أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-3-2016
3463
التاريخ: 11-7-2022
1971
التاريخ: 20-3-2016
3841
التاريخ: 3-04-2015
3510
|
ومعنى انهيار الدولة الإسلامية أن تسقط الحضارة الإسلامية وتتخلى عن قيادة المجتمع ويتفكك المجتمع الإسلامي ، ويقصى الإسلام عن مركزه كقائد للمجتمع وكقائد للامّة ، لكن الامّة تبقى طبعا ، حين تفشل تجربة المجتمع والدولة ، لكنها سوف تنهار أمام أول غزو يغزوها ، كما انهارت أمام الغزو التتري الذي واجهته الخلافة العباسية .
وهذا الانهيار يعني : أن الدولة والتجربة قد سقطت وأن الامّة بقيت ، لكن هذه الامّة أيضا بحسب تسلسل الأحداث من المحتوم أن تنهار كامّة تدين بالإسلام وتؤمن به وتتفاعل معه ؛ لأن هذه الامّة قد عاشت الإسلام الصحيح زمنا قصيرا جدا وهو الزمن الذي مارس فيه الرسول الأعظم ( صلّى اللّه عليه واله ) زعامة التجربة وبعده عاشت الامّة التجربة المنحرفة التي لم تستطع أن تعمّق الإسلام وتعمّق المسؤولية تجاه عقيدتها ولم تستطع أن تثقّفها وتحصّنها وتزوّدها بالضمانات الكافية لئلّا تنهار أمام الحضارة الجديدة والغزو الجديد والأفكار الجديدة التي يحملها الغازي إلى بلاد الإسلام . ولم تجد هذه الامّة نفسها قادرة على تحصين نفسها بعد انهيار التجربة والدولة والحضارة بعدما اهينت كرامتها وحطّمت ارادتها وغلّت أياديها عن طريق الزعامات التي مارست تلك التجربة المنحرفة وبعد أن فقدت روحها الحقيقية ، لأن تلك الزعامات كانت تريد اخضاعها لزعامتها القسريّة .
إن هذه الامّة من الطبيعي أن تنهار بالاندماج مع التّيار الكافر الذي غزاها وسوف تذوب الامّة وتذوب الرسالة والعقيدة أيضا وتصبح الامّة خبرا بعد أن كانت أمرا حقيقيا على مسرح التاريخ وبهذا ينتهي دور الإسلام نهائيا[1].
لقد كان هذا هو التسلسل المنطقي لمسيرة الدولة والامّة والرسالة بقطع النظر عن دور الأئمّة المعصومين الذين أوكلت لهم مهمة صيانة التجربة والدولة والامّة والرسالة جميعا .
ويتلخص دور الأئمّة الراشدين الذين اختارهم اللّه ونص عليهم الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) لصيانة الإسلام وتطبيقه وتربية الإنسانية على أساسه وصيانة دولة الرسول الخاتم من الانهيار والتردّي في أمرين مهمّين وخطّين أساسيين بعد أن كانت التجربة الإسلامية تشتمل على عناصر ثلاثة باعتبارها عملية تربية تتكوّن من ( فاعل ) هو المربي ومن ( تنظيم ) تقدّمه الشريعة ومن ( حقل لهذا التنظيم ) وهو الامّة[2].
والانحراف الذي بدأ يغيّر هذه العناصر الثلاثة انطلق من افتقاد المربي الكفوء للامّة بوفاة سيد المرسلين ( صلّى اللّه عليه واله ) .
وكان انهدام هذا العنصر كفيلا بهدم العنصرين الآخرين إذ لم يكن من جاء بعد النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) لقيادة التجربة كفوءا لقيادتها كالنبي نفسه علما وعصمة ونزاهة وقدرة وشجاعة وكمالا ، وإنّما تزعّمها من لم يكن معصوما ومنصهرا في حقيقة الرسالة ولم يكن مالكا للضمانات اللازمة لصيانتها من الانحراف عن الخط الذي رسمه رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) لهذه الامّة ، ذلك الانحراف الذي لم يتصور المسلمون مدى عمقه ومدى تأثيره السلبي على الدولة والامّة والشريعة جميعا على طول الخط ؛ إذ لعلّهم كانوا قد اعتبروه تغيير شخص لا تغيير خط .
والخطّان الرئيسان اللذان عمل الأئمّة عليهما وكان عليهم أن يوظّفوا نشاطهم لهما هما :
1 - خط تحصين الامّة ضد الانهيار بعد سقوط التجربة ، واعطائها من المقومات القدر الكافي لكي تبقى واقفة على قدميها بقدم راسخة وبروح مجاهدة وبإيمان ثابت .
2 - خط محاولة تسلّم زمام التجربة وزمام الدولة ومحو آثار الانحراف وارجاع القيادة إلى موضعها الطبيعي لتكتمل عناصر التربية ولتتلاحم الامّة والمجتمع مع الدولة والقيادة الرشيدة[3] .
أما الخط الثاني فكان على الأئمّة الراشدين ان يقوموا بإعداد طويل المدى له ، من أجل تهيئة الظروف الموضوعية اللازمة التي تتناسب وتتفق مع مجموعة القيم والأهداف والأحكام الأساسية التي جاءت بها الرسالة الإسلامية وأريد تحقيقها من خلال الحكم وممارسة الزعامة باسم الإسلام القيّم وباسم اللّه المشرّع للإنسان ما يوصله إلى كماله اللائق .
ومن هنا كان رأي الأئمّة في استلام زمام الحكم أن الانتصار المسلّح الآنيّ غير كاف لإقامة دعائم الحكم الإسلامي المستقر بل يتوقف ذلك على اعداد جيش عقائدي يؤمن بالإمام وبعصمته ايمانا مطلقا يعيش أهدافه الكبيرة ويدعم تخطيطه في مجال الحكم ويحرس ما يحققه للامّة من مصالح أرادها اللّه لها .
وأما الخط الأوّل فهو الخط الذي لا يتنافى مع كل الظروف القاهرة وكان يمارسه الأئمّة ( عليهم السّلام ) حتى في حالة الشعور بعدم توفر الظروف الموضوعية التي تهيئ الإمام لخوض معركة يتسلّم من خلالها زمام الحكم من جديد .
إن هذا الدور وهذا الخط هو تعميق الرسالة فكريا وروحيّا وسياسيا للامّة نفسها بغية إيجاد تحصين كاف في صفوفها ليؤثّر في تحقيق مناعتها وعدم انهيارها بعد تردّي التجربة وسقوطها وذلك بايجاد قواعد واعية في الامّة وايجاد روح رسالية فيها وايجاد عواطف صادقة تجاه هذه الرسالة في الامّة[4].
واستلزم عمل الأئمّة ( عليهم السّلام ) في هذين الخطين قيامهم بدور رسالي ايجابي وفعّال على طول الخط لحفظ الرسالة والامّة والدولة وحمايتها باستمرار . وكلما كان الانحراف يشتد ؛ كان الائمّة يتخذون التدابير اللازمة ضد ذلك وكلما وقعت محنة للعقيدة أو التجربة الإسلامية وعجزت الزعامات المنحرفة من علاجها - بحكم عدم كفاءتها - بادر الأئمّة إلى تقديم الحلّ ووقاية الأمة من الأخطار التي كانت تهددّها . فالأئمّة ( عليهم السّلام ) كانوا يحافظون على المقياس العقائدي في المجتمع الإسلامي إلى درجة لا تنتهي بالامّة إلى الخطر الماحق لها[5].
ومن هنا تنوع عمل الأئمة ( عليهم السّلام ) في مجالات شتى باعتبار تعدد العلاقات وتعدّد الجوانب والمهام التي تهمهم كقيادة واعية رشيدة تريد تطبيق الإسلام وحفظه وضمان خلوده للإنسانية جمعاء .
فالأئمّة مسؤولون عن صيانة تراث الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) الأعظم وثمار جهوده الكريمة المتمثلة في :
1 - الشريعة والرسالة التي جاء بها الرسول الأعظم من عند اللّه والمتمثلة في الكتاب والسنة الشريفين .
2 - الامّة التي كوّنها ورباها الرسول الكريم بيديه الكريمتين .
3 - المجتمع السياسي الإسلامي الذي أوجده النبي محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) أو الدولة التي أسسها وشيّد أركانها .
4 - القيادة النموذجية التي حققها بنفسه وربّى من يكون كفوء لتجسيدها من أهل بيته الطاهرين .
لكنّ عدم امكان الحفاظ على المركز القيادي الذي رشّح له الأئمّة المعصومون من قبل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وانتخبوا لاستلامه ولتربية الامّة من خلاله لا يحول دون الاهتمام بمهمة الحفاظ على المجتمع الإسلامي السياسي وصيانة الدولة الإسلامية من الانهيار بالقدر الممكن الذي يتسنّى لهم بالفعل وبمقدار ما تسمح به الظروف الواقعية المحيطة بهم .
كما أن سقوط الدولة الإسلامية لا يحول دون الاهتمام بالامّة كامّة مسلمة ودون الاهتمام بالرسالة والشريعة كرسالة الهية وصيانتها من الانهيار والاضمحلال التام .
وعلى هذا الأساس تنوّعت مجالات عمل الأئمّة جميعا بالرغم من اختلاف ظروفهم من حيث نوع الحكم القائم ومن حيث درجة ثقافة الامّة ومدى وعيها وايمانها ومعرفتها بالأئمّة ( عليهم السّلام ) ومدى انقيادها للحكام المنحرفين ومن حيث نوع الظروف المحيطة بالكيان الإسلامي والدولة الإسلامية ومن حيث درجة التزام الحكّام بالإسلام ومن حيث نوع الأدوات التي كان يستخدمها الحكّام لدعم حكمهم وإحكام سيطرتهم .
فللأئمّة ( عليهم السّلام ) نشاط مستمر تجاه الحكم القائم والزعامات المنحرفة وقد تمثّل في إيقاف الحاكم عن المزيد من الانحراف ، بالتوجيه الكلامي ، أو بالثورة المسلّحة ضد الحاكم حينما كان يشكّل انحرافه خطرا ماحقا - كثورة الإمام الحسين ( عليه السّلام ) ضد يزيد بن معاوية - إن كلّفهم ذلك حياتهم ، أو عن طريق إيجاد المعارضة المستمرة ودعمها بشكل وآخر من أجل زعزعة القيادة المنحرفة بالرغم من دعمهم للدولة الإسلامية بشكل غير مباشر حينما كانت تواجه خطرا ماحقا أمام الكيانات الكافرة .
وكان للأئمّة ( عليهم السّلام ) نشاط مستمر في مجال تربية الامّة عقائديا وأخلاقيا وسياسيا وذلك من خلال تربية الأصحاب العلماء وبناء الكوادر العلمية والشخصيات النموذجية التي تقوم بمهمة نشر الوعي والفكر الإسلامي وتصحيح الأخطاء المستجدة في فهم الرسالة والشريعة ، ومواجهة التيارات الفكرية الوافدة المنحرفة أو التيارات السياسية المنحرفة أو الشخصيّات العلمية المنحرفة التي كان يستخدمها الحاكم المنحرف لدعم زعامته ، كما قدّموا البديل الفكري والأخلاقي والسياسي للزعامة المنحرفة والذي كان يتمثل في زعامة أهل البيت الأطهار المشروعة ، وتصعيد درجة معرفة الامّة لهم والإيمان بهم والوعي اللازم تجاه إمامتهم وزعامتهم .
هذا فضلا عن نزول الأئمّة ( عليهم السّلام ) إلى ساحة الحياة العامة والارتباط بالامّة بشكل مباشر والتعاطف مع قطاع واسع من المسلمين ؛ فإن الزعامة الجماهيرية الواسعة النطاق التي كان يتمتع بها ائمّة أهل البيت ( عليهم السّلام ) على مدى قرون لم يحصل عليها أهل البيت صدفة أو لمجرد الانتماء لرسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ؛ وذلك لوجود كثير ممن كان ينتسب إلى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ولم يكن يحظى بهذا الولاء ؛ لأن الامّة لا تمنح على الأغلب الزعامة مجانا ولا يملك الفرد قيادتها وميل قلوبها من دون عطاء سخيّ منه في مختلف مجالات اهتمام الامّة ومشاكلها وهمومها .
وهكذا خرج الإسلام على مستوى النظرية سليما من الانحراف وإن تشوّهت معالم التطبيق ، وتحولّت الامّة إلى امّة عقائدية تقف بوجه الغزو الفكري والسياسي الكافر واستطاعت أن تسترجع قدرتها وروحها على المدى البعيد كما لاحظناه في هذا القرن المعاصر بعد عصور الانهيار والتردي .
وقد حقق الأئمّة المعصومون ( عليهم السّلام ) كل هذه الانتصارات بفضل اهتمامهم البليغ بتربية الكتلة الصالحة التي تؤمن بهم وبإمامتهم فأشرفوا على تنمية وعيها وايمانها من خلال التخطيط لسلوكها وحمايتها باستمرار واسعافها بكل الأساليب التي كانت تساعد على صمودها في خضمّ المحن وارتفاعها إلى مستوى جيش عقائدي رسالي يعيش هموم الرسالة ويعمل على صيانتها ونشرها وتطبيقها ليل نهار .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|