أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2014
1608
التاريخ: 2-06-2015
72256
التاريخ: 10-10-2014
2084
التاريخ: 5-2-2016
2498
|
قال تعالى : {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} [طه : 83 - 87].
ذكر في هذه الآيات فصل آخر من حياة موسى (عليه السلام) وبني إسرائيل ، ويتعلّق بذهاب موسى (عليه السلام) مع وكلاء وممثّلي بني إسرائيل إلى الطور حيث موعدهم هناك ، ثمّ عبادة بني إسرائيل للعجل في غياب هؤلاء.
كان من المقرّر أن يذهب موسى (عليه السلام) إلى «الطور» لتلقّي أحكام التوراة ، ويصطحب معه جماعة من بني إسرائيل لتتّضح لهم خلال هذه الرحلة حقائق جديدة حول معرفة الله والوحي.
غير أنّ شوق موسى (عليه السلام) إلى المناجاة مع الله وسماع ترتيل الوحي كان قد بلغ حدّاً بحيث نسي في هذا الطريق ـ حسب الرّوايات ـ كلّ شيء حتّى الأكل والشرب والإستراحة ، فطوى هذا الطريق بسرعة ، ووصل لوحده قبل الآخرين إلى ميقات الله وميعاده. هنا نزل عليه الوحي : (وما أعجلك عن قومك ياموسى)؟
فأجاب موسى على الفور : (قال هم أولاء على أثري وعجّلت إليك ربّ لترضى) فليس شوق المناجاة وسماع كلامك لوحده قد سلب قراري ، بل كنت مشتاقاً إلى أن آخذ منك أحكام التوراة بأسرع ما يمكن لاُؤدّيها إلى عبادك ، ولأنال رضاك عنّي بذلك .. أجل إنّي عاشق لرضاك ، ومشتاق لسماع أمرك.
وفي هذا اللقاء إمتدّت مدّة الإشراقات والتجليّات المعنوية الإلهيّة من ثلاثين ليلة إلى أربعين ، وأدّت الأجواء المهيأة لإنحراف بني إسرائيل دورها ، فالسامري ، ذلك الرجل الفطن والمنحرف صنع بإستعماله الوسائل التي سنشير إليها فيما بعد عجلا ، ودعا تلك الجماعة إلى عبادته ، وأوقعهم فيها.
لا شكّ في أنّ الأرضيات ، كمشاهدة عبادة المصريين للعجل ، أو مشاهدة مشهد عبادة الأصنام ـ العجل بعد عبور نهر النيل ، وطلب صنع صنم كهؤلاء ، وكذلك تمديد مدّة ميعاد موسى ، وانتشار شائعة موته من قبل المنافقين ، وأخير اجهل هذه الاُمّة ، كلّ ذلك كان له أثر في ظهور هذه الحادثة والإنحراف الكبير عن التوحيد ، لأنّ الحوادث الإجتماعية لا تقع عادةً بدون مقدّمات ، غاية ما هناك أنّ هذه المقدّمات تكون تارةً واضحة وعلنية ، وأُخرى مستورة وخفيّة.
على كلّ حال ، فإنّ الشرك في أسوأ صورة قد أحاط ببني إسرائيل ، وأخذ بأطرافهم ، خاصةً وأنّ كبار القوم كانوا مع موسى في الجبل ، وكان زعيم الاُمّة هارون وحيداً دون أن يكون له مساعدون أكفّاء مؤثّرون.
وأخيراً أخبر الله موسى في الميعاد بما جرى لقومه والسامري إذ تحكي الآية التالية ذلك فتقول : (قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ).
غضب موسى عند سماعه هذه الكلمات غضباً التهب معه كلّ وجوده ، وربّما كان يقول لنفسه : لقد تحمّلت المصائب والمصاعب خلال هذه السنين الطويلة ، وأرهقت نفسي وواجهت كلّ الأخطار في سبيل أن تركن هذه الاُمّة إلى التوحيد ، فكيف ذهبت جهودي أدراج الرياح بمجرّد أن غبت عنها عدّة أيّام (فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا).
وما أن وقعت عينه على ذلك المنظر القبيح ، منظر عبادة العجل (قال ألم يعدكم ربّكم وعداً حسناً). وهذا الوعد الحسن إمّا أن يكون وعد بني إسرائيل بنزول التوراة وبيان الأحكام السماوية فيها ، أو الوعد بالنجاة والإنتصار على الفراعنة ووراثة حكومة الأرض ، أو الوعد بالمغفرة والعفو للذين يتوبون ويؤمنون ويعملون الصالحات ، أو أنّه كلّ هذه الاُمور.
ثمّ أضاف : (أفطال عليكم العهد) وهو يشير إلى أنّه : هبوا أنّ مدّة رجوعي قد طالت من ثلاثين إلى أربعين يوماً ، فإنّ هذا الزمن ليس طويلا ، ألا يجب عليكم أن تحفظوا أنفسكم في هذه المدّة القصيرة؟ وحتّى لو نأيت عنكم سنين طويلة فينبغي أن تلتزموا بالتعاليم الإلهيّة التي تعلمّتموها وتؤمنوا بالمعجزات التي رأيتموها : (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) (1) فقد عاهدتكم على أن تثبتوا على خطّ التوحيد وطريق طاعة الله الخالصة ، وأن لا تنحرفوا عنه قيد أنملة ، إلاّ أنّكم نسيتم كلّ كلامي في غيابي ، وكذلك تمردّتم على طاعة أمر أخي هارون وعصيتموه.
فلمّا رأى بنو إسرائيل أنّ موسى (عليه السلام) قد عنفّهم بشدّة ولامهم على فعلهم وتنبّهوا إلى قبح ما قاموا به من عمل ، هبوا للإعتذار فـ(قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا) (2) فلم نكن في الواقع قد رغبنا وصمّمنا على عبادة العجل (وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ).
وللمفسّرين آراء فيما فعله بنو إسرائيل ، وما فعله السامري ، وما هو معنى الآيات ـ محلّ البحث ـ على نحو الدقّة ، ولا يبدو هناك فرق كبير في النتيجة بين هذه الإختلافات.
فذهب بعضهم : إن «قذفناها» تعني أنّنا ألقينا أدوات الزينة التي كنّا قد أخذناها من الفراعنة قبل
الحركة من مصر في النّار ، وكذلك ألقى السامري ما كان معه أيضاً في النّار حتّى ذاب وصنع منه عجلا.
وقال آخرون : إنّ معنى الجملة أنّنا ألقينا أدوات الزينة بعيداً عنّا ، فجمعها السامري وألقاها في النّار ليصنع منها العجل.
ويحتمل أيضاً أن تكون جملة (فكذلك ألقى السامري) إشارة إلى مجموع الخطّة التي نفذّها السامري.
وعلى كلّ حال ، فإنّ كبير القوم إذا لام مَن تحت إمرته على إرتكابهم ذنباً ما ، فإنّهم يسعون إلى نفي ذلك الذنب عنهم ، ويلقونه على عاتق غيرهم ، وكذلك عبّاد العجل من بني إسرائيل ، فإنّهم كانوا قد إنحرفوا بإرادتهم ورغبتهم عن التوحيد إلى الشرك ، إلاّ أنّهم أرادوا أن يلقوا كلّ التبعة على السامري.
على كلّ ، فإنّ السامري ألقى كلّ أدوات زينة الفراعنة وحليهم التي كانوا قد حصلوا عليها عن طريق الظلم والمعصية ـ ولم يكن لها قيمة إلاّ أن تصرف في مثل هذا العمل المحرّم ـ في النّار (فأخرج لهم عجلا جسداً له خوار) (3) فلمّا رأى بنو إسرائيل هذا المشهد ، نسوا فجأةً كلّ تعليمات موسى التوحيديّة (فقالوا هذا إلهكم وإله موسى).
ويحتمل أيضاً أن يكون قائل هذا الكلام هو السامري وأنصاره والمؤمنون به.
وبهذا فإنّ السامري قد نسي عهده وميثاقه مع موسى ، بل مع إله موسى ، وجرّ الناس إلى طريق الضلال : «فنسي».
ولكن بعض المفسّرين فسّروا «النسيان» بالضلال والإنحراف ، أو أنّهم إعتبروا فاعل النسيان موسى (عليه السلام) وقالوا : إنّ هذا كلام السامري ، وهو يريد أن يقول : إنّ موسى نسي أنّ هذا العجل هو ربّكم ، إلاّ أنّ كلّ ذلك مخالف لظاهر الآية ، وظاهرها هو ما قلناه من أنّ المراد هو أنّ السامري قد أودع عهده وميثاقه مع موسى وربّ موسى في يد النسيان ، واتّخذ طريق عبادة الأصنام.
وهنا قال الله سبحانه توبيخاً وملامة لعبدة الأوثان هؤلاء : {أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً} فإن المعبود الواقعي يستطيع على الأقل أن يلبي طلبات عباده ويجيب على أسئلتهم ، فهل يمكن أن يكون سماع خوار العجل من هذا الجسد الذهبي لوحده ، ذلك الصوت الذي لا يُشعر بأية إرادة ، دليلاً على جواز عبادة العجل ، وصحة تلك العبادة ؟
وعلى فرض أنّه أجابهم عن أسئلتهم ، فإنّه لا يعدو أن يكون كإنسان عاجز لا يملك نفع غيره ولا ضرّه ، بل وحتّى نفسه ، فهل يمكن أن يكون معبوداً وهو على هذا الحال؟
أي عقل يسمح بأن يعبد الإنسان تمثالا لا روح له يظهر منه بين الحين والآخر صوت غير مفهوم ، ويعظمه ويخضع أمامه ؟
ولا شكّ أنّ هارون ، خليفة موسى ونبي الله الكبير ، لم يرفع يده عن رسالته في هذا الصخب والغوغاء ، وأدّى واجبه في محاربة الإنحراف والفساد قدر ما يستطيع ، كما يقول القرآن : (ولقد قال لهم هارون من قبل ياقوم إنّما فتنتم به) ثمّ أضاف : (وإنّ ربّكم الرحمن).
لقد كنتم عبيداً فحرّركم ، وكنتم أسرى فأطلقكم ، وكنتم ضالّين فهداكم ، وكنتم متفرّقين مبعثرين فجمعكم ووحدّكم تحت راية رجل ربّاني ، وكنتم جاهلين فألقى عليكم نور العلم وهداكم إلى صراط التوحيد المستقيم ، فالآن (فاتّبعوني وأطيعوا أمري).
أنسيتم أنّ أخي موسى قد نصّبني خليفة له وفرض عليكم طاعتي؟ فلماذا تنقضون الميثاق؟ ولماذا ترمون بأنفسكم في هاوية الفناء ؟
إلاّ أنّ بني إسرائيل تمسكّوا بهذا العجل عناداً ، ولم يؤثّر فيهم المنطق السليم القوي لهذا الرجل ، ولا أدلّة هذا القائد الحريص ، وأعلنوا مخالفتهم بصراحة : (قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتّى يرجع إلينا موسى) (4).
والخلاصة : إنّهم ركبوا رؤوسهم وقالوا : الأمر هو هذا ولا شيء سواه ، ويجب أن نعبد العجل حتّى يرجع موسى ونطلب منه الحكم والقضاء ، فلعلّه يسجد معنا للعجل! وعلى هذا فلا تتعب نفسك كثيراً ، وكفّ عنّا يدك!
وبهذا لم يذعن بنو إسرائيل لأمر العقل ولا لأمر خليفة قائدهم وزعيمهم أيضاً.
ولكن ، كما كتب المفسّرون ـ والقاعدة تقتضي ذلك أيضاً ـ فإنّ هارون لمّا أدّى رسالته في هذه المواجهة ، ولم يقبل أكثر بني إسرائيل كلامه ، إبتعد عنهم بصحبة القلّة الذين اتّبعوه ، لئلاّ يكون إختلاطهم بهؤلاء دليلا على إمضاء طريقهم المنحرف.
والعجيب أنّ بعض المفسرين ذكروا أنّ هذا التبدّل والإنحراف في بني إسرائيل قد حدث في أيّام قليلة فحسب ، فبعد أن مضت (35) يوماً على ذهاب موسى (عليه السلام) إلى ميقات ربّه ، شرع السامري بعمله ، وطلب من بني إسرائيل أن يجمعوا كلّ أدوات الزينة التي أخذوها كعارية من الفراعنة وما أخذوه منهم بعد غرقهم ، ووضعوها جميعاً في اليوم السادس والثلاثين والسابع والثلاثين والثامن والثلاثين في موقد النّار ، وأذابوها ثمّ صنعوا منها تمثال العجل ، وفي اليوم التاسع والثلاثين دعاهم السامري إلى عبادته ، فقبلها جماعة عظيمة ـ وعلى بعض الرّوايات ستمائة ألف شخص ـ وفي اليوم التالي ، أي في نهاية الأربعين يوماً ، رجع موسى (5).
ولكن إفترق عنهم هارون مع القلّة من المؤمنين الثابتين ، والذين كان عددهم قرابة إثني عشر ألفاً ، في حين أنّ الأغلبية الجاهلة كادوا أن يقتلوه !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ من البديهي أن لا أحد يصمّم على أن يحلّ عليه غضب الله ، بل المراد من العبارة أنّكم في وضع كأنّكم قد صمّمتم مثل هذا التصميم في حقّ أنفسكم.
2 ـ «مَلْك» و «مِلك» كلاهما تعني تملّك الشيء ، وكأنّ مراد بني إسرائيل أنّنا لم نتملّك هذا العمل ، بل وقعنا تحت تأثيره حتّى إختطف قلوبنا وديننا من أيدينا. وإعتبر بعض المفسّرين هذه الجملة مرتبطة بجماعة قليلة من بني إسرائيل لم تعبد العجل. ويقال إنّ ستمائة ألف شخص من هؤلاء أصبحوا من عبدة العجل ، وبقي منهم إثنا عشر ألفاً فقط على التوحيد. لكن يبدو أنّ التّفسير الذي قلناه أعلاه هو الأصحّ.
3- " الخوار" صوت البقرة والعجل ، ويطلق أحياناً على صوت البعير .
4 ـ (لن نبرح) من مادّة (برح) بمعنى الزوال ، وإنّ ما نراه في أنّ معنى جملة (برح الخفاء) أي الظهور والوضوح لأنّ زوال الخفاء ليس إلاّ الظهور ، ولمّا كانت (لن) تدلّ على النفي ، فإنّ معنى جملة (لن نبرح) أنّنا سنستمر في هذا العمل.
5 ـ مجمع البيان ذيل الآية مورد البحث.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
في مستشفى الكفيل.. نجاح عملية رفع الانزلاقات الغضروفية لمريض أربعيني
|
|
|