المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8116 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05
أوجه الاستعانة بالخبير
2024-11-05
زكاة البقر
2024-11-05
الحالات التي لا يقبل فيها الإثبات بشهادة الشهود
2024-11-05
إجراءات المعاينة
2024-11-05
آثار القرائن القضائية
2024-11-05

إلغاء العقوبة الانضباطية
2-4-2017
فردانيات المضاعفة Dihaploids
29-1-2018
احتياجات الشباب
2023-03-13
عبد الله بن الحسين اليزدي
12-8-2016
مضمون جغرافية المدن - المظاهر الاجتماعية
9-12-2021
المجوسية والصابئية
2023-12-23


قاعدة « سوق المسلمين »  
  
2875   08:39 صباحاً   التاريخ: 14-6-2022
المؤلف : الشيخ محمد باقر الإيرواني
الكتاب أو المصدر : دروس تمهيدية في القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج2، ص 77
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / حجية سوق المسلمين - السوق - أمارية السوق على كون اللحوم الموجودة فيه مذكاة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-9-2016 1695
التاريخ: 28-6-2022 1667
التاريخ: 19-9-2016 1933
التاريخ: 2024-08-05 348

قاعدة سوق المسلمين من القواعد المهمّة التي ينتفع بها كثيرا في مجال تعايش المسلمين بعضهم مع البعض الآخر. فمن دون حجية القاعدة المذكورة لا يمكن شراء اللحم من الأسواق والأكل منها لاحتمال عدم تذكيتها.

 

 

ويشير الفقهاء عادة إلى هذه القاعدة عند بحثهم عن النجاسات فان احدها هو الميتة التي يراد بها كل حيوان زهقت روحه بدون تذكية شرعية. وبهذه المناسبة يذكرون مسألة اخرى وهي ان الحيوان الذي يشك في تذكيته محكوم بحرمة تناول لحمه إلاّ إذا اخذ من سوق المسلمين فإنّه محكوم بالحل. وبهذه المناسبة أيضا يأخذون بالبحث عن القاعدة المذكورة بشكل مختصر ومن بعض الجوانب.

 

ونمنهج البحث عنها ضمن النقاط التالية :

١ ـ مضمون القاعدة.

٢ ـ مدرك القاعدة.

٣ ـ يد المسلم.

٤ ـ السوق امارة.

٥ ـ تحليل نكتة امارية السوق.

٦ ـ لا فرق بين فرق المسلمين.

٧ ـ مصنوع أرض الإسلام.

٨ ـ تطبيقات.

 

١ ـ مضمون القاعدة‌ :

يقصد من القاعدة المذكورة الحكم بامارية السوق على التذكية ، فان الحيوان إذا لم يذك لم يجز تناول لحمه ولا الصلاة مع جلده ، واذا شك في تذكيته حكم عليه بعدمها تمسّكا باستصحاب عدمها فان الحيوان حالة حياته لم يكن مذكى فاذا شك في حصولها له عند زهاق روحه استصحب ذلك العدم. وهذا الاستصحاب حجّة ويحكم على الحيوان بعدم التذكية ومن ثمّ بعدم جواز تناول لحمه ولا الصلاة في جلده بل وفي رأي المشهور يحكم بنجاسته وتنجس اليد والملابس باصابتها له مع الرطوبة.

 

وهذا الاستصحاب محكّم ولا يجوز تجاوزه إلاّ إذا كان ذلك مأخوذا من سوق المسلمين فانه محكوم بالتذكية ومن ثمّ بحلية تناول اللحم وجواز الصلاة مع الجلد والطهارة.

 

اذن امارية سوق المسلمين تختص بهذا المجال وهو اثبات التذكية ، واما اثبات الملكية والطهارة فذلك أجنبي عن امارية السوق ، فلو فرض ان شخصا أراد شراء شي‌ء من سوق المسلمين وهو لا يدري‌ ان ذلك الشي‌ء ملك للبائع أو لا ، أو شك في طهارته وعدمها فليس له جعل السوق امارة على الملكية أو الطهارة بل الملكية تثبت بقاعدة اليد ولو لم تكن يد مسلمة ، والطهارة تثبت بقاعدة الطهارة ولو لم تكن اليد مسلمة أيضا.

 

٢ ـ مدرك القاعدة‌ :

يمكن الاستدلال على القاعدة المذكورة بالوجوه الثلاثة التالية :

 

الأوّل : التمسك بسيرة المتشرّعة ، فاننا نذهب الى السوق ونشتري اللحم ونتعامل معه معاملة المذكى بالرغم من ان القصاب الذي نشتري منه ذلك لا نجزم بتذكيته للحيوان بل نحتمل اما انّه لم يذكه رأسا أو ذكّاه لا على الوجه الشرعي المضبوط ، ومن تحرّج عن الشراء والأكل عدّ منحرفا عن الاتجاه العام الذي يسير عليه المسلمون قاطبة.

 

وهذه السيرة لا نحتمل كونها متجددة وحاصلة في العصر المتأخّر ، كيف وهل يحتمل ان المسلمين في عصر الأئمة عليهم ‌السلام لم يكونوا ليشتروا اللحم من السوق ، أو هل يحتمل انهم كانوا يجزمون بأن جميع القصابين في ذلك العهد يجرون التذكية على وجهها الشرعي المضبوط من دون احتمال تخلّف أحدهم عن ذلك؟!

 

واذا سلمنا بانعقاد هذه السيرة فلا نحتاج الى اثبات حجيتها بفكرة الامضاء من خلال عدم الردع ـ كما نكون بحاجة الى ذلك في السيرة العقلائية ـ بل هي حجة بدون ذلك لأن افتراض كونها سيرة متشرّعة نفسه يستبطن افتراض كونها متلقاة من الشرع المقدّس وإلاّ لم تكن سيرة متشرعة.

 

الثاني : ان لازم عدم حجية سوق المسلمين اختلال النظام إذ يلزم ان يذبح كل فرد مسلم الحيوان لنفسه ولا يجوز له شراء اللحم من السوق والأكل منه لأن احتمال عدم التذكية ما دام موجودا فبالاستصحاب يثبت عدم تذكية الحيوان المشكوك ومن ثمّ عدم جواز تناوله.

 

الثالث : التمسك بالروايات. وقد وردت في هذا المجال عدّة روايات نذكر المهم منها:

 

أ ـ صحيحة فضيل وزرارة ومحمد بن مسلم حيث سألوا أبا جعفر عليه ‌السلام عن شراء اللّحوم من الأسواق ولا يدرى ما صنع القصّابون فقال : «كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه» [١].

 

والرواية واضحة الدلالة وصحيحة السند حيث يرويها الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن اذينة عن فضيل وزرارة ومحمّد بن مسلم. والكل ثقات.

 

ب ـ موثقة إسحاق بن عمّار عن العبد الصالح عليه ‌السلام : «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام. قلت : فان كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال : إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس» [٢].

 

والدلالة والسند جيّدان فان الشيخ الطوسي يرويها بسنده الى سعد عن ايوب بن نوح عن عبد الله بن المغيرة عن اسحاق. والكل ثقات. وطريق الشيخ الى سعد صحيح أيضا.

 

ج ـ صحيحة البزنطي : «سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري‌ جبّة فراء لا يدري أذكية هي أم غير ذكية أيصلّي فيها؟ فقال : نعم ليس عليكم المسألة ، ان أبا جعفر عليه ‌السلام كان يقول : ان الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم ، ان الدين أوسع من ذلك» [3].

 

وهي تدل على ذم السؤال والفحص حذرا من ايقاع المؤمن نفسه في المشقة. وهي صحيحة السند أيضا لأن الشيخ يرويها بسنده الصحيح إلى ابن محبوب عن أحمد بن محمد [4] عن البزنطي. والكل ثقات.

 

واذا قيل : ان الرواية مضمرة ولعل المسؤول ليس هو الامام عليه ‌السلام.

 

قلنا : ان البزنطي حيث انّه من أجلّة الأصحاب الذين لا يليق بهم الرواية عن غير الامام عليه ‌السلام فيتعيّن أن يكون المسؤول هو الامام عليه ‌السلام.

 

هذا مضافا الى امكان تطبيق البيان العام الذي ذكرناه سابقا لحجية جميع المضمرات [5].

 

وهناك روايات اخرى في هذا المجال يمكن ملاحظتها في الباب (٥٠) من أبواب النجاسات في كتاب وسائل الشيعة.

 

٣ ـ يد المسلم‌ :

اللحم تارة نأخذه من سوق المسلمين ، وهذا كما عرفنا محكوم بالتذكية ، واخرى نأخذه من يد شخص مسلم بهدية أو شراء من دون أن يمرّ ذلك الأخذ بسوق المسلمين ، كما لو أخذناه‌ منه في البلاد الكافرة.

 

وهل يد المسلم كسوق المسلمين امارة على التذكية؟

 

اننا لو رجعنا الى الروايات نجدها تعبّر بكلمة السوق إلاّ انّه بالرغم من ذلك يمكن الحكم بالايجاب باعتبار ان الامارية التي ثبتت لسوق المسلمين لا نحتمل اعتبارها له بما هو بناء خاص يشتمل على محلات معدودة وانما اعتبرت له من جهة كونه المحل الذي يضم المسلمين والكاشف عن كون اليد المأخوذ منها يدا مسلمة.

 

اذن الامارة على التذكية ـ في ضوء هذا ـ هي يد المسلم دون السوق نفسها وانما السوق امارة على الامارة.

 

٤ ـ السوق امارة‌ :

من يقرأ الروايات السابقة يفهم منها بوضوح ان السوق ليس امارة تعبدا ولا لنكتة عقلائية بل هو امارة لنكتة عقلائية وهي كاشفيته عن كون البائع مسلما ، وكاشفية يده عن كونها تطبق الشرائط الشرعية للتذكية بدقة وبالكامل.

 

وكلتا الكاشفتين تستند الى نكتة الغلبة ، فانّه لما كان الغالب في السوق تواجد المسلمين فيه فوجود المحل في السوق يكشف عن كون صاحبه مسلما ، ولما كان الغالب على المسلمين التحفّظ على الشروط الشرعية للتذكية فالأخذ من اليد المحكوم بإسلامها يكشف عن تحقق الشروط.

 

اذن السوق يكشف عن كون اليد المأخوذ منها يدا مسلمة لأجل الغلبة ، والأخذ من اليد المسلمة يكشف عن تحقّق الشروط الشرعية‌ لأجل الغلبة أيضا.

 

ويتفرّع على كون حجية السوق من الناحية المذكورة وليس لنكتة تعبدية الامور التالية:

 

أ ـ ان السوق لا يكون امارة على التذكية إلاّ إذا كان الطابع العام على أصحاب السوق الإسلام بحيث كان الكل أو الأغلب من المسلمين.

 

اما إذا كان الكل أو الأغلب من غير المسلمين فلا يكون امارة.

 

والوجه في ذلك واضح ـ بالرغم من اطلاق كلمة السوق في صحيحة البزنطي ـ فان السوق بما هو سوق وبقطع النظر عن كونه سوق المسلمين لا يحتمل اماريته على التذكية.

 

وبقطع النظر عن ذلك يمكن أن نستفيد اعتبار غلبة المسلمين من خلال التصريح بالتقييد المذكور في الرواية الاولى والثانية.

 

ب ـ ويترتب على ذلك أيضا ان السوق الإسلامي إذا كان يستورد بعض الأحزمة والأحذية المصنوعة من جلود الحيوانات من بعض الدول الكافرة مع الجزم بعدم مبالاة المسلم المستورد بقضية التذكية بل تمام همّه تحصيل الأرباح لا غير فلا يجوز شراؤها استنادا إلى امارية السوق لأنّ السوق لا امارية له بعد ضعف المبالاة بتعاليم الإسلام أو انعدامها.

 

ج ـ ويترتب على ذلك أيضا ان السوق الاسلامي لو كنّا نجزم باشتمال بعض المحلاّت فيه على لحوم غير مذكاة وليس بامكاننا تشخيص ذلك المحل عن غيره فلا بدّ من هجر الشراء من تلك المحلات لسقوط السوق عن الامارية بعد العلم باشتماله على غير المذكى فان السوق امارة عند الشك في التذكية لا عند الجزم بعدمها.

 

وبتسليم سقوط السوق عن الامارية فيما يجزم بعدم تذكيته نقول : ان بقاء السوق على الحجية والامارية بلحاظ جميع المحلات باطل للعلم بسقوطه عن الحجية بلحاظ بعضها وهو ما يجزم باشتماله على غير المذكى ، وبقاؤه على الامارية بلحاظ بعض دون آخر ترجيح بلا مرجح فيلزم سقوطه عن الاعتبار بلحاظ أي فرد من المحلات.

 

هذا ما تقتضيه القاعدة.

 

بيد انّه قد يستفاد من موثقة إسحاق بن عمار المتقدّمة كفاية غلبة المسلمين في الحكم بالحلية إذ ورد فيها : «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام. قلت: فان كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال : إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس».

 

د ـ ويترتب على ذلك أيضا ان يد المسلم انّما تكون امارة على التذكية فيما لو كان يتعامل مع ما هو تحت يده التعامل الخاص بالمذكى كعرض الجلود للبيع أو لبسها في الصلاة أو مسّها برطوبة وما شاكل ذلك ، اما إذا لم يكن له هذا التعامل ، كما إذا احتمل ان احتفاظه باللحم لأجل الالقاء في المزبلة أو الاحراق فلا تكون يده حجّة لفقدان الامارية في مثل الحالة المذكورة.

 

٥ ـ تحليل نكتة امارية السوق‌ :

من الواضح ان سوق المسلمين بما هو سوق المسلمين وبقطع النظر عن ضم نكتة اخرى لا عبرة به.

 

وبكلمة اخرى : لا نحتمل ان حجية سوق المسلمين قضية تعبدية بشكل بحت وإلاّ يلزم ان اللحم المشكوك تذكيته إذا كان بيد الكافر فهو‌ محرم ولكن بمجرّد أن يدفعه الكافر الى المسلم ـ غير المبالي بتعاليم الشريعة الاسلامية ـ يصير حلالا ، فعملية النقل من هذه اليد إلى تلك توجب الحلية بالرغم من الجزم بعدم تحقيق اليد الثانية المسلمة عن قضية التذكية.

 

وعلى هذا الأساس لا بدّ من وجود نكتة عقلائية على أساسها تثبت الحجية لسوق المسلمين. وفي تلك النكتة العقلائية احتمالات ثلاثة :

 

أ ـ ان يكون ذلك لما أشرنا إليه سابقا من ان تواجد المسلمين في السوق لما كان هو الطابع العام كان ذلك كاشفا عن كون يد البائع يدا مسلمة ، واليد المسلمة بدورها ولأجل الغلبة تكشف عن تحقق شروط التذكية.

 

والسوق على هذا الأساس يكون امارة على الامارة.

 

ب ـ ان يكون السوق كاشفا ابتداء عن تذكية الحيوان ـ بلا توسط الكاشفية عن اليد المسلمة ـ باعتبار ان الغالب فيما يتداول في سوق المسلمين كونه مذبوحا على الطريقة الاسلامية.

 

والثمرة بين هاتين النكتتين تظهر فيما لو كان صاحب أحد المحلات في سوق المسلمين كافرا ، فانه على النكتة الاولى لا يمكن الحكم بتذكية اللحم المشترى منه لأنّ السوق امارة على اسلام الذابح حالة الشك في كونه مسلما والمفروض الجزم بكفره بينما على النكتة الثانية يمكن الحكم بالتذكية لأنّ السوق بحكم غلبة تواجد المذكى فيه يكشف عن تذكية اللحم المشكوك الموجود فيه حتى ولو كان بيد الكافر.

 

ج ـ أن يكون السوق كاشفا عن مرور مشكوك التذكية بيد المسلم من خلال البيع ونحوه ، والانتقال إلى يد الكافر ـ ان كان ـ قد تم من خلال المرور باليد المسلمة لأن الكافر ما دام أحد الأفراد في السوق المسلمة فلا بدّ ان يكون وصول الدجاج ونحوه إلى يده قد تمّ من خلال الانتقال إليه من المذابح المسلمة.

 

فالسوق المسلمة على هذا كاشفة بنحو الاجمال عن وجود يد مسلمة قد مرّ الحيوان بها ، وتلك اليد المسلمة المعلومة بنحو الاجمال هي الامارة على تحقق التذكية.

 

والسوق على هذه النكتة امارة على الامارة كما هو الحال على النكتة الاولى ولا فرق بينهما من هذه الناحية.

 

والثمرة بينهما تظهر فيما لو كان البائع في السوق المسلمة كافرا ولكن كنّا نحتمل ان اللحم الموجود عنده قد مرّ باليد المسلمة فإنّه على النكتة الاولى لا يحكم بالتذكية لأنّ حجية السوق ـ بناء عليها ـ باعتبار كاشفيته عن اسلام البائع والمفروض في المقام الجزم بعدم اسلامه، بينما على النكتة الثالثة يحكم بالتذكية لكاشفية السوق عن مرور الحيوان باليد المسلمة.

 

ويبقى بعد هذا الفرق بين النكتتين الأخيرتين واضحا إذ في مثال البائع الكافر يحكم بكون اللحم المأخوذ منه مذكى على النكتة الثانية حتى ولو علم بعدم سبق يد المسلم عليه بينما على النكتة الثالثة لا يحكم بذلك إلاّ مع احتمال سبق ذلك.

 

وبعد هذا الاستعراض لنكتة امارية سوق المسلمين يمكن الحكم بترجيح النكتة الاولى اما لأنّها هي المفهومة عرفا من خلال قراءة‌ النصوص أو لأنّه بعد اجمالها وعدم تعين الاولى ينبغي الاقتصار على القدر المتيقن وهو الاولى لأنّه بناء عليها يلزم اعتبار كون البائع مسلما ولا يكون السوق حجّة في صورة العلم بعدم إسلام البائع بخلافه على الأخيرتين ، ومقتضى الاقتصار في مخالفة استصحاب عدم التذكية على المقدار المتيقن هو عدم الحكم بالتذكية إلاّ مع اسلام البائع.

 

٦ ـ لا فرق بين فرق المسلمين‌ :

وهل الحكم بامارية سوق المسلمين على التذكية يختص بما إذا كان مسلمو السوق من الامامية؟ كلا ، بل يعمّ ما إذا كانوا من الفرق الاخرى ـ بالرغم من ذهاب كلّهم أو جلّهم إلى القول بطهارة جلد الميتة بالدبغ وحلية ذبائح أهل الكتاب ـ وذلك لوجهين :

 

أ ـ اطلاق النصوص وعدم تقييد كلمة «المسلمين» فيها بفرقة دون اخرى.

 

ب ـ ان الطابع العام على سوق المسلمين عصر صدور النصوص احتواؤها على الطوائف الاخرى غير الامامية ، وتخصيصها بهم دون غيرهم يلزم منه تخصيص الأكثر الذي هو مستهجن عرفا.

 

اذن ذهاب الفرق الاخرى من غير الامامية الى القول بطهارة جلد الميتة بالدبغ أو بحلية ذبائح أهل الكتاب لا يمنع من امارية سوق المسلمين للوجهين المتقدّمين خلافا لما ينسب الى العلاّمة الحلّي من عدم الحكم بالامارية.

 

وقد يستشهد له ـ العلاّمة الحلي ـ برواية أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه ‌السلام عن الصلاة في الفراء فقال : كان علي بن الحسين عليه ‌السلام‌

 

رجلا صردا [6] لا يدفئه فراء الحجاز لأنّ دباغها بالقرظ [7] فكان يبعث الى العراق فيؤتى ممّا قبلكم بالفرو فيلبسه فاذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه فكان يسأل عن ذلك فقال : ان أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة ويزعمون ان دباغه ذكاته» [8].

 

ورواية عبد الرحمن بن الحجاج قلت لأبي عبد الله عليه‌ السلام : «اني أدخل سوق المسلمين أعني هذا الخلق الذين يدعون الإسلام فاشتري منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها : أليس هي ذكية؟ فيقول : بلى فهل يصلح لي أن أبيعها على انّها ذكية؟ فقال : لا ، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول قد شرط لي الذي اشتريتها منه انّها ذكية. قلت : وما أفسد ذلك؟ قال : استحلال أهل العراق للميتة وزعموا ان دباغ جلد الميتة ذكاته ثم لم يرضوا ان يكذبوا في ذلك إلاّ على رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم» [9].

 

ولكن يرد الاولى ضعفها الدلالي ـ باعتبار ان القاء الامام عليه ‌السلام للفرو فعل وهو مجمل إذ لعل ذلك صدر منه من باب الرجحان دون اللزوم ـ والسندي لاشتمال الطريق على جملة من المجاهيل كما يتضح من خلال المراجعة [10].

 

ويرد الثانية ضعفها الدلالي أيضا ـ لأن أقصى ما تدل عليه عدم‌ جواز الشهادة والتعهد بكون المشكوك مذكى ولا تدل على الحكم عليه بعدم كونه مذكى ـ والسندي [11].

 

٧ ـ مصنوع أرض الإسلام‌ :

قد يعيش المسلم أحيانا في بلاد كافرة ويجد الأحزمة أو الأحذية المصنوعة من الجلود في أسواقها ، ان أمثال تلك محكوم عليها بمقتضى استصحاب عدم التذكية بكونها غير مذكاة ومن ثمّ بنجاستها ـ على رأي المشهور ـ وتنجس الرجل عند ملاقاتها لها مع الرطوبة.

 

بيد انّه نستثني من ذلك ما إذا كان قد كتب على الجلد بأنّه قد صنع في تركيا مثلا التي هي من البلدان الاسلامية ، انّه في مثل هذه الحالة إذا لم يحصل الاطمئنان الكامل بصدق الكتابة وحقانيتها فلا يجوز الاتكال عليها ، واما إذا حصل ذلك جاز الاتكال عليها والحكم بالتذكية ومن ثمّ الطهارة إذ يثبت بذلك كونه مصنوعا في أرض الإسلام ، وهو كاف في الحكم بالتذكية ولا يتوقف الحكم بها على الأخذ من سوق المسلمين.

 

والمستند في ذلك موثقة إسحاق بن عمار المتقدّمة عند بيان مدرك القاعدة إذ ورد فيها : «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام ...» فانّها تدل على المدعى بوضوح.

 

الخلاصة‌ :

والمتحصل من مجموع كل هذا العرض : ان الجلد أو اللحم الذي‌ يشك في تذكيته محكوم بعدم التذكية استنادا الى استصحاب عدم التذكية. وهذا الاستصحاب لا يجوز تجاوزه إلاّ إذا قامت امارة شرعية على خلافه.

 

والامارة ذات أفراد ثلاثة : سوق المسلمين ، ويد المسلم ، والصنع في أرض الإسلام.

 

٨ ـ تطبيقات‌ :

١ ـ تباع الجلود ـ كالأحزمة والأحذية ـ في محلات البلدان الكافرة.

 

ونحن تارة نطمئن بسبق يد المسلم عليها واخرى نظن بذلك وثالثة نحتمل ذلك. ما هو الحكم في الحالات الثلاث المذكورة؟

 

٢ ـ ما حكم الأسماك التي تباع في أسواق البلاد الكافرة أو معلبات السمك التي تجلب منها وتباع في أسواق البلاد الاسلامية؟

 

٣ ـ المسلمون في لندن كثيرون في هذه الفترة فهل يجوز الاستناد بعد هذا إلى أسواقها والحكم بالتذكية؟

 

٤ ـ إذا كان بلد يشتمل على سوقين أحدهما مسلم والآخر ليس كذلك ولم نميّز هذا عن ذاك فهل يجوز الشراء من أحدهما؟

 

٥ ـ اشترينا أحزمة من بلاد اسلامية ولكن لا ندري هي مصنوعة فيها أو مستوردة من بلاد كافرة فما هو الحكم في مثل ذلك؟

 

٦ ـ بعض البلاد المسلمة يباع في مطاعمها الدجاج المستورد من البلاد الكافرة هل يجوز لنا التناول منه؟

 

٧ ـ بلاد كافرة فيها سوق كبير صاحب أحد المحلات فيه مسلم ـ وهو المحل الوحيد الذي صاحبه مسلم ـ وهو يبيع اللحوم فهل يجوز لنا الشراء منه؟ وما هي القاعدة التي نستند إليها في الجواز ان حكمنا به؟

 

٨ ـ شخص له محل في شارع معين وليس في السوق ولا ندري هو مسلم أو لا ، والطابع العام على البلاد الإسلام. ما حكم شراء اللحوم منه ولأي قاعدة؟

 

٩ ـ الاجبان أو الزبدة أو الحليب التي تباع في سوق البلاد الكافرة هل يجوز شراؤها وتناولها؟ ولما ذا؟

 

١٠ ـ تباع معلبات الباذنجان وغيرها في أسواق البلاد الكافرة هل يجوز تناولها؟

 

١١ ـ إذا اشترينا طعاما من البلاد الكافرة وهو يشتمل على مادة لا ندري هي من قسم اللحوم أو لا هل يجوز تناوله؟ ولما ذا؟

 

١٢ ـ يوجد في بعض الدول الكافرة سوق للمسلمين ولكن المسيطر عليه وصاحب القوّة والنفوذ هم أشخاص من اليهود فهل يحكم بالتذكية على المشترى من ذلك السوق؟

__________

[١] وسائل الشيعة باب ٢٩ من أبواب الذبائح حديث ١.

[٢] وسائل الشيعة باب ٥٠ من أبواب النجاسات حديث ٥.

[3] وسائل الشيعة باب ٥٠ من أبواب النجاسات حديث ٣.

[4] أي أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري الثقة الجليل.

[5] راجع الجزء الأوّل : ٤٢.

[6] الصرد بفتح الصاد وكسر الراء : من يجد البرد سريعا.

[7] القرظ بالتحريك : ورق السلم يدبغ به الأديم.

[8] وسائل الشيعة باب ٦١ من أبواب لباس المصلي حديث ٢.

[9] المصدر السابق باب ٦١ من أبواب النجاسات حديث ٤.

[10] فان الكليني رواها عن شيخه علي بن محمد عن عبد الله بن إسحاق العلوي عن الحسن بن علي عن محمد بن سليمان الديلمي عن عيثم بن أسلم النجاشي عن أبي بصير. فان الكل مجاهيل ما عدا علي بن محمد وأبي بصير.

[11] لأن الشيخ الطوسي رواها بسنده عن الحسن بن علي عن محمد بن عبد الله بن هلال عن عبد الرحمن بن الحجاج. ومحمد بن عبد الله بن هلال مجهول.

 

 

 

 

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.