المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الاخلاق و الادعية
عدد المواضيع في هذا القسم 6237 موضوعاً
الفضائل
آداب
الرذائل وعلاجاتها
قصص أخلاقية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



الإنسان بين السعادة والشقاء.  
  
2961   08:17 صباحاً   التاريخ: 2023-03-16
المؤلف : الشيخ علي حيدر المؤيّد.
الكتاب أو المصدر : الموعظة الحسنة
الجزء والصفحة : ص 523 ـ 536.
القسم : الاخلاق و الادعية / أخلاقيات عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-7-2022 1712
التاريخ: 11-10-2016 2324
التاريخ: 7-10-2016 1817
التاريخ: 2024-08-27 325

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): "يا علي أربع خصال من الشقاء جمود العين وقساوة القلب وبعد الأمل وحب البقاء" (1).

السعادة مع الهداية دائماً:

السعادة من المفاهيم الحيويّة التي رافقت الإنسان وترافقه إلى خاتمة المطاف لأنّ السعادة خير ونفع والعقلاء قالوا بوجوب تحصيل المنافع والخير فضلاً عن أنّها تعيش في وجدان وفكر كلّ إنسان، بل إنّها هدف الإنسان النهائيّ وليست الجنّة إلّا معنى تام ومتكامل للسعادة كما يقول بعض الحكماء والإنسان في هذه الحياة إنّما يرهق نفسه ويتعبها من أجل تحصيل السعادة والعيش في هناء ولعله يعرض نفسه للخطر أو الموت من أجل ذلك.

 فلا يخفى أنّها هدف الجميع والكلّ يتحرّك نحو إيجاد مقدّمات السعادة ولكن الرؤى تختلف من فرد إلى فرد ومن فئة إلى أخرى على مستوى المقدمات الموصلة إلى السعادة، فالبعض يتصوّر أنّ الظلم والاستعلاء مثلاً من المقدّمات الموصلة إلى السعادة والبعض يرى أنّ العزلة والانقطاع عن الناس موصل للسعادة بينما القرآن يرى أنّ مجانبة الطاغوت والإيمان بالله بالعبودية الحقيقيّة الخالصة مقدّمة جيّدة لإيصال الإنسان إلى السعادة الخالدة {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 256 ـ 257].

فالنور تعبير عن الهداية ولا يخفى أنّ السعادة مع الهداية دائماً والشقاء مع الضلال.

وكذلك اختلفت الإنسانية في حقيقة السعادة وأين تكمن؟ فالبعض يرى مطلق السعادة في المال والبعض يراها في الجاه وآخر يراها في سلامة البدن أو كثرة الأولاد، والقرآن يرى أنّ السعادة هي استكمال الفكر والعقيدة الصحيحتين - سيأتي الكلام في ذلك مفصلاً - وإنّما الأموال والأولاد والجاه وغير ذلك كلّها أعراض قابلة للزوال والتغيير والحال أنّ الإنسان يبحث عن السعادة الأبدية، بل إنّ القرآن يعد الأولاد أحياناً (عذاباً) في حين أنّنا نعدّها نعمة هنيئة قال تعالى: {وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 85].

ولأجل بيان معنى ذلك:

هناك سعادة للروح وسعادة للجسم، الأولى سعادة معنوية والأخرى مادية. والإنسان عندما يبتعد عن ربه وينحني نحو الأرض ويلتصق بها ويتعلق قلبه بالدنيا عندها لا يرى إلا السعادة المادية ويتصورها هي السعادة الحقيقية ويترك الجانب الثاني وهو سعادة الروح فيتوجه بشكل كلي نحو اقتناء الأمور المادية؛ لأنّه يرى السعادة من خلال ما فيها من مال وسلطة وجاه وأولاد ومراكب ومساكن وغيرها - وإذا نال كلّ واحدة منها سعى إلى الأخرى لينالها فيركض وراء الأمر الآخر.

"فما دام لم ينل ما يريده كان أمنية وحسرة وإذا ناله وجده غير ما يريده لما يرى فيه من النواقص ويجد معه من الآلام وخذلان الأسباب التي ركن إليها ولم يتعلّق قلبه بأمر فوقها فيه طمأنينة القلب والسلوة من كلّ فائتة فكان أيضاً حسرة فلا يزال فيما وجده متألّماً به معرضاً عنه طالباً لما هو خير منه لعلّه يشفي غليل صدره" (2).

 أمّا الإسلام فيرى أنّ الإنسان متكوّن من مادة وروح ولكلّ واحد منهما سعادة فإنّ سعادة الروح مثلاً في العلم والمعرفة والوعي وشدّة الإدراك وانفتاح على عالم الغيب، وسعادة الجسم في النعم المادية ما لم تكن مزاحمة لذكر الله وشاغلة عن حبه عزّ وجلّ فإذا تعلّق الإنسان بالأولاد أو المال أو الزوجة تعلّقاً تامّاً وأحبّها حبّاً عظيماً حينئذٍ ستكون هذه الأمور عذاباً له في الدنيا والآخرة، أمّا في الدنيا فلأنّ نعم الدنيا محفوفة بالمكاره والألم وأمّا في الآخرة فلأنهّا شغلته عن ذكر الله عزّ وجلّ فلم يقدّم شيئاً لآخرته ومن هنا وصفها القرآن بالعذاب. وبالجملة فإنّ السعادة تكمن في طريق الله عزّ وجلّ والشقاء يكمن في طريق الدنيا المحض.

 

أضواء على الحياة السعيدة:

قلنا سلفاً إنّ السعادة الحقيقيّة هي استكمال الفكر الإنسانيّ والاعتقاد الحق ومن ثم تطابق واندماج الفكر مع العقيدة والفكر يتكامل بالعلم والوعي والاتجاه المنطقي السليم يقول أهل الحكمة: إنما العقيدة تتكامل وتكون حقة بالإيمان بخالق الكون والمعاد إليه وما بين البداية والنهاية هناك مجموعة من العقائد الضرورية كالنبوة والإمامة والعدل وما يتفرع عن المعاد وهو الجنة والنار وما يتفرع عن العدل وهو الحكمة والحقوق والواجبات وما يتفرع عن الأخير كالسلوك، فكلّما استطاع الإنسان أن يفعل هذه العقائد في حياته مستخدماً التفكير الصحيح ومستعينا بسلوك وسيرة النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) يكون قد دخل عالم السعادة من أوسع أبوابه إذ إنّ السعادة تكمل في تفاعل العقيدة مع الحياة وإنزال المفاهيم الشريفة إلى أرض الواقع لتتحوّل إلى سلوك عمليّ منتظم ورتيب يضمن للإنسان سلامته في الدنيا ونجاته في الاخرة وهذا المعنى التام للسعادة قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «السعيد من أخلص الطاعة» (3)، «إنّما السعيد من خاف العقاب فأمن ورجا الثواب فأحسن واشتاق إلى الجنة فأدلج» (4) إذ كلّما استطعنا أن نتفاعل مع التوحيد بأرواحنا ونتحسّس آثاره ونعيش مع إشعاعاته الروحية النورانيّة نكون قد ارتفعنا عن مستوى الطين وقبضته المحكمة إلى عالم المعنويّات، فإذا كانت هناك سعادة فهي غير متناهية، إذن العقيدة الإسلاميّة هي النظرة المركزيّة لهذا الكون كله، فكلّما تفاعلت أفكارنا وأرواحنا وقلوبنا مع هذه النظرة الواسعة كلّما انعكس ذلك على أرواحنا فنعيش حينها السعادة الروحية من الداخل والسعادة الدنيوية من خلال انتظام السلوك وحسنه.

إذن حقيقة السعادة هي التحرّر من قبضات المادة ولكن ليس كلّ تحرّر وإنّما التحرر القائم على أساس العقيدة الحقّة والعكس بالعكس إذ كلّما اضطربت العقائد داخل نفس الإنسان وكان بعضها باطلاً وهبط عن مستوى الفكر السليم وتعلّق قلب الإنسان بهذه المادّيّات كان إلى الشقاء أقرب، لأنّه يهيّىء مقدّمات الشقاء وقد مرّ الكلام على أنّ أمور الدنيا بما فيها النعم محفوفة بالمكاره والشقاء حتّى يحصل عليها الإنسان فكيف الحال إذا كان همّه الدنيا وحب البقاء فيها.

 عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "مَن أصبح وأمسى والدنيا أكبر همّه جعل الله الفقر بين عينيه وشتّت أمره ولم ينل من الدنيا إلّا ما قسم له ومَن أصبح وأمسى والآخرة أكبر همّه جعل الله الغنى في قلبه وجمع له أمره"(5).

 

الدنيا بين المؤمن والكافر:

الدنيا في واقعها شقاء وإنّما السعادة التامة في الجنّة لا محالة ولكن هناك نسبة من السعادة في هذه الدنيا التي تكلّمنا عنها فيما مضى، أمّا الشقاء فهو الغالب على مظاهر هذه الدنيا فإنّ الأعمال القبيحة نتائجها شقاء والأعمال الصالحة نتائجها خير ولكن تطبيقها فيه تعب ومشقة ولذلك كلّ فعل في الخارج محاط بمشقّة قال تعالى: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 1، 2] فالنبيّ كان يتعب نفسه في العبادة فسمّي ذلك التعب شقاءً؛ لأنّه على غير طبع النفس البشريّة المائلة إلى الدعة والراحة ولذلك يقول أمير المؤمنين: "ما أصف من دار أوّلها عناء وآخرها فناء في حلالها حساب وفي حرامها عقاب.."(6).

 فالدنيا كلّها شقاء ولذلك جاء في الحديث: "الدنيا سجن المؤمن.. وجنّة الكافر" (7) فلأن المؤمن في شقاء دائم فيها من ناحية فعل الخير وترك المعاصي فكلاهما يحتاجان إلى تعب فتكون الدنيا بالنسبة إليه سجن يشقى فيه وأمّا الكافر فلأنّه لا آخرة لديه ويتصوّر أنّ الدنيا خالدة ويتخيّل أنّ بعض السعادة التي يحصل عليها أو بعض الملذّات والرغبات إنّما هي مطلق السعادة فتكون الدنيا بالنسبة له جنّة.

 

أسباب الشقاء:

والسؤال هو ما هي أسباب الشقاء وكيف يشقى الإنسان؟ لقد ذكر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بعض الأسباب الداعية للشقاء في هذه الحياة الدنيا منها (جمود العين) أي عدم البكاء لأنّ البكاء مرآة عاكسة لطراوة القلب ورحمته وأنّه من القلوب الليّنة المؤمنة وعكسه أي عدم البكاء يدلل على قساوة القلب. والبكاء أنواع حسب الداعي إليه فهناك بكاء من الخوف وبكاء الفرح وبكاء الحزن والشوق فمثال الأول هو بكاء الخلائق خوفاً من الله يوم القيامة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "كلّ عين باكية يوم القيامة إلّا ثلاث: عين بكت من خشية الله وعين غضت عن محارم الله وعين باتت ساهرة في سبيل الله" (8) ولا شك في أنّ البكاء من خشية الله من الرتب الإيمانية العالية جداً بل إنّه دليل على العناية والرحمة الإلهيّة يقول الإمام الحسين (عليه السلام): "بكاء العيون وخشية القلوب من رحمة الله" (9) والبكاء من خشية الله خاتمته الجنّة والسعادة لماذا؟ لأنّه سوف يعكس أثاراً روحيّة تنظم سلوك الإنسان وتبعده عن المعاصي والقبائح وتقرّبه من الله أكثر (البكاء من خشية الله ينير القلب ويعصم عن معاودة الذنب) (10) وممّا ينقل عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنّه قال: ما دخلت على أبي قط إلّا وجدته باكياً (11) وممّا أوحى الله تعالى لداود (عليه السلام): ادعني بهذا الاسم «يا حبيب البكّائين» ولقد كان الإمام السجاد ومولاتنا الزهراء صلوات الله عليهما من البكّائين الخمسة (آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة وزين العابدين) (12) فالزهراء بكت على أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى ضجّ أهل المدينة من بكائها فبنى لها الإمام علي (عليه السلام) مكاناً خاصّاً تبكي فيه كلّ يوم وهو بيت الأحزان (13) أمّا الإمام السجاد فبكى على أبيه سيد الشهداء (عليه السلام) عشرين أو أربعين سنة وما وضع بين يديه طعام إلّا بكى وكان يقول: "إنّي ما أذكر مصرع بني فاطمة إلّا خنقتني لذلك العبرة" (14).

 

العواطف الصادقة:

وكذلك فإنّ البكاء فرحاً يدلّل على العواطف الصادقة التي تتفاعل مع الأحداث كما في الحزن قال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: 83] جاء في تفسير الآية الكريمة : إن النجاشي ملك الحبشة أرسل ثلاثين رجلاً من خيار أصحابه إلى رسول الله فلما أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخلوا عليه فقرأ عليهم سورة (يس) فبكوا حين سمعوا القرآن وعرفوا أنّه الحق فأنزل الله فيهم الآية وقيل: إنّ جعفر بن أبي طالب عندما قرأ على النجاشي ومن حوله من الرهبان والقساوسة سورة مريم بكوا بكاءً كثيراً فأنزل الله على رسوله هذه الآية في صفتهم (15). فهؤلاء بكوا فرحاً واستهلالاً بظهور النبي الخاتم صلوات الله عليه وآله، وعدم البكاء يكون عكس ذلك تماماً أي صاحبه يكون قاسي القلب مضطرب العواطف فاقد الإحساس والرحمة كما هو الحال في يزيد بن معاوية فلا هو يبكي من خشية الله ولا يبكي حزناً على آل الرسول ولا يبكي خوفاً من عذاب الآخرة جراء ما صنعه بذرية رسول الله فلا غرابة في أن يكون قاسي القلب ومن أصحاب الجحيم.

 

البكاء مادّياًّ ومعنويّاً:

فضلاً عن فوائد البكاء المادّيّة والمعنويّة كما ذكرنا، فقد ثبت علميّاً أنّ البكاء نافع لغسل العيون وإخراج ما بها من أجسام غريبة تؤثّر عليها وغيرها من الفوائد العلميّة المذكورة في محلّها. وأمّا الفوائد المعنويّة فمثلاً بواسطة البكاء استمرت ثورة الحسين (عليه السلام) وظلّت خالدة.

 فإنّ السلطة الظالمة كانت قد منعت الإمام السجاد وسيدتنا زينب (عليهما السلام) من التحدّث مع الناس أو عرض تفاصيل واقعة الطف بل إنّ السلطة منعت ذكر الحسين على أساس أنّه خارجي فبدأ الإمام السجاد (عليه السلام) بالبكاء على أبيه ليشعر الأمة الإسلاميّة بأنّ هناك حدثاً جليلاً يدعوه للبكاء عشرين عاماً أو أربعين وفي كلّ أوقاته حتّى مع الأكل وعندما يسأل الناس عن سبب البكاء كان الإمام يطرح مظلوميّة الحسين (عليه السلام) وظلم يزيد إلى أن وصلت تفاصيل ثورة الإمام الحسين إلى أيدينا ومنذ ذلك الحين إلى اليوم فإنّ الأمّة تتفاعل مع قضية الحسين عبر البكاء عليه ولهذا تقيم له المآتم وتنصب له العزاء وهي بذلك تستحق خير الأجر والثواب.

القلوب القاسية ميّتة:

إنّ قساوة القلب هي السبب الثاني الذي يذكره الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في حديثه عن أسباب الشقاء وقد قال (صلى الله عليه وآله) في حديث آخر: «يا أبا ذر إنّ الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم» (16) إذا صلح القلب صلح عمل الإنسان في الغالب كما تصلح نيّته أيضاً وإذا فسد القلب بأن يكون أعمى أو قاسياً أو مريضاً فإنّ عمل الإنسان يفسد كذلك. والله سبحانه ينظر إلى القلوب قبل الأعمال لأنّ الأعمال متفرّعة عن القلب وعدم البكاء أي جمود العين أيضاً فرع عن قساوة القلب فالقلوب ثلاثة أنواع:

الأول - القلوب المريضة: وهي التي تتعطّل وتتوقّف عن الحق أحياناً.

الثاني - القلوب القاسية: (الميتة) تتوقّف وتبتعد عن الحق ولا يوجد فيها أي نور.

الثالث- القلوب السليمة.

ودائماً القلوب القاسية تكون خاتمتها سيئة؛ لأنّها كالحجر أو أشدّ قسوة فلا تتقبّل النور والخير.

أما عوامل قسوة القلب فهي كما يذكرها القرآن الكريم:

الأول: التكذيب بآيات الله {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام: 39].

 الثاني: الإعراض عن ذكر الله {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].

 الثالث: الاستكبار على الله {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [لقمان: 7].

 مع القلوب القاسية:

ولا يخفى أنّ القرآن ذكر الأسباب المعنويّة وهناك أسباب مادّيّة توجب قساوة القلب فمثلاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "قسوة القلب من الشبع" (17) فالتخمة تغلق كلّ منافذ الروح وذلك لتصاعد الهوى ولا انسجام بين الهوى والروح ولذلك في حديث آخر يقول: "أحيوا قلوبكم بقلة الضحك والشبع وطهروها بالجوع تصفو وترق" (18) والجوع عبارة عن كبت الهوى أو عدم طاعة الميول والذي ينسجم مع الروح.

 ولو حاولنا تطبيق هذه الأسباب على الجبابرة لرأيناها تنعكس على تصرفاتهم فمثلاً يزيد بن معاوية وهو القائل:

لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل

فقوله عبارة عن التكذيب بكل آيات الله التي أنزلها على رسوله الكريم القرآنيّة والكونيّة وغيرها، أمّا الصفة الثانية وهي الإعراض عن ذكر الله، ففي يزيد يقول الواقديّ: والله ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء إنّه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة (19) فضلاً عن أوامره برمي الكعبة المقدسة بالمنجنيق فاحترقت من شرارته أستار الكعبة وسقفها وقرنا الكبش الذي فدى الله به إسماعيل وكانا فى السقف (20) فأين هذا من ذكر الله بل هو سعي لمحو ذكر الله في الأرض. أمّا الصفة الثالثة فهي واضحة الانطباق على يزيد بلا تكلّف، كما في الأولى والثانية وهي استكباره على الله عزّ وجلّ فإنّه قتل الحسين ولي الله وحجته على خلقه فالذي هذا فعله ألا يكون مستعلياً ومستكبراً على الله؟ وتركه الصلاة الواجبة ألا يكون استكباراً على الله؟ وليس هذا فحسب بل ارتكابه أبشع الوقائع بعد واقعة الطف وهي واقعة الحرّة عندما خرج أهل المدينة ضد يزيد فأرسل إليهم جيشاً كثيفاً وأمرهم بقتالهم فقتل فيها خلق من الصحابة ونهبت المدينة وافتضَّ فيها ألف عذراء (21) وغيرها من الوقائع البشعة التي تدلّل على استكباره وقساوة قلبه ولو لم يكن شيء منه إلّا قتل الإمام الحسين (عليه السلام) لكفى في قساوة قلبه وخروجه عن الدين فهذه بعض نتائج قساوة القلب والقرآن يخبرنا أنّ القاسية قلوبهم يتحرّكون مع ما يلقي الشيطان إليهم من إيحاءات وفتن فكيف لا يكونون أشقياء ويذوقون مرارة الشقاء في الدارين قال تعالى: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [الحج: 53]. وجاء في الحديث القدسي: «في التوراة مكتوب يا بن آدم تفرّغ لعبادتي أملا قلبك غنى ولا أكلك إلى طلبك وعليّ أن أسد فاقتك واملأ قلبك خوفاً منّي، وإلّا تفرّغ لعبادتي أملأ قلبك شغلاً بالدنيا ثمّ لا أسد فاقتك وأكلك إلى طلبك» (22) أي يبقى الإنسان في شقاء في هذه الدنيا إن ابتعد عن طريق الله عزّ وجلّ ولجأ إلى طريق الدنيا وزخارفها.

 

الأمل بين السلب والإيجاب:

الأمل من الأمور الضرورية للإنسان المتطلع والأمل هو المحرّك للإنسان في كثير من الأحيان فبمقدار ما يحمل الإنسان من آمال يسعى نحو تحقيقها. إذن الأمل أمر لا بدّ منه لكيلا يقع الإنسان في اليأس قال الشاعر الطغرائي:

أعلل النفس بالآمال أرقبها *** ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

ولكن هناك أمل لا فائدة من ورائه بل ومن ورائه شقاء ونصب وتعب من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنّ هذا الأمل مرفوض من قبل الشريعة وكذلك العقل، فما هذا الأمل؟ هو الاعتقاد بدوام الحياة وأنّ في الوقت متّسعاً وأنّ عمره طويل فهو امتداد للرجاء وظنّ للبقاء فهذا النوع من الأمل هو المذموم في الأحاديث والروايات؛ لأنّه يجعل الإنسان في غفلة عن هدفه الأعلى وتراخٍ في الوصول إلى الغايات المطلوبة منه بل يبعثه على نسيان الآخرة التي هي خاتمته لا محالة وإهمال ذكر الله وأداء الحقوق والعمل بالواجبات مثله كمثل المسافر في رحلة طويلة الأمد بلا عدّة وزاد والطريق مليء بالمخاطر وهو غافل عن كلّ ذلك بل همّه السير فقط بلا هدف.

 فحينما يعترضه خطر من تلك الأخطار يشعر بالتعاسة والندم والتقصير والتفريط فيهلك دون أن يكمل المسير ودون أن يصل إلى الهدف.

وعادة هذا الأمل الخاطىء ملازم للهوى. إذ بسببه يتكوّن ويتولّد هذا الأمل في الإنسان. وإلّا لو كان الإنسان يقظاً ونظره إلى هدفه الأسمى، ينظم كلّ سلوكه وتحرّكاته من أجله، لما وقع في طول الأمل بل إنّه دائب الحركة نحو مقصده. وأمّا إذا تحرّك الهوى فيه وجذبته الرغبات والميول عندها يضمحل الهدف في ذهنه وقلبه وينشغل في إشباع هواه وحتّى لو تذكر هدفه فهو يقول إنّ في الوقت سعة، ولذلك يقول مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): "أيّها النّاس إنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنان: اتّباع الهوى وطول الأمل، فأمّا اتّباع الهوى فيصد عن الحق وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة ألا وإنّ الدنيا قد ولت حذّاء (23).. فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا.." (24).

 فالإنسان لا يجب أن تغيب عن باله فكرة السفر وأنّه في سفر ورحلة يلزمه الوقت المحدّد والزاد المعين والعدّة اللازمة لكي يصل إلى مقصده بسلام فبعد الأمل أو طول الأمل من أسباب الشقاء في هذه الدنيا؛ لأنّ صاحبه يظل يعدو وراء الرغبات اللامحدودة والتي لا تشبع منها النفس ولا تمل.

 

حب البقاء من الشقاء:

وهو السبب الأخير الذي ختم به الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) حديثه الشريف - وهو ناشئ من الإعراض عن الآخرة والتوجّه للدنيا فقط والرغبة إليها. وكلّ مَن توجّه إلى الدنيا المادّيّة تكون تصوّراته ونظراته محدودة وضيّقة ولذلك فإنّ تصوّراته تكون دائماً خاطئة فهو يتصوّر مثلاً أنّ ملذات الدنيا لا مثيل لها وأنّها من أعظم الملذّات وأنّ زخارف الدنيا لا شبيه لها وأنّ نساء الدنيا أجمل من نساء الجنّة، الخ ولذلك فهو يتوجّه إلى هذه اللذائذ ويحاول أن يحصل على أكبر قدر منها حتّى تصير هذه الأمور أهدافه العليا في الحياة وينسى الآخرة، والجنّة والنّار وكلّ شيء بسبب حبّه لهذه الأمور وبسبب غلبة الهوى عليه فالهوى يسقط الإنسان في مرحلتين:

الأولى: الغفلة بحيث يغفل الإنسان المنصرف إلى الدنيا عن أنّه بهذا الانصراف والانقطاع إلى الدنيا قد خرّب آخرته ثم إنّ الغفلة عن ذكر الله الذي هو (الهدف الأسمى) والمثل الأعلى عبارة عن مرحلة لتفريغ كلّ الشحنات الروحيّة والفطريّة.

موقف شجاع:

روي أنّ عديّ بن حاتم الطائيّ وهو مِن أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) دخل على معاوية بعد استشهاد الإمام (عليه السلام) فقال له معاوية: يا عدي أين الطرفات - يعني بنيه طريفاً وطارفاً وطرفة - قال: قتلوا يوم صفّين بين يدي علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: ما أنصفك ابن أبي طالب إذ قدّم بنيك وأخّر بنيه. قال: بل ما أنصفت أنا علياً إذ قُتل وبقيت - هنا نرى أنّ معاوية يحاول أن يدغدغ الهوى وحبّ الأولاد والدنيا ظانّاً أنّه بذلك يغيّر من حبّ عدي للإمام علي (عليه السلام) - فقال معاوية: أما إنّه قد بقي قطرة من دم عثمان ما يمحوها إلّا دم شريف من أشراف اليمن - وهنا مرة أخرى يثير معاوية حبّ الدنيا ليحرّك الهوى لعلّه يجد من عدي التماساً أو تنازلاً عن ولائه ولكن أنظر ماذا أجابه؟ -فقال عدي: والله إنّ قلوبنا التي أبغضناك بها لفي صدورنا وإنّ أسيافنا التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا ولئن أدنيت لنا من الغدر فتراً لندنينَّ إليك من الشر شبراً وإنّ حزّ الحلقوم وحشرجة الحيزوم لأهون علينا من أن نسمع المساءة في علي (عليه السلام) فسلّم السيف يا معاوية لباعث السيف فقال معاوية: (ولم يرَ المصلحة في إظهار الغضب) هذه كلمات حكم فاكتبوها (25).

كلمة أخيرة:

لا شكّ أنّ كلمات الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في غاية الأهمّيّة لأنّها تنبّه الإنسان ألّا ينشد كثيراً إلى هذه الدنيا لأنّها زائلة غير خالدة ولأنّ التعلّق بها يدعوه إلى الإعراض عن الآخرة فيزداد حبّه للدنيا وإذا ازداد حبّه تصوّر أنّه باقي فيها ثم يتولّد من هذا الحب طول الأمل الذي يجعل الإنسان في غفلة وإعراض عن الواجبات ومن ثم يقسو قلب الإنسان وتجمد عينه ولا يتعاطف ولا يتفاعل مع آلامه وآلامها بل يفكّر بنفسه ومصالحه فقط وهذا هو الشقاء العظيم.

يا مَن بدنياه اشتغل *** وغرّه طول الأمل

الموت يأتي بغتة *** والقبر صندوق العمل

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الخصال: ج1، ص243.

(2) الميزان في تفسير القرآن: ج 3، ص 8، ط ـ إيران.

(3) تصنيف غرر الحكم: ص 167، ط 1.

(4) المصدر نفسه.

(5) الكافي: ج2، كتاب الإيمان والكفر، بـاب حب الدنيا: ح 15.

(6) نهج البلاغة: 82، من كلام له في وصف الدنيا نسخة المعجم.

(7) البحار: ج70، ص 91، باب 122، ح 67.

(8) الحكم الزاهرة: ص 252، ح 1383.

(9) المصدر نفسه: ح 1385.

(10) المصدر نفسه: ح 1390.

(11) منتهى الآمال: ج 1، ص268.

(12) المصدر نفسه.

(13) المصدر نفسه.

(14) المصدر نفسه.

(15) الميزان: ج 6، ص 89 -90 ط ـ إيران.

(16) الحكم الزاهرة: ص 246، ح 1323.

(17) المصدر نفسه: ص 245، ح 1328.

(18) المصدر نفسه ح 1326.

(19) تاريخ الخلفاء للسيوطيّ: ص 209.

(20) المصدر نفسه.

(21) المصدر نفسه.

 (22) الكافي: ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب العبادة: ح 1.

(23) الحذّاء: السريعة.

(24) نهج البلاغة: 42 نسخة المعجم.

(25) منتهى الآمال: ج1، ص398.

 

 

 

 

 

 

 

 

 




جمع فضيلة والفضيلة امر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين والخلق ، فالفضائل هي كل درجة او مقام في الدين او الخلق او السلوك العلمي او العملي اتصف به صاحبها .
فالتحلي بالفضائل يعتبر سمة من سمات المؤمنين الموقنين الذين يسعون الى الكمال في الحياة الدنيا ليكونوا من الذين رضي الله عنهم ، فالتحلي بفضائل الاخلاق أمراً ميسورا للكثير من المؤمنين الذين يدأبون على ترويض انفسهم وابعادها عن مواطن الشبهة والرذيلة .
وكثيرة هي الفضائل منها: الصبر والشجاعة والعفة و الكرم والجود والعفو و الشكر و الورع وحسن الخلق و بر الوالدين و صلة الرحم و حسن الظن و الطهارة و الضيافةو الزهد وغيرها الكثير من الفضائل الموصلة الى جنان الله تعالى ورضوانه.





تعني الخصال الذميمة وهي تقابل الفضائل وهي عبارة عن هيأة نفسانية تصدر عنها الافعال القبيحة في سهولة ويسر وقيل هي ميل مكتسب من تكرار افعال يأباها القانون الاخلاقي والضمير فهي عادة فعل الشيء او هي عادة سيئة تميل للجبن والتردد والافراط والكذب والشح .
فيجب الابتعاد و التخلي عنها لما تحمله من مساوئ وآهات تودي بحاملها الى الابتعاد عن الله تعالى كما ان المتصف بها يخرج من دائرة الرحمة الالهية ويدخل الى دائرة الغفلة الشيطانية. والرذائل كثيرة منها : البخل و الحسد والرياء و الغيبة و النميمة والجبن و الجهل و الطمع و الشره و القسوة و الكبر و الكذب و السباب و الشماتة , وغيرها الكثير من الرذائل التي نهى الشارع المقدس عنها وذم المتصف بها .






هي ما تأخذ بها نفسك من محمود الخصال وحميد الفعال ، وهي حفظ الإنسان وضبط أعضائه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن جميع انواع الخطأ والسوء وهي ملكة تعصم عما يُشين ، ورياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي واستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً والأخذ بمكارم الاخلاق والوقوف مع المستحسنات وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ولهذا كان الأدب استخراجًا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل وقيل : هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.
وورد عن ابن مسعود قوله : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى ؛ فتعلموا من مأدبته ، فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة.