أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-4-2019
1780
التاريخ: 12-4-2019
2187
التاريخ: 24-4-2019
2055
التاريخ: 2023-04-05
1309
|
أقدم ما عثرنا عليه في المصادر الموثوقة عن تاريخ تحضّر الحجاز هو ما تذكره المصادر العربية القديمة من أن قلب الجزيرة العربية كانت تسكنه بعض القبائل من العرب العرباء المعروفين ببني جرهم، وأن إسماعيل بن إبراهيم وأمه هاجر قد هاجرا من فلسطين في القرن التاسع عشر ق.م. إلى الحجاز، وتختلف المصادر العربية والتوراة في المكان الذي قصداه بعد أن هاجرا من فلسطين؛ فالتوراة تقول إنهما خرجا حتى بئر السبع، وإنه قد نفد ما عندهما من الماء، وكادا أن يموتا عطشًا، فهدى مَلَك الله هاجر إلى بئر فملأت القربة، وسقت ابنها، وإن إسماعيل شب في برية فاران ، (1) والمصادر العربية تقول إنهما قد قصدا الحجاز، وإن برية فاران هذه ليست إلا مكة، وإن إسماعيل - عليه السلام – شب بين قبيلة جرهم، وتعلم من أبنائها العربية، وأعجبهم فزوجوه رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي، وإن الماء الذي اهتدت إليه هاجر إنما هو بئر زمزم في مكة المكرمة، وإن إسماعيل بن إبراهيم قد ولد اثني عشر ولدًا منهم نابت (نبيت) وقيدار ، وهما أبوا العرب المستعربة. يقول جرجي زيدان بعد أن ذكر قصة سفر إسماعيل وأمه: «يؤخذ من القرائن التي تقدمت أن عرب الشمال في الطور الثاني تتصل أخبارهم بأقدم تاريخ تلك الجزيرة ولا سيما إذا اعتبرنا حكاية إسماعيل تاريخية، وعددناها بدء تاريخ جديد لأولئك العرب؛ لأن الإسماعيلية يبدأ تاريخهم في القرن التاسع عشر قبل الميلاد، ومع ذلك فليس لدينا من أخبارهم القديمة ما يُعوّل عليه، كأن هؤلاء العرب كانوا في سبات لم يستيقظوا إلا حوالي التاريخ المسيحي، والغالب أنهم كانوا حاملي الذكر؛ لأنهم لم يُنشئوا دولاً، وكانت دول العرب الأخرى في اليمن ومشارف الشام والعراق وغيرها تستخدمهم في نقل التجارة على القوافل بين ممالك ذلك التمدن، ويعبرون عنهم تارة بالإسماعيلية، وطورًا بقيدار أو غيرهما ... (2) وقول زيدان هذا لا يعتمد على نصوص منقولة، وإنما هو بحث شخصي، فلماذا لا نعتبر قصة هجرة إسماعيل قصةً تاريخية واقعية جاءت بها التوراة ثم القرآن، وأثبتتها المصادر العربية القديمة، وأن فاران التي ذكرتها التوراة ليست إلا اسما من أسماء مكة، أو هي على الأصح اسم جبل مكة، قال ياقوت: «فاران كلمة عبرانية مُعرَّبة وهي من أسماء مكة ذكرها في التوراة، وقيل هو اسم لجبال مكة.» وقال ابن ماكولا أبو نصر بن القاسم بن قضاعة القضاعي الفاراني الإسكندراني «سمعت أن ذلك نسبة إلى جبال فاران، وهي جبال الحجاز. وفي التوراة: «جاء الله من سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلن من فاران»، ومجيئه من سيناء: تكليمه لموسى، وإشراقه من ساعير – وهي جبال فلسطين - هو إنزاله الإنجيل على عيسى، واستعلانه من جبال فاران: إنزاله القرآن) (3) فهذا يدل على أن فاران هي مكة أو جبالها، وقد وفق بين الروايتين جرجي زيدان حيث يقول: «فالتوراة تقول إنه برية فاران، أو جبل فاران، وكلاهما عند العقبة شمالي جزيرة سيناء، والعرب يقولون إنه مكة بالحجاز، ويسهل تطبيق الروايتين متى علمنا أن جبال مكة أو جبال الحجاز تُسمَّى أيضًا فاران، فيكون المراد أن البرية التي أقام فيها إسماعيل برية الحجاز، أو أنه أقام حينًا في سيناء، ثم خرج إلى الحجاز، وسكن هناك وتزوج، والتوراة لم يذكر إسماعيل بعد خروجه من بيت أبيه إلا عند حضوره دفنه هناك على عادتها من الاختصار فيما يخرج عن تاريخ أمة اليهود وأديانها، وليس لدينا مصادر أخرى تُنا في هذه الرواية أو تؤيدها، ولا فائدة من الأخذ والرد فيها، فنتركها، ونُعوّل على الثابت من أخبار عرب الشمال، أو المتواتر الذي لا يخالف العقل أو النقل ...(4) والعرب من قحطانيين وعدنانيين قبل الإسلام وبعده ما زالوا يعتقدون أن إبراهيم هو أبو العرب، وأن ابنه إسماعيل هو جدهم، وأنهما قد بنيا الكعبة، ففي القرآن الكريم: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ (5). وتجمع المصادر العربية على أن إبراهيم هو الذي بنى الكعبة، وأن ابنه إسماعيل قد تزوج من جرهم التي كانت تتولى سدانة الكعبة، والتي ظلت السدانة فيها حقبًا طويلة إلى أن انتزعتها خزاعة منها، ثم انتقلت السدانة إلى قريش(6) وقد كان لهؤلاء العرب المستعربة الذين ولدوا من أم عربية هي السيدة رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمية، ومن أب هو النبي إسماعيل بن الخليل إبراهيم؛ أعمال جليلة في إقامة مشيخة سامية ترعى الكعبة وتؤمن سُبل الحج إليها، كما تؤمن طريق التجارة، وتعمل على إقامة مدن وقرى في ذلك الوادي المقفر غير ذي الزرع، كما أنهم كانوا يعملون على نقل التجارة من الجنوب إلى الشمال وبالعكس، وقد ضاعت تواريخ هؤلاء القوم؛ لأن العلماء لم يقوموا بعد بدراسات أثرية أو علمية صحيحة في الحجاز، كما قامت الدراسات في اليمن والعراق والشام ومصر، ولا شك في أن التنقيبات الأثرية ستكشف حين وقوعها عن آثار حضارة لا تقل عن حضارات الجنوب والشمال، وليس لدينا اليوم من المصادر التي يمكن أن يُعتمد عليها في تفهم تاريخهم إلا التوراة والقرآن، أما القرآن فمعلوماته جد قليلة؛ لأنه لم يهتم بالنواحي التاريخية، وإنما اهتم بالنواحي الدينية وما إليها، وأما التوراة فمعلوماتها عنهم تكاد تنحصر فيما يلي: ذكر سفر التكوين شيئًا عن نَسَب أولاد إسماعيل، كما أشرنا إليه ،آنفًا، وقلنا رأينا فيه، كما ذكر أيضًا قصة يوسف وإخوته ، وأنهم أخذوه وطرحوه في البئر، وأما البئر فكانت فارغة ليس فيها ماء، ثم جلسوا ليأكلوا طعامًا، فرفعوا عيونهم ونظروا وإذا قافلة إسماعيليين مُقبلة من جلعاد، وجمالهم حاملة كثيراء وبلسانًا ولاذنا ذاهبين لينزلوا بها إلى مصر (7) وكان هذا الحادث في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وهؤلاء الإسماعيليون الذين أشارت إليهم التوراة، ثم الذين كانوا قادمين من ديار العرب إلى مصر للتجارة، وأنهم الذين اشتروا يوسف وباعوه كما هو معروف، وتذكر التوراة أيضًا في سفر القضاة بعد هذا الحادث بنحو ستة قرون هؤلاء الإسماعيليين وتسميهم: «بني المشرق» ، (8) وتذكرهم بعد ذلك بخمسة قرون في سفر أشعياء باسم « قيدار» بن إسماعيل، وتتنبأ بأن مجدهم سيزول،(9) ومنذ عهد أشعياء تذكر التوراة أن الإسماعيليين قد انقسموا قسمين: «أحدهما» بنو قيدار (قيذر)، والثاني بنو بنيت (بنايوت)، وبعد عهد أشعياء بقرن ونصف، حوالي القرن السادس قبل الميلاد أي في عهد أرمياء – جاء الملك نبوخذ نصر، واكتسح ديار العرب، وغلب بني إسماعيل (أو بني المشرق)، وقد جاء هذا الجزء في التوراة على سبيل التحذير والوعظ مما أصاب أهل دمشق وحماة وبلاد العرب من النبلاء بسبب عصيانهم . ارتجت دمشق، والتفتت للهرب، أمسكتها الرعدة، وأخذها الضيق والأوجاع كماخض، كيف لم تترك المدينة الشهيرة قرية فرحى؛ لذلك تسقط شُبَّانها في شوارعها، وتهلك كل رجال الحرب، في ذلك اليوم يقول رب الجنود، وأشعل نارًا في سور دمشق فتأكل قصور بن هدد، عن قيدار وعن ممالك صور، التي ضربها نبوخذ نصر ملك بابل، هكذا قال الرب: قوموا اصعدوا إلى قيدار ودمروا أبناء المشرق، إنهم يأخذون أخبيتهم وغنمهم، ويستولون على شققهم وجميع أدواتهم وإبلهم، وينادون عليهم بالخوف من كل جانب (10). هذا كل ما تذكره التوراة من تاريخ بني إسماعيل، أما المصادر العربية فتنقل ذلك عن التوراة، وتضيف إليه معلومات تناقلها العرب في الجاهلية، وهي معلومات ممزوجة بالأساطير وكثير من الخُرافات. ويظهر أن هؤلاء العرب قد ظلوا بداة، وأن سلطانهم قد امتد من الحجاز إلى اليمن ومشارف الشام، وأنهم جعلوا مكة مقر دولتهم أو مشيختهم لما لها من المكانة القدسية الرفيعة. ويظهر أنهم قد ضعفوا بعد الغزو البابلي، فإنه قد كان ظالما شديدًا، ولا شك في أنهم قد استعادوا استقلالهم بتلك الديار وتكاثروا وعادوا إلى الظهور قبيل الميلاد المسيحي المجيد، فقد تناقل المؤرخون طرفًا من أخبارهم في ذلك الحين، وذكروا بعض قبائلهم بالقوة والمنعة، وامتدوا إلى تهامة ونجد وبلاد الشام، وأصل هذه القبائل هو عدنان، وقد اختلف النسابون في عدد من كان بين إسماعيل وعدنان من الآباء، فبعضهم يعدهم أربعين جدًّا، وبعضهم يجعلهم عشرين، وبعضهم خمسة عشر، ويقول آخرون إن المدة بين الاثنين هي طويلة؛ فلذلك يصعُب ضبط العدد تماما (11). وقد ولد عدنان أولادًا عديدين أشهرهم: معد، وعك، ويقول ابن خلدون: إن معدا عاش أيام نبوخذ نصر، (بختنصر)، وإنه خلص إلى حيران حينما هاجم أهل حضورا في اليمن (12) وأما عدنان والده فلقي بختنصر فيمن اجتمع به أهل «حضورا» وغيرهم بذات عرق، فهزمهم بختنصر، ومات عدنان في أيامه، فلما هلك بختنصر خرج معد من حران إلى مكة، فوجد أخويه وعمومته قد لحقوا بطوائف اليمن وتزوجوا منهم، فرجع بهم إلى بلادهم. وتذكر المصادر العربية أن معدا قد ولد ثلاثة نفر وهم نزار وقضاعة، وقنص، ويجعلهم بعض المصادر أربعة فيضيف إليهم إيادًا (13) على أن الأكثرين على أن إيادًا هو ابن نزار لا أخوه. ومن أولاد معد تسلسلت القبائل العدنانية أو النزارية في تهامة ونجد والحجاز ومشارف الشام، وأصلهم القبائل الآتية:
قضاعة وأكبر بطونها جهينة، وبلي، وتنوخ، وسليخ.
وإياد وأكبر بطونها أفصى، ودعمى، وغاره.
وربيعة وأكبر بطونها أسد، وبكر، وتغلب، وحنيفة، وسجل، وشيبان.
ومضر وأكبر بطونها قيس، وأسد، وكنانة، وتميم، وثقيف.
قد أقام بنو سليخ الذين نزلوا الشام دولة في بلاد مؤاب من أرض البلقاء، ومن مشاهير ملوكها النعمان بن عمرو بن مالك وابنه مالك بن النعمان، وابنه عمرو بن مالك، ولما غلبوا على أمرهم في الشام ارتحلوا إلى العراق، وشادوا دولة الحضر Atra قرب تكريت التي قامت منها حضارة عظيمة، ستكشف التنقيبات عن جلائل آثارها. كما أقام بنو تنوخ دولتين: «إحداهما في مشارق الشام وجنوبي العراق، وهي دولة جذيمة الأبرش التي قامت على أنقاضها دولةُ المناذرة اللخميين أملاك الحيرة؛ و«الثانية» في الشام، وهي التي قامت على أنقاضها دولة الغساسنة في منطقة حوران ودمشق. وقد كان للقبائل الأخرى كبني أسد وتميم وبكر وتغلب وشيبان وقيس وثقيف دويلات أو مشيخات أو إمارات ازدهرت بعض الوقت، ولكن معلوماتنا عنها ما تزال جد ضئيلة، فلعل الزمن يكشف عن حقائق تاريخها.
.......................................
1- سفر التكوين،9:21.
2- انظر تاريخ العرب قبل الإسلام لزيدان 153:1.
3- انظر معجم البلدان 323:6.
4- انظر تاريخ العرب قبل الإسلام لزيدان، 153:1.
5- سورة الحج، آية 78.
6- راجع سيرة ابن هشام ،123:1؛ وتاريخ ابن خلدون ،29:2 وياقوت 129:8.
7- سفر التكوين37: 24ــ26.
8- سفر القضاة ،33:6، 12:7، 43:8.
9- سفر أشعياء، 21: 16ــ17.
10- سفر أرمياء ،49: 24ــ30.
11ــ انظر تاريخ الطبري 2: 191؛ وابن خلدون ،2:298؛ وكتاب نسب عدنان وقحطان للمبرد، ص2.
12- انظر تاريخ ابن خلدون، 2: 999؛ ومعجم البلدان (مادة حضورا).
13- انظر سيرة ابن هشام، 1: 57.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|