أذان الصبح كان يقوم لصلاة الليل بالبكاء والنحيب.
والمحدّث القمّي (قدس سره) كان في كلّ أيّام السنة في الفصول الأربعة يستيقظ قبل طلوع الفجر بساعة على الأقلّ، ويشتغل بالصلاة والتهجّد. يقول ابنه الكبير: في حدود ما أتذكّر لم يفته قيام آخر الليل حتّى في الأسفار، كان ملتزماً بذلك.
كان الشيخ محمّد الأشرفي عليه الرحمة من تلامذة سعيد العلماء، يشتغل من منتصف الليل حتّى الصباح بالتضرّع ومناجاة الله عزّ وعلا، ويلطم على صدره ورأسه، وعندما يطلع الصباح يكون في غاية الضعف، بحيث أنّ من لا يعرفه كان يتصوّر إذا رآه أنّه غادر فراش المرض الآن.
أجل، كما يقول مولانا أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): قد براهم الخوف بَرْي القداح، ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى، وما بالقوم من مرض (10).
كان آية الله العظمى الشيخ جعفر كاشف الغطاء في العبادة وصفاء الباطن وحالة التضرّع والبكاء بين يدي الله تعالى والتهجّد وقيام الليل والدعاء والمناجاة أحد أوتاد الدهر، وكان يبذل جهده مهما استطاع حتّى لا يفوته عمل مستحبّ.
وفي إحدى أسفاره زار (رشت) من مدن إيران فاُخبر أنّ أئمّة الجماعات لا يصلّون النوافل، فقال: لا تقتدوا خلف من لا يصلّي النوافل، وعندما سمع أئمة الجماعة ذلك التزموا بالنوافل.
ويقول ولده الشيخ حسن: كان من عادة والدي كلّ ليلة قبل السحر أن يوقظ العيال والأطفال جميعاً لصلاة الليل، وكان الجميع يستيقظون.
وآية الله النجفي القوجاني صاحب (سياحة الشرق وسياحة الغرب)، يقول عن أيّام دراسته في إصفهان: في هذه الغرفة الجديدة التي كانت متّصلة بغيرها من الغرف، فتحنا في وسط المشكاة ثقباً، ومددنا منه حبلا، كان أحد طرفيه في غرفة صديقي، وطرفه الآخر في غرفتي، كان صديقي وقت النوم يربط ذلك الطرف بيده، وأربط أنا هذا الطرف بيدي، حتّى إذا ما استيقظ أحدنا سحراً لصلاة الليل يستيقظ الآخر بواسطة هذا الحبل بدون أيّ صوت حذراً من أن يستيقظ طالب آخر على صوتنا، ولا يكون راضياً بذلك.
كان بعض الأعلام يقرأ دعاء أبي حمزة الثمالي في صلاة الليل.
هنيئاً لهذه الكواكب الدرّية في الليالي المظلمة الذين كانوا مصداق قوله تعالى: {كانوا قَليلا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعونَ وَبِالأسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرونَ} (11).
يقول آية الله الملكي التبريزي (رحمه الله): كان لي شيخ جليل عارف قدّس الله تربته ـ المراد آية الله الشيخ حسينقلي الهمداني ـ ما رأيت له نظيراً، سألته عن عمل مجرّب يؤثّر في إصلاح القلب وجلب المعارف، فقال قدّس سرّه العزيز: ما رأيت عملا مؤثّراً في ذلك مثل المداومة على سجدة طويلة في كلّ يوم وليلة مرّة واحدة يقال فيها: {لا إلـه إلاّ أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمينَ}.
يقوله وهو يرى نفسه مسجونة في سجن الطبيعة، ومقيّد بقيود الأخلاق الرذيلة مقرّاً با نّك يا إلهي لم تفعل ذلك بي ولم تظلمني وإنّما أنا الذي ظلمت نفسي، وأوقعتها في هذه الهوّة، بالإضافة إلى قراءة سورة القدر في ليلة الجمعة وفي عصرها مئة مرّة. انتهى كلامه رفع الله مقامه.
أقول: عن بعض مشايخي في السير والسلوك، إنّ هذه الآية والتي تسمّى بالذكر اليونسي من قالها كما وردت فإنّه يبتلي بالهمّ والغمّ، بل لا بدّ من إكمالها إلى قوله تعالى: {وَكَذلِكَ نُنْجي المُؤْمِنينَ}.
ثمّ فيها أعداد خاصّة، فمنها أربعمائة، واُخرى ألف وواحدة، وربما أربعة آلاف مرّة، فيحتاج الذاكر إلى اُستاذ وحكيم يرشده ويجيزه، فإنّ في ذلك الأثر البالغ، يقف عليه من كان من أهله.
يقول العلاّمة الطباطبائي (قدس سره) ضمن تعداد الاُمور التي يجب أن يلتزم بها السالك: الورد هو عبارة عن الأذكار والأوراد اللسانيّة، وكيفيّتها وكمّيتها منوطتان برأي الاُستاذ، لأنّ لها حكم الدواء الذي ينفع البعض ويضرّ الآخرين، وأحياناً قد يشتغل السالك بذكرين أحدهما يوجّهه إلى الكثرة والآخر إلى الوحدة، وفي حالة اجتماعهما تبطل نتيجة كلّ منهما ولا ينتفع بشيء طبعاً، إذن الاُستاذ شرط في الأوراد التي لم يرد فيها إذن عامّ، وأمّا ما ورد فيه إذن عامّ فلا مانع منه.
فلا بدّ لطالب العلم في سيرته الأخلاقية أن يواظب المواظبة التامّة على التهجّد وقيام السحر والاشتغال بنافلة الليل مع كمال حضور القلب والإقبال والاشتغال بالتعقيب وقراءة القرآن إلى طلوع الشمس والاستغفار لا سيّما سبعين مرّة أو مئة مرّة صباحاً ومساءاً والتهليل والتسبيح والتحميد والتكبير والصلاة على محمّد وآله الطاهرين.
هذا وقد كتب آية الله التبريزي رسالة إلى الفيلسوف والاُصولي المشهور الشيخ محمّد حسين الاصفهاني، نقل فيها تعليمات عن اُستاذه المرحوم العارف بالله الهمداني (قدس سرهما)، جاء فيها: يجب أن يقلّل الإنسان الطعام والنوم أكثر من المتعارف قليلا، ليضعف البعد الحيواني فيه ويقوى البعد الروحي، وميزان ذلك كما بيّنه سماحته هو:
أوّلا: ألا يتناول الإنسان الطعام في اليوم والليلة إلاّ مرّتين ـ كما ورد في الأخبار ـ ويترك حتّى المتفرّقات التي يتناولها بين الطعامين.
ثانياً: عندما يأكل يجب أن يكون ذلك بعد الجوع بساعة مثلا، ثمّ يأكل بحيث لا يشبع تمام الشبع، هذا في كمّ الطعام، وأمّا كيفيّته، فبالإضافة إلى الآداب المعروفة، ألا يأكل اللحم كثيراً، بمعنى ألا يأكله في وجبتي اليوم والليلة معاً، ويتركه في كلّ اُسبوع مرّتين أو ثلاثاً في الليل وفي النهار، ويتركه مرّة إذا استطاع للتكيّف، ويجب ألا يكون ممّن اعتاد غلي تناول البزورات (المخلوطة) ولا يترك صيام ثلاثة أيّام في كلّ شهر إذا استطاع.
وأمّا تقليل النوم فكان يقول: أن ينام في اليوم والليلة ستّ ساعات، ويهتمّ طبعاً بحفظ اللسان واجتناب أهل الغفلة كثيراً.
هذه الاُمور تكفي في إضعاف البعد الحيواني، وأمّا في تقوية البعد الروحاني:
أوّلا: يجب أن يكون دائماً متّصفاً بالهمّ والحزن القلبي لعدم وصوله إلى المطلوب.
ثانياً: ألا يترك الذكر والفكر ما استطاع؛ لأنّ هذين هما جناح سير سماء المعرفة.
وفي الذكر كان عمدة ما يوصي به: أذكار الصبح والعشاء، أهمّها ما ورد في الأخبار، وأهمّ ذلك تعقيبات الصلوات، والأكثر أهمّية ذكر وقت النوم المأثور في الأخبار، لا سيّما أن يغلب عليه النوم حال الذكر متطهّراً.
وحول قيام الليل كان يقول:
في الشتاء ثلاث ساعات، وفي الصيف ساعة ونصف، وكان يقول: لقد لمست آثاراً كثيرةً في سجدة الذكر اليونسي {لا إلـهَ إلاّ أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمينَ}، أي في المداومة على ذلك بحيث لا تترك في اليوم والليلة، وكلّما كانت أكثر، كلّما ازداد تأثيرها، وأقلّ ذلك أربعمائة مرّة، وأنا العبد جرّبت ذلك، كما ادّعى
تجربتها عدّة أشخاص، وواحدة أيضاً قراءة القرآن بقصد هديّته إلى خاتم الأنبياء محمّد (صلى الله عليه وآله) (12).
وأخيراً: قال الله تعالى: {إنَّ المُتَّقينَ في جَنَّات وَعُيون آخِذينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إنَّهُمْ كانوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنينَ كانوا قَليلا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعونَ وَبِالأسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرونَ} (13).
{تَتَجافى جُنوبُهُمْ عَنِ المَضاجِعِ يَدْعونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّـا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما اُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أعْيُن جَزاءً بِما كانوا يَعْمَلونَ} (14).
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْموداً} (15).
من وصايا النبيّ (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام):
«عليك بصلاة الليل» ـ يكرّره أربعاً ـ.
«يا عليّ، ثلاث فرحات للمؤمن: لقى الإخوان، والإفطار من الصيام، والتهجّد في الليل».
«ما زال جبرئيل يوصيني بقيام الليل حتّى ظننت أنّ خيار اُمّتي لن يناموا».
«ما اتّخذ الله إبراهيم خليلا إلاّ لإطعامه الطعام، وصلاته بالليل والناس نيام».
قال الإمام الباقر (عليه السلام):
«كان عليّ (عليه السلام) يقول: إنّا أهل بيت اُمرنا أن نطعم الطعام، ونؤدّي في النائبة، ونصلّي إذا نام الناس».
«شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزّ المؤمن كفّه عن أعراض الناس».
«لا تدع قيام الليل، فإنّ المغبون من حرم قيام الليل».
يا طلاّب علوم آل محمّد (عليهم السلام)، ويا تلامذة الإمام الصادق (عليه السلام)، هذا الإمام الناطق يقول: «إنّي لأمقت الرجل قد قرأ القرآن، ثمّ يستيقظ من الليل فلا يقوم حتّى إذا كان عند الصبح قام يبادر بالصلاة».
وهذا ليس بالطالب نفسه، بل قوا أهليكم ناراً، ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا أيقظ الرجل أهله من الليل، وتوضّيا وصلّيا، كتبا من الذاكرين لله كثيراً والذاكرات».
«عليكم بقيام الليل، فإنّه دأب الصالحين قبلكم، وإنّ قيام الليل قربة إلى الله ومنهاة عن الإثم».
«عليكم بصلاة الليل فإنّها سنّة نبيّكم، ودأب الصالحين قبلكم، ومطردة الداء من أجسادكم».
قال أمير المؤمنين على (عليه السلام):
«قيام الليل مصحّة للبدن، وتمسّك بأخلاق النبيّين، ورضى ربّ العالمين».
«ما تركت صلاة الليل منذ سمعت قول النبيّ (صلى الله عليه وآله): صلاة الليل نور، فقال ابن الكوّاء: ولا ليلة الهرير؟ قال: ولا ليلة الهرير».
قال الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: {إنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ}، قال: «صلاة المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنب بالنهار».
هذا وكما ورد في الخبر الشريف:
«ليس العلم بكثرة التعلّم، إنّما العلم نورٌ يقذفه في قلب من يشاء هدايته، وصلاة الليل نور، ممّـا يزيد في العلم النافع صلاة الليل».
«صلاة الليل تبيّض الوجه، وصلاة الليل تطيّب الليل، وصلاة الليل تجلب الرزق».
سئل الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام): ما بال المتهجّدين بالليل من أحسن الناس وجهاً؟ قال: لأنّهم خلوا بالله فكساهم الله من نوره.
وأمّا العمل الذي يحرم الإنسان من توفيق صلاة الليل، فقد جاء رجلٌ إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إنّي قد حرمت الصلاة بالليل، فقال: «قد قيّدتك ذنوبك».
وقال الإمام الصادق (عليه السلام):
«إنّ الرجل ليكذب الكذبة فيُحرم بها صلاة الليل».
«إنّ الرجل يذنب الذنب فيُحرم صلاة الليل، وإنّ العمل السيّئ أسرع في صاحبه من السكّين في اللحم» (16).
يا طالب العلم، بالله عليك هل تغمض العين في الأسحار لمن يقرأ هذه الآيات القرآنية والروايات الشريفة، ويسمع حالات علمائنا الأعلام؟!
فمن هذه الليلة توكّل على الله سبحانه وصمّم على ألا تترك صلاة الليل، وعليك بالدعاء والمناجاة والأذكار، ومن الله التوفيق والسداد والرشاد، وهو نعم المولى ونعم النصير.
وهذا شيخنا الأنصاري (قدس سره) إضافة على العبادات التي كان مواظباً عليها يومياً إلى آخر عمره الشريف من الفرائض والنوافل الليليّة والنهاريّة والأدعية والتعقيبات إضافة على ذلك، كان يقرأ في كلّ يوم جزء من القرآن ويصلّي صلاة جعفر الطيّار ويقرأ الجامعة الكبيرة وزيارة عاشوراء.
وهذا هو العلاّمة الطباطبائي صاحب الميزان يحدّثنا عنه تلميذه، أنّه كان من أهل الذكر والدعاء والمناجاة، كنت أراه في الطريق كان في الغالب مشتغلا بذكر الله، وفي الجلسات التي اشتركت فيها بين يديه، عندما يخيّم السكوت على المجلس كانت شفتاه تتحرّكان بذكر الله، وكان متلزماً بالنوافل، وكان أحياناً يرى في الطريق يصلّي النافلة. كان يحيي ليالي شهر رمضان، يطالع قليلا، ويقضي باقي الوقت في الدعاء وقراءة القرآن والصلاة والأذكار.
وهذا صاحب الرياض على كبر سنّه دخل الحوزة، ونال ما نال من العلم بالدعاء والعبادة والتوسّل بأهل بيت النبوّة (عليهم السلام).
ولو أردنا أن نذكر تراجم سلفنا الصالح في توجّههم للعبادة والدعاء والأذكار لاستدعى ذلك إلى مؤلّفات قطورة، إنّما نكتفي بهذه النماذج الطيّبة، ومن أراد الله هدايته يشرح صدره للإسلام ولنور العلم النافع والعمل الصالح، وتكفيه هذه المواعظ إن كان من أهلها، والله الموفّق والمعين.
ثمّ لا يخفى أنّ بعض الطلاّب بمجرّد أن تعلّم بعض المصطلحات يبتلى بالتكبّر، فيترك جانب العبادة مدّعياً أنّ ذلك شغل العجائز، وأنّه أمرٌ مستحبّ، ولا يدري أنّ فطاحل العلم وأساطين الفقه والاُصول كان من دأبهم الدعاء والعبادات والزيارات، والبعض الآخر يدّعي أنّ العلم هو الحجاب الأكبر فيفرط في العبادات غافلا عن العلم والتعليم والتعلّم، فلا يدرسون أو يكتفوا بدرس واحد، ويقضون أكثر أوقاتهم بالبطالة، هؤلاء كالصنف الأوّل أخطأوا الطريق أيضاً، وينطبق عليهما معاً كلام أمير المؤمنين علي (عليه السلام): « لا ترى الجاهل إلاّ مفرطاً أو مفرّطاً » ونتيجة ذلك أنّ الإفراط والتفريط كلاهما خطأ، بل كما قال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): « اليمين والشمال مضلّة، والطريق الوسطى هي الجادّة ».
فعلى الطالب أن يسلك طريقة الاعتدال، فيشتغل بالدراسة بكلّ جهده وطاقته ويبذل ما في وسعه في طلب العلم، وبجنبه يشتغل بالعبادات والزيارات والأدعية والأذكار، فهما جناحان لطالب العلم يحلّق بهما في آفاق الكمال وسماء السعادة، وهما عبارة اُخرى عن التزكية والعلم، والتربية والتعليم، فعبادة من دون دراسة يجرّه جهله إلى وادي الهلاك، وعلم بلا عبادة يؤدّيه إلى وادي الشقاء، فالعلم والعبادة معاً جنباً إلى جنب (17) قال الله تعالى: {يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمْهُمُ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ} (18).
__________________
(1) غافر: 60.
(2) الفرقان: 77.
(3) الذاريات: 56.
(4) الروايات من ميزان الحكمة 3: 245.
(5) سيماء الصالحين: 170.
(6) قبسات من حياة سيّدنا الاُستاذ: 122 ـ 131.
(7) البقرة: 186.
(8) المحجّة البيضاء 2: 297.
(9) أسرار الصلاة: 293، وقد تناول المصنّف أهميّة صلاة الليل وكيفيّتها بالتفصيل، فليراجع. كما ذكرنا ذلك في كتاب (التوبة والتائبون)، فراجع.
(10) نهج البلاغة، صبحي الصالح: 304، خطبة همام 193.
(11) الذاريات: 17.
(12) من سيماء الصالحين: 175 ـ 200.
(13) الذاريات: 18.
(14) السجدة: 16.
(15) الإسراء: 79.
(16) الروايات من ميزان الحكمة 5: 416.
(17) مقتبس من سيماء الصالحين: 148.
(18) الجمعة: 2.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|