أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-04
253
التاريخ: 2024-10-04
248
التاريخ: 1-12-2016
2499
التاريخ: 24-2-2022
1828
|
حلاوة الحياة مشوبة بمرارتها، وخيرها مختلط بشرها، وأفراحها متداخلة مع أحزانها، ومسراتها ممزوجة بمصائبها، ومتعها معقودة بمتاعبها.. وأمام هذا التناقض، بين الخير والشر، والحلو والمر، والمليح والقبيح، ينقسم الناس إلى أصناف ثلاثة.
الصنف الأول : من لا يرى إلا أفراح الحياة، ولا يحسب لأحزانها أي حساب.
الصنف الثاني: من لا يرى في الحياة إلا الأحزان والمتاعب.
الصنف الثالث: من يوازن بين الأمور، ويعرف أن الأفراح والأحزان تتعاقب على حياة الإنسان. فلا الخير يدوم، ولا الشر يبقى. فكما أن آخر الليل نهار، فإن آخر النهار ليل..
فلا الليل أبدي في الحياة، ولا النهار سرمدي فيها. ومن يظن عندما تغرب الشمس أن الظلام سيبقى مخيماً على الكون بشكل دائم، يكون مخطئاً بمقدار ما يكون مخطئاً من يظن أن الشمس إذا بزغت، فإن الضياء سيبقى أبدياً.
إن حقائق الحياة تكشف أنها خليط من الحلو والمر، والخير والشر، والأحزان والأفراح، والمتع والمتاعب.
غير أن مَن في عينيه خلل، لا يرى إلا حلو الحياة فقط، أو مرها فحسب، تماماً كما أن آلة التصوير التي لا تلتقط إلا البياض أو السواد، فيها الخلل أيضاً. فالعين السليمة هي التي تميز بين الألوان، فترى الأبيض أبيضاً، والأسود أسوداً، والأحمر أحمراً، وبقية الألوان كما هي على حقيقتها.
إن المؤمن يعيش بين الخوف والرجاء، فلا خوفه يغلب رجاءه، ولا رجاؤه يغلب خوفه، فلا التفاؤل يجوز أن يكون بلا حدود، ولا التشاؤم يجوز أن يكون بلا نهاية.
ومن لا يرى في الحياة إلا الأفراح، سينقلب على نفسه في يوم من الأيام ولا يرى فيها إلا الأحزان، وسوف ينتقل من تفاؤل كاذب إلى تشاؤم حقيقي.
يقول الحديث الشريف: «إياك والرجاء الكاذب، فإنه يوقعك في الخوف الصادق»(1)، فالذين لا يريدون في الحياة إلا المتع، هم إما غافلون أو مغفلون، أما الذين لا يرون إلا الأحزان، فهم خاطئون أو محبطون.
ومثل هؤلاء سيتحطمون نفسياً، قبل أن تحطمهم مشاكل الحياة، وستنتهي أرواحهم قبل أن تنتهي أجسامهم.
يقول الإمام علي عليه السلام: «قَتَل القنوطُ صاحبه»(2)، والقنوط يعني اليأس، فهو يأكل روح صاحبه كما تأكل النار الحطب.
ويقول الإمام عليه السلام أيضاً: «لا تيأس من الزمان إذا مَنَع، ولا تثق به إذا أعطى»(3).
إن الحياة مثل شارع فيه حفر ومنحنيات، فمن يمشي فيه من دون أن يلتفت إلى حفره ومنحنياته، متمنياً أن لا تواجهه أية مشاكل في الطريق، إنما يخادع نفسه، وسيكتشف بعد فوات الأوان أنه كان مخطئاً ومثله في ذلك مثل من يقود سيارته بسرعة جنونية من دون أن يمتلك فرامل قوية ليوقفها عندما يواجه حفرة أو حاجزاً.
إن المتفائل بلا حدود يظن أنه المولود البكر في هذا الكون، وأن لا أحد غيره في الحياة. أما المتشائم، فهو يظن أنه مخلوق لتلقي الضربات، ومواجهة المشاكل، وهو يرى كل منحني في الطريق وكأنه حفرة لا يمكن تجاوزها.. وإن كل جسر هو عقبة لا يمكن العبور عليه. فهو يقف حيث يجب أن يمشي، وينبطح حيث يجب أن يقف، فهو كالمخدَّر بالمخدِّرات حيث تكبر عنده صغار الأمور، وتصغر كبارها..
إن المتفائل الحقيقي ينطلق في كل اتجاهات الحياة، ولكنه لا يتجاهل المشاكل والمصاعب، ويعرف أن العقبات أمور طبيعية في طريق الناجحين فلا يصاب باليأس إذا واجه مشكلة، ولا يصاب بالغرور إذا أحرز نجاحاً في الحياة.
يقول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [هود: 9 - 11].
فهنالك دائماً ثلاثة أنواع من الناس : نوع إذا نزع الله منه نعمة امتلكه اليأس.
ونوع إذا أعطاه الله نعمة أصيب بالبطر والغرور.
ونوع ثالث يعرف إن النجاح ليس تمنيات، بل هو جهد يقوم على السعي والعمل.. فالذين صبروا وعملوا الصالحات لهم مغفرة في الآخرة، وأجر كبير في الدنيا.
إن أهم صفتين يرتبط بهما النجاح والفشل هما التفاؤل والتشاؤم. فالمتفائلون بلا حدود مثل المتشائمين بلا حدود، كلاهما ينتهي إلى الفشل.. ووحدهم «المتفائلون بحذر» هم الذين يحرزون النجاح والفلاح.
ويقودنا هذا الحديث إلى السؤال عن حقيقة التفاؤل والتشاؤم، وأيهما الحالة الطبيعية المطلوبة؟
في الحقيقة إن التفاؤل ليس أكثر من نزعة سليمة إلى رؤية الحقائق كما هي.. فلو كانت هنالك لوحة سوداء وفي وسطها نقطة بيضاء، فإن المتفائل سوف يرى النقاط السوداء، كما يرى النقطة البيضاء بحجمها، أما المتشائم فإنه لا يرى إلا السواد، أما النقطة البيضاء فلا يراها لأنها نقطة صغيرة لا تستحق الرؤية.
ولو كانت اللوحة بيضاء، وفي وسطها نقطة سوداء، فالمتفائل يرى البياض بحجمه الطبيعي كما يرى النقطة السوداء كما هي بحجمها الطبيعي، أما المتشائم فإنه يرى النقطة السوداء كبيرة، ولا يلتفت إلى كل البياض المحيط بها.
إن النزعة إلى رؤية الحياة على حقيقتها تمثل روح التفاؤل. أما التشاؤم فهو نزعة إنحرافية في الروح، تمنع صاحبها من أن يرى من اللوحة البياض الذي يعمها ولكنه يرى النقطة السوداء في وسطها بوضوح كامل. ولكي تعرف من هو المتفائل؟ ومن هو المتشائم؟ خذ كأساً واملأ نصفه، واترك نصفه الباقي فارغاً، ثم ارفعه أمام الناس واسأل: كل واحد منكم ماذا يرى؟
فالمتفائل سيبادرك بالقول: أرى أن نصف الكأس مليان، بينما المتشائم يقول: أرى نصفه فارغاً.
صحيح أن نصف الكأس مليان بالفعل، والنصف الآخر فارغ بالفعل أيضاً. لكن المتشائم الذي ينطلق من نزعة إنحرافية ويبحث عن نقاط الفراغ، ومشاكل الحياة، يكون عاجزاً عن رؤية نقاط الامتلاء.
لأنه لا يتفاعل مع ما يرتبط بالأفراح. إنه يبكي في ليلة زواجه على ساعة طلاقه، ويخاف في لحظة نجاحه من يوم الفشل، ويخشى في أيام أمنه من أيام خوفه.
أما المتفائلون فيرون الحقائق كما هي، فهم يعرفون تعاقب الخير والشر في الحياة، ويؤمنون بأن الحلال أكثر من الحرام، والطيبات أكثر من الخبائث، والصلاح أكثر من الفساد، وإن طريق النجاح مفتوح للجميع، ولكنه ليس خالياً من المشاكل..
ويروى هنا أن عيسى بن مريم عليه السلام مر مع الحواريين على جثة خنزير ميت وقد انتفخ جسمه، وانتشرت منه رائحة نتنة. فقال أحدهم: ما أنتن ريحه؟!
وقال الآخر: ما أقبح منظره؟!
وقال الثالث: ما أبشع لونه؟!
فقال عيسى عليه السلام: «ألا ترون بياض أسنانه»؟
لقد صدق الحواريون في كل ما قالوه. ولكن السيد المسيح عليه السلام رأى بالإضافة إلى ذلك بياض أسنانه.
إن المتفائل يجمع نقاط الضوء مهما كانت صغيرة، أما المتشائم فهو على العكس يجمع نقاط الظلمة مهما كان النور الذي حوله.
ألا ترى كيف أن أكثر الذين يقدمون على الانتحار في العالم إنما هم من المتشائمين الذين يرون العقبات الصغيرة وكأنها جبال؟ كما أن أكثر الذين يقدمون على الطلاق هم ممن يرون التوافه في الحياة وكأنها أساسياتها؟
بينما المتفائلون يتمتعون ليس بروح إيجابية فحسب، بل برؤية بعيدة المدى، لأن العدل سيحكم الكون كله في النهاية، والله تعالى قرر الخير لعباده على كل حال.
ونجد نموذجاً للمتفائلين في قصة ذلك المزارع العجوز الذي رآه هارون الرشيد ذات يوم فسأله عن عمره، فقال العجوز: عمري إثنا عشر عاماً!
فقال له هارون الرشيد: يا هذا، عرفنا أن النساء ينقصن من أعمارهن، ولكنك رجل طاعن في السن، فكيف يعقل أن يكون عمرك إثنا عشر عاماً؟ !
فقال الرجل : أيها الخليفة! لقد عشت معظم عمري في زمن بني أمية، وهو زمن الظلم والقهر، وعشت عشر سنوات في زمن المهدي العباسي، وهذه سنتين في زمن خلافتك.
وأضاف: فأنا لا أحسب العمر الذي عشته في زمن الأمويين، وعليه فإن عمري هو اثنا عشر سنة فقط.
وأعجب هارون الرشيد بكلامه هذا فأعطاه صرة فيها ألف دينار.
ثم قال للرجل: أيها العجوز! ما الذي تزرع؟
قال: شجر الجوز.
فقال له هارون : ومتى تعطي هذه الأشجار ثمارها؟ قال الرجل : بعد عشرين عاماً.
قال هارون الرشيد: وهل تظن أنك سوف تبقى حتى تأكل من ثمارها؟
قال: لا، ولكن غيرنا زرع فأكلنا، ونحن نزرع ليأكل غيرنا.
فرمى إليه هارون صرة أخرى فيها ألف دينار.
فقال الرجل العجوز: سبحان الله! من يزرع شجرة الجوز لا يحصل منها على الثمر إلا بعد عشرين عاماً ، وأنا زرعت اليوم وحصلت على الثمر اليوم أيضاً.
فرمى إليه هارون الرشيد صرة أخرى فيها ألف دينار.
فقال الرجل: سبحان الله! غيري يحصد في العام مرة واحدة، وقد حصدت أنا مرتين.
فرمى هارون الرشيد إليه صرة أخرى فيها ألف دينار.
ثم قال الرشيد لوزيره: دعنا نذهب من هنا بسرعة لأنه يبدو أن الحديث مع هذا الرجل بحاجة إلى جبل من الذهب. كان الرجل متفائلاً، فبالرغم من كبر سنه يزرع شجرة الجوز التي لا تعطي ثمارها إلا بعد عشرين سنة.
بينما لو قلت للمتشائم إزرع حديقة دارك بورود فصلية، فإنه يقول لك: يا أخي.. من يعرف كم سنعيش في هذه الحياة؟
وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ضرورة التفاؤل في الحياة حينما قال: «إذا كانت بيد أحدكم فسيلة وأراد أن يزرعها، فقامت الساعة فليزرعها»(3).
إن لحظة قيام الساعة ليست أمراً سهلا، فقد قال عنها القرآن الكريم : {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1]. ومع ذلك فإن على المزارعين إذا قامت الساعة أن يكملوا زراعة ما بأيديهم.
وهكذا فإن التفاؤل المطلوب ليس مجرد تمنيات، بل هو جهد متواصل يؤدي إلى صنع السعادة. لأن السعادة تصنع بالعمل، وليس بالأماني الفارغة.
إن التفاؤل هو العمل والجهد، والنشاط الدؤوب، وتجاوز العقبات، وحل المشاكل.
يقول الحديث الشريف؛ «لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويرجو التوبة بطول الامل. يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها عمل الراغبين)(5).
ويقول الإمام زين العابدين عليه السلام: «وأعوذ بك من دعاء محجوب، ورجاء مكذوب، وحياء مسلوب، واحتجاج مغلوب، ورأي غير مصيب»(6).
فإذا كنت ممن يرجو ويعمل، ويحث الخطى ويتفاءل، ويمشي ويزرع، فأنت ولا شك سوف تحصد نتائج عملك.
أما إذا كنت ممن ينام ويتمنى، ويقصر في عمله، ويرجو النجاح من دون أن يبذل جهداً فلن تحصد سوى خيبة الأمل. يقول الإمام علي عليه السلام: «الجاهل يعتمد على أمله، ويقصر في عمله»(7).
فالأمل الكاذب يضر ولا ينفع. بينما العمل ينتج الأمل الصادق في النهاية.
فلكي تنجح في الحياة فإن عليك أن تجمع بين الأمل والعمل، وتكون حذراً في كل الحالات. وتعرف أن في الحياة نجاحاً وفشلا، وخيراً وشراً، وأفراحاً وأتراحاً، حتى لا تفاجأ بالمشاكل والمصاعب. فلا معنى لليأس في الحياة مع العمل، كما لا معنى للأمل بلا عمل.
___________________________
(١) بحار الأنوار، ج ٧٥، ص ١٦٢، باب ٢٢.
(2) غرر الحكم، ص ٨٣، باب الخوف والرجاء.
(3) غرر الحكم، ص ١٣٨، احذر من الدنيا.
(4) المستدرك، ج٩، ص ١٢١، باب ١٣٢.
(5) بحار الأنوار، ج ٧٤، ص ٤١٢، باب ١٥.
(6) بحار الأنوار، ج٩١، ص١٥٥، باب ٣٢.
(7) غرر الحكم، ص ٧٣، حقيقة الجهل.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|