أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-5-2016
1072
التاريخ: 9-5-2017
1589
التاريخ: 9-3-2016
1525
التاريخ: 2023-02-07
1203
|
من السهل معرفةُ الكيفية التي حلَّت بها هذه المعالجة، الكارثةَ فوق البنفسجية. عند الترددات المرتفعة للغاية، تكون الطاقة اللازمة لإطلاق كم واحد من الإشعاع كبيرة جدا ولن يملك مثل هذه الطاقة الهائلة إلا عدد قليل من المذبذبات (تبعا للمعادلات الإحصائية)، وبذلك لن ينبعث سوى عدد قليل من الكمات العالية الطاقة. أما عند الترددات المنخفضة للغاية (الأطوال الموجية الطويلة)، فتنبعث أعداد كبيرة جدا من الكوانتات المنخفضة الطاقة، ولكن كلا منها لا يملك إلا مقدارا ضئيلا للغاية من الطاقة؛ ومن ثَم فإن مجموعها إذا أضيف بعضها إلى بعض لا يعطي قيمة تذكر. وبالنسبة إلى المذبذبات التي تمتلك طاقة كافية لانبعاث الإشعاع بمقادير متوسطة الحجم، تضاف معا لينتج عنها النهاية ٍ العظمى في منحنى الجسم الأسود، ولا توجد هذه المذبذبات بأعداد وفيرة إلا في النطاق الأوسط من الترددات.
غري أن اكتشاف بلانك، الذي أَعلن عنه في ديسمبر ١٩٠٠، قد أثار من الأسئلة أكثر َ مما أجاب عنه، وفشل في إثارة الحماس في عالَم الفيزياء. وليست المقالات العلمية المبكرة التي قدمها بلانك عن نظرية الكم بالقدر الأمثل من الوضوح (وهو ما قد يعكس الطريقة المضطربة التي اضطر فيها إلى إقحام فكرته في الديناميكا الحرارية المحببة إلى نفسه)، وعلى مدى فترة طويلة كان كثير من الفيزيائيين الذين على علم بأبحاثه — بل معظمهم —ُّ ينظرون إليها على أنها ببساطة حيلةٌ رياضية، وذريعة للتخلص من الكارثة فوق البنفسجية التي لا تحظى إلا بأهمية ٍفيزيائية محدودة أو تكاد تكون منعدمة بل َحتى ليس لها منه شيء، وبالتأكيد كان بلانك نفسه مشوشا، وقد كتب في أحد خطاباته إلى روبرت ويليام وود سنة ١٩٣١ ملقيا نظرة على أبحاثه سنة ١٩٠٠ قائلا: «يمكن أن أصف الإجراء برمته على أنه ضرب ِ من اليأس ... كان لابد من إيجاد تفسير نظري بأي ثَمن، مهما بلغت فداحته. ((1 ً لكنه كان يعلم أنه قد عثر على شيءٍ ذي مغزى، ووفقا لهايزنبرج فإن ابن بلانك قد أخبره لاحقا أن والده وصف بحثه في تلك الفترة أثناء تجولهما طويلا في جرونفالد في ضواحي برلين، وشرح له كيف أن هذا الاكتشاف قد يرقى إلى مرتبة اكتشافات نيوتن ((2.
انشغل الفيزيائيون في العقد الأول من القرن العشرين في استيعاب الاكتشافات الجديدة التي تضمنت الإشعاع الذري، ولا يبدو أن «الحيلة الرياضية» الجديدة لبلانك في تفسير منحنى الجسم الأسود كانت ذات أهمية طاغية مقارنة بهذه الاكتشافات. وفي الواقع، استغرق الأمر حتى سنة ١٩١٨ ليحصل بلانك على جائزة نوبل عن أبحاثه، وهي فترة طويلة إذا قورنت بالسرعة التي حازت بها أبحاث آل كوري ورذرفورد هذا التقدير. (يرجع ذلك جزئيٍّا إلى أن الإقرار بالإنجازات النظرية الجديدة والمثيرة يستغرق وقتًا أطول، فالنظرية الجديدة لا تكون محسوسة مثل جسيم جديد، أو أشعة إكس، ولا بد أن تثبت الأيام صحتها وتؤكدها التجارب قبل الإقرار الكامل بها.)، كان هناك أيضا شيء غريب بخصوص ثابت بلانك الجديد .hفهو ثابت صغير جدا −34^10 × 6,6 جول ثانية، إلا أن ذلك لا يمثِل أي لغز لأنه لو كان أكبر كثيرا لأمكن التوصل إليه بسهولة قبل أن يبدأ الفيزيائيون في محاولة فهم إشعاع الجسم الأسود بمدة طويلة. في الواقع، الشيء الغريب بخصوص الثابت h هو الوحدات التي يقاس بها؛ الطاقة (بالجول) مضروبة في الزمن (بالثواني). وتسمى مثل هذه الوحدات «الشغل» أو «الأثر»، ولم تكن سمةً مألوفة من سمات الميكانيكا الكلاسيكية؛ فليس هناك «قانون الحفاظ على الشغل» ليضاهي قانون الحفاظ على الكتلة أو الطاقة. ولكن للشغل خاصية مهمة للغاية يشترك فيها، ضمن أشياءَ أخرى، مع الإنتروبيا. فالشغل الثابت يكون ثابتًا ثبوتًا مطلقا ويكون له نفس المقدار لكل المشاهدين في الزمان والمكان. وهو ثابت رباعي الأبعاد، ولم تتضح أهمية ذلك إلا عندما كشف أينشتاين النقاب عن نظرية النسبية.
ونظرا لأن أينشتاين هو الشخصية المحورية التالية التي ستدخل إلى مسرح ميكانيكا الكم، فقد يستحق الأمر أن نتحول بحديثنا قليلا إليه لنرى ما يعنيه ذلك. تتعامل نظرية ِ النسبية الخاصة مع الأبعاد المكانية الثلاثة والبعد الزمني الواحد على أنها كيان واحد رباعي الأبعاد، متوالية الزمن الفراغية. وعليه، فإن المشاهدين الذين يتحركون في الفراغ بسرعات مختلفة يرون الأشياء بمنظور مختلف؛ فلن يتفقوا — على سبيل المثال — بشأن طول عصا يقيسونها أثناء عبورها بجوارهم. ولكن يمكن النظر إلى العصا على نها موجودة في أربعة أبعاد، وتتحرك «خلال» الزمن لتصنع سطحا رباعي الأبعاد؛ ً مستطيلا زائديا ارتفاعه هو طول العصا وعرضه هو المدة الزمنية التي قطعها. وتُقاس «مساحة» هذا المستطيل بوحدات الطول × الزمن، وستصبح هذه المساحة هي نفسها لجميع المشاهدين الذين يقيسونها، حتى مع عدم اتفاقهم بشأن قيم الطول والزمن التي يقيسونها. وبالطريقة ِ نفسها، فإن الشغل (الطاقة × الزمن) هو مكافئ رباعي الأبعاد للطاقة، ويكون الشغل هو نفسه لكل المشاهدين حتى عندما يختلفون بشأن مقدار الطاقة والزمن المكونين للشغل. وهناك قانون للحفاظ على الشغل في النسبية الخاصة، ويحظى بنفس أهمية قانون الحفاظ على الطاقة تماما. ومن ثَم لم يبد ثابت بلانك غريبا إلا لأنه اكتشف قبل النظرية النسبية.
وربما يؤكد ذلك على الطبيعة الشاملة للفيزياء. وعندما ننظر إلى المساهمات العلمية الثلاث الجليلة لأينشتاين المنشورة عام ١٩٠٥، نجد أن نظرية النسبية الخاصة تبدو مختلفةً للغاية عن المساهمتين الأخريين، في مجال الحركة البراونية والظاهرة الكهروضوئية. لكنها جميعا تشكل وحدة مترابطة في إطار الفيزياء النظرية، وعلى الرغم من الشهرة التي حازتها النظرية النسبية، فإن أعظم مساهمات أينشتاين العلمية كانت تتمثل في أبحاثه حول نظرية الكم التي انطلقت من أبحاث بلانك عن طريق الظاهرة الكهروضوئية.
يتمثَل التطور الجذري الذي قدمته أبحاث بلانك لسنة ١٩٠٠ في أنها أظهرت قصور الفيزياء الكلاسيكية. ولا يهم الكشف عن ماهية هذا القصور بالضبط. فمجرد حقيقة وجود ظواهر لا يمكن تفسيرها فقط بالأفكار الكلاسيكية المبنية على أبحاث نيوتن، كان كافيا للتبشير بعصر جديد في الفيزياء. ومع ذلك، كانت النسخة الأصلية من أبحاث بلانك، محدودة على نحو أكبرَ بكثير مما تبدو عليه غالبا من منظور الروايات الحديثة. هناك مدرسة في أدب المغامرات ينجو فيها البطل بأعجوبة من مواقف ٍ حابسة للأنفاس في نهاية كل حلقة، فيما يمكن إيجازه في العبارة: «وفجأةً تحرر البطل.» ويمكن قراءة العديد من الكتب المبسطة التي تحدثت عن نشأة ميكانيكا الكم على أنها كتاب مغامرات يتحدث عن مواقف خارقة للعادة. «وصلت الفيزياء الكلاسيكية في نهاية القرن التاسع ٍ عشر إلى طريق َ مسدود. وفجأة، اخترع بلانك الكم، وتحررت الفيزياء.» ولكن كان الأمر على العكس من ذلك تماما. فكل ما هنالك أن بلانك أشار إلى أن المذبذبات الكهربية داخل الذرات يمكن تحديد كمها. وكان يعني بذلك أن هذه المذبذبات يمكنها فقط أن تبعث بحزم من الطاقة ذات أحجام معيَّنة؛ لأن هناك شيئًا بداخلها يمنعها من امتصاص أو إشعاع كميات الإشعاع الواقعة «بني تلك الأحجام «.
يشبه هذا كثيرا فكرةَ عمل ماكينة الصراف الآلي في البنك. فعندما أدخل بطاقة الصراف الآلي تُخرج لي الماكينة أي مبلغ مالي أريده، بشرط أن يكون أحد مضاعفات ١٠ جنيهات إسترلينية. ولكن لا يمكنها إخراج المبالغ المحصورة قيمها بين هذه المضاعفات (ولا تستطيع إخراج ما هو أقل من ١٠ جنيهات إسترلينية)، ولا يعني ذلك أن قيم المبالغ ً المحصورة بني هذه المضاعفات مثل ١٢٫٤٧ جنيها إسترلينيٍّا غير موجودة. ومن ثَم فإن بلانك نفسه لم يقل إن الإشعاع يمكن تحديد كمه، ويبدو أنه كان عليه دائما أن يكون متحفظا تجاه الآثار الأعمق لنظرية َ الكم. في السنوات التالية، ومع تقدم نظرية الكم أسهم بلانك في العلم الذي أسسه، لكنه قضى معظم حياته العلمية محاولا التوفيق بين الأفكار الجديدة والفيزياء الكلاسيكية. ولم يكن ذلك عدولا عن رأيه، لكن كل ما هنالك ِ أنه لم يدرك قط، بأي حال، إلى أي مد ى كانت معادلة الجسم الأسود بعيدة عن الفيزياء الكلاسيكية؛ فقد توصل إلى المعادلة عن طريق الدمج بين الديناميكا الحرارية والديناميكا الكهربية، وكلتاهما من النظريات الكلاسيكية. وبدلا ِ من انتهاج نهج آخر، كانت جهود بلانك لإيجاد حل وسط بين أفكار الكم والنظريات الكلاسيكية، تمثل في الواقع حيودا مدويا من وجهة نظره، عن الأفكار الكلاسيكية التي شب عليها. غير أن معرفته الأساسية ِ بالأفكار الكلاسيكية كانت دقيقة ومتعمقة بالدرجة التي لم يكن مستغربا معها أن يكون التقدم الحقيقي على يد جيل جديد من الفيزيائيين الذين لم يتوطد موقفهم بعد والذين هم أقل التزاما بالأفكار القديمة، والذين اشتعل حماسهم بالاكتشافات الجديدة في الإشعاع الذري، وكانوا يبحثون عن إجابات جديدة للأسئلة القديمة والجديدة على حد سواء.
هوامش
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|