أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-09
1219
التاريخ: 2024-07-18
441
التاريخ: 19-7-2016
2136
التاريخ: 2023-03-21
1008
|
فإذ قد تبيّن لك أنّ أصل السعادة في حبّ الله سبحانه وأنّ الآخرة معناها القدوم على الله ودرك سعادة اللقاء وما أعظم نعيم المحبّ بملاقاة المحبوب بعد الهجران وطول مدّة الشوق من غير منغّص ورقيب وانقطاع، فهذا النعيم على قدر المحبّة، فكلّما ازدادت زادت اللذّة، وهذا الحبّ ممّا لا يخلو عنه مؤمن وإن لم يبلغ الأكثرون إلى درجة العشق أعني استيلاء الحبّ على القلب والجوارح وانتهاءه إلى حدّ الاستهتار، وإنّما الوصول إليها مشروط بأمرين:
أحدهما: قطع العلائق وإخراج محبّة غيره تعالى عن القلب فإنّه كالإناء ما لم يكن خالياً لم يتسع لوضع شيء فيه. {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4] فبقدر الاشتغال بغيره تعالى ينقص حب الله تعالى كما أنّه بقدر ما بقي في الإناء من الشيء الذي كان فيه أولاً لا يتّسع لشيء آخر، وإلى هذا التجريد والتفريد أشار تعالى بقوله: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام: 91].
وقد أشرنا فيما سبق إلى سبيل قلع حب الدنيا وعلائقها.
والآخر: قوة المعرفة واستيلاؤها على القلب وهي تجري مجرى إلقاء البذر في الأرض بعد تطهيره عن الحشيش ومهما حصلت المعرفة تتبعها المحبة ولا يوصل إلى المعرفة بعد قطع العلائق إلا الفكر الصافي والذكر الدائم والجد البالغ والنظر المستمر في الله وصفاته وملكوت سماواته وسائر مخلوقاته والواصلون إليها بذلك على قسمين:
أقواهما من كان معرفته بالله تعالى أولاً ثم يعرف به غيره، وأضعفهما العكس، وإلى المرتبتين أشير في الكتاب الإلهي: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53].
وقال السجاد عليه السلام: «بك عرفتك وأنت دللتني عليك ... ولولا أنت لم أدرِ ما أنت» (1).
وقال أبوه عليه السلام: «كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك» (2).
وهذا وإن كان غامضاً صعباً على أفهام الاكثرين فالآخر متّسع الأطراف متكثّر الشعوب والأكناف، فما من ذرّة من المخلوقات الا وفيها عجائب آيات دالّة على كمال قدرة الله وحكمته وجلال الله وعظمته كما أشرنا في فصل التفكّر، وإنّما لا يصل الناس إلى المعرفة مع وضوح الطريق وسهولة مأخذه؛ لإعراضهم عن التفكّر واشتغالهم بحظوظ النفس، كيف لا وأوضح ما أودع فيها من العجائب النفس الانسانيّة وهي مع كونها أوضح شيء على الإنسان نفسه مجهولة عليه وذلك عقوبة للخلق بما أعرضوا عن الله واستخفّوا بعظائم نعمائه وجلائل آلائه. {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر: 19] وقد أشرنا في الفصل المذكور إلى أنّ عجائب ملكوت السماوات والأرض ممّا لا يمكن أن يحيط بها الأفهام، فإنّ القدر اليسير الذي تصل إليه أوهامنا مع قصورها ممّا ينقضي فيه الأعمار دون إيضاحه، ولا نسبة له إلى ما أحاط به علم العلماء ولا له إلى ما أحاط به علم الأنبياء ولا له إلى ما علم الله سبحانه وتعالى، بل كلّ ما عرفه الخلائق أجمعون لا يستحقّ أن يسمّى علماً في جنب علم الله تعالى.
{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109] فانظر يا حبيبي ما تيسّر لك في عجائب صنع الله تعالى وانبذ الدنيا وراء ظهرك واستغرق العمر في الذكر والفكر عساك تحظى منها بقدر يسير تنال به ملكاً عظيماً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مفاتيح الجنان: دعاء أبي حمزة الثمالي.
(2) مفاتيح الجنان: ذيل دعاء عرفة.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|