أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-8-2020
1316
التاريخ: 3-3-2022
1457
التاريخ: 28-2-2016
1391
التاريخ: 2023-06-01
960
|
علي عبد الله بركات
النيازك في التاريخ الإنساني
ص129–133
تعتبر الإشارة العلمية الأولى – في العصر الحديث – إلى موضوع الفوهات النيزكية؛ هي تلك التي وردت في عام 1828م، في صورة إشارة خيالية، وعابرة للفلكي الألماني «جروثثين»، اعتبر فيها أن الحفر أو الندبات الحلقية، التي تُرى على سطح القمر (الفوهات القمرية) من خلال عمليات الرصد التي تتم بالمناظير الفلكية للقمر، هي فوهات أو فجوات تكونت من ارتطام الأجسام السماوية بسطح القمر (فوهات صدمة). وقد ظهر نفس الرأي، ولكن بصورة مقصودة، بعد نصف قرن تقريبًا. ففي عام 1873م، ذكر الفلكي «ر. أ. بروكتور» أن المنخفضات الدائرية الغريبة، التي تشاهد بالمناظير الفلكية على سطح القمر، نشأت من سقوط أجرام سماوية أخرى على القمر. وقد عاد وأكد ثانية على وجهة نظره تلك في عام 1883م، 8 لكن لم يلتفت أحد من الباحثين لتلك الإشارات؛ ومن ثم لم تأخذ مأخذ الجد ولم تسلط عليها الأضواء؛ نظرًا لأن المناخ العلمي السائد في ذلك الوقت لم يكن مهيَّأ لقبول فرضية أن الأجسام السماوية يمكن أن تسقط بأحجام ضخمة؛ بحيث تحدث مثل هذه الفجوات الكبيرة.
لكن يبدو أن الاهتمام بموضوع الفوهات النيزكية بدأ مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ففي عام 1891م، أشار خبير وتاجر المعادن المعروف آنذاك «أ. ي. فوت» إلى أن قطع وشظايا الحديد المتناثرة حول فجوة الأريزونا، بالولايات المتحدة، يمكن أن تكون من أصل سماوي، وليست من أصل أرضي؛ حيث أوضح «فوت» في معرض وصفه لمشاهداته عن هذه القطع الحديدية أن هذه القطع توجد على حافة منخفض دائري، وأن البحث لم يثمر عن اكتشاف أي شواهد يمكن أن تفضي إلى التعرف على وجود عمليات بركنة أرضية بالمنطقة، يمكن أن تنسب إليها هذه الشظايا الحديدية، أو ينسب إليها هذا المنخفض الدائري ومن ثم فقد أشار إلى أنه من الصعب معرفة كيفية تكون هذه الظاهرة الجيولوجية. هذا ما سجله في تقريره المنشور عن شظايا الحديد التي عثر عليها حول الفوهة، والذي نشر عام 1891م بالمجلة الأمريكية للعلوم.
ويذكر بعض المهتمين بالموضوع أن «فوت» كان يعتقد – في قرارة نفسه – أن هذه القطع النيزكية هي المسؤولة عن تكون هذه الفجوة الكبيرة، لكنه أحجم عن التصريح بذلك في تقريره المنشور تحسبًا لانتقادات الباحثين؛ حيث ذكر أحد مرافقي «فوت» – بعد عودته من زيارة موقع الفجوة في ولاية أريزونا، إلى ولاية «فيلادليفيا» – أنه حدثني عن الصخور التي تم رفعها، واتجاه سقوط الجسم الذي أحدث هذه الفجوة. وأشعل ذلك الحديث حماس الباحثين لتقصي الأمر. فكان اهتمام أحد الجيولوجيين الكبار «ج. ك. جلبرت» بموضوع الفوهة في عام 1896م. ورغم أن «جلبرت» لم يصرح صراحة بالأصل النيزكي، وفضل في خلاصة تقريره عملية بركنة، إلا أن وصفه كان خادعا؛ بحيث لا ينفي احتمال حدوث صدمة نيزكية ضخمة تكون هي المسؤولة عن تكون الفوهة. 9 وربما يكون الإحجام عن الاعتراف بأصلها النيزكي ناتجا عن ضخامتها؛ إذ لم يكن متخيلاً آنذاك أن النيازك الضخمة يمكنها أن تسقط على الأرض.
ولا بد من الاعتراف بأن تلك الإشارات، وما صاحبها من إرهاصات وغموض حول العمليات التي يمكن أن تكون مسؤولة عن تكون هذه الفجوة الضخمة، كانت وراء الاهتمام العلمي بها، الذي بدأ مع بداية القرن العشرين، حيث زار مهندس المناجم «د. م. بارينجر» موقع الفوهة في عام 1902م. كان العامل الأساسي الذي يحرك «بارينجر» للاهتمام بهذا المنخفض الدائري؛ ظنه أن الموقع لا بد وأن يحتوي على كميات كبيرة من النيكل والعناصر المهمة الأخرى؛ حيث أشارت التقديرات التي أجريت آنذاك أن القذيفة (النيزك) التي يمكنها أن تحدث هذه الفجوة الضخمة، لا بد أن قطرها يزيد عن 150 مترًا، ووزنها يزيد عن حوالي 10 مليون طن؛ ومن ثم فإن كميات هائلة ليس فقط من الحديد والنيكل، بل أيضًا من الكوبلت والبلاتين توجد بالموقع. وتوقع «بارينجر» أن الكتلة الرئيسية للنيزك مدفونة في قاع الفوهة، وبذلك فإن الفوهة تشكل أهمية اقتصادية، إلى جانب الأهمية العلمية ومن ثم حصل على ترخيص البحث في عام 1903م. وقام بعمل عدد من الحفر بداخل الفوهة؛ بحثًا عن كتلة النيزك الرئيسية المدفونة في عمق الفوهة، لكنه لم يعثر على أي جسم من الحديد النيزكي. وإن كان «بارينجر» قد فشل في إثبات فرضيته عن النيزك المدفون بالفوهة، فإن أنشطته تلك كانت على الجانب الآخر، وراء تراكم كم هائل من البيانات حول طبيعة هذه الفوهة؛ إذ بدأ الاهتمام العلمي بالموقع والذي أسفر في النهاية، عن اعتراف شبه عام بأنها من أصل نيزكي. واعترافًا بفضل «بارينجر» في هذا المجال، أطلق اسمه على هذه الفوهة، ولا تزال تسمى باسم «فوهة بارينجر»، إلى جانب عددٍ من الأسماء الأخرى منها، على سبيل المثال، فوهة أريزونا، وفوهة الشهاب ... إلخ.
وفي الوقت الذي وصل فيه الخلاف حول أصل هذه الفوهة ذروته، تم في عام 1928م اكتشافُ تركيب آخر يُشبه إلى درجة كبيرة تركيب فوهة أريزونا، بالقرب من «أوديسا» بولاية «تكساس»، الولايات المتحدة أيضًا. وهذا التركيب الصغير نسبيا لا يتعدى قطره 162 مترًا، وعمقه 30 مترًا، يتشابه إلى حد التطابق مع تركيب فوهة أريزونا من حيث الشكل، ووجود شظايا من نيزك حديدي، وطبقة من الحديد الطفلي، على الحواف الخارجية للتركيب، مختلطة مع الصخور التي تكون المنطقة، تماما كما هو الحال في فوهة أريزونا. ويطلق على هذه الفوهة «فوهة أوديسا».
ولم يمض سوى عامين على اكتشاف فوهة «أوديسا»، حتى أعلن «ر. أ. ألديرمن». عن اكتشاف أول حقل للفوهات النيزكية في «هنبرى» على الحدود الشمالية لأستراليا، وذلك في عام 1930م. ويتضمن هذا الحقل الشهير حوالي 14 فوهة مختلفة الأقطار، تتناثر حولها شظايا نيزك حديدي. وتدل أشكال هذه الشظايا على أنها قطع ممزقة من كتلة كبيرة. وفي فبراير من عام 1932م، عثر «ج. ب. فليبي» على موقع فوهات «وابر»، بالربع الخالي من المملكة العربية السعودية، الذي يوجد به ثلاث فوهات نيزكية مكشوفة، وأخرى تغطيها الرمال. وفي عام 1933م، بدأ الاهتمام بموقع فوهات «كامبو ديل سيلو»، في الأرجنتين، الذي يحتوي على عدد 20 حفرة وفوهة مختلفة الأقطار، أكبرها يبلغ قطرها حوالي 90 مترًا، وعمقها حوالي 5 أمتار. وفي نفس الوقت تقريبا (عام 1933م) بدأ الاهتمام بموقع فوهة «هافيلاند»، بولاية كانساس، الأمريكية، حيث تم إزالة الرواسب التي كانت تُغطّيها، وجمع قطع النيزك المدفونة بداخلها. ويبلغ قطر هذه الفوهة حوالي 21 مترًا، وعمقها حوالي 8 أقدام.
وفي عام 1937م بدأ الأصل النيزكي لفوهات «كالجارفيه»، بجمهورية إستونيا، يلقى قبولاً عاما، بعد أن اكتشفت قطع من الحديد النيزكي حولها. وتأكد للباحثين أن توزيعات قطع الحديد النيزكي حول الفوهات تُشير إلى علاقة مؤكدة بين النيزك الحديدي الكبير وبين الفوهات، تماما كما هو الحال في فوهة «بارينجر». وأجريت دراسات عديدة على هذا الموقع بين عامي 1928 و1937م. ويشمل الموقع على عدد حوالي 9 حفر، وفوهات مختلفة، أكبرها يبلغ قطرها حوالي 110 أمتار، وعمقها حوالي 16 مترًا. وفي يونيو عام 1937م، اكتشفت فوهة «بوكسهول» على الحدود الشمالية من أستراليا، التي يبلغ قطرها حوالي 175 مترًا. ووجدت حولها قطع من النيزك الذي أحدثها. وفي عام 1938م، تأكد الأصل النيزكي لفوهة «دالارينجا» الصغيرة، التي يبلغ قطرها حوالي 21 مترًا، والتي لوحظت في عام 1923م بغرب أستراليا، ولم يثبت أصلها النيزكي في ذلك الوقت المبكر نسبيًّا. 10
وفي يونيو عام 1947م، شوهدت فوهة «ولف جريك» بغرب أستراليا، فيما يبدو بواسطة عمليات التصوير الجوي. وتأكَّد أصلها النيزكي من خلال الدراسة التي ظهرت في عام 1948م، وأوضحت وجود قطع من حديد نيزكي متغير، عرف بالحديد الطفلي، يحتوي على نسبة عالية من النيكل، وهو ما يؤكد أنها تمثل بقايا شظايا نيزك حديدي، متناثرة حول الفوهة، وعلى الجانب الجنوبي الغربي منها تحديدًا. وتعتبر هذه الفوهة ثاني أكبر فوهة مؤكدة، بعد فوهة «بارينجر»، حيث يصل قطرها إلى حوالي 850 مترًا، وعمقها حوالي 160 قدمًا.
ويعتبر ما حدث في 12 فبراير عام 1947م، الحدث الأكبر في تاريخ دراسة نيازك الفوهات (النيازك الضخمة التي تحدث الفوهات)، حيث سقط نيزك ضخم على سيبيريا، وتشظى في الجو إلى آلاف القطع المختلفة الأحجام التي ارتطمت بالأرض وأحدثت عددًا كبيرًا من الحفر المختلفة الأحجام. ووفر هذا الحدث للباحثين فرصةً طيبة لدراسة الفوهات النيزكية المؤكدة، والنيازك الكبيرة التي تحدث الفوهات ولم يساور أحد الشك فيه، حيث إنه شوهد أثناء سقوطه.
وفي عام 1964م اكتشف موقع فوهات «موراسكو» ببولندا، الذي يشمل حوالي 8 حفر وفوهات صغيرة، أكبرها يبلغ قطرها حوالي 100 متر، بمصاحبة عددٍ من قطع الحديد النيزكية.
وفي عام 1975م، نشر الباحث الدنماركي الشهير «فاجن بوشوالد»، كتابه القيم عن النيازك الحديدية، وجاء فيه ذكر فوهة «مونتوراكوي»، بصحراء أتاكاما، شيلي، التي يبلغ قطرها 370 مترًا، وما يصاحبها من قطع نيزك حديدي، ينتمي إلى نيازك «الأوكتاهيدريت». مما أدى إلى اعتبار هذه الفوهة، ضمن الفوهات المؤكدة. 11 ويبلغ عدد مواقع الفوهات النيزكية المؤكدة حوالي 13 موقعًا.
________________________________________________
هوامش
(8) Nininger H. H. 1959: Out of the sky. Dover Publications, New York p. 336
(9) Nininger H. H. 1959: Out of the sky. Dover Publications, New York p. 336
(10) Nininger, H. H. (1959): The unique meteorite impact crater. at Dalgaranga Australia. Min. Mag., 32, p. 619–639
(11) Buchwald, F. F. (1975): Handbook of Iron meteorites.. Universities of California & Arizona State
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|