أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-08
2326
التاريخ: 3-08-2015
3456
التاريخ: 2023-08-14
1943
التاريخ: 3-08-2015
3380
|
من العلامات الهامة والحتمية التي ورد ذكرها في سياق علامات الظهور أحاديث وروايات جاءت بألفاظ متعدّدة عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وكلها تشير إلى رايات سوداء لقوم من المشرق - إيران - يخرجون لنصرة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ومؤازرته في قتال أعداء الدين .
والحديث الذي ورد في هذا المجال بصيغ مختلفة حديث متواتر روي عن عدد من الصحابة وبطرق متعددة بحيث يعلم بذلك أن هذا المضمون قد صدر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فضلا عن الأئمة المعصومين عليه السّلام .
ويمكن لنا من خلال مراقبة مضمون الحديث اعتباره من معجزات النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم التي أنبأ وأخبر بها عن قضايا غيبية ستحدث في المستقبل ، وما سيجري من ظلم وأذى على أهل بيته عليهم السّلام من بعده ، وأن اللّه سبحانه وتعالى سيهيّئ في هذه الدنيا قوما يأخذون بثأرهم يأتون من المشرق ويمهّدون الأرض لقيام دولة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، ويسلّمون راياتهم له ، فتعلو بذلك كلمة اللّه ، كلمة الحق والعدل ، وتملأ الأرض قسطا وعدلا .
وفيما يلي نذكر بعضا من هذه الأحاديث التي تحدّثت عن أهل خراسان وراياتهم السوداء المشرقية .
حدّث محمد بن فضيل وعبد اللّه بن إدريس وجرير ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد اللّه بن مسعود قال : بينما نحن عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، إذ جاء فتية من بني هاشم ، فتغيّر لونه ، فقلنا : يا رسول اللّه ، ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه ، فقال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :
« إنّا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة على الدنيا ، وإن أهل بيتي هؤلاء سيقتلون ( سيلقون ) بعدي بلاء وتطريدا وتشريدا ، حتى يأتي قوم من ههنا ، من نحو المشرق ، أصحاب رايات سود ، يسألون الحق فلا يعطونه ، مرتين أو ثلاثا ، فيقاتلون فينصرون ، فيعطون ما سألوا فلا يقبلوها ( ه ) حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي ، فيلمؤها عدلا كما ملؤوها ظلما ، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوا على الثلج ، فإنه المهدي »[1].
وهذا الحديث وردت مقدّمته بلفظ آخر :
عن عبد اللّه بن مسعود قال : أتينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فخرج إلينا مستبشرا يعرف السرور في وجهه ، فما سألناه عن شيء إلّا أخبرنا به ، ولا سكتنا إلا ابتدأنا ، حتى مرّت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسين عليهما السّلام فلمّا رآهم التزمهم وانهملت عيناه ، فقلنا يا رسول اللّه ، ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه ، فقال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : الحديث . . .[2].
روى ثوبان عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال :
« إذا رأيتم الرايات السود من قبل خراسان فاستقبلوها مشيا على أقدامكم ، لأن فيها خليفة اللّه المهدي »[3].
وروي هذا الحديث بلفظ آخر وفيه : « . . . ولو حبوا على الثلج . . . » . وقد علّق صاحب فيض القدير في الجزء الأول من الصفحة 363 في ذكره للحديث فقال :
« قال ابن كثير ليست هي الرايات التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني أمية ، بل رايات تأتي صحبة المهدي »[4].
وعن عبد اللّه بن عمر ، ولم يسنده إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« يخرج رجل من ولد الحسين من قبل المشرق ، لو استقبلته الجبال .
أي اعترضت طريقه . لهدمها واتّخذ فيها طرقا »[5].
وعن الحكم بن نافع ، عن جراح ، عن أرطأة قال : - ولم يسنده إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - :
« . . . ويظهر بخراسان قوم يدعون إلى المهدي ، ثم يبعث السفياني إلى المدينة فيأخذ قوما من آل محمد حتى يرد بهم الكوفة ، ثم يخرج المهدي ومنصور من الكوفة هاربين ويبعث السفياني في طلبهما ، فإذا بلغ المهدي ومنصور مكة نزل جيش السفياني البيداء فيخسف بهم ، ثم يخرج المهدي حتى يمرّ فيستنقذ من كان فيها من بني هاشم .
وتقبل الرايات السود حتى تنزل على الماء ، فيبلغ من بالكوفة من أصحاب السفياني نزولهم فيهربون ، ثم ينزل الكوفة حتى يستنقذ من فيها من بني هاشم . ويخرج قوم من سواد الكوفة يقال لهم العصب ليس معهم سلاح إلا قليل ، وفيهم نفر من أهل البصرة فيدركون أصحاب السفياني فيستنقذون ما في أيديهم من سبي الكوفة ، وتبعث الرايات السود بالبيعة إلى المهدي »[6].
روى عامر أبو الطفيل أن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام قال له :
« يا عامر ! إذا سمعت الرايات السود مقبلة من خراسان فكنت في صندوق مقفل عليك فاكسر ذلك القفل ، وذلك الصندوق حتى تقتل تحتها فإن لم تستطع فتدحرج ، حتى تقتل تحتها »[7].
روى الحسن بسنده أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :
« ذكر بلاء يلقاه أهل بيته حتى يبعث اللّه راية من المشرق سوداء من نصرها نصره اللّه ، ومن خذلها خذله اللّه حتى يأتوا رجلا اسمه كاسمي ، فيولّيه ( فيولونه ) أمرهم ، فيؤيّده اللّه وينصره »[8].
وعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« يخرج ناس من المشرق ، فيوطّئون للمهدي »[9].
وفي مدحه لأهل المشرق - إيران - روى أبو هريرة أنه قال ناس من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : يا رسول اللّه من هؤلاء الذين ذكر اللّه إن تولّينا استبدلوا بنا ثم لم يكونوا أمثالنا ؟ قال وكان سلمان بجنب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، قال : فضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فخذ سلمان وقال :
« هذا وأصحابه ، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثّريا لتناوله رجل من فارس »[10].
وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :
« تجيء الرايات السود من قبل المشرق كأن قلوبهم زبر الحديد ، فمن سمع بهم فليأتهم فيبايعهم ولو حبوا على الثلج »[11] « 2 » .
وفي مدحه لقادة الرايات السوداء روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال :
« يخرج بالري رجل ربعة أسمر ، مولى لبني تميم ، كوسج يقال له شعيب بن صالح ، في أربعة آلاف ثيابهم بيض وراياتهم سود ، يكون على مقدمة المهدي ، لا يلقاه أحد إلا فلّه ( قتله ) »[12].
وعنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« يخرج على لواء المهدي غلام حديث السن ، خفيف اللحية ، أصغر ، لو قاتل الجبال لهزّها حتى ينزل إيليا »[13].
وعنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال :
« إذا بلغ السفياني الكوفة وقتل أعوان آل محمد خرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح »[14].
وذكرت الروايات تفاصيل ما يحصل من معارك بين الخراساني وشعيب بن صالح في مواجهة السفياني ، وانفردت رواية واحدة بذكر هزيمة الخراساني وشعيب في معركتهم ضد السفياني قبل ظهور الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، فيتوجهان بعدها إلى بيت المقدس بانتظار خروج الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ولتوطئة الأرض لخروجه عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .
عن شريح بن عبيد وراشد بن مسعود وضمرة بن حبيب ومشايخهم قالوا :
« يبعث السفياني خيله وجنوده ، فيبلغ عامة الشرق من أرض خراسان وأرض فارس فيثور بهم أهل المشرق فيقاتلونهم ، ويكون بينهم وقعات في غير موضع ، فإذا طال عليهم قتالهم إيّاه بايعوا رجلا من بني هاشم ، وهم يومئذ في آخر الشرق فيخرج بأهل خراسان على مقدمته رجل من بني تميم ، مولى لهم ، أصغر ، قليل اللحية ، يخرج إليه في خمسة آلاف إذا بلغه خروجه فيبايعه فيصيّره على مقدمته ، لو استقبله الجبال الرواسي لهدّها ، فيلتقي هو وخيل السفياني فيهزمهم ويقتل منهم مقتلة عظيمة ، ثم تكون الغلبة للسفياني ، ويهرب الهاشمي ، ويخرج شعيب بن صالح مختفيا إلى بيت المقدس يوطّئ للمهدي منزله ، إذا بلغه خروجه إلى الشام »[15].
أما سائر الروايات والأحاديث فإنها ذكرت الانتصارات التي يحققها أصحاب الرايات السود ، والتأييد الإلهي الذي يرافق حركتهم ومسيرتهم ، وأنهم لا يقاتلهم أحد إلا هزموه ، وقد تبيّن لنا هذا المعنى من خلال ما تقدم من الروايات ، ونضيف إليها ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال :
« فيبعث اللّه عليه ( أي على السفياني ) فتّى من قبل المشرق يدعوهم إلى أهل بيت النبيّ ، هم أصحاب الرايات السّود المستضعفون يعزّهم اللّه وينزل عليهم النصر فلا يقاتلهم أحد إلا هزموه »[16].
وعنه أيضا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :
« يخرج شاب من بني هاشم . بكفّه اليمنى خال ، من خراسان برايات سود ، بين يديه شعيب بن صالح ، يقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم »[17].
ما هو المقصود من خراسان وبلاد المشرق :
قال ياقوت الحموي في معجم البلدان ج 2 - ص 350 :
« خراسان بلاد واسعة أول حدودها ممّا يلي العراق أزاذوار قصبة جوين وبيهق ، وآخر حدودها ممّا يلي الهند طخارستان وغزنة وسجستان وكرمان ، وليس ذلك منهما إنما هو أطراف حدودها - ثم قال : وقال البلاذري : خراسان أربعة أرباع :
فالربع الأول : إيران شهر ، وهي نيسابور ، وقهستان ، والطبسان ، وهرات ، وبوشنج ، وباذغيس ، وطوس ، واسمها طبران .
والربع الثاني : مرو الشاهجان ، وسرخس ، ونسا ، وأبيورد ، ومرد الروذ ، والطالقان ، وخوارزم ، وآمل ، وهما على نهر جيحون .
والربع الثالث : وهو غربي النهر بينه وبين النهر ثمانية فراسخ . . .
والربع الرابع : ما وراء النهر : بخارى ، والشاش ، والطرازبند . . .
ثم قال الحموي : قال المؤلف : فالصحيح في تحديد خراسان ما ذهبنا إليه أولا ، وإنما ذكر البلاذري هذا لأن جميع ما ذكره من البلاد كان مضموما إلى والي خراسان ، وكان اسم خراسان يجمعها . . . فيدل كلام الحموي على أن ولاية خراسان كانت تشتمل في زمن البلاذري المتوفى سنة 279 ه . أكثر من النصف الجنوبي الشرقي لإيران الحالية ابتداء من مدينة إيران شهر القريبة من بحر عمان إلى آمل وخوارزم القريبة من بحر قزوين وما بينهما إلى الشرق ، وقسما من أفغانستان ، والقسم الإسلامي الذي تحتله روسيا وجمهوريات القزق والقزغيز والأوزبك والتاجيك والتركمان .
وأنّه قد طرأ عليها تقسيم إداري جديد فأصبحت مساحتها أصغر حيث استثنيت منها بلاد ما وراء النهر وغيرها ، وكانت على ذلك في عصر الحموي المتوفى سنة 626 ه .
وكلا التقسيمين الإداريين الذين ذكرهما البلاذري والحموي تقع فيهما محافظة خراسان الحالية في إيران بعاصمتهما القديمة طوس والجديدة مشهد .
والذي يهمنا هو أن اسم خراسان في زمن صدور النص من النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، كان مرادفا عند العرب لاسم بلاد المشرق أو بلاد الشرق ويطلق على منطقة واسعة تشمل إيران الحالية والمناطق الشرقية والشرق جنوبية التي تليها إلى حدود الهند وبر الصين .
فبالنسبة لمكة المكرمة والجزيرة فإن إيران وما وراءها من المناطق الشرقية هي الشرق وبلاد المشرق .
بل يفهم من استعمال المسلمين في صدر الإسلام أن الأصل في كلمة المشرق أن يقصد بها إيران خاصة .
أمّا الغربيون فقد اشتهر تسمية المنطقة عندهم بفارس ولم يشتهر عندهم اسم خراسان أو بلاد الشرق . والسبب في ذلك بعدهم عن خراسان أولا ، وأن الشرق والمشرق في الأصل اسم لجهة شروق الشمس ، وهو اسم نسبي ومجمل يتحدّد بموجب قرائن متعددة من أهمّها مكان المتكلم .
بناء على هذا يصبح من المعقول أن يعبر النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم برايات المشرق تارة ورايات خراسان أخرى لأن معناهما العرفي واحد أو متقارب[18].
الخراساني وشعيب من هما ؟ ومتى يظهران ؟
لم أجد بعد التتبّع في المصادر الإمامية من فسّر وأوضح أحاديث رايات المشرق والخراساني وشعيب بن صالح أفضل مما ذكره المحقق الشيخ علي الكوراني في كتابيه عصر الظهور والممهّدون للمهدي .
لذا نقتصر في هذا المجال على بعض مما ذكره سماحته حيث يقول متحدّثا عن شخصية الخراساني وشعيب بن صالح :
والأسئلة حول شخصية الخراساني وشعيب متعددة ، من أبرزها : هل أن المقصود ب « الخراساني » في هذه الأحاديث رجل معين ، أم هو تعبير عن قائد إيران الذي يكون في زمن ظهور المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ؟
أما رواياته الواردة في مصادر السنة ، وكذا في مصادرنا المتأخرة ، فهي تدل بوضوح على أنه رجل من ذرية الإمام الحسن أو الإمام الحسين عليه السّلام ، وتسمية الهاشمي الخراساني ، وتذكر صفاته البدنية وأنه صبيح الوجه ، في خدّه الأيمن خال ، أو في يده اليمنى خال . . . الخ .
وأما رواياته الواردة في مصادر الدرجة الأولى عندنا ، مثل غيبة النعماني وغيبة الطوسي فهي تحتمل تفسيره بصاحب خراسان ، أو قائد أهل خراسان أو قائد جيشهم ، لأنها تعبّر ب « الخراساني » فقط ، ولا تنص على أنه هاشمي أيضا .
ولكن مجموعة القرائن الموجودة حوله تدل على أنه شخص معين ، يكون خروجه مقارنا لخروج السفياني واليماني ، وأنه يرسل قواته إلى العراق فتهزم قوات السفياني .
ومنها ، هل يمكن أن يكون اسم الخراساني وشعيب اسمين رمزيّين لا حقيقيين ؟
أما الخراساني فليس فيه مجال للرمزية لأن الروايات لم تذكر اسمه ، نعم يمكن القول أن نسبته إلى خراسان لا تعني بالضرورة أن يكون من محافظة خراسان الفعلية ، فإن اسم خراسان والنسبة إليها يستعمل في صدر الإسلام بمعنى بلاد المشرق ، التي تشمل إيران والمناطق الإسلامية المتصلة بها ، فقد يكون هذا الخراساني من أبناء أي منطقة منها ، ويصح تسميته الخراساني ، كما لا يفهم من مصادر الدرجة الأولى عندنا أنّه سيّد حسني أو حسيني ، كما تنص على ذلك المصادر عند إخواننا السنة .
وأما شعيب بن صالح أو صالح بن شعيب ، فتذكر الروايات أوصافه ، وأنه شاب أسمر نحيل ، خفيف اللحية . وأنه صاحب بصيرة ويقين ، وتصميم لا يلين ، وأنه رجل حرب من الطراز الأول ، لا تردّ له راية ولو استقبلته الجبال لهدّها واتّخذ فيها طرقا . . . ومن المحتمل أن يكون اسمه رمزيا من أجل المحافظة عليه حتى يظهر أمر اللّه فيه . وأن يكون اسمه واسم أبيه مشابهين لشعيب بن صالح ، أو بمعناهما .
وتذكر بعض الروايات أنه من أهل سمرقند التي هي الآن تحت الاحتلال الروسي ، ولكن أكثر الروايات تذكر أنه من أهل الرّي ، وأن له علاقة ببني تميم .
وإذا صح ذلك ، فيمكن أن يكون أصله من جنوب إيران حيث توجد إلى الآن عشائر من بني تميم . أو من بني تميم الذين استوطنوا من صدر الإسلام في محافظة خراسان ، وذاب أكثرهم في الشعب الإيراني ، وبقي منهم إلى اليوم بضعة قرى قرب مشهد يتكلمون العربية ، أو تكون له علاقة نسبية بهم .
ومنها ، السؤال عن وقت ظهورهما . وقد تقدّم أن المرّجح أن يكون في سنة ظهور المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف . مقارنا لخروج السفياني واليماني . . . وإن كان من المحتمل صحة الرواية التي تقول : « يكون بين خروجه ( أي شعيب ) وبين أن يسلّم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهرا » .
فيكون ظهورهما قبل ظهور المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف بنحو ست سنوات . أما المدة الفاصلة بين بداية دولة الممهدين الإيرانيين على يد رجل من قم ، وبين ظهور الخراساني وشعيب ، فهي غير محدودة ، في الروايات ، ما عدا بعض الإشارات والقرائن التي تصلح أن تكون دليلا على التحديد الإجمالي . . . منها ما ورد عن قم وما يحدث لها من موقع ديني وفكري عالمي ، وأن ذلك يكون « قرب ظهور قائمنا » بحسب ما ذكره المجلسي في البحار ( ج 60 ، ص 213 ) .
وما ورد عن الإمام الباقر عليه السّلام من قوله : « أما أني لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر » ( البحار ج 52 ، ص 243 ) ، الذي يدل على أن المدة بين ظهوره عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وبين قيام دولة أهل المشرق ودخولهم في حرب مع أعدائهم ، لا يزيد عن عمر إنسان . . .
والسؤال الأخير عن الخراساني ، هل يكون مرجع تقليد ووليّ الأمر أم يكون قائدا سياسيا إلى جانب المرجع ، كأن يكون رئيس جمهورية أو أحد كبار معاوني المرجع القائد مثلا ؟
فالذي يبدو من أحاديثه أنه القائد الأعلى لدولة أهل المشرق ، ولكن يبقى احتمال أن يكون قائدا سياسيا بإمرة المرجع والقائد الأعلى ، أمرا واردا واللّه العالم[19].
دور الخراساني وشعيب قبل الظهور :
يتحدث سماحة الشيخ الكوراني عن ذلك فيقول[20]:
وخلاصة دورهما كما يستفاد من مصادر السنة وبعض روايات مصادرنا ، أن الإيرانيين يكونون في حرب مع أعدائهم ، وعندما يرون أن الحرب قد طالت عليهم يولّون هذا الخراساني عليهم ، ولا يكون هو راغبا في ذلك ، ولكنّهم يصرّون عليه . . . وعندما يتولى قيادة إيران يوحّد قواتها المسلّحة ، ويعيّن صاحبه شعيب بن صالح قائدا عاما لها .
ويدير الخراساني وشعيب الحرب على الحدود الإيرانية التركية العراقية ، ويسحبان قواتهما التي تكون في الشام ، وفي نفس الوقت يستعدان للزحف الكبير إلى فلسطين والقدس ، عبر العراق والشام .
في هذه الأثناء يواجه الخراساني تطورات سياسية وعسكرية على جبهتين :
جبهة العراق حيث يزداد نفوذ السفياني ويتحرك جيشه لاحتلاله ، وتعترضه في الطريق معركة قرقيسيا مع ( الترك ) .
وجبهة الحجاز ، حيث يظهر المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف في مكة ، ويحررها ويستقر فيها ، بينما يكون حكم الحجاز بيد بقايا بني فلان ، وقوى القبائل المحلّية .
ويبدو من الأحاديث أن فكرة إرسال قوات إيرانية إلى الحجاز لا تكون واردة ، إما بسبب الظروف السياسية العالمية والمحلية ، وإما لأن المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف لا يوافق على ذلك ، لأنه مأمور أن ينتظر في مكّة حتى يقصد إليها جيش السفياني ، فتحدث معجزة الخسف التي أخبر بها النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وتكون آية للمسلمين .
ولا تذكر الروايات أن الإيرانيين يرسلون قواتهم لمساعدة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف في تحرير المدينة المنوّرة أو باقي مدن الحجاز ، ويبدو أنه لا تكون حاجة إلى ذلك . ولهذا تكتفي قواتهم التي تدخل العراق بإعلان ولائها وبيعتها للمهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف :
« تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة . فإذا ظهر المهدي بعثت إليه بالبيعة »[21].
ومن جهة أخرى ، تذكر الروايات حركة الإيرانيين واحتشادهم في جنوب إيران ، التي يحتمل أن تكون زحفا جماهيريا باتجاه الحجاز نحو الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .
« إذا خرجت خيل السفياني إلى الكوفة بعث في طلب أهل خراسان ، ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي »[22].
وتذكر بعض الروايات أن هذا الاحتشاد يكون بقيادة الخراساني في « بيضاء إصطخر » قرب الأهواز ، وأن الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف يتوجّه بعد تحريره الحجاز إلى بيضاء إصطخر ، ويلتقي بأنصاره الخراساني وجيشه ، وأنهم يخوضون بقيادته معركة هناك ضد السفياني . . . ومن المحتمل أن تكون هذه المعركة المذكورة مع قوات بحريّة من الروم إلى جانب قوات السفياني . . . ويؤيده أنها تكون معركة فاصلة تفتح الباب أمام المد الشعبي المؤيد للمهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .
« إذا خرجت خيل السفياني إلى الكوفة في طلب أهل خراسان ، ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي ، فيلتقي هو والهاشمي برايات سود ، على مقدمته شعيب بن صالح ، فيلتقي هو والسفياني بباب إصطخر فيكون بينهم ملحمة عظيمة فتظهر الرايات السود وتهرب خيل السفياني ، فعند ذلك يتمنّى الناس المهدي فيطلبونه »[23].
ومنذ ذلك الحين ، يصبح الخراساني وشعيب بن صالح من أصحاب الإمام المهدي الخاصين « يصبح شعيب القائد العام لجيش الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، وتكون قوات الخراسانيين هي الثقل أو ثقلا في جيش المهدي ، الذي يعتمد عليه في تصفية الوضع الداخلي في العراق من المعادين له والخوارج عليه ، ثم في قتال الترك ( الروس ) ، ثم في زحفه العظيم لفتح القدس وفلسطين .
الهدف من تحرك الخراساني وشعيب :
إن كل راية تخرج ما قبل عصر الظهور أو تكون مقارنة لخروج الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ستعلن وبلا شك موقفها إمّا المعادي أو المناصر والمؤيد للإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف .
ورايات المشرق التي ستنطلق من خراسان بقيادة السيد الخراساني وشعيب بن صالح تعتبر بالإضافة إلى راية اليماني من أهم الحركات والقوى الداعمة والمساندة بل الممهّدة والموطئة لعملية الظهور .
« يخرج ناس من المشرق يوطّئون للمهدي سلطانه »[24].
« . . . ولا يدفعونها إلّا إلى صاحبكم ، أي المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف . قتلاهم شهداء »[25].
« . . . حتى يأتوا رجلا اسمه اسمي فيولّونه أمرهم فيؤيّده اللّه »[26].
وهي وإن كانت تهدف في الأساس من خلال تحركها نصرة الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ومؤازرته إلّا أنها تتجه صوب الجهة الأساس التي تواكب الإمام عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف وهي تطهير الأرض من لوث الصهاينة اليهود وتحرير بيت المقدس من خبثهم ورجسهم .
« وتخرج من خراسان رايات سود فلا يردّها شيء حتى تنصب في إيلياء »[27] .
وروى ابن حماد في الفتن ص 84 عن محمد بن الحنفية قال :
« تخرج رايات سود لبني العباس ثم تخرج من خراسان أخرى سود قلانسهم سود وثيابهم على مقدمّتهم رجل يقال له شعيب بن صالح من تميم ، يهزمون أصحاب السفياني حتى ينزل بيت المقدس يوطّئ للمهدي سلطانه ، ويمدّ إليه ثلاثمائة من الشام . يكون بين خروجه وبين أن يسلّم الأمر إلى المهدي اثنان وسبعون شهرا »[28].
ورد حديثا آخر ونصّه :
« يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته من المشرق ، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر ، يقتل ويقتل ويتوجّه إلى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت »[29].
وهذه الأحاديث واضحة وصريحة في الإشارة إلى أن تحرك الرايات السود من المشرق يكون هدفها النهائي هو ( إيلياء ) أي بيت المقدس ، بحسب ما أشار إلى ذلك صاحب مجمع البحرين حيث قال :
« إيل بالكسر فالسكون ، اسم من أسمائه تعالى ، عبراني أو سرياني ، وقولهم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل بمنزلة عبد اللّه وتيم اللّه ونحوهما . وإيل هو البيت المقدس . وقيل بيت اللّه لأن إيل بالعبرانية اللّه » .
واتفق علماء اللغة على أن ( إيلياء ) اسم لمدينة القدس .
وتشير الروايات في هذا الإطار إلى النصر العظيم سيتحقق على يد رايات أهل المشرق القادمة من إيران ، حيث ستكلّل تضحياتهم وجهودهم بتحرير القدس من أيدي اليهود . وهذا هو الوعد الإلهي للمسلمين ولعباده الصالحين والمؤمنين .
بين رايات العباسيين ورايات المشرق :
قد يلتبس الأمر على البعض حيث يظهر من روايات أهل المشرق أنها إشارة إلى رايات بني العباس التي خرجت بقيادة أبي مسلم الخراساني ، وقد حاول بنو العباس الاستفادة من روايات الرايات السود في تحركهم ضد بني أمية ، وإيهام الناس ومحاولة إقناعهم بأن حركتهم ودولتهم وراياتهم قد بشّر بها النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأيّدها وأصبغ عليها الشرعية .
وفي مواجهة ذلك نقول بأن علماء الحديث قد نصوا على أن هذه الرايات الموعودة ليست هي نفس رايات العباسين ، وأن هناك بونا شاسعا وفارقا كبيرا بين رايات بني العباس التي تستهدف الاستيلاء على السلطة وتسلّم زمام الأمور حتى ولو كان ذلك على حساب دماء الناس وظلمهم ، وهم لا يقلّون شأنا في سفكهم للدماء عن الأمويين .
وبين رايات الحق والهدى التي ستنطلق في آخر الزمان من بلاد المشرق .
وقال ابن كثير في النهاية تعليقا على هذا الحديث :
« هذه الرايات ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم فاستلب بها دولة بني أمية . بل رايات سود أخرى تأتي صحبة المهدي » .
هذا فضلا عن وجود العديد من الأدلة والبراهين التي تثبت بشكل قاطع وصريح على وجود فارق أساسي وجوهري بين رايات العباسيين ورايات أهل المشرق بقيادة الخراساني نذكر منها :
أولا : الحديث الذي يذكر الرايتين ويفرّق بينهما .
« تخرج من المشرق رايات سود لبني العباس ، ثم يمكثون ما شاء اللّه ، ثم تخرج رايات سود صغار تقاتل رجلا من ولد أبي سفيان وأصحابه ، ويؤدّون الطاعة للمهدي »[30].
ثانيا : الاختلاف في الهدف من كلا الرايتين .
فقد كان الهدف من قيام وتحرك بني العباس هو الاستيلاء على السلطة في منطقة الشام والتي كانت بيد الأمويين .
أما الهدف من رايات أهل المشرق فهي - كما أشرنا سابقا - بيت المقدس وتحريره من أيدي اليهود .
ثالثا : الوقائع والشواهد التاريخية ، وكذلك محاولات أئمة أهل البيت عليهم السّلام لا سيما الإمام جعفر الصادق عليه السّلام ، حيث لا يمكن أن يقبل أي عاقل بتطبيق روايات أهل المشرق والرايات السوداء على حفنة من البشر نهبوا وسلبوا واعتدوا وظلموا أهل البيت عليهم السّلام وهذا ثابت لكل من يراجع التاريخ ليرى المظلومية الكبرى التي تعرّض لها أهل البيت عليهم السّلام نتيجة الممارسة الظالمة للسلطة العباسية .
ويضاف إلى ذلك ما ورد عن الأئمة عليهم السّلام الذين سعوا بكل الوسائل إلى تكذيب ادعاءات العباسيين وفضح كل مؤامراتهم ، حتى كان ذلك بارزا وصريحا على لسان الإمام الصادق عليه السّلام في جملة من المناظرات بينه وبين خلفاء بني العباس وسلاطينهم .
[1] الفتن ، ابن حماد ، ص 84 .
[2] أورد هذا الحديث الحاكم في المستدرك ، ج 4 ، ص 464 وص 553 ، وابن ماجة في سننه ص 93 وابن حماد في الفتن والملاحم ص 84 و 85 ، والشافعي في عقد الدرر حديث 162 و 164 ، ص 124
[3] الفتن ، ابن حماد ، ص 84 ، وعقد الدرر ، الشافعي السلمي ، ص 125 ، باب 5 ، البحار ، ج 51 ، ص 82 ، باب 1 .
[4] راجع معجم أحاديث الإمام المهدي ، ج 1 ، ص 392 .
[5] منتخب الأثر ، ص 199 ، فصل 2 ، باب 8 ، ح 4 .
[6] معجم أحاديث الإمام المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه الشّريف ، ج 1 ، ص 400 ، ح 260 .
[7] كنز العمال ، ح 6 ، ص 68 .
[8] عقد الدرر ، ص 130 ، باب 5 .
[9] المصدر نفسه ، ص 125 ، باب 5 .
[10] صحيح الترمذي ، ج 5 ، ص 384 ، باب 48 ، ح 3261 .
[11] عقد الدرر ، الشافعي السلمي ، ص 129 ، باب 5 .
[12] المصدر نفسه ، ص 130 ، باب 5 .
[13] الفتن ، ابن حماد ، ص 85 .
[14] منتخب الأثر ، ص 319 ، فصل 2 ، باب 49 ، ح 6 .
[15] عقد الدرر ، ص 128 ، باب 5 نقلا عن الفتن والملاحم لابن حماد ، ص 88 .
[16] الملاحم والفتن ، ابن طاووس ، ص 150 .
[17] عقد الدرر ، ح 128 و 176 .
[18] الممهدون للمهدي ، الشيخ علي الكوراني ، ص 140 ، 141 ، 142 ، 143 .
[19] عصر الظهور ، الكوراني ، ص 242 ، 243 ، 244 .
[20] المصدر نفسه ، ص 328 ، 239 ، 240 .
[21] البحار ، ج 52 ، ص 207 .
[22] الفتن ، ابن حماد ، ص 86 .
[23] الفتن والملاحم ، ابن حماد ، ص 86 .
[24] راجع البحار ، ج 51 ، ص 83 ، وج 52 ، ص 243 .
[25] المصدر نفسه .
[26] المصدر السابق .
[27] السنن ، الترمذي ، ج 3 ، ص 362 .
[28] الفتن ، ابن حماد ، ص 84 .
[29] المصدر نفسه ، ص 86 و 96 .
[30] الفتن ، ابن حماد ، ص 52 و 84 و 85 .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|