المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9093 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الاسس الصحفية للاخراج
7-7-2020
الملازمة بين التقوى واتباع أهل البيت (عليهم السلام)
2023-07-25
In Silico Media
18-9-2018
Engineering Resistance to Fungal Pathogens
12-12-2020
الغرور
1-5-2021
المستقبِل في الاتصال التربوي والانساني
27-6-2016


الإمام الحسين ( عليه السّلام ) في عهد الدولة العلوية  
  
2323   05:12 مساءً   التاريخ: 7-7-2022
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 5، ص72-79
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسين بن علي الشهيد / قضايا عامة /

انتهى حكم الخلفاء الثلاثة بمقتل عثمان ، وانتهت بذلك خمسة وعشرون عاما ، من العناء الناشئ عن إقصاء الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) عن الحياة السياسية والاجتماعية للمسلمين .

وقد أيقن المسلمون أنّ الإمام عليّا ( عليه السّلام ) هو القائد الذي يحقّق آمالهم وأهدافهم ويعيد لهم كرامتهم ، وأنّهم سينعمون في ظلال حكمه بالحرية والمساواة والعدل فأصرّوا على مبايعته بالخلافة .

لكن وللأسف الشديد فقد جاءت قناعة الامّة هذه متأخرة كثيرا ، حيث أصيبت الامّة بأمراض خطيرة وانحرافات كبيرة ، وغابت عنها الروح التضحوية والقيم الإيمانية ، وتسربلت بالأطماع والمنافع الشخصية ، وانحدرت نحو التوجّهات الفئوية الضيّقة . من هنا أعلن الإمام عليّ ( عليه السّلام ) رفضه الكامل لخلافتهم قائلا لهم : لا حاجة لي في أمركم ، فمن اخترتم رضيت .[1].

وذلك لعلمه ( عليه السّلام ) بأنّه من الصعب جدّا أن يعيد إلى المجتمع الأحكام الإسلامية التي بدّلها الخلفاء وغيّروها باجتهاداتهم الخاطئة ، فإنّه ( عليه السّلام ) كان يعرف جيّدا أنّ المجتمع الذي نشأ على تلك الأخطاء سيقف بوجهه وسيعمل جاهدا على مناجزته والحيلولة بينه وبين تحقيق مخطّطاته السياسية الهادفة إلى تحقيق العدل والقضاء على الجور . هذا وإنّ أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) مع سابقته الفريدة إلى الإسلام وحنكته السياسية ومؤهّلاته القيادية العظيمة لم يستطع الوقوف بوجه الانحراف الذي سرى إلى جميع مفاصل المجتمع الإسلامي ، ولم يتمكّن من إعادة هذا المجتمع إلى طريق الحقّ والعدالة اللّاحب ، إذ وقفت في وجهه فئات من المنافقين والنفعيين ومن كان يحمل في نفسه البغض والكره للّه ولرسوله ، وقد أكّد ذلك في خطبته الشقشقية بقوله ( عليه السّلام ) : فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة[2] ومرقت[3] أخرى وقسط آخرون[4] كأنّهم لم يسمعوا كلام اللّه سبحانه يقول : تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ[5] بلى واللّه لقد سمعوها ووعوها ولكنّهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها[6].

مع أبيه ( عليه السّلام ) في إصلاح الأمة :

لقد بادر الإمام عليّ ( عليه السّلام ) إلى إعادة الحقّ إلى نصابه والعدل إلى سيادته ، محييا سنّة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) في الامّة منتهجا الطريق القويم .

وما أسرع ما وقفت قوى الضلال ضد إصلاحات الإمام ( عليه السّلام ) في مجال الإدارة وفي مجال توزيع الأموال وفي مجال العدل في القضاء وفي مجال مراعاة شؤون الرسالة وشؤون المسلمين !

ولم يتردّد ( عليه السّلام ) في التحرّك لفضح خط النفاق والقضاء على الفساد واجتثاث جذوره لتسلم الرسالة والامّة منه ، وقام هو وأهل بيته ( عليهم السّلام ) يخوضون غمار الحروب دفاعا عن الإسلام مقتدين برسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) . وشارك الإمام الحسين ( عليه السّلام ) في جميع الحروب التي شنّها المنافقون ضدّ الإمام علي ( عليه السّلام ) وكان يبرز إلى ساحة القتال بنفسه المقدّسة كلّما اقتضى الأمر وسمح له والده ( عليه السّلام ) وقد سجّل المؤرّخون خطابا للإمام الحسين ( عليه السّلام ) وجّهه لأهل الكوفة لدى تحركهم إلى صفّين ، جاء فيه بعد حمد اللّه تعالى والثناء عليه : يا أهل الكوفة ! أنتم الأحبّة الكرماء والشعار دون الدثار ، جدّوا في إطفاء ما وتر بينكم وتسهيل ما توعّر عليكم ، ألا إنّ الحرب شرّها وريع وطعمها فظيع ، فمن أخذ لها اهبتها واستعدّ لها عدّتها ، ولم يألم كلومها قبل حلولها فذاك صاحبها ، ومن عاجلها قبل أوان فرصتها واستبصار سعيه فيها فذاك قمن أن لا ينفع قومه وإن يهلك نفسه ، نسأل اللّه بقوّته أن يدعمكم بالفيئة[7].

حرص الإمام عليّ ( عليه السّلام ) على سلامة الحسنين ( عليهما السّلام ) :

قاتل الإمام الحسين ( عليه السّلام ) في معركة صفّين كما قاتل في معركة الجمل ، مع أنّ بعض الروايات أفادت بأنّ أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) كان يمنع الحسنين ( عليهما السّلام ) من النزول إلى ساحة القتال خشية أن ينقطع نسل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ؛ إذ كان ( عليه السّلام ) يقول : إملكوا عنّي هذا الغلام لا يهدّني ، فإنّني أنفس بهذين - يعني الحسن والحسين ( عليهما السّلام ) - على الموت لئلّا ينقطع بهما نسل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله )[8].

وجاء في نصوص أخرى أنّ أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) كان يبعث ابنه محمّد ابن الحنفية إلى ساحات القتال مرّات عديدة دون أن يسمح للحسنين ( عليهما السّلام ) بذلك ، وقد سئل ابن الحنفية عن سرّ ذلك فأجاب : « إنّهما عيناه وأنا يمينه فهو يدفع عن عينه بيمينه »[9]. ويعكس هذا الجواب مدى ما كان يحظى به

الحسنان عند الإمام علي ( عليه السّلام ) .

وتفيد الأخبار بأنّ الإمام الحسين ( عليه السّلام ) ظلّ مع أبيه بعد صفّين أيضا في جميع الأحداث مثل قضية التحكيم ومعركة النهروان .

ومعلوم أنّ الأحداث التي عايشها الإمام الحسين مع أبيه ( عليهما السّلام ) كانت مأساوية ومرّة جدّا ، وقد بلغت المأساة ذروتها عندما تآمر الخوارج على قتل أسمى نموذج للإنسان الكامل - بعد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) - أي عندما ضرب المجرم عبد الرحمن بن ملجم المرادي الخارجي إمامه أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) على رأسه بالسيف وهو في محراب العبادة .

وصايا أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) للإمام الحسين ( عليه السّلام ) :

تدلّ وصايا أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) لولده الحسين ( عليه السّلام ) على شدّة اهتمامه به ومحبّته له ، وقد جاء في نهج البلاغة أنّ أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) لمّا ضربه ابن ملجم - لعنه اللّه - أوصى للحسن والحسين بالوصية التالية :

« أوصيكما بتقوى اللّه ، وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما ، ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما ، وقولا بالحقّ ، واعملا للأجر وكونا للظالم خصما ، وللمظلوم عونا . أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى اللّه ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم ؛ فإنّي سمعت جدّ كما ( صلّى اللّه عليه واله ) يقول : « صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام » اللّه اللّه في الأيتام ! فلا تغبّوا أفواههم ، ولا يضيعوا بحضرتكم . واللّه اللّه في جيرانكم ! فإنّهم وصيّة نبيّكم ، ما زال يوصي بهم حتى ظننّا أنّه سيورّثهم . واللّه اللّه في القرآن ! لا يسبقكم بالعمل به غيركم . واللّه اللّه في الصلاة ! فإنّها عمود دينكم . واللّه اللّه في بيت ربّكم ! لا تخلوه ما بقيتم ، فإنّه إن ترك لم تناظروا . واللّه اللّه في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل اللّه ! وعليكم بالتواصل والتباذل ، وإيّاكم والتدابر والتقاطع ، لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّى عليكم شراركم ، ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم . ثم قال : يا بني عبد المطلب ! لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون : قتل أمير المؤمنين . ألا لا تقتلنّ بي إلّا قاتلي . انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة ، ولا تمثّلوا بالرجل ؛ فإنّي سمعت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) يقول : « إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور »[10].

وثمّة وصية أخرى قيّمة وجامعة خاصّة بالإمام الحسين ( عليه السّلام ) ذكرها ابن شعبة في تحف العقول ، ونحن ننقلها لأهمّيتها حيث تضمّنت حكما غرّاء ووصايا أخلاقية خالدة . وإليك نصّ ما رواه ابن شعبة عن الإمام عليّ ( عليه السّلام ) :

« يا بنيّ ! أوصيك بتقوى اللّه في الغنى والفقر ، وكلمة الحقّ في الرضى والغضب ، والقصد في الغنى والفقر ، وبالعدل على الصديق والعدوّ ، وبالعمل في النشاط والكسل ، والرضى عن اللّه في الشدّة والرّخاء ، أي بنيّ ما شر بعده الجنّة بشرّ ، ولا خير بعده النار بخير ، وكلّ نعيم دون الجنة محقور ، وكلّ بلاء دون النار عافية .

واعلم يا بنيّ ! أنّه من أبصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره ، ومن تعرّى من لباس التقوى لم يستتر بشيء من اللباس ، ومن رضي بقسم اللّه لم يحزن على ما فاته ، ومن سلّ سيف البغي قتل به ، ومن حفر بئرا لأخيه وقع فيه ، ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته ، ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره ، ومن كابد الأمور عطب ، ومن اقتحم الغمرات غرق ، ومن أعجب برأيه ضلّ ، ومن استغنى بعقله زلّ ، ومن تكبّر على الناس ذلّ ، ومن خالط العلماء وقّر . ومن خالط الأنذال حقّر . ومن سفه على الناس شتم ، ومن دخل مداخل السوء اتّهم ، ومن مزح استخفّ به ، ومن أكثر من شيء عرف به ، ومن كثر كلامه كثر خطؤه ، ومن كثر خطؤه قل حياؤه ، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه ، ومن قلّ ورعه مات قلبه ، ومن مات قلبه دخل النار .

أي بنيّ ! من نظر في عيوب الناس ورضي لنفسه بها فذاك الأحمق بعينه ، ومن تفكّر اعتبر ، ومن اعتبر اعتزل ، ومن اعتزل سلم ، ومن ترك الشهوات كان حرّا ، ومن ترك الحسد كانت له المحبة عند الناس .

أي بنيّ ! عزّ المؤمن غناه عن الناس ، والقناعة مال لا ينفد ، ومن أكثر من ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير ، ومن علم أنّ كلامه من عمله قلّ كلامه إلّا فيما ينفعه .

أي بنيّ ! العجب ممّن يخاف العقاب فلم يكفّ ، ورجا الثواب فلم يتب ويعمل .

أي بنيّ ! الفكرة تورث نورا والغفلة ظلمة والجهالة ضلالة ، والسعيد من وعظ بغيره ، والأدب خير ميراث ، وحسن الخلق خير قرين ، ليس مع قطيعة الرحم نماء ولا مع الفجور غنى . أي بنيّ ! العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلّا بذكر اللّه ، وواحدة في ترك مجالسة السفهاء .

أي بنيّ ! من تزيّا بمعاصي اللّه في المجالس أورثه اللّه ذلّا ، ومن طلب العلم علم . أي بنيّ ! رأس العلم الرفق ، وآفته الخرق ، ومن كنوز الإيمان الصبر على المصائب ، والعفاف زينة الفقر ، والشكر زينة الغنى ، كثرة الزيارة تورث الملالة ، والطمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم ، وإعجاب المرء بنفسه يدلّ على ضعف عقله . أي بني ، كم نظرة جلبت حسرة ، وكم من كلمة سلبت نعمة .

أي بنيّ ! لا شرف أعلى من الاسلام ، ولا كرم أعزّ من التقوى ، ولا معقل أحرز من الورع ، ولا شفيع أنجح من التوبة ، ولا لباس أجمل من العافية ، ولا مال أذهب بالفاقة من الرضى بالقوت ، ومن اقتصر على بلغة الكفاف تعجّل الراحة وتبوّأ خفض الدعة .

أي بنيّ ! الحرص مفتاح التعب ومطيّة النصب وداع إلى التقحّم في الذنوب ، والشره جامع لمساوئ العيوب ، وكفاك تأديبا لنفسك ما كرهته من غيرك ، لأخيك عليك مثل الذي لك عليه ، ومن تورّط في الأمور بغير نظر في العواقب فقد تعرّض للنوائب ، التدبير قبل العمل يؤمنك الندم ، من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ ، الصبر جنّة من الفاقة ، البخل جلباب المسكنة ، الحرص علامة الفقر ، وصول معدم خير من جاف مكثر ، لكل شيء قوت وابن آدم قوت الموت .

أي بنيّ ! لا تؤيّس مذنبا ، فكم من عاكف على ذنبه ختم له بخير ، وكم من مقبل على عمله مفسد في خر عمره ، صائر إلى النار .

أي بنيّ ! كم من عاص نجا ، وكم من عامل هوى ، من تحرّى الصدق خفّت عليه المؤن ، في خلاف النفس رشدها ، الساعات تنتقص الأعمار ، ويل للباغين من أحكم الحاكمين وعالم ضمير المضمرين .

يا بنيّ ! بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد ، في كلّ جرعة شرق ، وفي كلّ أكلة غصص ، لن تنال نعمة إلّا بفراق أخرى .

ما أقرب الراحة من النصب ، والبؤس من النعيم ، والموت من الحياة ، والسقم من الصحة ! فطوبى لمن أخلص للّه عمله وعلمه وحبّه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته وفعله وقوله ، وبخ بخ لعالم عمل فجدّ ، وخاف البيات فأعدّ واستعدّ ، إن سئل نصح ، وإن ترك صمت ، كلامه صواب ، وسكوته من غير عيّ جواب .

والويل لمن بلي بحرمان وخذلان وعصيان ، فاستحسن لنفسه ما يكرهه من غيره ، وأزرى على الناس بمثل ما يأتي .

واعلم أي بنيّ ! أنّه من لانت كلمته وجبت محبّته ، وفّقك اللّه لرشدك ، وجعلك من أهل طاعته بقدرته ، إنّه جواد كريم[11].

الإمام الحسين مع أبيه ( عليهما السّلام ) في لحظاته الأخيرة :

كان آخر ما نطق به أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) هو قوله تعالى : لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ ، ثمّ فاضت روحه الزكية ، تحفّها ملائكة الرحمن ، فمادت أركان العدل في الأرض ، وانطمست معالم الدين .

لقد مات ملاذ المظلومين والمحرومين الذي كرّس جهده لإقامة دولة تنهي دور الإثرة والاستغلال وتقيم العدل والحقّ بين الناس .

وقام سبطا رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) بتجهيز أبيهما المرتضى ( عليه السّلام ) فغسّلاه وأدرجاه في أكفانه . وفي الهزيع الأخير من الليل حملاه إلى قبره في النجف الأشرف ، وقد واروا أكبر رمز للعدالة والقيم الإنسانية المثلى كما اعترف بذلك خصومه . وكتب المؤرّخون : أنّ معاوية لمّا بلغه مقتل الإمام علي ( عليه السّلام ) خرج واتّخذ يوم قتله عيدا في دمشق ! فقد تحقّق له ما كان يأمله ، وتمّ له ما كان يصبو إليه من اتّخاذ الملك وسيلة لاستعباد المسلمين وإرغامهم على ما يكرهون[12].

 

[1] بحار الأنوار : 32 / 7 .

[2] نكثت طائفة : نقضت عهدها ، وأراد ( عليه السّلام ) بتلك الطائفة الناكثة أصحاب الجمل .

[3] مرقت : خرجت ، وأراد ( عليه السّلام ) بتلك الطائفة المارقة الخوارج أصحاب النهروان .

[4] قسط : جار ، وأراد ( عليه السّلام ) بالجائرين أصحاب صفّين .

[5] القصص ( 28 ) : 83 .

[6] نهج البلاغة : الخطبة الشقشقية .

[7] شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد : 1 / 284 .

[8] نهج البلاغة : من كلام له ( عليه السّلام ) في بعض أيام صفّين ، وقد رأى ابنه الحسن يتسرّع إلى الحرب . باب خطب أمير المؤمنين : 207 .

[9] شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد : 1 / 118 .

[10] نهج البلاغة : باب الكتب والرسائل ( 47 ) .

[11] تحف العقول : 88 وصايا أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) .

[12] حياة الإمام الحسين ( عليه السّلام ) : 2 / 109 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.