أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-09-2015
5456
التاريخ: 25-09-2015
1742
التاريخ: 25-03-2015
1949
التاريخ: 24-09-2015
2728
|
وهو
أن يذيل المتكلم كلامه بجملة يتحقق فيها ما قبلها من الكلام، وتلك الجملة على
قسمين: قسم لا يزيد على المعنى الأول، وإنما يؤتى به للتوكيد والتحقيق.
وقسم
يخرجه المتكلم مخرج المثل السائر ليحقق به ما قبله.
وإما
أن يكتفي بما يتضمن من زيادة المعنى والفرق بينه وبين التكميل أن التكميل يرد على
معنى يحتاج إلى الكمال، ولا كذلك معنى التذييل.
ومما
جاء من ذلك في الكتاب العزيز متضمناً القسمين معاً قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ
لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ
وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ
أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) ففي هذه الآية الكريمة تذييلان: أحدهما قوله
تعالى: (وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا)، فإن الكلام
قد تم قبل ذلك، ثم أتى سبحانه بتلك الجملة لتحقق ما قبلها.
والآخر
قوله سبحانه: (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ)، فخرج هذا الكلام مخرج
المثل السائر لتحقيق ما تقدمه، فهو تذييل ثان للتذييل الأول وقد جاء في السنة من
هذا الباب قوله صلى الله عليه[وآله] وسلم: من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له
حسنة، فإن عملها كتبت له عشراً، ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب عليه، فإن عملها
كتبت عليه سيئة واحدة، ولا يهلك على الله إلا هالك فقوله صلى الله عليه[وآله]
وسلم: ولا يهلك على الله إلا هالك ، تذييل في غاية الحسن، خرج الكلام
فيه مخرج المثل.
ومن
هذا الباب في الشعر قول النابغة الذبياني [طويل]:
ولست
بمستبقٍ أخا لا تلمه ... على شعثٍ أي الرجال المهذب
فقوله:
أي الرجال المهذب من أحسن تذييل وقع في شعر.
وكقول
بعض العرب [كامل]:
ودعوا
نزال فكنت أول نازل ... وعلام أركبه إذا لم أنزل
فعجز
هذا البيت كله تذييل حسن، وكلا التذييلين من بيت الأعرابي وبيت النابغة من القسم
الثاني من التذييل، وهو الذي خرج الكلام فيه مخرج المثل، وتذييل النابغة من القسم
الوجيز من البلاغة لاختصار لفظه، وتذييل الأعرابي من القسم البسيط منهما، وإنما
بسط الكلام فيه لما تضمن معنى التذييل من المطابقة في قوله أركبه وأنزل وتذييل
النابغة خال من ذلك، ولقد أحسن بعض المحدثين في هذا الباب حيث قال [المتقارب]:
صدقتكم
الود أبغي الوصال ... وليس المكذب كالصادق
فجازيتموني
بطول البعاد ... وكم أخجل الحب من واثق
فكل
من عجزي البيتين تذييل من القسم الثاني، لخروج الكلام فيهما مخرج المثل.
وأحسن
من ذلك كله قول الحطيئة [طويل]:
نزور
فتى يعطي على الحمد ماله ... ومن يعط أثمان المحامد
يحمد
فإن
عجز البيت كله تذييل خرج مخرج المثل في غاية الحسن، لأن صدر البيت استقل بالمعنى
المراد على انفراده، وفيه مع اتصاله بالعجز تعطف حسن في قوله: يعطي ويعط، وبالتعطف
صار بين العجز والصدر ملاحمة وملاءمة شديدة، ورابطة وثيقة، مع أن العجز إذا انفرد
استقل مثلاً وتذييلاً، كما أن الصدر إذا انفرد استقل بالمعنى المقصود من جملة
البيت، والغرض المطلوب والتمثيل أيضاً، وقلَّ أن يوجد بيت بين صدره وعجزه مثل هذا
التلاحم على استقلال كل قسم بنفسه وتمام معناه ولفظه. ومن التذييل الحسن قول أبي
الشيص [كاملٍ]:
وأهنتني
فأهنت نفسي عامداً ... ما من يهون عليك ممن أكرم
فعجز
البيت كله تذييل في ضمنه مطابقة لذكره الهوان والكرامة.
ومن
بعيد التذييل قول ابن نباتة السعدي: [بسيط]
لم
يبق جودك لي شيئاً أؤمله ... تركتني أصحب الدنيا بلا
أمل
فإنه
لما انقضى ما أراده من المدح بقوله:
لم
يبق جودك لي شيئاً أؤمله
ثم
احتاج إلى تتميم البيت وأراد إتمامه بتكرار المعنى المتقدم فيه استحساناً له
وتوكيداً، وكره التكرير لا لمعنى زائد، وعلم أن لا مزيد على معناه في بابه، فأخرجه
مخرج المثل حيث قال:
تركتني
أصحب الدنيا بلا أمل
ليحصل
ما أراده من التوكيد وزيادة المعنى، لأن المدح إذا خرج مخرج المثل كان أسير في
الأرض، وفي ضمن ذلك لهج الناس بالمدح الخارج مخرج المثل، وهذا البيت وإن نظر فيه
إلى قول المتنبي [بسيط]:
تمسي
الأماني صرعى دون مبلغه ... فلا يقول لشيء ليت ذلك لي
فبيت
ابن نباته أفضل من بيت المتنبي، لأنه أحسن الأدب مع ممدوحه، فلم يجعله في حيز من
يتمنى شيئاً، وجعل قدرته وجوده أصاراً مادحة قد بلغ كل أمنيته فلم يبق له أمل: وإن
كان في بيت المتنبي زيادة من جهة المبالغة في قوله: دون مبلغه واستعارة في اللفظ
لقوله: تمسي الأماني صرعى ففي بيت ابن نباتة أن كل ما جعله المتنبي للممدوح، جعله
ابن نباتة لشاعر الممدوح من نعمته وزيادة المبالغة في المدح بكونه أخرج المدح مخرج
المثل كما بينا، فهو أسير وأبقى، وإذا أنصف الناظر في البيتين وجد معنى بيت
المتنبي بكماله في صدر بيت ابن نباتة لأن حاصل بيت المتنبي أن الممدوح قدر على كل
الأماني، وهذا قد استقل به صدر بيت ابن نباتة، والذي في صدر البيت هو الذي في عجزه
لأنه ملزومه، أعني بيت المتنبي، وكله في قول ابن نباتة:
لم
يبق جودك لي شيئاً أؤمله
وعجز
بيت ابن نباتة ملزوم صدره، لأن من نال كل أمل صحب الدنيا بلا أمل، غير أن ابن
نباتة لكونه أخرج العجز مخرج المثل صار كأنه قد استأنف معنى آخر مستقلاً بجميع
معنى بيت المتنبي، مع كونه زاد بأن جعل للممدوح، حسن أدب معه، وبالغ بإخراج المدح
مخرج المثل، فقد ترجح بيت ابن نباتة على بيت المتنبي من وجوه شتى، والله أعلم.
وقد
يختلط على بعض الناس هذه الأبواب الأربعة، وهي باب الإيغال، والتكميل، والتمكين،
والتذييل، وأنا أشير إلى الفرق بينها فأقول: الإيغال لا يكون إلا في الكلمة التي
فيها الروي وما يتعلق بها، وهو أيضاً مما يأتي بعد تمام المعنى كالتكميل والتذييل
وأما التمكين فيفارق هذه الأبواب مزن كونه عبارة عن استقرار القافية في مكانها، لكنها
لا تزيد معنى البيت شيئاً، ومتى حذفت القافية نقص المعنى، مع كونها غير نافرة من
البيت، والتكميل وإن أتى بعد تمام المعنى فهو يفارق الإيغال من وجهين، أحدهما:
كونه يأتي في الحشو والمقاطع، والإيغال والتذييل لا يكونان إلا في المقاطع دون
الحشو، والإيغال والتذييل لا يخرجان عن معنى الكلام المتقدم، والتميل لا بد أن
يأتي بمعنى يكمل الغرض المتقدم إما تكميلاً بديعياً أو تكميلاً عروضياً، لأنه يكون
بمعنى البديع كمطابقة تكمل جناساً، أو مبالغة تكمل تشبيها، أو بالفنون، والفنون
عند أهل الصناعة هي ما ينتجها المتكلم من الأغراض والمقاصد كالمديح، والهجاء،
والرثاء، والفخر، والوصف، وغير ذلك، والتذييل يفارق الإيغال لكونه يزيد على الكلمة
التي تسمى إيغالاً، آخذاً في البيت من الجزء الذي هو الضرب إلى أول العجز والله
أعلم.