أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-9-2018
1208
التاريخ: 26-11-2019
1472
التاريخ: 28-7-2020
2146
التاريخ: 2023-10-18
800
|
وبقيتْ ذِكْرَى هزيمة مؤتة تَسْتَفِزُّ المسلمين، فتُوجه أنظارَهم شطر الشام، فلما كانت السنة 632 أَعَدَّ النبي جيشًا جديدًا لمهاجمة الروم، وأمَّر عليه أسامة ابنَ ربيبِهِ زيدِ بن حارثة الذي سقط في ميدان مؤتة، على أَنَّ الوفاة عاجلت النبي في الثامن من حُزيران من السنة نفسها قبل أَنْ يتحرك الجيشُ، وتولى الخلافةَ بعده أبو بكر، وحدث ارتدادٌ في القبائلِ العربية، ونصح الناصحون للخليفة ألا يفرِّق عنه جماعة المسلمين، ولكن الخليفة قال: «والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله(1)«. وغزا أُسامة يبنة بين عسقلان ويافة وسَلِمَ وغَنِمَ وعاد في أربعين يومًا (2)، ونهض في هذه السنة نفسها خالد بن سعيد إلى بلاد الروم، وأوغل في بلاد الشام حتى اقترب من دمشق، فانهزم وعاد إلى المدينة. وبعد انتهاء حرب الردة أَعَدَّ أبو بكر جيوشًا أربعة وسيَّرها على الشام وعقد ألويتها لأبي عُبيدة بن الجرَّاح ولعمرو بن العاص وليزيد بن أبي سفيان ولشرحبيل بن حسنة، وأمر أبا عبيدة أن يتجه نحو حمص، وأمر عَمْرًا أن يقوم إلى فلسطين، وأمر يزيد أن يصل إلى دمشق، وأمر شُرَحبيل أن يأتي الأردن(3)، فانتصر يزيدُ بنُ أبي سفيانَ في أوائل السنة 634 على سرجيوس بطريق فلسطين، في وادي عربة المنخفض العظيم جنوبي البحر الميت، وكان حاملُ اللواء الإسلامي معاويةُ — مؤسسُ الدولة الأُمَوية فيما بعد — وارتد الروم على غزة فاقتتل الطرفان مرة ثانية في داثن في الرابع من شباط من السنة نفسها واندحر الروم مرة أخرى، أمَّا الجيوش الثلاثة الأخرى فقد أوقع بها الروم ووقفوا تيار زحفها. ويرى المستشرق المستعرب كارل بكِّر أن نجاح أبي بكر بحروب الردة في قلب الجزيرة العربية؛ قد أكسبه مهابةً وعظمة في نُفُوس عشائر بكر بن وائل الضاربة عند حُدُود العراق الغازية في أطرافه، وأن هذه المهابة جعلتْ تلك العشائر تُصادق مَن وراءَها من العشائر والقبائل الأُخرى التي كانت قد اعتنقت الإسلام، ويزيد بكِّر أن المثنى بن حارثة كبير بني شيبان الوائلي الذي اشتهر بانتصاره على الفرس في موقعة ذي قار (604 أو 606) هو الذي استدعى خالد بن الوليد وجماعته إلى حدود العراق لمحاربة الفرس. ومن الناحية الثانية يرى بكِّر أن أبا بكر ومن حوله اضطروا اضطرارًا أن يُلهُّوا من أسلم من القبائل العربية بغزو العراق؛ كي لا تعود هذه القبائل إلى غزو بعضها — كما جرت عادتُها من قبل — فتنتهك بذلك حرمة الإسلام، والمسلم أخو المسلم، ويرى أيضًا أن خُرُوج العرب المسلمين إلى العراق سَبَقَ خروجهم إلى الشام (4). »وشجا جموع المسلمين في الشام وأشجوا. » فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد أن يؤمِّر على العراق المثنى، وأن يسير إلى الشام، فهبَّ خالدٌ على رأس جماعته وكانت حروب الردة والعراق قد صهرت جُنُودَه وأورثتهم مناعةً وقوةً. بدأ بالزحف من الحيرة إلى صندوداء فلقيه أعرابُها فظفر بهم، ثم لقيه جمعٌ بالمصيخ والحصيد، عليهم ربيعة بن بجير التغلبي، فهزمهم، ثم سار من قراقر إلى سوَّى فأغار على أهل سوَّى واكتسح أموالهم وقتل حرقوص بن النعمان البهراني، ثم أتى أرك فصالحوه، وأتى تدمر فتحصنوا ثم صالحوه، ثم أتى القريتين فقاتلهم، فظفر بهم، وأتى حوَّارين فقاتلهم، فهزمهم، وأتى قصم فصالحه بنو مشجعة من قضاعة. وأتى مرج راهط من مضارب الغساسنة قُرب عذراء وعلى بعد عشرين كيلومترًا من دمشق فأغار على غسان في يوم فِصْحِهِم وقتل وسبى، ووجه بعض رجاله إلى الغوطة فأتوا كنيسة فسبوا الرجال والنساء وساقُوا العمال إلى خالد، ونزل على قناة بُصْرَى وعليها أبو عبيدة وشُرحبيل ويزيد، فاجتمعوا عليها، فرابطوها حتى صالحت على الجزية في آذار من السنة 634. (5) . وكان عمرُو بنُ العاص قد سلك طريق أَيلة «العقبة» فأَغَارَ على جنوبي فلسطين حتى غزة وقيصرية، فقطع المواصلات بين المدينة المقدسة وبين الساحل، فجيَّش هرقل جيشًا كبيرًا في نقطةٍ وقعت إلى جنوبي دمشق وعقد لواءَ هذا الجيش إلى أخيه القبقلار ثيودوروس،(6)وصعب على ثيودوروس أَنْ يستجلي خطة خصمه في الحرب، ولعل سبب ذلك أن هذه القبائل المُغيرة لم تكن لها خطةٌ عسكريةٌ واضحة، وتقدم ثيودوروس ببطءٍ واتجه جنوبًا للدفاع عن المدينة المقدسة، فرابط في أجنادين بين القُدس وغزة، وخشي خالدٌ سُوءَ العاقبة على إخوانه في الجنوب، وكان مُتَرَفِّعًا نبيلًا، فلم يَحفل بإمكانات السلب والنهب بل أَسْرَعَ إلى الجنوب عبر شرقي الأردن، وجمع الجموع في وادي عربة، ثم دفع بها إلى فلسطين لمجابهة ثيودوروس، وفي الثلاثين من تموز سنة 634 نشبت معركة حامية بين الروم والعرب المسلمين في أجنادين، وكُتب النصر للعرب، فجلا الرومُ عن أرياف فلسطين كلها، ولم يبقَ لهم فيها سوى مدنها المحصنة،(7)ويستدلُّ من العظة التي ألقاها صفرونيوس بطريرك المدينة المقدسة يوم عيد الميلاد من هذه السنة؛ أَنَّ العرب غشَوْا فلسطين كلها بعد أجنادين وأن الفوضى عمَّت الأرياف بأسرها، وأنهم تقدموا شمالًا حتى حدود حمص.(8) .
...............................................
1- الطبري، ج1، ص1848-1849.
2- الطبري، ج1، ص1851.
3- الطبري، ج1، ص2084–2090.
4- Becker, K., Expansion of Saracens, Cam. Med. Hist., II, 337-338
5- الطبري، ج1، ص2108-2109 و2125.
6- لطبري، ج1، ص2347، ولعل الإشارة هنا إلى اللقب الرومي Curopalates ومعناه قائد قوات القصر جميعها، وظل هذا اللقب مستعمَلًا عند الروم طوال أربعةِ قُرُون من السادس حتى العاشر.
7- الطبري، ج1، ص2125-2126: «لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة 13ﻫ. «
8- Becker, K., Op. Cit., 341-342.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
خدمات متعددة يقدمها قسم الشؤون الخدمية للزائرين
|
|
|