أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-12-2022
1051
التاريخ: 2-12-2015
4746
التاريخ: 28-09-2014
5427
التاريخ: 11-8-2022
1409
|
الإضلال الجزائي علامة على الاختيار
قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة: 26].
يظهر الإضلال الجزائي المستفاد من الآية محل البحث، أن الإنسان مختار في أفعاله؛ وإن كان الزمام النهائي للفعل هو بيد الله؛ أي إن المالكية التكوينية لله بالنسبة للأفعال محفوظة من جهة، وإنه تعالى لم يفوض أمر الفعل للإنسان كي يسلب منه اختياره، ومن جهة أخرى فإنه لم يلحق الأذى باختيار الإنسان وإن الجبر باطل: «لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين»(1).
فالتفويض هو بمعنى أن الله سبحانه وتعالى قد خلق الإنسان، ثم أسلمه إلى نفسه على نحو لا يكون الإنسان في مرحلة أفعاله، مرتبطاً مع ربه عز وجل؛ أي، على الرغم من أن الإنسان ممكن الوجود حدوثا، إلا أنه مستقل بقاء.
إن هذه الرؤية لا هي تتمتع بفرض صحيح، ولا هي منسجمة مع التكليف؛ إذ أنى للكائن - الذي وجوده هو عين الفقر والحاجة - أن يبقى مستقلاً في مرحلة بقائه؟! وأنى للرب - الذي لا تحد ربوبيته ومديريته حدود - أن يترك الإنسان وشأنه في مرحلة البقاء بحيث لا يكون مالكاً لأموره وشؤونه؟! إذن فالتفويض محال من حيث المبدأ الفاعلى ومن حيث المبدأ القابلى أيضاً، فلا الفقير يمكن فرضه مستقلاً، ولا الغني المطلق يمكن تصوره بشكل محدود.
إن الفقر بالنسبة للإنسان لا يشبه الزوجية بالنسبة للعدد أربعة كي يكون «لازماً» لذاته، بل هو بمثابة الحيوانية والناطقية بالنسبة للإنسان؛ حيث تكون مقومة لذاته. كل ما في الأمر هو أن الحيوانية والناطقية كل واحد منهما ذاتي لـ«الماهية» والفقر ذاتي لـ(الهوية). إن بطلان كون الفقر لازماً للذات هو من جهة أن اللازم لا يكون في مرحلة الملزوم، إذن في مقام ذات (الملزوم) لا يوجد فقر أصلا، بل يكون في رتبة متأخرة عن الذات، وإذا لم يكن الفقر في مقام ذات الممكن لزم - قهراً - أن يكون الغنى في مقام ذات الممكن، وأن لا يكون الإنسان في مقام الذات فقيراً إلى الله، ومثل هذا الفرض محال.
علاوة على ذلك، فلو كان التفويض صحيحا، لكان التكليف لغواً؛ إذ لو كان الله جل وعلا قد فوض أمر الإنسان إليه، لما كان يصح لله سبحانه أن يتدخل في أمر الإنسان وأن يأمره وينهاه؛ والحال أن الله يأمر الإنسان وينهاه. إذن فالتفويض لا يتماشى مع التكليف أيضا. إن تنظير التفويض بالقضية العرفية للعبد والمولى، بأن يوكل المولى شؤون العبد إليه، ثم يعمد - في الوقت ذاته- إلى تكليفه بأمور، ويحدد زماناً لمحاسبته، هي دليل على الغفلة عن معنى الربوبية والعبودية من جهة، والغفلة عن الإمكان الفقري للممكن بالنسبة إلى الواجب من جهة أخرى.
كما أن المراد من الجبر هو أن يكون الإنسان أداة الفعل وأن الفاعل الحقيقي للفعل، ومن دون واسطة، هو الله، ولا يكون إسناد الفعل إلى الإنسان إلاً مجازا؛ أي إن الإنسان هو «مورد» الفعل، وليس «مصدره». وهذا المعنى أيضاً لا ينسجم مع التكليف؛ فالله العادل قد جعل الإنسان مكلفاً، وبادر إلى تشويقه وتبشيره وإنذاره قبل امتثاله، وجعل له الثواب والعقاب بعد امتثاله، وكل ذلك إشعار بكون الإنسان مختاراً؛ والحال أنه لو كان الإنسان مورد الفعل لم يصح التكليف وسائر توابعه بالنسبة له.
ومن قول الباري عز وجل: إننا أرسلنا الرسل كي لا يحتج الإنسان علينا يوم القيامة: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] ، يعلم أنه إذا لم تتوفر للمرء كل شرائط التكليف؛ كأن لا يكون له اطلاع على الشريعة، أو أن يكون مجبراً في أفعاله، لكان من حقه الاحتجاج على الله تعالى. كذلك عندما يقول الله سبحانه: نحن قد بينا أحكام وحكم الشريعة كي تتحقق حياة الأحرار، وهلاك المجرمين بعد إتمام الحجة: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42] ، يصبح بيناً أن الإنسان مختار في أفعاله؛ لأنه لو كان مجبراً فإنه لا يلزم حينئذ أن يكون هلاك الهالكين عن بينة، ولا أن تكون سلامة السالمين كذلك؛ لأن الآخر - في صورة الجبر - هو الذي يقوم بالفعل، وليس الإنسان، وإذا ما هلك امرؤ في النهاية، فسيكون مجبراً في هلاكه؛ كما أنه إذا آلت به أموره إلى السلامة فسيكون مجبراً في سلامته أيضا؛ فلا حياته وسلامته ستكونان جراء لياقته لذلك، ولا هلاكه سيكون لعدم لياقته لذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.عيون أخبار الرضا، ج1، ص14: وبحار الأنوار،ج4، ص197.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|