من موارد السقط والتحريف ونحوهما في أسانيد الروايات / الحلبيّ أو علي. |
990
09:54 صباحاً
التاريخ: 2023-06-09
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-28
704
التاريخ: 17/11/2022
1763
التاريخ: 2023-06-27
1091
التاريخ: 2023-05-18
985
|
الحلبيّ أو علي (1):
ورد في حكم نذر الإحرام قبل الميقات روايات ثلاث أو أربع:
الرواية الأولى: ما رواه الشيخ (2) بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد عن الحلبي ــ كما في بعض النسخ ــ أو عن علي ــ كما في بعض النسخ الأخرى ــ أنه قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل جعل لله عليه شكراً أن يحرم من الكوفة. قال: ((فليحرم من الكوفة، وليفِّ لله بما قال)).
الرواية الثانية: ما رواه الشيخ (3) بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل جعل لله عليه شكراً من بلاء اُبتلي به إن عافاه الله أن يحرم من الكوفة. قال: ((فليحرم من الكوفة)).
الرواية الثالثة: ما رواه الشيخ (4) بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل عن صفوان عن علي بن أبي حمزة قال: كتبت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أسأله عن رجل جعل لله عليه أن يحرم من الكوفة. قال: ((يحرم من الكوفة)).
الرواية الرابعة: ما رواه الشيخ (5) بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم عن سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: ((لو أن عبداً أنعم الله عليه نعمة أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن يتم)).
ورواه من هذا الطريق نفسه بمتن قريب مما ذكر في موضع آخر (6). ورواه في موضع ثالث (7) بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي (8) عن أحمد بن محمد عن سماعة عن أبي بصير. وقد ناقش المحقق الشيخ حسن نجل الشهيد الثاني (قُدِّس سرُّهما) (9) في سند الرواية الأولى بأمرين:
أولاً: أنّ نسخ التهذيب متفقة على أن الراوي المباشر عن الإمام (عليه السلام) هو علي، ولكن المذكور في نسخ الاستبصار أنه الحلبي. وعلى الأول فالمراد بـ(حماد) هو حماد بن عيسى الذي يروي عنه الحسين بن سعيد مباشرة، والمراد بـ(علي) هو علي بن أبي حمزة البطائني الذي يروي عنه حماد بن عيسى. والرجل ممن لم تثبت وثاقته، فالسند ضعيف من جهته. ومجرد تردد الراوي بين الحلبي الثقة وبين ابن أبي حمزة غير الموثق يكفي في سقوط الرواية عن الاعتبار.
مضافاً إلى أن هناك شاهداً على كونه هو الثاني، وهو الرواية الثالثة المتقدمة، فإن الراوي لها هو ابن أبي حمزة ومضمونها قريب من مضمون
الرواية الأولى (10).
وثانياً: أنّه لو غُضَّ النظر عمّا تقدّم وبني على كون الراوي المباشر عن الإمام (عليه السلام) هو الحلبي إلا أنه مع ذلك لا يتم السند المذكور، فإن حمّاداً الذي يروي عن الحلبي ليس سوى حماد بن عثمان، وهو ممن لا يروي عنه الحسين بن سعيد بغير واسطة قطعاً، فالرواية مرسلة بحذف الواسطة. وليست الواسطة متعينة على وجه نافع كما يتفق في سقوط بعض الوسائط سهواً.
وأما احتمال أن يكون المراد بالحلبي هو عمران الحلبي ــ الذي يروي عنه حماد بن عيسى قليلاً ــ فهو مستبعد في النظر، فإن المتداول في الأسانيد إطلاق الحلبي وإرادة عبيد الله بن علي الحلبي الذي كان كبير آل أبي شعبة ووجههم، وصنّف الكتاب المنسوب إليه وعرضه على أبي عبد الله (عليه السلام) فصحّحه، وقال عند قراءته: ((أترى لهؤلاء مثل هذا؟))، وقد رواه خلق من أصحابنا عنه، كما ذكر كل ذلك النجاشي (11).
هذا ما أفاده المحقق الشيخ حسن (قدس سره) في المناقشة في سند الرواية الأولى مع بعض التوضيح.
والذي يبدو لي في الجواب عنه هو ما يأتي:
1 ــ أما ما ذكره أولاً من تردد الراوي المباشر عن الإمام (عليه السلام) بين (الحلبي) وبين (علي) بل ترجيح الثاني فيلاحظ عليه بأن التعبير عن علي بن أبي حمزة بلفظة (علي) فقط غير معهود في كتاب الحسين بن سعيد الذي وردت فيه هذه الرواية إلا إذا كانت روايته عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) (12)، أو كانت عن أبي بصير (13) ــ الذي كان ابن أبي حمزة قائده وراويته ــ أو كان الراوي عنه فيها هو القاسم بن محمد الجوهري الذي يعرف أيضاً بروايته عنه (14)، ونحو ذلك من الموارد، ولا يعهد في الكتاب المذكور التعبير عن علي بن أبي حمزة بـ(علي) فقط مع كون المروي عنه هو الإمام الصادق (عليه السلام) وكون الراوي مثل حمّاد الذي يروي عن أكثر من شخص يسمون بـ(علي)، بل الملاحظ أنه في مثل ذلك ينسبه إلى أبيه فيقول: (حماد عن علي بن أبي حمزة) أو (حماد بن عيسى عن علي بن أبي حمزة) (15)، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإنّه يلاحظ أنّ التعبير بـ(حماد عن الحلبي) متداول في عشرات الموارد في كتاب الحسين بن سعيد كما يُعلم ذلك بمراجعة كتاب التهذيب في موارد ابتدائه باسم الحسين بن سعيد.
ومن جهة ثالثة فإن نسخ التهذيب غير متفقة على ذكر (علي) في سند هذه الرواية ــ خلافاً لما ذكره المحقق الشيخ حسن (قدس سره) ــ بل هي مختلفة في ذلك كما سيأتي، نعم اتفقت نسخ الاستبصار على لفظ (الحلبي) (16).
وإذا ضُمّت هذه الجهات بعضها إلى بعض يترجح في النظر أن تكون لفظة (علي) في بعض نسخ التهذيب محرّفة (الحلبي)، لتقاربهما في رسم الخط.
وأما الرواية الثالثة ــ وكذا الثانية ــ فلا ينبغي الاستشهاد بهما على عكس ما ذُكر، والوجه فيه: ما يلاحظ في موارد غير قليلة من ورود روايتين بلفظ واحد تقريباً: إحداهما عن الحلبي والأخرى عن علي بن أبي حمزة إما عن الإمام (عليه السلام) مباشرة أو بواسطة أبي بصير، ولا بأس بذكر نماذج من ذلك:
1 ــ فقد أورد الشيخ بإسناده إلى الحلبي (17) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((إذا اضطر المحرم إلى القباء ولم يجد ثوباً غيره فليلبسه مقلوباً، ولا يدخل يديه في يدي القباء)). ورواها الصدوق (قدس سره) عن علي بن أبي حمزة (18) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((إن اضطر المحرم إلى أن يلبس قباءً من برد ولا يجد ثوباً غيره فليلبسه مقلوباً، ولا يدخل يديه في يدي القباء)). وهو ذيل رواية علي بن أبي حمزة في الكافي (19).
2 ــ وأورد الكليني عن الحلبي (20) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر، من أجل رائحة تبقى في رأسك بعد ما تحرم، وادهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تُحل)). وروى ما يقرب منه قبل ذلك عن علي بن أبي حمزة (21).
3 ــ وأورد الشيخ عن الحلبي (22) قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يقصر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى، قال: ((يرجع إلى منى حتى يلقي شعره بها حلقاً كان أو تقصيراً)). وقد روى ما يقرب منه في الكافي (23) عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير.
4 ــ وأورد الكليني عن الحلبي (24) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((إن كان رجل موسر حال بينه وبين الحج مرض أو أمر يعذره الله عزَّ وجل فيه فإن عليه أن يُحج عنه صرورة لا مال له)). وروى نحوه عن علي بن أبي حمزة (25) قال: سألته عن رجل مسلم (26) حال بينه وبين الحج مرض أو أمر يعذره الله فيه، فقال: ((عليه أن يُحج عنه من ماله صرورة لا مال له)).
5 ــ وأورد الشيخ عن الحلبي (27) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك عنه وليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام)). وأورد الصدوق عن علي بن أبي حمزة (28) عنه (عليه السلام) أنه قال: ((من قدر على ما يحج به وجعل يدفع ذلك وليس له عنه شغل يعذره الله فيه حتى جاء الموت فقد ضيع شريعة من شرائع الإسلام)).
6 ــ وأورد الكليني عن الحلبي (29) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((تزوج الحرة على الأمة ولا تزوج الأمة على الحرة، ومن تزوج أمة على حرة فنكاحه باطل)). ثم روى ما يقرب منه عن علي بن أبي حمزة (30) عن أبي بصير.
7 ــ وأورد الكليني عن الحلبي (31) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل طلّق امرأته قبل أن يدخل بها، قال: ((عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئاً، وإن لم يكن فرض لها فليمتعها على نحو ما يمتع مثلها من النساء)). ثم روى في موضع لاحق ما يقرب منه عن علي بن أبي حمزة (32) عن أبي بصير.
8 ــ وأورد الكليني عن الحلبي (33) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((لا يضار الرجل امرأته إذا طلقها فيضيق عليها حتى تنتقل قبل أن تنقضي عدتها، فإن الله عزَّ وجل قد نهى عن ذلك، فقال: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ})). ثم روى مثله بإسناده عن علي بن أبي حمزة (34) عن أبي بصير.
9 ــ وأورد الكليني عن الحلبي (35) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((الحبلى المطلقة ينفق عليها حتى تضع حملها، وهي أحق بولدها إن ترضعه بما تقبله امرأة أخرى..)). وروى الصدوق نحوه عن علي بن أبي حمزة (36) عن أبي بصير.
10 ــ وأورد الصدوق في العلل عن الحلبي (37) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((أيُّ رجل ساق بدنة فانكسرت قبل أن تبلغ محلها أو عرض لها موت أو هلاك فلينحرها إن قدر على ذلك ثم ليلطخ نعلها التي قلدت به بدم حتى يعلم من مرَّ بها أنها قد ذكيت فيأكل من لحمها إن أراد..)). وروى نحوه في الفقيه عن علي بن أبي حمزة (38).. إلى غير ذلك من الموارد.
والنتيجة: أنّه لا سبيل إلى القول بأن الرواية الثانية والثالثة قرينتان على وقوع التحريف في سند الرواية الأولى وأن لفظة (الحلبي) فيه محرفة عن (علي)، بل ينبغي البناء على أن هناك روايتين مستقلتين: إحداهما عن الحسين بن سعيد عن حماد عن الحلبي، والثانية عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن علي بن أبي حمزة.
2 ــ وأما ما ذكره (قدس سره) ثانياً من أن رواية الحسين بن سعيد عن حماد بن عثمان لا تكون إلا مع الواسطة فهو صحيح، ولكن التتبع يُفضي إلى أن الواسطة بينهما في غالب الموارد هو ابن أبي عمير أو فضالة وقد يكون أحمد بن محمد بن أبي نصر أو صفوان أو محمد بن يحيى الصيرفي أو أبان بن عثمان أو علي بن الحكم أو غيرهم من الثقات. وأما احتمال أن يكون شخصاً من غير الثقات فلم يقع إلا نادراً كما في مورد من الكافي (39) حيث ذكر (عبد الله بن بحر)، وذكر في موضع من التهذيب (40) (عبد الله بن عمرو) وفي موضع آخر (41) (عبد الله بن يحيى)، والمظنون أن الثلاثة شخص واحد.
وبالجملة: روايات الحسين بن سعيد عن حماد بن عثمان مع الواسطة كثيرة ووقوع الواسطة الضعيفة أو غير الموثقة نادر فيمكن أن يقال: إنه بحسب حساب الاحتمالات يمكن استحصال الاطمئنان بعدم كون الواسطة الساقطة في المقام إلا من الثقات.
هذا وقد أجاب السيد الأستاذ (قدس سره) (42) عما ذكره المحقق الشيخ حسن (طاب ثراه) بغير ما تقدم، وحاصل ما أفاده:
أ ــ أنّ ما ذكره في الأمر الأول مردود من وجهين:
أولاً: أنّ الظاهر أنّ النسخة التي كتب فيها (علي) اشتباه من النسّاخ، فإن كتاب التهذيب بطبعته القديمة وإن كان مشتملاً على هذه الكلمة أيضاً بعنوان النسخة ــ أي نسخة بدل ــ وتبعه في الوسائل، إلا أن كتاب الاستبصار عارٍ عن ذلك، فيظهر أن الشيخ لم يتردد في أن الراوي هو الحلبي وإنما النسّاخ ترددوا. ولعلهم لم يتمكنوا من قراءة الخط لدى استنساخ التهذيب، فلا ينبغي التأمل في أن الراوي ليس إلا الحلبي.
وثانياً: أنّه على تقدير التنزّل وتسليم كون النسخة (علي) بدل (الحلبي) فإنه ليس المراد به ابن أبي حمزة البطائني جزماً، ضرورة أن حماد بن عثمان لم يروِ عنه أصلاً وإنما روى عن علي بن يقطين وعلي بن المغيرة، وواضح أن الأول من الثقات المقربين كما أن الثاني ثقة على الأظهر. فيحمل اللفظ على أحدهما الممكن روايته عنه دون الضعيف الذي لم يروِ عنه أبداً.
نعم روى عنه حماد بن عيسى لكن عرفت أن المراد هو ابن عثمان.
ب ــ وأما ما ذكره من الأمر الثاني فمردود من وجهين أيضاً:
أولاً: أنّ القول بأنّ حمّاد الراوي عن الحلبي هو ابن عثمان ولكن الحسين بن سعيد لا يروي عنه مباشرة غير قابل للتصديق، كيف وقد روى عنه بعنوان حمّاد بن عثمان في غير هذه الرواية، نعم رواياته عنه قليلة لا أنّها غير موجودة أو لا يمكن روايته عنه.
وثانياً: أنّه لو سلّم أنّ الحسين بن سعيد لا يروي عن حمّاد بن عثمان فلا مانع من أن يُبنى على كون المراد بحمّاد هو ابن عيسى ويكون المراد بالحلبيّ عمران الحلبيّ الذي يروي عنه حمّاد بن عيسى، ومعه أيضاً تصح الرواية. وفي جميع ما أفاده (قدّس سره) نظر أو منع:
1 ــ أما ما ذكره من ترجيح نسخة (الحلبي) على نسخة (علي) بالبيان المذكور فيلاحظ عليه بأن المحقق الشيخ حسن (قدس سره) ادعى اتفاق نسخ التهذيب على كون الراوي المباشر عن الإمام (عليه السلام) هو علي، ومن النسخ التي كانت عنده هي نسخة الشيخ بخطه الشريف كما نصّ على ذلك في عدة مواضع من كتابه المنتقى (43).
ومقتضى ذلك أنّ ما ذكره كل من صاحب الوسائل (44) والمجلسي الثاني (45) (قُدِّس سرُّهما) ويوجد في المطبوعة الحجرية من التهذيب من اختلاف نسخه وأن في بعضها (علي) وفي بعضها (الحلبي) ليس منشؤه هو ما أفاده السيد الأستاذ (قدس سره) من عدم تمكن بعض النسّاخ من قراءة خط الشيخ لدى استنساخ التهذيب، بل منشؤه هو أن بعض نسّاخ النسخ المتأخرة عمدوا إلى تبديل (علي) بـ(الحلبي) تصحيحاً قياسياً ولو من جهة أن المعروف هو رواية حماد عن الحلبي دون علي، مؤيداً ذلك بما ورد في الاستبصار من ذكر لفظة الحلبي.
وبالجملة: اختلاف النسخ المتأخرة من التهذيب مع اتفاق النسخ المتقدمة مما لا أثر له.
وأما اتفاق نسخ الاستبصار على لفظ الحلبي فلا يمكن أن يعدّ دليلاً قطعياً على أن الشيخ خطّ لفظة الحلبي في الاستبصار كما أفاده السيد الأستاذ (قدس سره)، إذ لم تصل إلينا نسخة الاستبصار بخط الشيخ (قدس سره) ولا نصّ أحد بالنقل عنها ويجوز أن تكون النسخة الأم للنسخ المتداولة منه في الأعصار المتأخرة قد جرى تصحيحها قياسياً من قبل بعض العلماء.
والظاهر أنه هو الوجه فيما حكاه المحقق الشيخ حسن (قدس سره) في بعض المواضع:
منها: ما ذكره (46) من أنّ رواية وردت في التهذيب بخط الشيخ هكذا: (عن الحسين بن سعيد عن جميل)، ووردت في نسخ الاستبصار هكذا: (عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن جميل)، وهذا هو الصحيح.
ومنها: ما ذكره أيضاً (47) من أن في التهذيب بخط الشيخ هكذا: (عن عبد الحميد عن عبد الملك)، وفي نسخ الاستبصار (عبد الحميد بن عبد الملك)، وهو الصحيح.
فيلاحظ أن ما يوجد في التهذيب في الموضعين بخط الشيخ مغلوط، وما يوجد في الاستبصار بغير خطه صحيح. والظاهر أنه من قبيل التصحيح القياسي الذي كان يقوم به بعض أهل العلم فيما يجدونه من السهو والغلط عند استنساخ الكتب والمصنفات.
وكيف كان فقد ظهر بما تقدم أن ما أفاده السيد الأستاذ (قدس سره) في ترجيح نسخة (الحلبي) على نسخة (علي) في سند الرواية المبحوث عنها غير وافٍ بمرامه. مضافاً إلى أنه (قدس سره) لم يتعرض للشاهد على الخلاف الذي أشير إليه في كلام المحقق الشيخ حسن (قدس سره)، كما لم يطلع ــ مثله ــ على الرواية الثانية المتقدمة، وإلا لربما لم يجزم بكون الراوي هو الحلبي لا علي بن أبي حمزة.
هذا ولكن الإنصاف أن ما تقدم من اتفاق نسخ التهذيب إلى عصر صاحب المنتقى ــ ومنها نسخة الشيخ بخطه الشريف ــ على كون الراوي المباشر عن الإمام (عليه السلام) هو (علي) دون (الحلبي) مما لا يمكن المساعدة عليه.
فإن الظاهر أن ما كان لدى المحقق الشيخ حسن من كتاب التهذيب بخط الشيخ لم يكن سوى قسم منه لا تمامه، ولذلك لا نجد ذكراً لهذه النسخة في القسم الأخير من المنتقى ومنه أبواب الحج.
ويؤكد هذا ما ذكره الحرّ العاملي (قدس سره) (48) قائلاً: رأيت مجلدين من النسخة التي بخط الشيخ الطوسي من التهذيب بين كتب الشهيد الثاني (قدس سره).
ويبدو أن هذين المجلدين وصلا إلى يد المحقق الشيخ حسن نجل الشهيد الثاني (قُدِّس سرُّهما) فاعتمدهما في كتابه، لا أن جميع كتاب التهذيب بخط الشيخ كان عنده حتى يستظهر اعتماده عليه في مورد البحث أيضاً، ومما يشهد على خلافه عدم إشارته إلى النقل عن تلك النسخة هنا، مع أن من دأبه الإشارة إلى ذلك عند النقل عنها.
وأما ما ادعاه (قدس سره) من اتفاق نسخ التهذيب على لفظة (علي) فهو بالنسبة إلى النسخ التي شاهدها لا جميع النسخ في عصره، ويحتمل أن بعض النسخ الأخرى كان مشتملاً على لفظة (الحلبي).
وبالجملة: لا سبيل إلى الجزم بعدم وجود نسخ أخرى حتى في عصره (قدس سره) أو ما قبله مشتملة على لفظة (الحلبي).
نعم الظاهر أن نسخة المحقق والعلامة (قُدِّس سرُّهما) (49) كانت مثل ما ذكره المحقق الشـيخ حـسن، فإنهما أوردا الرواية عن علي بن أبي حمزة وضـعّـفاها من جهته، ويبدو أن نسخة العلامة المجلسي الأول (50) كانت مثل ذلك أيضاً.
ولكن سواء اتفقت نسخ التهذيب على لفظة (علي) أم لم تتفق فإن الأرجح صحة لفظة (الحلبي) لما تقدم بيانه، والظاهر اشتمال نسخة التهذيب التي كانت بخط الشيخ (قدس سره) على أغلاط كثيرة كما يعلم بمراجعة المنتقى، وكان في بعض المواضيع منها تغييرات وإضافات من غير خط الشيخ كما نصّ على ذلك المحقق الشيخ حسن (51)، فلا بد من استحصال الاطمئنان بما هو الصحيح من ذلك بملاحظة القرائن والشواهد، وهي تقتضي كما تقدم كون الراوي المباشر عن الإمام (عليه السلام) في الرواية المتحدث عنها هو الحلبي لا علي.
2 ــ وأما ما ذكره السيد الأستاذ (قدس سره) من أنه على تقدير كون الراوي هو (علي) فليس المراد به هو علي بن أبي حمزة جزماً لأن حماد بن عثمان لا يروي عنه بل المراد به علي بن يقطين أو علي بن المغيرة فهو في غاية الغرابة، فإنه كيف أحرز أن حماداً هو حماد بن عثمان حتى بنى عليه ما أفاده؟! إذ لا يمكن إحراز ذلك إلا إذا بني على كون المروي عنه هو الحلبي، وأما بناءً على كونه هو علي ــ كما هو مبنى كلامه في المقام ــ فلا سبيل إلى إحراز ذلك كما هو واضح.
بل يمكن أن يقال: إنه بملاحظة الرواية الثالثة يترجح أن يكون المراد بـ(علي) هو علي بن أبي حمزة، إذ يبعد أن تكون هناك روايتان بمضمون واحد مرويتان عن شخصين يسميان بعلي، ويسمى الراوي عن كل منهما بحماد، أي يكون الحسين بن سعيد قد روى إحدى الروايتين عن حماد بن عثمان عن علي بن يقطين مثلاً، وقد روى الثانية عن حماد بن عيسى عن علي بن أبي حمزة.
ومهما يكن فلا ينبغي الريب في أنه لو كان الراوي عن الإمام (عليه السلام) في الرواية المبحوث عنها هو (علي) فلا سبيل إلى البناء على كونه غير علي بن أبي حمزة، مع أنه لو أمكن البناء على ذلك فإن من يروي عنه حماد بن عثمان ممن يسمى بـ(علي) لا ينحصر في علي بن يقطين وعلي بن المغيرة، بل هناك شخص ثالث يروي عنه ويسمى بعلي أيضاً وهو علي بن سعيد (52) وليس موثقاً، فلا يمكن البناء على تمامية سند الرواية على كل حال خلافاً لما أفاده السيد الأستاذ (قدس سره).
3 ــ وأما ما ذكره (قدس سره) من ثبوت رواية الحسين بن سعيد عن حماد بن عثمان في موارد قليلة فيلاحظ عليه: بأنه لم يرد هذا إلا في ثلاثة مواضع من التهذيب (53).
والصحيح هو ما ذكره المحقق الشيخ حسن واستظهره السيد البروجردي (قُدِّس سرُّهما) (54) من سقوط الواسطة بينهما في هذه المواضع، فإن حماد بن عثمان من الطبقة الخامسة، والحسين بن سعيد من كبار الطبقة السابعة، فالثاني لا يروي عن الأول وعمّن هو في طبقته بلا واسطة. نعم روى عن حماد بن عيسى، لأنه وإن كان من الطبقة الخامسة إلا أنه عمَّر طويلاً حتى عاصر الطبقة السادسة، فتسنى لرجال الطبقة السابعة الرواية عنه.
ويؤكد ذلك أن هناك مئات الروايات للحسين بن سعيد عن حماد بن عثمان مع الواسطة، ولا توجد له رواية عنه بلا واسطة إلا في التهذيب في الموارد المذكورة. ولو كان يروي عنه بلا واسطة لما انحصرت روايته عنه في هذه الموارد في كتاب التهذيب المعروف بكثرة ما وقع فيه من السقط والتحريف، دون غيرها من المصادر.
وبذلك يعرف الإشكال فيما ذكره المحقق الشيخ محمد (55) حفيد الشهيد الثاني من أن الطبقة لا تأبى رواية الحسين بن سعيد عن حماد بن عثمان بلا واسطة. وكأنه لم يتنبّه لكلام والده المحقق الشيخ حسن (قدس سره) من أن الحسين بن سعيد لا يروي عن حماد بن عثمان بغير واسطة قطعاً.
4 ــ وأما ما ذكره السيد الأستاذ (قدس سره) من أنه على تقدير عدم رواية الحسين بن سعيد عن حماد بن عثمان بلا واسطة فلا مانع من البناء على كون المراد بحماد هو ابن عيسى، والمراد بالحلبي هو عمران الحلبي الذي روى عنه في جملة من الموارد (56)، فيلاحظ عليه بأن هذا مستبعد جداً، من جهة عدم ورود التعبير بالحلبي عن عمران الحلبي في شيء من الموارد.
نعم وردت في موضعين من الكافي والتهذيب (57) رواية (حماد بن عيسى عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام))، فقد يقال: إن المراد بالحلبي فيهما بقرينة كون الراوي عنه هو حماد بن عيسى ليس سوى عمران الحلبي، فيجوز أن يكون المقام مثله، وعندئذٍ يتعين البناء عليه، إذ لا مبرر للالتزام بوقوع سقط في السند من دون قرينة قاطعة، ولا قرينة هنا عليه بعد إمكان أن يراد بحماد ابن عيسى وبالحلبي عمران.
ولكن هذا الكلام ليس بتام، فإن (حماد بن عيسى) في المورد الأول محرّف (حماد بن عثمان) بقرينة أنّ الشيخ (58) أورد الرواية المشار إليها عن الكافي وفي السند حماد بن عثمان لا حماد بن عيسى. وأما في المورد الثاني فإنه وإن كان المذكور في التهذيب عن الكافي (حماد بن عيسى) إلا أنّ الموجود في النسخ المتداولة من الكافي (59) هو (حماد) فقط، فيكون محمولاً على حماد بن عثمان كما في سائر الموارد المشابهة.
وبالجملة: إنّ التعبير بـ(حماد عن الحلبي) متداول في مختلف المصادر ومنها في عشرات الموارد في كتاب الحسين بن سعيد، والمراد بـ(الحلبي) في الجميع هو عبيد الله بن علي الحلبي، فإطلاق كلمة (الحلبي) وإرادة غيره كعمران الحلبي مستبعد ولا يمكن البناء عليه.
وكيف كان فقد تحصل من جميع ما تقدم: أنّ الرواية الأولى المبحوث عنها تامة السند على المختار، خلافاً لما أفاده المحقق الشيخ حسن (قدس سره).
وأما الروايتان الثانية والثالثة فراويهما هو علي بن أبي حمزة الذي لم تثبت وثاقته. مع أن في الثالثة شبهة إرسال، فإنه قال: (كتبت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أسأله..) ثم ذكر جواب الإمام (عليه السلام) بقوله: (قال: ((يُحرم من الكوفة))) وظاهره أن جوابه (عليه السلام) لم يكن مكتوباً بل كان شفوياً، وحيث إنه لم يذكر الناقل بالاسم فالرواية مرسلة بحذف الواسطة، فتأمّل.
هذا وقد يستبعد أن يكتب علي بن أبي حمزة إلى الإمام الصادق (عليه السلام) عن مسألة ثم يسأل الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) عن المسألة نفسها، لأنه لا موجب لذلك. ومن هنا يرجح اتحاد الروايتين وكون الاختلاف بينهما من الرواة والنقلة.
ولكن هذا الكلام في غير محله، فإنه يجوز أن علي بن أبي حمزة لما لم يستحصل على جواب الإمام الصادق (عليه السلام) على سؤاله مكتوباً أراد أن يتأكد من الحكم من الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) فأعاد السؤال عليه، ولا استبعاد في ذلك بوجه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|