أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-26
1104
التاريخ: 6-12-2015
1883
التاريخ: 2024-09-04
287
التاريخ: 2024-10-29
183
|
دور الإنفاق في الانتفاع من هداية القرآن
قال تعالى : {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)... وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 2، 3].
مثلما يقوي الإنفاق - وهو الخصلة الثالثة للمتقين في هذه الآية الكريمة - العلاقة بين العباد وربهم، فإن له الأثر في توطيد العلاقات بين العباد أنفسهم في ضوء التوجه إلى الله.
من الضروري الالتفات هنا إلى أن حقيقة الإنفاق لا تنحصر في بذل المال، بل إنها تشمل حتى بذل النفس في سبيل الله. وإن لم يطلق على الأخير عنوان الإنفاق عرفاً: لأن هناك عناوين أخرى تستخدم في باب بذل النفس كالبيع والشراء والاشتراء.
إن الإنفاق ضروري لأي مجموعة منسجمة ولها هدف، ولا يمكن تحقق العيش الاجتماعي المشترك، وليس بالإمكان نيل الكمال الفردي - الذي هو حصيلة العيش الجماعي - من دون تعاون اعضاء هذه المجموعة، وإحسانهم، وإيثارهم المتبادل فيما بينهم.
يستظهر من جملة «ومما رزقناهم ينفقون) في الآية المطروحة على طاولة البحث: أولاً: إن المتقين ينفقون جزءاً من رزقهم لا كله (في حال كون «من» للتبعيض)، وهذا الاعتدال والتحفظ من الإفراط ه التفريط هما من توجيهات القرآن الكريم بخصوص مقدار الإنفاق: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29].
ثانياً: إن ما ينفقونه لابد أن يعدوه من «رزق الله» وليس من اسوالهم: «رزقنا"، والقرآن الكريم هو الذي يعلم الناس هذه الرؤية التوحيدية: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] ، {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33].
فالإنسان ليس هو المالك الحقيقي للأشياء، بل هو ممثل عن المالك الحقيقي، وعليه التصرف بماله طبقاً لأوامره: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7] ، وإن قال شخص: إنني حصلت على المال بمجهودي، كان قوله هذا ممثلاً للمنطق الباطل لقارون الذي قال: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: 78]. إن الله سبحانه وتعالى قد أمضى -من الناحية التشريعية — أصل المالكية الاعتبارية للناس، واعتبر الإنسان، في كثير من الآيات الاقتصادية (كالآيات المرتبطة بالتجارة، والإرث، وأداء الحقوق الشرعية)، مالك المال، وأسند المال له، إلا أنه تعالى - من وجهة النظر التكوينية والعقائدية -قد انزل آيات تدل على سلب المالكية التكوينية والحقيقية منه إذنه فالآيات المثبتة ناظرة إلى المالكية الجعلية والاعتبارية، والآيات النافية ناظرة إلى المالكية التكوينية والحقيقية.
ثالثاً: لابد أن يكون الإنفاق من المال الحلال؛ إذ أن المال الحرام شرعاً ليس هو «رزق الله»، بل هو مبغوض من قبل الله. من هذا المنطلق، فالقرآن الكريم يحث على الإنفاق من الطيبات: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ } [البقرة: 267] . وصحيح أن أصل المال هو رزق الله، لكن المال الحلال لأي شخص هو رزقه الخاص، وأن الله تعالى قد أمر المنفق أن ينفق من رزقه الخاص .
رابعاً: لا ينبغي أن يحصر الإنفاق بالمال، بل إن العلم، والعقل، والسلطة، والجاه، والنفس كلها من موارد الإنفاق أيضاً، لأنها جميعاً من مصاديق الرزق الإلهي الذي يعطيه الله لعبده، وسوف يتضح هذا “
الموضوع أكثر في البحث الروائي. من هذا المنطلق، فقد قال هنا: (مما رزقناهم)، ولم يقل : «من أمولهم. بناء على ما تقدم، فالمتقون لا ينفقون من المال فقط، بل من كل ما رزقهم إياه الله الرزاق، . إن مثل هذا الإنفاق هو ما يمهد لجني ثمار الهداية القرآنية.
وخلاصة القول إن الآيات المعنية بالإنفاق تنقسم إلى عدة مجاميع:
فبعضها يصرح بإنفاق المال، وإن لم يكن مدار دلالتها حصر الإنفاق به. والبعض الآخر فيه دلالة على إنفاق «الخير» أو «المحبوب» ومثل هذه العناوين تشمل غير المال أيضأ، وإن كان مصداقها الباز هو المال. كما أن البعض يدل على إنفاق «الرزق». ومن الواضح أن عنوان الرزق يشمل غير المال كذلك. وبعضها الآخر أتى من دون ذكر المتعلق، وإن حذف المتعلق علامة على عموميته (1). ولما لم يؤخذ عنوان «المال» في حقيقة الإنفاق، فإن أتى الأمر بالإنفاق المطلق مع حذف المتعلق، أمكننا التمسك بإطلاقه، ولن تكون الآيات التي تطرح الإنفاق المالي بالخصوص مقيدة للإطلاق المذكور؛ إذ أن هذين الدليلين هما من قبيل المثبتين ولا مجال لتقييد الإطلاق في مثل هذه الموارد.
والدليل على انه لم تؤخذ خصوصية المال في حقيقة الإنفاق هو الآية الشريفة: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64] ؛ ذلك أن الإنفاق الإلهي شامل لكل، النعم المادية والمعنوية. كذلك فإن ظاهر الآية {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219] هو عدم تخصيص الإنفاق بالمال؛ وصحيح أن المال الزائد هو مصداق «العفو»، وأن الرفاه المالي المتراكم يمهد الأرضية لصدق «العفو» في الآية {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا} [الأعراف: 95] ، لكن مفهوم العفو ليس مرادفاً لمعنى المال. بناء عليه، فإن الصفح الأخلاقي هو من مصاديق الإنفاق أيضاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.راجع الآيات 272 من سورة البقرة، و92 من سورة ال عمران؛ و..
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|