أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-8-2016
2806
التاريخ: 22-8-2016
2738
التاريخ: 15-04-2015
5488
التاريخ: 16/11/2022
1622
|
إذا أردنا أن نقف على ملامح المرحلة التي مارس فيها الإمام الباقر ( عليه السّلام ) قيادته للأمة الاسلامية بعد والده الإمام زين العابدين ( عليهما السّلام ) وجب أن نقف على أهم الأحداث التي مهّدت لتلك المرحلة ونلاحظ مدى علاقتها بالإمام الباقر ( عليه السّلام ) كمر شّح للقيادة في حياة والده وممارس لها بعد ذلك .
لقد شيّدت أسس الحكم الأموي المرواني أيام عبد الملك بن مروان باعتباره أوّل حاكم مقتدر للحكم المرواني . وقد رسمت إجراءاته السياسية ملامح المرحلة التي نريد دراستها .
قال بعض المؤرخين : إن عبد الملك بن مروان قبل أن يتقلد الخلافة كان يظهر النسك والعبادة ، فلما بشر بالملك كان بيده المصحف الكريم فأطبقه وقال : هذا آخر العهد بك ، أو قال : هذا فراق بيني وبينك[1].
ولقد اتصف عبد الملك بأخس الصفات وأحطها والتي كان من بينها :
1 - الطغيان والجبروت : قال المنصور : كان عبد الملك جبارا لا يبالي ما صنع[2] وكان فاتكا لا يعرف الرحمة والعدل ، وقد قال : في خطبته بعد قتله لابن الزبير : لا يأمرني أحد بتقوى اللّه بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه[3] ، وهو أول من نهى عن الكلام بحضرة الخلفاء[4].
2 - الغدر ونكث العهد : فقد أعطى الأمان لعمرو بن سعيد الأشدق على أن تكون الخلافة له من بعده إلا أنه غدر به ، وقتله ورمى برأسه إلى أصحابه[5] ولم يرع وشيجة النسب التي كانت تربطه بعمرو .
لقد خاف عبد الملك من الأشدق ، إذ لو كان حيا لاتّخذ التدابير للقضاء على حكم بني مروان ولكن عبد الملك تغدّى به قبل أن يتعشى به عمر ، وقد انتقم اللّه منه ؛ لأنه كان جبارا مسرفا في إراقة دماء المسلمين وإشاعة الخوف والرعب فيهم .
3 - القسوة والجفاء : حيث انعدمت من نفسه الرحمة والرأفة ، حتى أنّه بالغ في إراقة الدماء وسفكها بغير حق ، وقد اعترف بذلك هو حين قالت له أم الدرداء : بلغني أنك شربت الطلى - يعني الخمر - بعد العبادة والنسك ، فقال لها غير متأثم : « اي واللّه والدماء شربتها »[6].
وقد نشر الثكل والحزن والحداد في بيوت المسلمين أيام حكمه الرهيب حتى أنّه خطب في يثرب بعد قتله لابن الزبير خطابا قاسيا أعرب فيه عما كان يحمله في قرارة نفسه من القسوة والسوء قائلا : « إني لا أداوي أدواء هذه الأمة إلّا بالسيف حتى تستقيم لي قناتكم . . . »[7].
4 - البخل : فكان يسمى ( رشح الحجارة ) لشدة شحه وبخله[8] وقد عانت الأمة في أيام حكمه الجوع والفقر والحرمان .
من بدع عبد الملك : خاف عبد الملك أن يتصل ابن الزبير بأهل الشام فيفسدهم عليه فمنعهم من الحج ، فقالوا له : أتمنعنا من الحج وهو فريضة فرضها اللّه ، فقال : قال ابن شهاب الزهري انّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) قال : لا تشد الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي ، ومسجد بيت المقدس .
وصرفهم بذلك عن الحج إلى بيت اللّه الحرام ، وصيره إلى بيت المقدس وقد استغل الصخرة التي فيه ، وروى فيها أن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) قد وضع قدمه عليها حين صعوده إلى السماء فأقامها لهم مقام الكعبة فبنى عليها قبة وعلى فوقها ستور الديباج ، وأقام لها سدنة ، وأمر الناس أن يطوفوا حولها كما يطوفون حول الكعبة[9].
وانتقص عبد الملك سلفه من حكام بني أمية ، وقد أدلى بذلك في خطابه الذي ألقاه في يثرب ، إذ جاء فيه : « إني واللّه ما أنا بالخليفة ، المستضعف - يعني عثمان - ولا بالخليفة المداهن - يعني معاوية - ولا بالخليفة المأفون[10]- يعني يزيد » .
وعلّق ابن أبي الحديد على هذه الكلمات بقوله : « وهؤلاء سلفه وأئمته ، وبشفعتهم قام ذلك المقام ، وبتقدمهم وتأسيسهم نال تلك الرياسة ، ولولا العادة المتقدمة ، والأجناد المجندة والصنائع القائمة ، لكان أبعد خلق اللّه من ذلك المقام ، وأقربهم إلى المهلكة إن رام ذلك الشرف . . . »[11].
من جرائم عبد الملك : وأخطر عمل قام به عبد الملك توليته للسفّاك المعروف الحجّاج بن يوسف الثقفي ، فقد عهد بأمور المسلمين إلى هذا الانسان الممسوخ الذي اشتهر بقساوته وشهوته في إراقة الدماء .
لقد منحه عبد الملك صلاحيات واسعة النطاق ، فجعله يتصرف في أمور الدولة حسب رغباته التي لم تكن تخضع إلّا لمنطق البطش والاستبداد ، وقد أمعن هذا الأثيم في النكاية بالناس ، وقهرهم وإذلالهم ، وقد خلق في البلاد الخاضعة لنفوذه جوا من الأزمات السياسية التي لا عهد للناس بمثلها .
ونقم علماء المسلمين وخيارهم على الحجاج ، وكان عمر بن عبد العزيز من الناقمين على الحجاج ، والساخطين عليه ، حتى قال فيه : « لو جاءت كل أمة بخبيثها ، وجئنا بالحجاج لغلبناهم »[12].
وقال عاصم : « ما بقيت للّه عزّ وجل حرمة إلّا وقد ارتكبها الحجاج[13].
وقال طاووس : « عجبت لمن يسمي الحجاج مؤمنا »[14].
وقال ابن عماد الحنبلي عنه : « سنة خمس وتسعين فيها أراح اللّه العباد والبلاد بموت الحجاج بن يوسف الثقفي في ليلة مباركة على الأمة . . . كان لا يصبر عن سفك الدماء وانه أكبر لذّاته وله مقحمات عظام »[15] .
ولما أراد الحج ولّى على العراق شخصا اسمه محمد ، وقد خطب بين الناس فقال لهم : إني قد استعملت عليكم محمدا ، وقد أوصيته فيكم خلاف وصية رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) بالأنصار فإنه قد أوصى أن يقبل من محسنهم ، ويتجاوز عن مسيئهم ، وقد أوصيته أن لا يقبل من محسنكم ، ولا يتجاوز عن مسيئكم . . . »[16].
وقال الدميري : « كان الحجاج لا يصبر عن سفك الدماء ، وكان يخبر عن نفسه أنّ أكبر لذّاته إراقته للدماء ، وارتكاب أمور لا يقدر عليها غيره »[17].
وقد بالغ في قتل الناس بغير حق ، فقد كان عدد من قتلهم صبرا - سوى من قتل في حروبه - مائة وعشرين ألفا[18] وقيل مائة وثلاثين ألفا[19].
وقد اعترف رسميا بسفكه للدماء بغير حق فقد قال : « واللّه ما أعلم اليوم رجلا على ظهر الأرض هو أجرأ على دم مني »[20].
وانكر عليه عبد الملك إسرافه في ذلك إلا أنه لم يعن به[21].
وقد وضع سيفه في رقاب القرّاء والعبّاد لأنهم أيدوا ثورة ابن الأشعث ، وكان من جملة من قتلهم صبرا سعيد بن جبير أحد أبرز علماء الكوفة وزهادها ، ولما بلغ الحسن البصري نبأ قتله قال : واللّه لقد مات سعيد بن جبير يوم مات وأهل الأرض من مشرقها إلى مغربها محتاجون لعلمه[22].
وحكم جماعة من أعلام المسلمين بكفره وإلحاده ، منهم سعيد بن جبير النخعي ، ومجاهد ، وعاصم بن أبي النجود ، والشعبي وغيرهم[23].
وذلك لأنّ الحجاج قد استهان بالنبي العظيم ( صلّى اللّه عليه واله ) حتى فضّل عبد الملك ابن مروان عليه وذلك حين خاطب اللّه تعالى أمام الناس قائلا : « أرسولك أفضل - يعني النبي - أم خليفتك - يعني عبد الملك ؟[24].
وكان ينقم ويسخر من الذين يزورون قبر النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) ويقول : « تبّا لهم إنما يطوفون بأعواد ورمة بالية ، هلّا طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك ، ألا يعلمون أنّ خليفة المرء خير من رسوله ؟ ![25].
وحفل حكم هذا الخبيث بالجرائم والموبقات فقد نكّل بشيعة آل البيت ( عليهم السّلام ) وأذاع فيهم القتل ، وأشاع في بيوتهم الثكل والحزن والحداد ، في الوقت الذي كان عبد الملك قد كتب اليه : « جنبني دماء بني عبد المطلب فليس فيها شفاء من الحرب ، وإني رأيت آل بني حرب قد سلبوا ملكهم لما قتلوا الحسين بن علي »[26].
ولكن الحجاج قد تعرض للعلويين وشيعتهم فانطلقت يده في الفتك بهم وسفك دمائهم حتى أن الرجل كان أحب اليه أن يقال له زنديق من أن يقال له من شيعة علي[27]. وقال المؤرخون : إن خير وسيلة للتقرب إلى الحجاج كانت انتقاص الإمام أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) عنده فقد أقبل إليه بعض المرتزقة من أوغاد الناس وأجلافهم وهو رافع عقيرته قائلا :
« أيها الأمير ، إن أهلي عقوني فسموني عليا ، وإني فقير بائس ، وأنا إلى صلة الأمير محتاج . . . » . فسرّ الحجاج بذلك وقال : « للطف ما توسلت به ، فقد وليتك موضع كذا »[28].
وعلى أي حال فقد أصبح أتباع أهل البيت ( عليهم السّلام ) في عهد هذا الجلّاد طعمة للسيوف والرماح ، إذ نكّل بهم وقتلهم ولا حقهم تحت كل حجر ومدر وأودع الكثيرين منهم السجون ، وأثار جوّا من الارهاب ، لم نشهد له مثيلا حتى في أيام الطاغية زياد بن أبيه وابنه عبيد اللّه .
وامتحنت الكوفة في أيام هذا الجبار كأشد ما تكون المحنة ، فقد أخذ يقتل على الظنة والتهمة ، وخطب في الكوفة خطابا قاسيا ، لم يحمد اللّه فيه ، ولم يثن عليه ، ولم يصلّ على النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) وكان من جملة ما قال فيه :
« يا أهل العراق ، يا أهل الشقاق ، والنفاق ، والمراق ، ومساوئ الاخلاق ان أمير المؤمنين - يعني عبد الملك - فتل كنانته فعجمها عودا عودا ، فوجدني من أمرّها عودا ، وأصعبها كسرا ، فرماكم بي ، وانه قلدني عليكم سوطا وسيفا ، فسقط السوط وبقي السيف[29]. ثم قال : إني واللّه لأرى أبصارا طامحة ، وأعناقا متطاولة ، ورؤوسا قد أينعت ، وحان قطافها ، وإني أنا صاحبها كأني أنظر إلى الدماء ترقرق بين العمائم واللحى[30] ثم أنشد :
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا * متى أضع العمامة تعرفوني
ومن جرائم هذا الطاغية : انه قاد جيشا مكثفا إلى مكة لمحاربة ابن الزبير ، وقد حاصر البيت الحرام ستة أشهر وسبع عشرة ليلة ، وقد أمر برمي الكعبة المشرفة فرميت من جبل أبي قبيس بالمنجنيق[31].
واتخذ الحجّاج سجونا لا تقي من حر ولا برد ، وكان يعذب المساجين بأقسى ألوان العذاب ، حتى قال المؤرخون : انه مات في حبسه خمسون الف رجل ، وثلاثون الف امرأة منهن ستة عشر ألفا مجردات وكان يحبس الرجال والنساء في موضع واحد[32] واحصي في محبسه ثلاث وثلاثون الف سجين لم يحبسوا في دين ولا تبعة[33] وكان يقول لأهل السجن : « اخسأوا فيها ولا تكلمون »[34] « تشبيها لهم بأهل النار ، وتشبيها لنفسه بالخالق تعالى ، عتوا وتكبرا منه .
وتلقى المسلمون نبأ وفاته بمزيد من السرور والأفراح ، وكانت الشتائم تلاحقه من يوم وفاته حتى يرث اللّه الأرض ومن عليها .
[1] تاريخ ابن كثير : 8 / 260 .
[2] النزاع والتخاصم للمقريزي : 8 .
[3] تاريخ الخلفاء للسيوطي : 219 .
[4] المصدر السابق : 218 .
[5] تاريخ اليعقوبي : 2 / 190 ، ط 1 ، الأعلمي بيروت ، 1413 ه .
[6] مختصر تاريخ دمشق : 15 / 219 ، ترجمة عبد الملك بن مروان رقم 210 .
[7] تاريخ ابن كثير : 9 / 64 .
[8] تاريخ القضاعي : 72 .
[9] اليعقوبي : 2 / 311 .
[10] المأفون : الضعيف الرأي .
[11] شرح ابن أبي الحديد : 15 / 257 .
[12] نهاية الإرب : 21 / 334 .
[13] تاريخ ابن كثير : 9 / 132 .
[14] تهذيب التهذيب : 2 / 311 .
[15] شذرات الذهب : 1 / 106 - 107 .
[16] مروج الذهب : 3 / 86 .
[17] حياة الحيوان للدميري : 1 / 167 .
[18] تهذيب التهذيب : 2 / 211 ، تيسير الوصول : 4 / 31 ، التنبيه والاشراف : 318 ، معجم البلدان : 5 / 349 .
[19] حياة الحيوان : 1 / 170 ، تاريخ الطبري .
[20] طبقات ابن سعد : 6 / 66 .
[21] مروج الذهب : 3 / 74 .
[22] حياة الحيوان : 1 / 171 .
[23] تهذيب التهذيب : 2 / 211 .
[24] النزاع والتخاصم للمقريزي : 27 ، رسائل الجاحظ : 297 .
[25] شرح النهج : 15 / 242 .
[26] العقد الفريد : 3 / 149 .
[27] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 11 / 43 - 44 ، تاريخ الشيعة : 40 .
[28] حياة الإمام الحسن بن علي : 2 / 336 .
[29] تاريخ اليعقوبي : 3 / 68 .
[30] مروج الذهب : 3 / 68 .
[31] تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر : 4 / 50 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : 84 ، تاريخ ابن كثير : 9 / 63 .
[32] حياة الحيوان للدميري : 1 / 170 .
[33] معجم البلدان : 5 / 349 .
[34] تهذيب التهذيب : 2 / 212 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|