أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-7-2016
1664
التاريخ: 2024-03-18
852
التاريخ: 19-7-2016
1741
التاريخ: 21-3-2021
2211
|
اعلم أنّ الحب للشيء عبارة عن الميل إليه والالتذاذ به، وهو فرع معرفة ذلك الشيء، ومعرفته قد تكون بالحواس وقد تكون بالقلب، وكلما كانت المعرفة به أقوى واللذة أشد وأكثر كان الحب أقوى.
ولا ريب أن البصيرة الباطنة أقوى من البصر الظاهر، والقلب أشد إدراكاً من العين، وجمال المعاني المدركة بالعقل أعظم من جمال الصور الظاهرة للأبصار، فتكون لا محالة لذة القلوب بما تدركه من الأمور الشريفة الإلهية التي تجل عن أن تدركها الحواس أتم وأبلغ، فيكون ميل الطبع السليم والعقل الصحيح إليه أقوى، فلا ينكر إذاً حب الله تعالى إلا من قعد به القصور في درجة البهائم فلم يتجاوز إدراكه الحواس.
وكما أن الإنسان يحب نفسه وكمال نفسه وبقاء نفسه كذلك قد يحب غيره لذاته لا لحظ يناله منه وراء ذاته، بل تكون ذاته عين حظه، وهذا هو الحب الحقيقي البالغ الذي يوثق به.
وإن احتجت إلى شاهد على ذلك في عالم الدنيا فانظر إلى الطباع السليمة كيف تراها تستلذ بالنظر إلى الأنوار والأزهار والأطيار الحسنة والألوان المليحة، حتى إن الإنسان لتنفرج عنه الغموم بالنظر إليها لا لطلب حظ وراء النظر.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعجبه النظر إلى الخضرة والماء الجاري (1) فالخضرة والماء الجاري محبوبان لا لشرب الماء وأكل الخضرة.
ثم الحسن والجمال ليسا مقصورين على مدركات البصر ولا على تناسب الخلقة، إذ يقال: هذا صوت حسن، وهذا خلق حسن، وهذا علم حسن، وهذه سيرة حسنة، وليس شيء من هذه الصفات يدرك بالبصر. بل ليس الحسن والجمال مقصوراً على مدركات الحواس، إذ كثير منها يدرك بالبصيرة الباطنة، ولذا ترى الطباع السليمة مجبولة (2) على حب الأنبياء والأئمة عليهم السلام مع أنهم لم يشاهدوهم.
ولما تواتر وصف أمير المؤمنين بالشجاعة وحاتماً بالسخاء أحبتهما القلوب حباً ضرورياً بدون نظر إلى صورة محسوسة ولا عن حظ يناله المحب منهما.
ومن كانت البصيرة الباطنة أغلب عليه من الحواس الظاهرة كان حبه للمعاني الباطنة أكثر من حبة للمعاني الظاهرة.
ثم كل محب إما أن يحب نفسه أو يحب غيره، ومحبة الغير إما لحسنه وجماله أو لإحسانه وكماله أو لمجانسة (3) بينه وبين المحب:
أما محبة النفس فهي أشد وأقوى، لأن المحبة إنما تكون بقدر الملاءمة والمعرفة، ولا شيء أشد ملاءمة لأحد من نفسه، ولا هو لشيء أقوى معرفة منه بنفسه، ولهذا جعل معرفة نفسه مفتاحاً لمعرفة ربه، ووجود كل أحد فرع لوجود ربه، فمحبة نفسه ترجع إلى محبة ربه وإن لم يشعر المحب به.
وأما محبة الغير لحسنه وجماله أو تقربه من الله وكماله فذلك لأن الجمال محبوب لذاته، سواء كان ذلك الجمال ظاهرياً صورياً أو باطناً معنوياً، وكذا الكمال، والله تعالى هو الجميل لذاته والكامل بذاته، وكل مليح حسنه من جماله، وكل كامل فكماله فرع كماله، فما أحب أحد غير خالقه ولكنه احتجب عنه تحت وجوه الأحباب وأستار الأسباب.
وكذا الكلام في محبة الغير للإحسان، فإن الإحسان أيضاً محبوب لذاته، سواء كان متعدياً إلى المحب أم لا، ولا إحسان إلا من الله ولا محسن سوى الله جل شأنه، فإنه خالق الإحسان وذويه وجاعل أسبابه ودواعيه، وكل محسن فهو حسنة من حسنات قدرته وحسن فعاله، وقطرة من بحار كماله وأفضاله.
وأما محبة الغير المجانسة فذلك لأن الجنس يميل إلى الجنس، سواء كانت المجانسة لمعنى ظاهر كما أن الصبي يميل إلى الصبي لصباه، أو لمعنى خفي كما يتفق بين شخصين من غير ملاحظة جمال ولا طمع في جاه أو مال، فإن ((الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف)) (4). وهذه المحبة فرع لمحبة النفس، فترجع إلى محبة الله كما عرفت.
فعلى كل وجه ما متعلق المحبة إلا الله، إلا أنه لا يعرف ذلك إلا أولياؤه وأحباؤه، كما أشار إليه سيد الشهداء عليه السلام في دعاء عرفة بقوله: وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك حتى لم يحبوا سواك ولم يلتجئوا إلى غيرك، فسبحان من احتجب عن أبصار العميان غيرة على جماله وجلاله أن يطلع عليه إلا من سبقت له منه الحسنى الذين هم عن نور الحجاب مبعدون، وترك الخاسرين في ظلمات العمى يتيهون، وفي مسارح المحسوسات وشهوات البهائم يترددون، {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 7] (5).
إذا عرفت هذا علمت فساد مقالة الزاعمين أن المحبة لا تكون إلا مع الجنس والمثل، ومحبة الله حقيقة ممتنعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كنز العمال، المتقي الهندي: 7/150، أخلاق متفرقة/ ح18416.
(2) الجبل: الخلق، جبلهم الله، فهم مجبولون. جبلة الإنسان على هذا الأمر، أي: طبع عليه
كتاب العين، الفراهيدي: 6/137، مادة "جبل".
(3) الجنس: الضرب من كل شيء. والجنس أعم من النوع، ومنه المجانسة والتجنيس. ويقال: هذا يجانس هذا، أي: يشاكله.
لسان العرب، ابن منظور: 6/43، مادة "جنس".
(4) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: 4/380، كتاب النوادر، من ألفاظ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الموجزة التي لم يسبق إليها/ ح56.
(5) انظر: الحقايق في محاسن الأخلاق، الفيض الكاشاني: 178 ــ 180، الباب الرابع في المحبة والأنس، الفصل الأول المحبة بعد المعرفة والإدراك. المحجة البيضاء، الفيض الكاشاني: 8/ 8 ــ 16، كتاب المحبة والشوق والرضا والأنس، بيان حقيقة المحبة وأسبابها. إحياء علوم الدين، الغزالي: 4/ 259 ــ 263، كتاب المحبة والشوق والأنس والرضا، بيان حقيقة المحبة وأسبابها وتحقيق معنى محبة العبد لله تعالى.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|