يمكن القول ان الفيزياء تنقسم الى قسمين هما: الفيزياء الكلاسيكية والفيزياء الكمية. كانت الفيزياء الكلاسيكية قبل القرن العشرين هي السائدة آنذاك حيث كانت تفسر حركة الاجسام الكبيرة من الاحجار الى الكواكب وصاغت أغلب قوانينها. صاغ نيوتن قوانين تصف كل شيء في الكون ابتداء من الحركة وانتهاء بالجاذبية، وبعد اكتشاف جسيمات دون الذرية مثل الالكترونات والبروتونات والنيوترونات وجدوا ان قوانين الفيزياء الكلاسيكية عاجزة عن تفسير معظم ظواهرها الطبيعية.
حاول علماء مثل اینشتاین ونیلز بور وماكس بلانك وشرودنجر أن يضعوا نظرية اخرى غير الفيزياء الكلاسيكية تصف سلوك الجسيمات الذرية و دون الذرية واستطاعوا التوصل الى نظرية شاملة مخالفة للفيزياء الكلاسيكية تصف سلوك تلك الجسيمات . وهذه النظرية مخالفة تماما للفيزياء الكلاسيكية وسميت هذه النظرية بفيزياء الكم. وكانت هذه النظرية غالبا ما يحكم عليها أصحاب النظرية الكلاسيكية بأنها مخالفة للعقل والمنطق. كان المؤمنون بالنظرية الكلاسيكية كغيرهم من الفلاسفة ؛ اذ يعتبرون ان كل شيء لابد أن يتفق مع العقل فاذا قبله العقل قبلوه واذا رفضه رفضوه ان الفيزياء الكلاسيكية تستطيع وصف حركة كرة البلياردو لكنها تعجز عن وصف حركة الذرات المكونة لكرة البلياردو؛ فأصبحت كرة البلياردو تتبع قوانين الفيزياء الكلاسيكية وذراتها تتبع قوانين الفيزياء الكمية معنى هذا ان الفيزياء الكلاسيكية تدرس الاجسام العيانية وتنجح في تفسير حركتها نجاحا باهرا اما الفيزياء الكمية فهي تدرس حركة الجسيمات دون الذرية وتنجح في تفسير ا نجاحا باهرا في حين ان الفيزياء الكلاسيكية تفشل في تفسير ظواهرها فشلا ذريعا . ان الحدود التي تقف عندها الفيزياء الكلاسيكية هي حدود الذرة حيث تعجز عن تفسير هذا الفضاء العجيب الزاخر بالأحداث. ومن الجدير بالذكر أن الفيزياء الكمية لاتستطيع تفسير كل الظواهر التي تجري داخل الذرة وقد تعطي نتائج مغلوطة احيانا ، وهذا الذي يجعل العلماء في دراسة متواصلة لاتفتر؛ من أجل الوصول الى نظرية تفسر كل الظواهر التي تحدث داخل الذرة وهم كلما فسروا شيئا اكتشفوا شيئا آخر فصار بينهم وبين الذرة حرب سجال لا غالب ولا مغلوب.
بدأ التفكير في صياغة نظرية غير النظرية الكلاسيكية عندما لاحظ العلماء عند تسخين جسم ما تنبعث منه اشعاعات كهرومغناطيسية وكلما زاد تسخين الجسم زادت طاقة الاشعاعات الكهرومغناطيسية فيبدأ الجسم باللون الأحمر ثم الأصفر ثم الأبيض ثم الأسود ؛ وهنا عجز العلماء عن تفسير اشعاع الجسم الأسود فبدأ العلماء بالبحث عن نظريات اخرى غير الفيزياء الكلاسيكية. وجد العلماء ان الظاهرة هذه تحدث في المصباح ايضا فكلما ارتفعت درجة حرارة المصباح تغير لونه من الضوء الأحمر الى الأصفر الى الأبيض. فشلت كل المحاولات المستندة الى الفيزياء الكلاسيكية في تفسير اشعاع الجسم الأسود وفي عام 1900 جاء عالم الفيزياء ماكس بلانك بفكرة ثورية ؛ لتفسير اشعاع الجسم الأسود حيث فسر طاقة الجسم الأسود على أنها تصدر بشكل كميات متقطعة لا مستمرة سميت كمات ومفردها كم وهو أصغر مقدار من الطاقة أصبحت الطاقة حسب تفسير بلانك مضاعفات لكمية ثابتة غير قابلة للانقسام ونستطيع أن نشبهها بحبات الرمل فمهما كان وزن كمية معينة من الرمل في الأساس مضاعفات لحبات الرمل الثابتة في الحجم ومن ثم يكون وزن حبة الرمل كما الكتلة تلك الكمية المعية من الرمل.
فالمادة اذن هي مضاعفات لكميات منفصلة؛ فحبة الرمل هي مجموعة ذرات أو جزيئات والذرة مكونة من جسيمات أولية ؛ فذرة الهيدروجين مثلا مكونة من بروتون والكترون وذرة الهيليوم مكونة من بروتونين والكترونين وذرة الليثيوم مكونة من ثلاثة بروتونات وثلاثة الكترونات وهكذا الاختلاف بين عنصر وآخر هو اختلاف في عدد الجسيمات المكونة للذرة لا في نوعها؛ لذلك فكل مادة هي مضاعفات لكميات ثابتة تسمى كمات المادة وكتلة المادة هي مضاعفات لكتل مكوناتها.
لم يقتصر مفهوم الكتمات على المادة بل تعداها إلى الضوء والشحنات الكهربائية، فشعاع الضوء هو سيل من كمات اساسية أو حبيبات ضوئية منفصلة غير قابلة للانقسام تسمى فوتونات وكما ذكرنا سابقا أن للضوء خصائص جسيمية وخصائص موجية وتتميز الخصائص الجسيمية بالطاقة والخصائص الموجية بالطول الموجي، ففي لغة النظرية الكمية تبلغ طاقة الفوتونات المكونة للضوء الأصفر نصف طاقة الفوتونات المكونة للضوء البنفسجي، أما في لغة النظرية الموجية فطول موجة الضوء الأحمر يبلغ ضعف طول موجة الضوء البنفسجي.
إن التيار الكهربائي الذي يسري في سلك ما هو إلا سيل من كلمات كهربائية اساسية منفصلة ثابتة القيمة تسمى شحنات والتيار الكهربائي هو مضاعفات لتلك الشحنات. اذن المادة والضوء والتيار الكهربائي تتكون من وحدات صغيرة غير قابلة للانقسام كما تتكون الصحراء من مجموعة كبيرة من حبيبات الرمل أو البيت من مجموعة من قطع الحجر. لكن صغر هذه الكلمات ؛ تجعلنا نتخيل المادة والتيار الكهربائي والضوء مكونة من كميات متصلة لا منفصلة.
شملت نظرية الكلمات الطاقة أيضاً وهذا ما ادهش العلماء آنذاك فكما أن المادة والتيار الكهربائي والضوء مكون من كمات اساسية منفصلة بعضها عن البعض فالطاقة أيضاً فسرت على أنها مركبة من كمات ضوئية؛ وبذلك أصبح لدينا كمات الطاقة فضلاً عن كمات المادة والتيار الكهربائي والضوء ودفع هذا التفسير إلى ضرورة تفسير التغيرات القديمة للطاقة المبنية على الفيزياء الكلاسيكية وكان بلانك اول من استحدث كمات الطاقة في بداية القرن العشرين التي تأسست على أن بعض الظواهر تتكون من كمات أولية منفصلة بعدما كانت تعتقد أنها متصلة وقد أثبتت التجارب ذات الأجهزة الدقيقة صحة نظرية الكم وأصبح لا شك في أن الطاقة مكونة من وحدات اساسية منفصلة تسمى فوتونات وأصبح الأهم من وجهة نظر نظرية الكم هو أن الطاقة مكونة من تركيب حبيبي منفصل.
وفق هذا المفهوم الجديد صارت الطاقة تفسر على انها مكونة من وحدات صغيرة، وطاقة كل وحدة تساوي ثابتا سمي ثابت بلانك مضروبا بتردد اشعاع الطاقة. ان هذا التفسير الجديد لايفرق بين المادة والطاقة فكما ان المادة مكونة من وحدات صغيرة تسمى ذرات اصبحت الطاقة مكونة من وحدات صغيرة تسمى كمات. أثار هذا التفسير غرابة العلماء ودهشتهم ؛ حيث كانوا يعتقدون ان المادة والطاقة يختلفان كليا لكن بعدما أثبتت لهم التجارب ان المادة طاقة معبأة في حير صغير أخذوا ينظرون الى المادة والطاقة على انهما شيئان الحقيقة واحدة.
كانت الفيزياء الكلاسيكية هي السائدة قبل القرن العشرين كما ذكرنا انفا فهي صاغت قوانين الحركة للأحجار والسيارات والسفن وايضا الكواكب والنجوم والمجرات ووضع نيوتن الفكرة العامة عن الكون عندما اعتقد ان الكون هو آلة كبيرة تعمل وفق قوانين محددة واذا عرفنا هذه القوانين نستطيع عندئذ ان نعرف كيف يتصرف الكون في المستقبل بناء على معطيات الماضي والحاضر، فاذا عرفنا موقع الجسم وسرعته يمكننا أن نستخدم قوانين نيوتن المعرفة ما سيفعله الجسم في المستقبل، أما في نظرية فيزياء الكم الجديدة فسلوك الجسم يوصف بدالة موجية ومن خلال حل المعادلة الموجية له التي وضعها شرودنجر نستطيع أن نعرف ما سيفعله الجسم في المستقبل.
كان العلماء منقسمين الى قسمين منهم من يعتبر الضوء موجة ومنهم من يعتبر الضوء جسيماً وكما فسر دي برولي في عام 1923 ان الضوء هو موجة وهو جسيم في الوقت نفسه؛ فهو يمتلك خصائص الموجات ويمتلك خصائص الجسيمات لكن الغريب في الأمر هو ان الالكترون يمتلك هاتين الخاصيتين نفسيهما، خاصية الموجة وخاصية الجسيم وذلك من تطبيق تجربة الشق المزدوج على الالكترونات. حيث وضعوا حاجزًا فيه شقان وبعده على مسافة معينة وضعوا شاشة وأطلقوا حزمة من الالكترونات على الشقين فلاحظوا ظهور مناطق مظلمة ومناطق مضيئة على الشاشة كما يحصل للضوء تماما أي ان الالكترونات تتصرف وكأنها موجات حالها حال موجات الضوء بدأ العلماء يدرسون هذه الظاهرة التي كانت تعتبر غريبة آنذاك، فقد أطلقوا عددًا محددًا من الالكترونات على الحاجز ذي الشقين فلاحظوا خطين فقط على الشاشة أي ان الالكترون الذي عبر من الشق الأول يرسم خطاً على الشاشة ، والالكترون الذي عبر من الشق الثاني يرسم خطاً على الشاشة ؛ وبهذا لا نرى الا خطين فقط الاول يمثل الالكترونات التي عبرت من الشق الأول والثاني يمثل الالكترونات التي عبرت من الشق الثاني، وبهذا فهو يسلك سلوكا جسيميا. ولتوضيح ذلك أكثر فلو قمنا برمي كرات تنس على حاجز ذات فتحتين فإن بعضها يرتد نتيجة اصطدامه بالحاجز وبعضها الآخر سيعبر من احدى الفتحتين والكرات التي تعبر سوف تصل الى الشاشة وترسم خطين على الشاشة، لكن في حال توجيه حزمة من الالكترونات سنرى مناطق مضيئة ومناطق مظلمة، أي انه في هذه الحالة تسلك الالكترونات سلوكا موجيًا وكأن كل الكترون يمر عبر الشقين معا في الوقت نفسه. إنها ظاهرة غريبة فعلا الا إذا اعتبرنا الالكترون موجة، لذلك وضع العلماء جهاز مراقبة على الالكترونات قبل عبورها الشق وبعد عبورها الشق ليروا ما الالكترون موجة ام جسيم؟ ولاحظوا ان الالكترونات تتصرف کجسيم وتكون خطين فقط على الشاشة لكن عندما يرفعون جهاز المراقبة يرجع الالكترون ويتصرف كموجة أي انه يرسم مناطق مضيئة ومناطق مظلمة على الشاشة وكأن الالكترون يعلم انه مراقب وهذا من غرائب ميكانيك الكم وشكلت صدمة لدى معظم العلماء وكأن للالكترون عقلاً أو إدراك فعندما يعلم انه مراقب يتصرف كأنه جسيم وعندما يعلم انه غير مراقب يتصرف كموجة ، هذا يعني أن المادة محكومة بالإدراك فكل جسم هو موجة مالم تدركه فالإلكترون يمتلك الوعي حيث يتحول من موجة الى جسيم ومن جسيم الى موجة حسبما يقتضيه المقام اضافة الى ذلك فهو يتنقل بين الماضي والمستقبل كيفما يشتهي فينتقل الى الماضي اليغير مستقبله كما يريد له أن يكون ؛ فالوعي ليس محصورا بالانسان فقط، فهو موجود في كل شيء على درجات متفاوتة وهو في الكائنات غير الحية أشبه بتنازع البقاء في الكائنات الحية عندما تستخدم وعيها وادراكها من أجل الحياة.
ان الكرية البيضاء في دم الانسان تتبع الفايروس اينما ذهب الى أن تقبض عليه، فالكرية البيضاء تمتلك الوعي ؛ لتؤدي وظيفتها وهذا الشيء ينطبق على كل شيء من حولنا. اذن حسب سلوك الالكترون المتذبذب بين الموجة والجسيم فكل شيء نراه هو جسم و عندما لا نراه فهو موجه فالكتاب الذي بين يديك الان هو جسيم لكن عندما نضعه في مكان آخر بحيث لا تراه فهو موجة. عندما وضع العلماء جهاز المراقبة خلف الشقين تصرف الالكترون قبل مروره عبر الشقين على شكل موجة لكن ما أن يعبر الشقين مع وجود جهاز المراقبة تصرف كجسيم وهذا يعني ان الالكترون استطاع ان يغير في ماضيه فهو قبل جهاز المراقبة يتصرف كموجة لكن بعد عبوره جهاز الحاجز مع وجود جهاز المراقبة يتصرف كأنه . جسیم. وهذا من اغرب غرائب فيزياء الكم. ولكي نبسط هذه الفكرة اكثر ، تصور انك في غرفة لها اربعة ابواب فاذ أردت أن تخرج من الغرفة فإنك ستخرج من باب واحد ولا تستطيع ان تخرج من بابين في الوقت نفسه، ولكن في حالة الالكترون فإنك اذا لم تراقبه فسوف يخرج من جميع الأبواب الاربعة في الوقت نفسه ولكن لو رصدته قبل خروجه فأنه سوف يختار باباً واحداً فقط ويخرج منه ولا يخرج من غيره ؛ وبذلك يكون في موضع واحد فقط حسب الباب الذي خرج منه. ولكن إذا لم ترصده وتتركه يخرج من جميع الابواب وبعد خروجه مباشرة تقوم بعملية رصده عند أحد الابواب فحينها سوف يختفي من الأبواب الثلاثة ويتجسد فقط في مكان واحد وهو الباب الذي رصدته عنده وهذا معنى انهيار الدالة الموجية للالكترون وهذا معناه ايضا اننا اثرنا على ماضيه فهو قد خرج بالفعل من جميع الابواب ولكننا محونا تلك الحركة برصدنا له في حالة معينة فقط ومن هنا ظهرت نظرية التأثير بأثر رجعي ( retro causality theory) في عالم الكم وهي التأثير في ماضي الالكترون، واصبح التغيير في الماضي والحاضر والمستقبل ممكنة وفق نظرية الكم. ولإثبات ذلك قام العلماء بإجراء تجربة ذكية جدا لمعرفة مدى قدرتنا على التأثير في ماضي الالكترون وهي نظرية الاثر الرجعي وتتلخص هذه التجربة بالاتي: لو اطلقنا شعاع من الالكترونات وتركناه يدخل كريستالة زجاجية ستقوم هذه الكريستالة بتقسيم شعاع الالكترونات الى قسمين قسم يخرج من جهة اليمين وقسم يخرج من جهة اليسار في الوقت نفسه، فاذا أخذنا كل جزء وطبقنا تجربة الشق المزدوج كل على حدة، فالشعاع الأول سيعبر من الشق المزدوج بشكل موجة، ذلك لأننا لم نرصده ثم يستمر ويصل الى الشاشة ويظهر على شكل تداخل بناء وهدام أي مناطق مضيئة ومناطق مظلمة.
أما الشعاع الثاني الذي سيعبر من الشق المزدوج فاذا عملنا على تطويل مساره قبل ان يصل الى الشاشة وذلك بإضافة سلك معدني طوله 8 كيلو متر مثلا فهنا سيتأخر هذا الشعاع عن الشعاع الاول بحوالي بضع اجزاء من الثانية. فاذا تتبعنا الشعاع الى ان يصل الى الشاشة وقبل ان يصل الى الشاشة فتقوم برصده سوف يتجسد في شكل واحد فقط ويتحول الى جسيم ويعطينا نقطة واحدة على الشاشة أي شكل جسيم عادي. وعندما نذهب لمشاهدة النتيجة المسجلة على الشاشة فوف لا نرى تداخلاً بل سنرى جسيما. مما يعني ان الشاشة حتى وبعد ان سجلت تداخلاً موجباً في الماضي تحولت وسجلت جسيماً بعد رصدنا للشعاع الثاني في الحاضر وهكذا تأثر الماضي بالحاضر. معنى هذا ان نتيجة الشعاع الاول اعتمدت على نتيجة الشعاع الثاني و ان الالكترون تأثر بأحداث له في الماضي وتحول الى جسيم؛ لأنه أدرك ان احدا ما قد راقب ماضيه. ان الشعاع الثاني عندما رصدناه واصبح جسيماً عاد في ظرف لا زمن إلى (الكريستالة ) ثم الى المصدر واخبر الشعاع الأول بأننا سوف نقوم برصده وان عليه التجسد في شكل جسيم وهذا معناه ان الحاضر أثر في ماضي الشعاع وغير نتيجته . اذن يمكننا القول حسب. ، هذه التجربة انه يمكننا التأثير في الماضي والحاضر وفي المستقبل أيضا . يعني يمكننا أن نغير الحاضر والمستقبل بالتأثير على الماضي اذا استطعنا التحكم في عملية الرصد او الوعي، والوعي هو اللغز الحقيقي الذي عجزت ميكانيك الكم عن تفسيره.
ان فكرة الالكترون وهو موجة يعني ان الذرة نفسها عبارة عن موجة وكذلك المادة وانا وانت عبارة عن موجة هذا يعني انه لا يوجد شيء حقيقي، كما أن الالكترون اذا تم رصده جعل دالته الموجية تنهار أي ان عملية رصد الالكترون حولت الالكترون من موجات الى جسيمات او بعبارة ادق عملية مراقبة الالكترون جعلته يتخذ سلوكا واحداً فقط من بين كل الاحتمالات التي يسلكها قبل عملية الرصد فالنتيجة . أن الالكترون اذا لم تتم مراقبته سوف يكون في كل مكان وفي آن واحد، ذلك يعني - وكما رأينا في التجربة – سوف يدخل الاكترون من الشق الأول فقط وفي الوقت نفسه يدخل من الشق الثاني فقط وفي الوقت نفسه يدخل من الشقين معا وفي الوقت نفسه لا يدخل من أي شق وفي الوقت نفسه يدخل من الشق الأول بزاوية 45 درجة وفي الوقت نفسه يدخل من الشق الثاني بزاوية 30 درجة وفي الوقت نفسه يدخل بزاوية 10 درجة، وهكذا فهو يسلك كل الخيارات المتاحة له و يحقق كل الاحتمالات المتوقعة في اللحظة نفسها، وهذا ما يسمى بظاهرة او حالة التراكب الكمي (superposition)، وهي تعني أن الكائنات الكمومية يمكن أن تكون في حالتين مختلفتين أو أكثر في آن واحد. فبمرور الإلكترون من الشقين في آن واحد في تجربة الشق المزدوج وفي زوايا مختلفة يمكن تفسيره على أساس أن الالكترون عبارة عن عدة موجات متراكبة ويمكن تمثيلها على شكل دوال موجية وما أن تقوم بقياس إحداهما تنهار الدوال الموجية الأخرى وإذا انقسمت الدالة الموجية إلى قسمين يؤدي ذلك إلى تقسيم الكون إلى نسختين مختلفتين وإذا انقسمت الدالة الموجية إلى عدد لا نهائي فسيكون هناك عدد لا نهائي من الأكوان والعوالم وهذا ما يسمى بالعوالم المتعددة وأن ادراكك او رصدك لعالمك هو الذي يُخفي العوالم الأخرى ويجعلك تدرك عالماً واحداً، الأمر مشابه لعملية انهيار الدالة الموجية للإلكترون فعدم وجود الرصد للالكترون يجعل من الإلكترون ممثلاً بعدد لا نهائي من الدوال الموجية وبمجرد رصده ستنهار الدوال الموجية ويتمثل في صورة واحدة.
تقود نظرية العوالم المتعددة إلى وجد نسخ عديدة من الإنسان، فكل إنسان له نسخة مماثلة له في عالم آخر ففي تجربة قطة شرودنجر، التي سنتطرق اليها لاحقا، فعندما تكون القطة ميتة أو حية في آن واحد هذا يعني أن هناك نسختين في كل إنسان في عالم الأول يرى أن القطة حية والثاني يرى أن القطة ميتة وما أن يتم الرصد سينهار العالم الآخر ويبقى العالم الموجود الذي تتحدد فيه حالة القطة. ومن هنا جاءت فكرة نظرية الاكوان المتعددة التي تقول بأنه يوجد عدد لا نهائي من الاكوان وفي كل كون هناك احد الاحتمالات الممكنة لكل موجود في كوننا هذا او بعبارة اخرى كل ما كان ممكنا أن يحدث هنا في كوننا يحدث في احد هذه الاكوان اللانهائية.
اذن فالالكترونات تستطيع ان تغير في سلوكها حسب الرصد وتتشكل في صورة احتمال واحد لمجرد رصدنا لها وبحسب نظرية الكم فإننا لو استطعنا التحكم في طريقة رصدنا للإلكترون سوف نستطيع اجباره على اتخاذ سلوك معين أو بعبارة اخرى اذا استطعنا فعلا التحكم في عملية مراقبة ورصد الالكترون فسوف نستطيع جعل الالكترون يتجسد في الاحتمال الذي نريده.
إن وعينا هو من يصنع الواقع، وكل ما نراه او نلمسه او نشمه او نتذوقه او نسمعه في هذا الوجود هي أشياء يصنعها عقلنا و وعينا إن كل شيء في الكون يتمثل في عدة احتمالات، و وعينا هو من يجعل من الأشياء تتجسد في احتمال واحد، فالكون في فيزياء الكم هو عبارة عن احتمالات كثيرة ولم يعد حتميًا كما كان القدماء يعتقدون ورصدنا للكون يجعل هذه الاحتمالات تتجسد في احتمال مادي واحد وهذا الرصد او المراقبة او المشاهدة يكون بالفعل ويدرك بالوعي ومن ثم فإن عقلنا هو المتحكم في كل الواقع الذي نعيشه.
استطاع عالم الفيزياء دي برولي في عام 1923 ان يتغلب على كثير من الإشكاليات في فيزياء الكم فقد صاغ نظرية موجة - جسيم فقال كما ان للضوء خصائص موجية وجسيمية له خصائص موجة وجسيمية ومنح جائزة نوبل للفيزياء عام 1929 عن هذه فإن كل جسيم النظرية التي تجمع بين الموجة والجسيم في قانون ،رياضي، وقام دي برولي بتوسيع نموذج بور للذرة حيث اوضح ان الالكترون الذي يدور في مدار حول النواة يمكن ان تكون له صفات شبيهه للموجات على وجه الخصوص، يمكن ملاحظة الالكترون فقط في الحالات التي تسمح بوجود موجة ثابتة حول النواة وكمثال للموجة الثابتة ، وتر الكمان الذي يتم ربطه عند طرفيه فالموجات الناتجة عن اهتزازه تتذبذب موضعيا متحركة من القمة الى القاع في حركة الى الاعلى والى الاسفل والطول الموجي للموجة الناتجة عنه يرتبط بطول الجسم المهتز والشروط الحدية.
اقترح دي برولي ان المدارات الالكترونية المتاحة هي تلك التي يكون محيط مدارها عدداً صحيحاً للطول الموجي؛ لذلك فالطول الموجي للإلكترون يحدد مدارات بور ويجعلها ممكنة فقط على أبعاد محددة من النواة. وكانت هذه الفرضية هي نقطة البداية لشرودنجر عندما انشأ معادلة الموجة لشرح احداث نظرية الكم.
صاغ عالم الفيزياء شرودنجر المعادلة الموجية التي تصف كيف يتصرف الالكترون بالضبط لكنه لم يستطع تفسيرها آنذاك. كانت معادلة شرودنجر تنطبق على الالكترون ولا تنطبق على باقي الجسيمات وهي أيضا لا تأخذ بنظر الاعتبار تباطؤ الزمن عندما تزداد سرعة الجسيم حسب أسس نظرية النسبية الخاصة لا ينشتاين. لكن عالم الفيزياء بول ديراك استطاع ان يدمج بين نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين ومعادلة شرودنجر عن طريق ادخال عامل سرعة الضوء في معادلة شرودنجر وبذلك اصبحت معادلة شرودنجر تنطبق في جميع الازمنة وجميع السرعات، كذلك ادخل ديراك دوران الالكترون حول نفسه (spin) وجعل من المعادلة تتوقع حركة الالكترون حتى لو كان داخل مجال مغناطيسي ومنذ ذلك الحين أصبحت معادلة شرودنجر تنطبق على جميع الجسيمات.
ادخل عالم الفيزياء هايزنبرج في عام 1927 مبدأ جديداً في فيزياء الكم هو مبدأ عدم الدقة او مبدأ اللادقة - كما يحلو للبعض أن يسميه - ونستطيع توضيحه بالمثال الآتي: لو افترضنا اننا اردنا قياس موضع وسرعة جسم ما في أثناء مرور سيارة ما عندما جهاز رادار على سبيل المثال سنفترض ان حالة السيارة وسرعتها في لحظة معينة واضحة لدينا فإن دقة هذه المقاييس على جودة ادوات القياس لدينا فعندما نقوم بتحسين دقة ادوات القياس سنحصل على نتيجة اقرب للقيمة الحقيقية وبالاخص سنفترض ان دقة قياس سرعة السيارة لا توثر في موضعها والعكس صحيح ان هذا القول يكون صحيحا في الفيزياء الكلاسيكية، لكنه لا ينطبق في الفيزياء الكمية. تظهر فيزياء الكم ان الموضع والسرعة لا يمكن ان تكون معروفتين بدقة تامة فكلما حددنا احداهما بدقة اكبر كلما قلت امكانية تحديد الاخرى بدقة مماثلة وهذا يعرف بمبدأ اللادقة وهو ليس ناتجاً من عدم دقة آلات القياس بل لطبيعة النظام نفسه.
إن عدم تحديد موقع وسرعة السيارة بدقة عالية اصغر من أن تلاحظ والأمر ينطبق على الدقة كل الأجسام العيانية لكن عندما تكون الأمور في نطاق الذرات وما دونها تصبح عدم الـ مهمة وحاسمة. اعطى هايزنبرج مثالا لتوضيح قياسات موقع وزخم حركة الالكترون باستخدام فوتون ضوئي. فاننا اذا أردنا أن نقيس موقع الالكترون يجب أن نسلط عليه فوتوناً ضوئياً و كلما كان تردد الفوتون اعلى زادت دقة قياس موقع الالكترون ولكن ذلك يتسبب في ازدیاد اضطراب الالكترون مما يؤدي الى امتصاصه لكمية عشوائية من الطاقة وهذا بدوره يؤثر على دقة قياس كمية الحركة (الزخم) للالكترون المضطرب الممتص لطاقة الفوتون الضوئي الساقط عليه وليس للالكترون الأصلي. اما باستخدام فوتون ذي تردد اقل يكون الاضطراب أقل وبذلك تكون اللادقة المصاحب لكمية الحركة (الزخم) اقل ولكن ذلك يؤدي الى انخفاض دقة قياسات موقع الالكترون ايضا وبشكل حسابي يكون مبدأ اللادقة في موضع الالكترون وزخمه لا يمكن ان تكون اقل من قيمة معينة وهي ثابت بلانك.
لا يقتصر دور مبدأ عدم الدقة لها ز ننبرج على تقييد مقدار الدقة الممكنة في تحديد موقع الجسيم وزخمه للأنظمة الكمية بل يتعداه الى كل الخصائص الفيزيائية كالطاقة والزمن فطاقة الفوتون مثلا تتحدد في فترات زمنية من مضاعفات زمن الاهتزاز فهناك حدود لقياس الزمن مطلوبة لتحديد التردد واستخدام فترات زمنية اصغر من زمن اهتزاز موجة الضوء يجعل طاقة الفوتون غير محددة، مما ينشئ علاقة عدم دقة جديدة بين الطاقة والزمن وتتجلى هذه العلاقة في ظاهرة الاطياف فإحداث اعلى اثارة قصيرة المدة لمجموعة متماثلة من الذرات يؤدي الى نقل بعض الالكترونات الى طيف ضوئي متنوع في اطواله الموجية لكن غير محدود (بسبب قصر المدة الزمنية) ومن ثم نحصل على طيف يغطي الطيف المرئي بألوانه السبعة بالإضافة الى الموجات فوق البنفسجية وتحت الحمراء بالمقابل عندما نقوم بعملية اثارة الذرات لمدد زمنية طويلة تسمح بان تكون ذات خطوط موجية معينة توضع بينها مدارات الالكترونات في تلك الذرات وبالتالي نحصل على طيف مستويات الطاقة في مدد زمنية قصيرة جدا. بعبارة اخرى يمكن للنظام الكمي الحصول على فرض طاقة شرط ان تكون بعيدة في مدة زمنية قصيرة جدا ، تتحدد مدة فرض الطاقة بكمية الطاقة فكلما ازداد مقدار الطاقة وجبت اعادته في زمن اقل وينتج عن هذا عدد من النتائج المهمة مثل تشتت الضوء بتأثير الذرات.
إن مفهوم عدم الدقة قاد إلى مفهوم الاحتمالية وأثار جدلاً واسعاً بين علماء الفيزياء الحديثة فمنهم من يؤمن بالحتمية ويرفض الاحتمالية كأينشتاين ومنهم من يؤمن بالاحتمالية کنیلز بور. يصف هايزنبرج مبدأ اللادقة قائلا: (إن عدم استطاعتنا معرفة المستقبل لا تنبع من عدم معرفتنا الحاضر وإنما بسبب عدم استطاعتنا معرفة الحاضر). يدل مبدأ اللادقة على أنه مهما تطورت مسائل القياس والرصد لدينا لن تتمكن من الوصول إلى فهم شامل للطبيعة فلابد من وجود مقدار من الشك وعدم التأكد وهذا يعني ان الانسان ايضا لا يمكن له أن يصل الى اليقين او الحقيقة المطلقة او الكمال التام والانسان بطبيعته يسعى دائما نحو الكمال ؛ ولذلك يبقى في حركة مستمرة لا تهدأ ظنا منه أنه بذلك سوف يصل الى الكمال. إن مبدأ هايزنبرج هو حقيقة تفسير طبيعة الوجود ولم يكن بمقدور الفيزيائيين أن يعطوا توصيفا حتميًا لسلوك الجسيمات دون الذرية بل أعطوا تنبؤات واحتمالات وأصبح من المستحيل وفق فيزياء الكم أن نحصل على قياسات تامة ودقيقة. يقول أحد المفكرين الدينيين: (إن البشرية لا يمكن أن تصل إلى اليقين)، وهذا القول يؤيده علماء فيزياء الكم. ان من يبعث عن الحقيقة المطلقة كمن يبحث عن رضا الناس، فهو يسعى نحو غاية لا تدرك، والأحرى به أن يبحث عن رضا الله تعالى، فهي غاية من السهل على الإنسان الوصول إليها.
أصبحت الاحتمالية الأساس الذي تعتمد عليه فيزياء الكم ؛ فتواجد الجسيمات في مكان ما لا يمكن تحديده بالدقة بل يمكن تحديده باحتمالات وتحدد الاحتمالات بنسب معينة. فالإلكترونات حينما تعبر الحاجز ذا الشقين في تجربة الشق المزدوج يكون التفسير الوحيد لسلوك الالكترونات هو سلوك موجة وباصطدامها بالشقين تنقسم الى موجتين ثم بعد عبورها تتحد مع بعضها فتكون اكبر او يلغي بعضها بعضا، وهنا ظهرت النتائج التي خرجت بها تجربة السلوك المزدوج للإلكترونات وهي ان الجسيمات في العالم الكمي تسلك سلوك موجة وأجاب ماكس بورن عن هذا السلوك الغريب على الفيزياء حيث قال: (الموجة تبقى موجة لا الكترون ولا شيء آخر سوى انها موجة)، لكن الموجة التي يعنيها بورن هي موجة احتمالية في العالم الكمي، وان تربيع سعة الموجة يعطي احتمال تواجد الالكترون و أن كل نقطة على سعة الموجة لها موقع في البعد المكاني خاص بها لا يمكن أن يتواجد الإلكترون في كل نقطة من سعة الموجة لكن الاحتمال الأكثر لوجود الإلكترون هو الموقع الذي تكون فيه سعة الموجة في ذروتها اي ان حجم الموجة في اي موقع يتنبأ بإمكانية واحتمالية وجود الالكترون فيه، لذا يوجد الالكترون في اماكن عدة هنا و هناك، وليس في منطقة بعينها واصبح قياس أي كمية فيزيائية يتم من خلال مربع سعة الموجة. ان هذا يصبح منطقيا إذا اعتبرنا ان كل ما يجري يحدث في عالم الاحتمالات. لم يطمئن اينشتاين لفكرة الاحتمالات تلك ولا لسلوك الالكترون في العالم الكمي فهو كان دائما يؤمن بالحقائق لا الاحتمالات وقال مقولته الشهيرة: (إن الله لا يلعب النرد)، اشارة منه أن لا شيء يحدث عبثيا كرمية نرد نتائجها تعتمد على احتمالات او ان شيئا في عالمنا كالذرات يحدث في عالم تحكمه الاحتمالات فرد عليه نيلز بور بقوله "ليس عليك أن تخير الرب بما يفعل".
وفق هذه التجادلات فالكتاب الذي بين يديك الآن موجود من وجهة نظر (نيلز بور) وموجود وغير موجود في الوقت نفسه من وجهة نظر (دي برولي) ومن وجهة نظر (بورن) وجوده عبارة عن احتمالية.
وضع عالم الفيزياء شرودنجر تجربة خيالية من أغرب وأعجب وألطف التجارب التي اصبحت تقريبا بمنزلة ايقونة لنظرية الكم وهي قصة قطة شرودنجر ورغم انها مجرد تجربة خيالية الا انها فعلا تقدم حقائق مدهشة عن تطبيقات ميكانيك الكم. والجميل فيها هو محاولة شرودنجر لتطبيق النظرية الكمية على الاجسام الكبيرة هذه التجربة حيرت العلماء وصدعت رؤوسهم لدرجة ان ستيفن هوكينغ قال: (إذا جاء اي أحد وذكر لي قطة شرودنجر فسأرفع عليه بندقيتي).
تخيل شرودنجر أنه قام بوضع قطة داخل صندوق محكم الإغلاق ووضع مع القطة مادة مشعة وافترض ان نصف عمرها الساعة فقط وغاز سام في قارورة زجاجية بحيث إذا استنشقته القطة فإنها تموت فورا ومطرقة موجهة نحو القارورة وعداد غايغر لاستشعار وقياس درجة الاشعاع النووي مربوط بالمطرقة بحيث انه اذا استشعر وجود اي اشعاع فسوف يتحرك العداد ويحرك المطرقة لتضرب القارورة وستنكسر ويخرج الغاز السام فتستنشقه القطه وتموت. اعتمادا على مبدأ الاحتمالات فان ذرات المادة المشعة اما ان تتحلل واما ان لا تتحلل حيث ان %50 من ذرات المادة تتحلل وتتحول الى اشعة نووية ونصفها الاخر اي %50 لا يتحلل ومن ثم إن كانت الذرة من الجزء الذي يتحلل فسوف تموت القطة، واذا كانت من الجزء الذي لا يتحلل حينذاك سوف تبقى القطة حية. ان احتمال موت القطة هو %50. فاذا تركنا كل هذه الاشياء في الصندوق لمدة ساعة وبعد ساعة يكون احتمالات اما ان الذرة تحللت ومن ثم القطة ماتت أو أن الذرّة لم تتحلل وبالتالي القطة تكون حية، ولكن ما دمنا لم نفتح الصندوق فالقطة سوف تبقى في الحالة الفائقة (superposition) أشبه بذلك حالة الالكترون الذي شرحناه في تجربة الشق المزدوج ومن ثم فإن القطة تكون حية وميتة في آن واحد.
ملخص الموضوع ان الماضي موجود بكل احتمالاته والحاضر موجود بكل احتمالاته والمستقبل موجود بكل احتمالاته ان الوعي هو من يحكم اليقين ولو استطعنا التحكم بالوعي لاستطعنا التحكم في عملية الرصد الكامل لكننا للأسف لم نستطع أن نتحكم بالرصد الكامل مهما تطورت أجهزة القياس فتكون نظرية الاحتمالات هي الأرجح في عالم الكم . فكل من الماضي والحاضر والمستقبل موجود مع بعضه الآن وحدثوا ويحدثون ولم يحدثوا مطلقا. بعبارة اخرى انت ولدت ولم تولد بعد انت حي وميت في الوقت نفسه.
اقترح عالم الفيزياء ولفجانج باولي في عام 1924 مبدأ سمي : بمبدأ الاستبعاد لباولي ويعتبر هذا المبدأ اساس الترتيب الالكتروني في الذرة والتركيب النيوكليوني في النواة. ينص هذا المبدأ بأنه لا يمكن لاثنين من الفرميونات الالكترونات والنيوترونات والبروتونات) في الذرة ان يكون لهم القيم نفسها لكل من اعداد الكم الاربعة وقبل شرح مبدأ الاستبعاد علينا ان نتطرق الى تعريف اعداد الكم الاربعة وهي n وهو عدد الكم الرئيسي ومعناه تحديد المدار الرئيس للفرميون ومن ثم طاقته والثاني هو 1 وهو عدد الكم المداري والذي يحدد شكل المدار والثالث هو ml وهو عدد الكم المغناطيسي ومهمته تحديد اتجاه المدار في الفضاء والرابع هو ms ويسمى عدد الكم المغزلي وهو الذي يحدد الحركة المغزلية للإلكترون واتجاهه (اي حركة الفرميون حول نفسه). ولتوضيح هذا المبدأ تأخذ المثال الاتي: اذا كان لدينا ذرة تحتوي على الكترونين في نفس المدار بالتالي لهما عدد الكم المداري الرئيس نفسه وهو n=1 فهنا يجب ان يكون 1=0 لان 1- 1= n اذن اصبح الالكترونات يمتلكان عدد الكم المداري نفسه وهو 1 لان قيمة 0=1 للإلكترونين وبما ان عدد الكم المغناطيسي 1-ml و 1 في هذه الحالة يساوي صفرا، اذن اصبحت 0=ml للإلكترونين وبهذا تشابه الالكترونان في اعداد الكم الثلاثة نفسها التي ذكرناها اذن ينبغي لعدد الكم ms والذي يمثل برم الالكترون حول نفسه ان يكون مختلف لكل الكترون، فأحد الالكترونين سوف يدور حول نفسه باتجاه عقرب الساعة والآخر يدور حول نفسه بعكس اتجاه عقرب الساعة وبهذه الحالة لا يخرق مبدأ الاستبعاد لباولي.
هذا مثال بسيط لذرة تتكون من الكترونين اما اذا كانت الذرة تتكون من اكثر من الكترونين مثلا ثلاثة الكترونات فإثنين من الالكترونات الثلاثة سوف تبقى في مدار واحد وهو 1=n ولا تخرق مبدأ الاستبعاد؛ لانها تختلف في قيمة ms وهي برم الالكترون حول نفسه اما الالكترون الثالث فسوف يقفز الى المدار الثاني (2=n ) ولا يمكن له البقاء في المدار الأول ( 1=n) لأنه يخرق مبدأ الاستبعاد لباولي اي انه سيكون اثنين من الالكترونين لهما نفس ms والثالث مختلف وهذا خرق لمبدأ باولي وهكذا نجد ان مبدأ الاستبعاد لباولي هو اساس ترتيب الالكترونات في الذرة ومنه نعرف لماذا المدار الاول (s) يمتلك الكترونين والمدار الثاني (p) يمتلك 6 الكترونات والمدار d يمكن ان يحمل 10 الكترونات وهكذا. وهذا هو اساس ترتيب العناصر في الجدول الدوري.
هناك مفهوم في فيزياء الكم يحدث بين الجسيمات الأولية أشبه بالحب بين العشاق يسمى التشابك الكمي، وهذا المفهوم يخرق كل قوانين الفيزياء الكمية تقريبا، لكن علماء فيزياء الكم دائما يحاولون ايجاد تفسير لكل شيء وان كانت تلك التفسيرات مخالفة للمنطق وغير مستساغة لكن فيزياء الكم لا تتقيد بالمنطق ابدا ودعنا نشرح مفهوم التشابك الكمي بشيء من التفصيل : اذا اخترت أن تعيش في كوكب يبعد عن الأرض سنة ضوئية واحدة فعندما ترسل إلى صديقك رسالة عن طريق الموبايل فتحتاج الرسالة سنة كاملة لتصل إلى موبايل صديقك لان الرسالة تنبعث على شكل موجة كهرومغناطيسية من موبايلك إلى موبايل صديقك وكما قلنا في فصل الضوء ان الموجة الكهرومغاطيسية تسير بسرعة الضوء وحسب نظرية النسبية لا شيء يسير بسرعه الضوء او اكبر منها. إن الرسالة يمكن أن تصل آنيا إذا استخدمت تقنية تعتمد على التشابك الكمي، ففي التشابك الكمي يمكن أن تصل المعلومات آنيا مهما كبرت المسافة.
قبل ان نتكلم على التشابك الكمي علينا أن نشرح خاصية مهمة للإلكترون وهي دوران الالكترون حول نفسه (spin). إن اي شحنة تتحرك ينشأ عنها مجال مغناطيسي وللإلكترون شحنة سالبة ويتحرك واستطعنا ان نعرف حركته الموجية من معادلة شرودنجر اذن حركة الالكترون ينشأ عنها مجال مغناطيسي وعن طريق قاعدة اليد اليمنى نستطيع ان تحدد حركة المجال المغناطيسي حيث ان دوران اصابع اليد اليمنى تمثل دوران الالكترون و اتجاه الابهام نحو الأعلى يمثل اتجاه المجال المغناطيسي. من قيم المجال المغناطيسي التي تظهر فإن الالكترون هذا بحجمه الصغير يجب أن يدور حول محوره بسرعة تفوق سرعة الضوء ملايين المرات وهذا مخالف لنظرية النسبية الخاصة التي تؤكد ان لا جسم يتحرك اسرع من سرعة الضوء او ان هناك احتمالاً ثانياً هو ان الالكترون حتى يولد ذلك المجال المغناطيسي يجب ان يكون حجمه اكبر من حجم الذرة وهذا مخالف للتجارب التي أجريت على الذرة. فسر علماء الميكانيك الكمي ذلك بان دوران الالكترون حول نفسه (محوره) صفة من صفات الالكترون التي نجهلها. فاتجاهات المجال المغناطيسي تقول ان الالكترون يجب ان يدور حول محوره وقيم المجال المغناطيسي تقول ان الالكترون لا يدور حول محوره. في الفيزياء يمثل دوران الالكترون حسب قاعدة اليد اليمنى فلو لفت الاصابع عكس اتجاه عقرب الساعة فان اتجاه الايهام سيكون للأعلى واذا كانت لف الاصابع باتجاه عقرب الساعة فان اتجاه الايهام سيكون للأسفل. جاء العلماء بشعاع من الالكترونات وقسموه الى شعاعين وراقبوا اتجاه دوران الالكترون فلاحظوا ان دوران الالكترونات في احد الشعاعين يكون باتجاه عقارب الساعة وفي الشعاع الثاني يكون دورانها بعكس اتجاه عقارب الساعة وكرروا العملية للشعاع الذي يدور عكس عقارب الساعة اي قسموه ايضا الى شعاعين فشاهدوا ان احد الشعاعين تدور فيه الالكترونات عكس عقارب الساعة والاخر تدور فيه الالكترونات باتجاه عقارب الساعة دهش العلماء لهذه الظاهرة العجيبة أي ان اذا كان المصدر باتجاه عقارب الساعة فعندما ينقسم الى قسمين سيكون قسم باتجاه عقارب الساعة والقسم الاخر بعكس اتجاه عقارب الساعة. فسر علماء ميكانيك الكم ذلك بتفسير يتناغم مع احتمالية وجود الالكترون في أماكن عدة في آن واحد. فالالكترون يدور بكل الاتجاهات لكنه عندما يرصد يختار اتجاها واحدا يدور فيه هذا يعني ان الالكترون يدور باتجاه عقارب الساعة وعكس عقارب الساعة في الوقت نفسه، معنى هذا ان كل الاحتمالات في الكون واردة ولا شيء معد سابقا، ولناتِ على ذلك بمثال فلو عرض عليك أحد الاشخاص يديه وفي احدى يديه كرة زرقاء والثانية فيها كرة حمراء ثم وضع يديه خلف ظهره و وضع الكرة الحمراء في يد والكرة الزرقاء في الأخرى وبعد ذلك عرض عليك اليدين مقفولتين وأنت لا تعلم اي يد تحمل الكرة الحمراء و اي يد تحمل الكرة الزرقاء فاذا فتح يده اليمنى ووجدت فيها الكرة الحمراء فانك ستدرك مباشرة ان الكرة الزرقاء في يده اليسرى. لكن في ميكانيك الكم هذا لا يحدث فقد تكون الكرة الحمراء أيضا في اليد اليسرى وبهذه الطريقة قد يبدو ان جسيما مشبوكا يمكن ان يؤثر في الآخر فورا فيحول الالوان بين الكرتين لحظيا بصرف النظر عن البعد بينهما، فالتشابك الكمي يعني حالة الجسيم الأول تؤثر وتتأثر بحالة الجسيم الثاني.
فسر بعض العلماء هذه الظاهرة على ان الالكترونات ترسل رسائل فيما بينها فالإلكترون الذي يدور عكس عقارب الساعة يخبر الالكترون في الشعاع الثاني بان عليه ان يدور باتجاه عقارب الساعة عند ذلك تكون محصلة الدوران تساوي صفرا، والغريب أن هذه الرسائل تصل بمدة القياس نفسها حتى لو كان البعد بين الالكترونين تعادل الكون كله أطلق علماء فيزياء الكم على هذه الظاهرة مصطلح التشابك الكمي (Quantum Entanglment). ان هذا المفهوم يضرب النظرية النسبية ويرميها في سلة المهملات؛ ذلك لأن الرسالة من الالكترون الأول توصل للإلكترون الثاني اللحظة نفسها حتى لو كانا مفصولين مسافة تعادل الكون وهذا لا يمكن، لأن سرعة الرسالة لا يمكن لها ان تتجاوز سرعة الضوء.
فسر اينشتاين الرسائل بين الالكترونين على انها معلومات كامنة داخل الالكترونين ولا ترسل كرسائل وجاء بمثال وقال لو وضعنا قفازين واحدة يمنى في صندوق واليسرى في صندوق اخر ووضعنا كل من الصندوقين في مكانين متباعدين فاذا وجدت احد الصندوقين فيه القفاز اليمني فحتما سيكون الصندوق الثاني يحتوي على القفاز اليسرى وليس رسالة تصل من القفاز اليمنى الى اليسرى ورفض فكرة التشابك الكمي وسمّى هذه الظاهرة بالاتصال الشبحي. لكن العالم جون بيل اثبت ان الالكترونات ليس فيها معلومات موجودة سابقا بل أن الالكترونات ترسل رسائل فيما بينها وأن التشابك الكمي شيء حقيقي ورفض فكرة الاتصال الشبحي لأينشتاين. واثبت العلماء ان فكرة التشابك الكمي تنطبق على الضوء ايضا.
وفق ظاهرة التشابك الكمي يمكن القول أن الإلكترونات مهما كان البعد بينهم . فأنها موصوفة بدالة موجية واحدة غير منفصلة أو بعبارة أخرى دوالهم الموجية متشابكة مع بعضها لتظهر بهيئة دالة موجية واحدة وهذا ما يفسر لماذا يؤثر قياس حالة في حالة أخرى وهذا يقودنا إلى فكرة أن الكون كله موصوف بدالة موجية واحدة تصف الكون كله.
هناك حقيقة مثبتة علميا تقول انه لا يوجد في الكون ماضي وحاضر ومستقبل بشكل منتال كما تسلم بذلك نحن ، بل كل ذلك موجود في آن واحد ولكننا نحن البشر نعجز عن ادراك هذه الاحداث مجتمعة انها تدركها ضمن بعد الزمن الذي يجعلنا مقيدين بالتتالي والتسلسل ولا يسمح لنا بإلقاء نظرة على كل الاحداث الا من خلال بعد زمني محدد بظروف زمنية معروفة وهي الماضي والحاضر والمستقبل ونأتي على ذلك بمثال: لو انك في غرفة وتنظر الى الطريق من فتحة داخل الغرفة تسمح لك برؤية جزء واحد من هذا الطريق وكان هناك ثلاثة اشخاص يمرون بعضهم خلف بعض على هذا الطريق وبين كل منها مسافة 2 متر مثلا فبالنسبة لك سوف ترى الشخص الاول ثم بعد لحظات زمنية ترى الشخص الثاني وحينها يصبح الشخص الأول من الماضي والثاني الذي تراه الان امامك حاضرا اما الشخص الثالث الذي سوف تراه بعد لحظات سيكون مستقبلاً . بينما لو كان هناك شخص خارج الغرفة ويرى الطريق بكامله فبالنسبة له سوف يراهم جميعا في الوقت نفسه، معنى هذا أنه يرى الماضي والحاضر والمستقبل في آن واحد، وهذا هو تقريبا جوهر نظرية النسبية لاينشتاين، اي ان الاحداث بالنسبة لك تختلف عن الاحداث بالنسبة لشخص اخر ؛ لذلك نحن البشر دائما مقيدون بمشكلة النسبية والادراك الكلي للأشياء والحقائق بحكم شروطنا البشرية. اكتشف علماء فيزياء الكم حقيقة أدهشتهم كثيرًا وأربكتهم، وهي انهم كلما قاموا بتكرار تجربة في ميكانيك الكم يحصلون على نتائج مختلفة تماما عن نتائج التجارب المماثلة لها رغم الخطوات نفسها يكررونها وبدقة عالية جدا، ولكن دائما النتائج تختلف وبدرجة كبيرة جدا، ولاحظوا أن الالكترون او الجسيم يكون موجوداً في موقع اخر غير الموقع الذي كان فيه خلال التجربة السابقة. ولحد هذه اللحظة لا يوجد تفسير منطقي لهذه الظاهرة سوى التفسير الوحيد الذي يقول بان الالكترون كان موجوداً في كل مكان فاذا رصدناه فانه سوف يتجسد في مكان معين وعند ذلك سوف تنهار دالته الموجية كما ذكرنا هذا سابقا.
ان نظرية الكم أثارت الدهشة والمرارة في نفس مؤسسها. يقول عالم الفيزياء (نيلزبور): ان أي شخص لم تصدمه النظرية الكمية فهو لم يفهما بعد).
تحررت الفيزياء من القيود التي فرضتها النظرية الكلاسيكية فبدلاً من التكلم عن القوانين التي تصف حركة الأجسام الفردية وتغيرها مع الزمن صارت الفيزياء الحديثة تتكلم على مجموعة كبيرة من الأجسام وتغيرها مع الزمن وتصف سلوكها المادي والموجي.
ان العلم لم يكتمل بعد ويبدو أنه لن يكتمل وستبقى البشرية تترقب ما سوف يكتشفه العلم من مجاهيل جيلا بعد جيل. وكل جديد يكتشف سترافقه خرافة كما رافقت القديم، وتفكيرنا أسير الخرافات في ماضينا وآتينا.
الاكثر قراءة في ميكانيكا الكم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة