المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8200 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

جوبلر ، لويس
18-8-2016
معنى كلمة لحم‌
14-12-2015
شبهة حول جمع القرآن من العسب ونحوها ومن صدور الرجال
27-11-2014
القرآن كتاب الإسلام
2024-08-27
تردد frequency
4-6-2019
Cunningham Number
1-1-2021


قاعدة « حجيّة سوق المسلمين »  
  
1989   09:47 صباحاً   التاريخ: 19-9-2016
المؤلف : آية اللَّه العظمى الشيخ محمد الفاضل اللنكراني
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ص507 - 531.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / حجية سوق المسلمين - السوق - أمارية السوق على كون اللحوم الموجودة فيه مذكاة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-05 320
التاريخ: 21-6-2018 3652
التاريخ: 10-6-2022 1699
التاريخ: 19-6-2022 2015

وهي أيضاً من القواعد المشهورة المبتلى بها لأكثر الناس، والكلام فيها يقع في مقامات:

المقام الأوّل: في مدركها ومستندها، وهو امور:

الأوّل: استقرار سيرة المتشرّعة والمؤمنين على دخول السوق واشتراء اللحوم والجلود من دون الفحص عن كونها ميتة أو مذكّاة، حتى أنّ الأئمة عليهم السلام وأصحابهم ووكلاءهم كانوا كذلك؛ فإنّهم كانوا يستفيدون ممّا يشترى من السوق من دون تفحّص عن كيفية زهاق روح حيوانه، كما أنّهم يدخلون السّوق ويشترون العبيد والإماء من دون سؤال وتفتيش عن كونهم مملوكين أو أحراراً مقهورين، ولا شبهة في ثبوت هذه السيرة وكونها ممضاة عند صاحب الشريعة والعترة الطاهرة صلوات اللَّه عليه وعليهم أجمعين.

هذا مع قطع النظر عن الروايات المتكثّرة الآتية الواردة في السوق الدالّة على اعتبارها، وقد وقع في بعضها التعليل بأنّه «لو لم يجز هذا لما قام للمسلمين‏ سوق» (1) ، وإلّا فمع ملاحظتها لا مجال للارتياب في المسألة بوجه.

الثاني: الإجماع‏ (2) على اعتبار السوق، ولا شبهة في تحقّق الإتّفاق والإجماع، ولكنّه لا أصالة له بعد ظهور مستند المجمعين وتماميّته ...

الثالث: الروايات المتعدّدة الّتي:

منها: صحيحة الفضيل وزرارة ومحمد بن مسلم، أنّهم سألوا أبا جعفر عليه السلام عن شراء اللحوم من الأسواق ولا يدرى‏ ما صنع القصّابون، فقال: كُل إذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه‏ (3).

ومنها: صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن الخفاف التي تباع في السّوق. فقال: اشتر وصلّ فيها حتى تعلم أنّه ميتة بعينه‏ (4) .

والظاهر أ نَّ السوق فيها إشارة إلى المعهود؛ وهو سوق المدينة الذي كان سوق المسلمين.

ومنها: صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أذكيّة هي أم غير ذكية أيصلّي فيها؟ فقال: نعم ليس عليكم المسألة، إنّ أبا جعفر عليه السلام كان يقول: إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم، إنّ الدين أوسع من ذلك‏ (5).

ومنها: صحيحته الاخرى عن الرّضا عليه السلام قال: سألته عن الخفاف يأتي‏ السوق فيشتري الخفّ، لا يدري أذكيّ هو أم لا؟ ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري أيصلّي فيه؟ قال: نعم، أنا أشتري الخفّ من السّوق ويصنع لي واصلّي فيه، وليس عليكم المسألة (6).

والظاهر إتّحاد هذه الرواية مع الرّواية السابقة وإن جعلهما في الوسائل متعدّدة، والاختلاف في بعض الامور لا يضرّ بالاتحاد ، كما هو غير خفيّ.

ومنها: مرسلة الحسن بن الجهم قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: أعترض السّوق فأشتري خفّاً لا أدري أذكيّ هو أم لا؟ قال: صلّ فيه، قلت: فالنعل؟ قال: مثل ذلك، قلت: إني أضيق من هذا، قال: أترغب عمّا كان أبو الحسن عليه السلام يفعله‏ (7) ؟!.

ومنها: غير ذلك من الروايات الواردة في هذا الباب، وبملاحظة المجموع لا يبقى ارتياب في اعتبار السّوق في الجملة.

المقام الثاني: في مفاد الروايات، فنقول:

لا إشكال في أنّ المستفاد منها هو اعتبار «سوق المسلمين» لا مطلق السّوق، ويشهد له إضافة السوق إليهم في رواية الفضلاء الثلاثة المتقدّمة الظاهرة في الاختصاص، خصوصاً مع ملاحظة كون مورد السؤال فيها أيضاً ذلك؛ فإنّ الظاهر أنّ المراد من الأسواق فيه هي الأسواق المعهودة الموجودة في المدينة، ومثلها من البلاد الإسلاميّة، ومع ذلك لم يكتف الإمام عليه السلام في الجواب بهذا الظهور، بل صرّح بإضافة «السوق» إلى «المسلمين»، وعلّق الحكم بجواز الأكل عليه.

وأمّا إطلاق السّوق في سائر الروايات أو ترك الاستفصال ، فمضافاً إلى ما عرفت من كونه إشارة إلى الأسواق المعهودة، يلزم تقييده بسبب رواية الفضلاء، فيصير المستفاد من المجموع اعتبار «سوق المسلمين». والظاهر أنّ المراد من «سوق المسلمين» هو السوق الذي كان أكثر أهله مسلماً، وإن كان منعقداً في بلد الكفر- لا السوق المنعقد في البلد الذي يكون تحت سلطة الإسلام وحكومة المسلمين- ولو كان جميع أهله أو أكثره مشركاً، فالمراد به هو مركز التجمّع للكسب والتجارة، وكان أكثر أهله مسلماً.

المقام الثالث: الظاهر بملاحظة ما ذكرنا من المراد من «سوق المسلمين»- وأنّه عبارة عن السوق الذي يكون أكثر أهله مسلماً- أنّ المستفاد من أدلّة اعتبار السّوق أنّ السّوق بنفسه لا يكون أمارة على التذكية وكاشفة عن الطهارة والحلّية، بل هو كاشف عن الأمارة الأصليّة وهي يد المسلم، فالسوق أمارة على الأمارة؛ نظراً إلى أنّ الغالب في أسواق المسلمين إنّما هم المسلمون، وقد جعل الشارع هذه الغلبة معتبرة وحكم بإلحاق من شك في إسلامه في أسواقهم بالمسلمين، فالسوق إنّما هو كاشف عن كون البائع مسلماً.

وبهذا يظهر ما في كلام بعض من الاكتفاء بمجرّد الأخذ من سوق المسلمين، ولو أخذ من يد الكافر، في قبال الأخذ من يد الكافر (8) .

وبعبارة اخرى: الظاهر أنّ اعتبار السوق إنّما هو بالنسبة إلى من كان مجهول الحال ولا يعلم أنّه مسلم أو كافر، فإنّه يبنى على إسلامه لمكان غلبة المسلمين فيه، ويكون إسلامه أمارة على وقوع التذكية الشرعية على الحيوان، وإلّا فلو علم بكفر البائع والذابح، أو بكفر الأوّل فقط، مع الشك في كفر الثاني، فلا يؤثّر في حلّية اللحم المشترى منه كون أكثر أهل السوق مسلماً، وعليه: فيرجع اعتبار السّوق إلى اعتبار يد المسلم، غاية الأمر أنّه لا فرق بين ما إذا احرز إسلامه بالقطع، أو بني عليه للغلبة ونحوها.

كما أنّه ممّا ذكرنا ظهر الخلل فيما أفاده في «المستمسك» من أنّ الظاهر منه خصوص ما لو كان البائع مسلماً- أي كان إسلامه محرزاً- وأنّ الداعي لذكر السوق كونه الموضع المعتاد لوقوع المعاملة فيه، لا لخصوصية فيه في قبال الدار والصحراء ونحوهما، فالمراد من الشراء من السوق الشراء من المسلم الذي هو أحد التصرّفات الدالّة على التذكية، ولا خصوصية له، فهو راجع إلى الاستعمال المناسب للتذكية (9).

وجه الخلل: أنّ مقتضى ما أفاده خروج عنوان السوق عن المدخلية رأساً، وهو خلاف ظاهر أدلّة اعتباره جدّاً.

وما أبعد ما بينه، وبين كلام البعض المتقدّم، وأقلّ بعداً منه ما أفاده المحقّق البجنوردي من كون السوق أمارة برأسه، وأنّه أقوى من يد المسلم، قال في وجهه ما ملخّصه: أنّه بعد العلم بأنّ المسلمين يجتنبون عن لحم غير المذكّى، فتعاطي اللحم بالبيع والشراء في أسواق المسلمين يوجب الظنّ القويّ بأنّه مذكّى، وهذا الظنّ أقوى بكثير من الظنّ الحاصل عن كونه في يد مسلم خارج السوق؛ لأنّ احتمال الخلاف فيه أكثر ممّا يباع في سوق المسلمين علناً.

هذا بناءً على كون المستند هي السيرة.

وأمّا بناءً على كون المدرك هو الأخبار، فلعلّ الأمر أوضح؛ لأنّ قوله عليه السلام: «أنا أشتري الخفّ من السوق ويصنع لي واصلّي فيه، وليس عليكم المسألة»، ظاهر في أنّ مراده عليه السلام من نفي لزوم السؤال، نفي السؤال عن كونه مذكّى أو غير مذكّى، لا نفي السؤال عن أنّ البائع مسلم أو لا.

ومرجع هذا إلى أنّ كونه في السوق كافٍ في إثبات أنّه مذكّى، فلا يحتاج إلى السؤال والفحص. وكون المراد منه أنّ السّوق كافٍ في إثبات أنّ اليد يد المسلم، وأنّها تثبت أنّ اللحم مذكّى، يكون من قبيل الأكل من القفا.

وأمّا قوله عليه السلام في خبر إسماعيل بن عيسى قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل، أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟ قال: عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه‏ (10) لا يدلّ على عدم اعتبار السّوق بالإضافة إلى كشفه عن التذكية، نظراً إلى أنّه لو كان السّوق كاشفاً، فلا معنى للسؤال إذا رأوا أنّ المشركين يبيعونه، وأيضاً لم يكن معنى لتعليق عدم السؤال على صلاتهم فيه.

وذلك- أي وجه عدم الدّلالة- أنّ كلامه عليه السلام ظاهر في أنّ السّوق أمارة على التذكية فيما كان السوق مخصوصاً بالمسلمين. وأمّا لو كان السوق مشتركاً أو كان مخصوصاً بالمشركين، فعند ذلك يجب عليكم المسألة والفحص، ولا أثر لكون البائع وحده في ذلك السوق مسلماً في عدم وجوب السؤال. وعليه: فيمكن أن تعدّ هذه الرواية شاهدة على أنّ دلالة السوق إذا كان مخصوصاً بالمسلمين أهمّ من دلالة يد المسلم، خصوصاً إذا كان ذلك المسلم في السوق المخصوص بالكفّار، بل وفي السوق المشترك أيضاً.

وأمّا قوله عليه السلام بعد ذلك: «وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه»، فمن جهة أنّ صلاتهم فيه بمنزلة شهادتهم عملًا بأنّه مذكّى، فهو أيضاً طريق إلى أنّه صار مذكّى، إلى آخر ما ذكره من المؤيّدات؛ لكون سوق المسلم بنفسه طريقاً إلى أنّه مذكّى‏ (11).

أقول: الظاهر عدم كون سوق المسلمين أمارة على التذكية مستقلّاً في قبال يد المسلم، بحيث لو كان البائع في سوق المسلمين محرز الإسلام كان هناك أمارتان على التذكية: السوق، ويد المسلم. وما أفاده من الوجه في ذلك غير تامّ؛ لأنّ سيرة المتديّنين على معاملة ما تقع عليه المعاملة في سوق المسلمين معاملة المذكّى، لا دليل على أنّ وجهها كون السوق والتعاطي بالبيع والشراء فيه أمارة على التذكية مستقلّاً، بل يحتمل قويّاً أن يكون الوجه فيها ما ذكرنا، خصوصاً مع أنّ السّوق بنفسه لا يكون كاشفاً وأمارة عليها؛ فإنّ المهمّ في ذلك هو البائع، وإلّا فمع قطع النظر عنه لا يكون مجرّد سوق المسلمين كاشفاً عنها بوجه، كما لا يخفى.

وأمّا قوله عليه السلام: «أنا أشتري الخفّ من السوق...» فهو وإن كان المراد من المسألة غير اللازمة فيه هي التفحّص والتفتيش عن كونه مذكّى أو غير مذكّى، إلّا أنّ دلالته على هذا التقدير على اعتبار السّوق بنفسه ممنوعة؛ فإنّه حيث لا دليل على اعتبار إسلام البائع ولا كاشف عنه، جعل الشارع الغلبة معتبرة وكاشفة عن إسلام البائع الذي هو الطريق إلى التذكية والأمارة عليها، ولم يعلم وجه كونه أكلًا من القفا.

وأمّا خبر إسماعيل، فمع أنّه مضطرب المتن- لأنّه بعد كون مفروض السؤال هو ما إذا كان البائع مسلماً، غاية الأمر كونه غير عارف لا يلائم الجواب بأنّه «إذا رأيتم المشركين...» إلّاأن يكون المراد منه بيان المفهوم؛ وهو اختصاص وجوب السؤال بما إذا كان البائع مشركاً- يكون مفاده ملاحظة حال البائع، وأنّه إذا كان مشركاً تجب المسألة، وإذا كان مسلماً- والكاشف عنه هي صلاته فيه- لا تجب المسألة، وبقرينة الروايات الاخر يستفاد عدم كون السوق المذكور في السؤال سوق المسلمين، وإلّا لا يحتاج إلى الصلاة فيه؛ سواء كان سوق المسلمين أمارة بنفسه أو أمارة على الأمارة.

وبالجملة: لم يثبت أنّ الشارع جعل للتذكية طريقين: سوق المسلمين، ويد المسلم، بل الظاهر أنّ الثاني أمارة عليها، والأوّل أمارة على الثاني.

المقام الرّابع: أنّه لا فرق في المسلم الذي يؤخذ من يده ويكون السوق أمارة على إسلامه، بين من كان عارفاً بالإمامة، ومن لم يكن؛ لأنّه- مضافاً إلى كون أكثر المسلمين في تلك الأزمنة غير عارفين، وإلى أنّ الجمع المحلّى باللّام في «المسلمين» الذي اضيف إليه «السوق» في رواية الفضلاء المتقدّمة يقتضي العموم لكلّ مسلم على ما هو المشهور (12) - يدلّ عليه رواية إسماعيل بن عيسى قال:

سألت أبا الحسن عليه السلام عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل، أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟ قال: عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه‏ .

وعليه: فالحكم باعتبار يد المسلم ليس لكونها أمارة شرعيّة على كون الحيوان مذكّى بالتذكية المعتبرة عند العارف؛ وذلك لاختلافنا معهم في بعض الامور المعتبرة في التذكية، كاجتزائهم في الصيد بإرسال غير الكلب المعلّم‏ (13) ، وكذلك في بعض الفروع، كحكمهم بطهارة جلد الميتة بالدباغ‏ (14) ، وبطهارة ذبائح أهل الكتاب (15) ، وغير ذلك من الموارد، فلا يكون مجرّد كونه في يده أو مع ترتيبه‏ آثار المذكّى عليه أمارة على وقوع التذكية المعتبرة عندنا عليه.

فالحكم باعتبار يد المسلم حينئذ ليس لأماريتها ، بل لأجل أنّ الحكم بعدم الاعتبار- مع أنّ الغالب في تلك الأزمنة هو كون المسلمين غير عارفين- مستلزم للعسر، فلذا جعل الشارع الأصل في الحيوان التذكية تعبّداً فيما إذا لم يكن بائعه مشركاً.

وأمّا ما أفاده المحقّق البجنوردي قدس سره من أنّ كونه أصلًا غير تنزيلي أمر لا ينبغي أن يحتمل؛ لأنّه لو كان أصلًا غير تنزيلي لكانت أصالة عدم التذكية حاكمة عليه، وكان لا يبقى مورد لجريانه، كما هو الشأن في كل أصل حاكم مع محكومه (16).

فيرد عليه- مضافاً إلى أنّ جريان أصالة عدم التذكية محلّ خلاف وإشكال-:

أنّه على هذا التقدير تكون الحكومة ممنوعة، بل تكون أدلّة اعتبار السّوق مخصّصة لدليل اعتبار الاستصحاب، وقاضية بعدم جريان أصالة عدم التذكية في مورد جريان أدلّة اعتبار السّوق.

وقد استدلّ هو على الأماريّة بأنّ قيام السيرة على دخول المتديّنين في الأسواق الإسلامية وشرائهم مشكوك التذكية، ومعاملتهم معه معاملة المزكّى - مع أنّهم يرون أنّ الصلاة في غير المذكّى ليست بجائزة- دليل على أنّهم يرون أسواق المسلمين طريقاً وكاشفاً عن كونه مذكّى؛ لأنّ الأماريّة متقوّمة بأمرين:

أحدهما: كون ذلك الشي‏ء فيه جهة كشف عن مؤدّاه ولو كان كشفاً ناقصاً.

ثانيهما: كون نظر الجاعل في مقام جعل الحجّية إلى تلك الجهة من الكشف الموجود فيه في حدّ نفسه، فالأماريّة متوقّفة على أن يكون جعل حجّيته بلحاظ تتميم ذلك الكشف الناقص الموجود فيه تكويناً في عالم التشريع والاعتبار، ومن المعلوم في المقام وجود كلا الأمرين؛ لأنّه لا شك في كون اللحم أو الجلد المشترى‏ في سوق المسلمين فيه جهة كشف عن أنّه مذكّى؛ لأنّهم غالباً لا يقدمون على بيع لحم الميتة أو جلدها، كما أنّه لا شك في أنّ سيرة المتديّنين على دخولهم الأسواق واشترائهم اللحوم والجلود باللحاظ المذكور، وسيرة المتديّنين لا تحتاج إلى الإمضاء؛ فإنّها كاشف مثل الإجماع عن موافقته لرأي المعصوم عليه السلام‏ (17).

ويظهر الجواب عن هذا الدليل ممّا ذكرنا من أنّ شمول أدلّة اعتبار السوق لسوق المسلمين غير العارفين- مع وضوح اختلافنا معهم في بعض الامور المعتبرة في التذكية- يكشف عن عدم الأماريّة؛ لأنّ المسلمين غالباً لا يقدمون على بيع لحم ما هو ميتة بنظرهم ولا جلده، لا بيع لحم ما هو ميتة بنظر الإماميّة العارفين بالإمامة، كما لا يخفى.

وعليه: فالأمر الأوّل من الأمرين اللذين يتقوّم بهما حجّية الأمارة غير متحقّق في المقام؛ لعدم وجود الكشف ولو بنحو ناقص على ما عرفت.

وأمّا الرّوايات، فسيأتي البحث عنها في المقامات الآتية إن شاء اللَّه تعالى.

المقام الخامس: أنّه يستفاد من بعض الروايات الواردة في السّوق اعتبار ضمان البائع وإخباره بكون مبيعه مذكّى، وهي رواية محمد بن الحسين الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: ما تقول في الفرو يشترى من السّوق؟ فقال: إذا كان مضموناً فلا بأس (18).

ولكنّ الظاهر أنّه يتعيّن حملها على الاستحباب بقرينة رواية الفضلاء الدالّة على النهي عن السّؤال عنه‏ ؛ فإنّ المراد من النهي هو عدم الوجوب؛ لأنّه في مقام توهّمه، فالمراد عدم وجوب السؤال، ومن الواضح أنّ المراد من السؤال هو السؤال‏ الذي يتعقّبه الجواب بوقوع التذكية، فمرجع ذلك إلى عدم اعتبار الإخبار بوقوعها في جواز الأكل من اللحوم. وكذا يدلّ على عدم اعتبار السؤال صحيحتا البزنطي ورواية إسماعيل بن عيسى المتقدّمة، فلابدّ من حمل هذه الرواية على الاستحباب.

المقام السادس: الظاهر أنّ يد المسلم المبحوث عنها في المقام أخصّ من اليد التي تكون أمارة على الملكية، لا من جهة اعتبار إسلام ذي اليد هنا دونه، بل من جهة أنّه لا يعتبر في الأمارية هناك سوى أصل ثبوت اليد وكون المال تحت استيلاء ذي اليد وسلطنته، ولا يلزم فيه أن يتصرّف فيه تصرّفاً متوقّفاً على الملكية.

وأمّا في المقام: فيعتبر في اليد التصرّف المتوقّف على التذكية. وذلك؛ لأنّ مورد أخبار الاشتراء من السوق وجود هذا التصرّف؛ لأنّ نفس المعرضية للبيع كاشفة عن معاملته معه معاملة المذكّى؛ لعدم صدورها من المسلم إذا كانت ميتة، وكذلك رواية إسماعيل ظاهرة في تعليق الجواز على رؤية الصلاة فيه، فمجرّد كونه تحت يد المسلم أو استعماله في شي‏ء ما ولو لم يكن مقتضى الدواعي النوعية طهارته- مثل أن يتّخذ ظرفاً للنجاسة- لا دليل على جواز المعاملة معه معاملة المذكّى.

والظاهر أنّه لا فرق في هذا المقام بين ما إذا قلنا بأنّ يد المسلم أمارة على التذكية شرعاً، أو قلنا بأنّ المجعول في السوق هو الأصل، كما لا يخفى.

المقام السابع: أنّ اعتبار يد المسلم هل يكون بنحو الإطلاق، حتى فيما لو علم بمسبوقيتها بيد الكافر، بل وبعدم فحص المسلم؛ لكونه ممّن لا يبالي بكونه من ميتة أو مذكّى، أو يكون اعتباره في خصوص ما إذا لم يكن كذلك؛ سواء علم بالمسبوقية بيد مسلم آخر، أم لم تعلم الحالة السّابقة، وجهان بل قولان، إختار المحقّق النائيني قدس سره بعد قوله بالأمارية وجماعة الثاني‏ (19) ؛ نظراً إلى منع الإطلاق في‏ دليل الاعتبار، لا من جهة اللفظ ولا من ناحية ترك الاستفصال:

أمّا الأوّل: فلكونها قضايا خارجية وردت في محلّ الحاجة؛ وهي الجواب عمّا وقع عنه السؤال من الأيدي والأسواق الخارجية في تلك الأزمنة، وليست من قبيل القضايا الحقيقية التي حكم فيها بالأفراد مطلقاً ولو كانت مقدّرة الوجود غير محقّقة، ومن المعلوم أنّ مثل ذلك لا إطلاق لها، ولذا لا تكون متعارفة في العلوم، ولا يكون شأن العلوم هو البحث عنها؛ لكونها في قوّة الجزئية، وإن كانت مسوّرة بكلمة «كلّ» مثل: كلّ من في البلد مات.

وأمّا الثاني: فلأنّ منشأ الشك في كون المأخوذ مذكّى هو غلبة العامّة على أسواق المسلمين، لا كون أيديهم مسبوقة بأيدي الكفّار؛ إذ لم يكن جلب الجلود من بلاد الشرك معمولًا في ذلك الزمان، وإنّما هو أمر حدث في هذه الأعصار، فهذه الجهة مغفول عنها بالكلية عند أذهان السّائلين، وفي مثله لا مجال لترك الاستفصال وجعله دليلًا على الإطلاق؛ لظهور الحال.

ويمكن الإيراد عليه- مضافاً إلى منع كون أدلّة اعتبار السّوق بأجمعها قضايا خارجية، فإنّ مثل حكم الإمام عليه السلام في رواية الفضلاء المتقدّمة بجواز الأكل إذا كان ذلك في سوق المسلمين قضيّة حقيقيّة يكون موضوعها سوق المسلم أعمّ من الأفراد المتحقّقة والمقدّرة، ولذا لا نحتاج في التمسك به إلى دليل الاشتراك من ضرورة أو إجماع- بأنّه لو سلّم كون ذلك على نحو القضايا الخارجية، نقول: منشأ الشك في كون المأخوذ مذكّى لا ينحصر بغلبة العامّة على أسواق المسلمين، بل كما اعترف به قبل ذلك ربما كان المنشأ اختلاط أهل الذمّة بالمسلمين من اليهود والنصارى وغيرهما المقيمين في البلاد الإسلامية.

ومن الواضح أنّ هذه الجهة لا تكون بمثابة موجبة للغفلة عنها، خصوصاً مع التصريح في رواية إسماعيل المتقدّمة، بأنّه إذا «رأيتم المشركين يبيعون...» حيث‏ فرض كون البائع مشركاً، بل لو بني على كفر الخوارج والنواصب والغلاة يتحقّق منشأ آخر؛ لتداول ذبحهم للحيوانات وأكلهم لها وبيع جلودها، فاحتمال سبق يد الكافر على يد المسلم من الاحتمالات العقلائية غير المغفول عنها في مورد الروايات، وعليه: فلا مانع من استكشاف الإطلاق من جهة ترك الاستفصال، فتدبّر.

المقام الثامن: المشهور أنّ يد المسلم أمارة على التذكية مطلقاً، حتى مع العلم بكونه مستحلّاً للميتة بالدباغ‏ (20) ، وقيل باختصاص الأماريّة بما إذا علم بكونه غير مستحلّ لها به‏ (21). وعن جملة من الكتب كالمنتهى‏ (22) ونهاية (23) الإحكام التفصيل بين ما لم يعلم باستحلاله فتكون يده أمارة، وما علم بكونه مستحلًا فلا تكون كذلك.

وهنا قول‏ رابع‏؛ وهو التفصيل بين ما إذا أخبر بالتذكية ولو كان مستحلّاً، وبين ما إذا لم يخبر بها، فتكون يده أمارة في الأوّل دون الثاني (24).

ويدلّ على المشهور المطلقات المتقدّمة في السّوق الناظرة إلى هذه الجهة؛ وهي كون المسلم غير عارف مستحلّاً للميتة نوعاً، وهي كالصريحة في الشمول لذلك، خصوصاً بعد ملاحظة كون منشأ الشك للسائل الباعث له على السؤال ذلك.

ومرسلة ابن الجهم المتقدّمة ناظرة إلى هذه الجهة، وأنّ الضيق الواقع فيه السائل وحكمه عليه السلام بأنّه يرغب عمّا كان يفعله إمامه عليه السلام، إنّما هو لأجل ذلك، مضافاً إلى التصريح بعدم اعتبار المعرفة بالإمامة في رواية إسماعيل المتقدّمة.

فالإنصاف أنّه مع ملاحظة الروايات والتأمّل فيها لا يبقى ارتياب في أنّ‏ أماريّة يد المسلم أمارية تعبديّة مجعولة لغرض التسهيل والتوسعة، وعمدة النظر فيها كون البائع مسلماً غير عارف، خصوصاً في زمن الصادقين عليهما السلام الذي شاع فيه فتوى أبي حنيفة واستحلاله للميتة وكثر متابعوه‏ (25) ، ومع ذلك حكم في الروايات بالأماريّة والاعتبار.

هذا، ولكن قد عرفت في بعض المقامات السابقة أنّ الظّاهر أن يجعل الحكم بذلك في الروايات دليلًا على عدم كون يد المسلم أمارة أصلًا؛ لعدم وجود الكشف فيها ولو بالنحو الناقص، بل المجعول إنّما هو أصل تعبّدي لغرض التسهيل والتوسعة، فجعل ذلك دليلًا على عدم الأماريّة أولى من الحكم بثبوت الأمارية بنحو الإطلاق، كما لا يخفى.

وأمّا القول الثاني: فيدلّ عليه رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن الصلاة في الفراء؟ فقال: كان علي بن الحسين عليهما السلام رجلًا صرداً (26) لا تدفأه فراء الحجاز؛ لأنّ دباغها بالقرظ (27) ، فكان يبعث إلى العراق، فيؤتى ممّا قبلكم بالفرو فيلبسه، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه، فكان يسأل عن ذلك؟ فقال: إنّ أهل العراق يستحلّون لباس جلود الميتة، ويزعمون أنّ دباغه زكاته‏ (28).

وتقريب الاستدلال بها: أنّ موردها صورة الشك في كون البائع مستحلّاً؛ لظهور عدم اعتماده عليه السلام في هذه الجهة على علم الغيب الثابت له، ومن الواضح عدم‏ كون جميع أهل العراق مستحلّين، بل كان فيهم من المسملين العارفين أيضاً، فالرواية ناظرة إلى صورة الشك وحاكمة بعدم جواز الاعتماد على يده؛ لأنّه عليه السلام كان يلقي في حال الصلاة الفرو المأتيّ إليه من العراق، وكذا يلقي القميص الذي يليه، فالرواية دالّة على عدم الأماريّة مع الشّك.

ويرد على الاستدلال بها- مضافاً إلى ضعف السند-: إجمالها من حيث الدلالة؛ لأنّه عليه السلام كان يجمع- على طبق الرواية- بين اللبس والانتفاع، وبين الإلقاء المذكور، مع أنّه على تقدير عدم الأمارية لا يجوز الانتفاع به أصلًا ولو في غير حال الصلاة. ودعوى كون لبسه إنّما هو لأجل الضرورة المسوّغة له، كما يشعر به قوله عليه السلام: «كان رجلًا صرداً»، أي: شديد التألّم من البرد، وعدم كون فراء الحجاز دافئاً، مدفوعة بوضوح عدم كون الضرورة بالغة إلى حدّ يجوز معه المحرّم.

ودعوى الفرق بين اللبس، وبين الصلاة لأجل نفس هذه الرّواية، كما ربما نسب إلى إشعار بعض الكتب‏ (29) ، مدفوعة- مضافاً إلى كونها خلاف الإجماع‏ (30) - بأنّها توجب عدم انطباق الدليل على المدّعى، فالإنصاف إجمال الرواية من حيث الدّلالة، ولا يرفعه احتمال كون الإلقاء احتياطاً من الإمام عليه السلام في حال الصلاة وإن كان هذا الاحتمال مخالفاً لمدّعى المستدلّ، إلّا أنّه في نفسه لا يكون صحيحاً؛ لعدم انحصار احتياط الإمام عليه السلام بالصلاة، كما لا يخفى.

هذا كلّه مضافاً إلى مخالفة الرواية للمطلقات المتقدّمة الدالّة على الاعتبار مع العلم بالاستحلال فضلًا عن الشك...

وأمّا القول الثالث: فعمدة الدليل عليه ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال:

قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: إنّي أدخل سوق المسلمين- أعني هذا الخلق الذين يدّعون‏ الإسلام- فأشتري منهم الفراء للتجارة، فأقول لصاحبها: أليس هي ذكيّة؟

فيقول: بلى، فهل يصلح لي أن أبيعها على أنّها ذكية؟ فقال: لا، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول: قد شرط لي الذي اشتريتها منه أنّها ذكيّة، قلت: وما أفسد ذلك؟

قال استحلال أهل العراق للميتة، وزعموا أنّ دباغ جلد الميتة ذكاته، ثمّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلّا على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله (31).

فإنّ موردها صورة العلم بكون البائع مستحلّاً، وحينئذ فالحكم بعدم جواز البيع بشرط التذكية دليل على عدم اعتبار يده وعدم كونها حجّة عليها، وإلّا فلا وجه لعدم جواز البيع كذلك، كما هو ظاهر.

ويرد عليه: أنّه لو لم تكن يده حجّة عليها، فلِمَ كان الاشتراء منه جائزاً، كما هو المفروغ عنه عند السّائل، وقد قرّره الإمام عليه السلام على ذلك؟ فالحكم بالجواز دليل على وجود الحجة. وأمّا عدم جواز الاشتراط فليس لأجل عدم ثبوت الحجّة، بل إنّما هو لأجل كون مثلها غير كافٍ في ذلك؛ لظهور الاشتراط في ثبوت التذكية وجداناً وعدم كفاية إحرازها ولو كانت أمارة كما في سائر الشرائط، وكما في مثل الشهادة بناءً على عدم جواز الاستناد فيها إلى الأمارة.

نعم، يبقى الإشكال في أنّ مقتضى ما ذكرنا عدم جواز الاشتراط ولو لم يكن البائع مستحلّاً، مع أنّ مقتضى ذيل الرّواية أنّ الموجب لعدم جواز الاشتراط استحلال البائع الأوّل للميتة، فتدبّر.

وأمّا القول الرابع: فقد استدلّ له برواية محمد بن الحسين الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: ما تقول في الفرو يشترى من السّوق؟ فقال: إذا كان مضموناً فلا بأس‏ .

نظراً إلى أنّ المراد من الضمان هو الإخبار والإعلام بالتذكية، لا التعهّد المتضمّن لقبول الخسارة، والظاهر حينئذ أنّ عدم البأس مشروط بالإعلام.

والجواب: أنّه مع ظهور الروايات المتقدّمة، بل صراحة بعضها في عدم لزوم السؤال والاستعلام من البائع- ومن الواضح أنّ ذلك إنّما هو لأجل عدم اعتبار الجواب والإعلام، وإلّا فلابدّ من الاستعلام- لا يبقى مجال للأخذ بهذه الرواية، فلابدّ من الحمل على الاستحباب، والفرق بين صورتي الإعلام وعدمه من هذه الجهة كما لا يخفى...

المقام التاسع: لا شبهة في تقدّم هذه القاعدة على استصحاب عدم التذكية بناءً على جريانه، أمّا على تقدير الأمارية فواضح؛ لتقدّم الأمارة على الاستصحاب. وأمّا على تقدير كونها أصلًا ... [فلأن] لازم عدم التقدّم لغويّة هذه القاعدة؛ لثبوت المعارضة الدائمية بينها وبين الاستصحاب المذكور.

وأمّا تقدّمها على البيّنة إذا كانت على خلافها فممنوع ولو فرض كونها أمارة؛ وذلك لأنّ البيّنة من أقوى الأمارات، ولذا جعلها الشارع في باب القضاء مقدّمة على اليد التي تكون أمارة على ملكيّة ذيها.

هذا، مضافاً إلى وضوح اختصاص مورد الروايات المتقدّمة على كثرتها بصورة عدم وجود البيّنة، فلا دليل على حجيّتها مع وجودها، كما لا يخفى.

المقام العاشر: هل المصنوعية في أرض الإسلام أمارة على وقوع التذكية مطلقاً، ولو مع العلم بكون الصانع غير مسلم، أو أنّها أمارة عليه مع عدم العلم بكفر الصانع، أو أنّها ليست أمارة في عرض يد المسلم، بل هي أمارة على الأمارة كسوق المسلمين ... [ حيث انه ] أمارة على كون البائع مسلماً، وهو أمارة على التذكية؟ وجوه واحتمالات ناشئة من الاحتمالات الجارية في الرّواية الواردة في هذا الباب، وهي رواية إسحاق بن عمار- المعتبرة- عن العبد الصالح عليه السلام أنّه قال: لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام، قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس (32).

والمراد من الجواب يحتمل أن يكون ما حكي عن الشهيد الثاني قدس سره من غلبة أفراد المسلمين وأكثريّتهم بالإضافة إلى غير أهل الإسلام (33) ، ويحتمل أن يكون غلبة المسلمين على الأرض وحكومتهم وسلطنتهم عليها، كما رجّحه سيّدنا العلّامة الاستاذ البروجردي- قدّس سرّه الشريف- مستظهراً ذلك من تعدية الغلبة ب «على» (34).

فعلى الأوّل:- الذي مرجعه إلى أنّ الأمارة أرض الإسلام؛ أي ما كان تحت غلبة المسلمين ورئاستهم، بضميمة كون الغلبة العدديّة مع أفراد المسلمين- تكون الأمارة هي يد المسلم، وما ذكر أمارة على الأمارة؛ لأنّ الأكثريّة طريق إلى استكشاف مجهول الحال، وإلّا لا يترتّب عليها ثمرة، فعلى ما قاله الشهيد لا تكون أرض الإسلام أمارة في رديف يد المسلم أصلًا.

وعلى الثاني: إن كان المراد هو كون المصنوعية في أرض الإسلام أمارة على التذكية ولو مع العلم بكون الصّانع غير مسلم، فتصير المصنوعية أمارة مستقلّة في مقابل يد المسلم. وإن كان المراد هو أنّ المصنوعية فيها أمارة على كون الصانع‏ مسلماً؛ لأنّه يبنى على إسلام من كان مجهول الحال في أرض الإسلام، فيرجع أيضاً إلى اعتبار يد المسلم وكونها أمارة على التذكية. غاية الأمر أنّ الأمارة على الأمارة على هذا مجرّد المصنوعية في أرض الإسلام، وعلى ما قاله الشهيد هو ذلك بضميمة كون الغلبة مع أفراد المسلمين، كما لا يخفى.

هذا، والظاهر ما قاله الشهيد قدس سره؛ لأنّ الظاهر دلالة الجواب على اعتبار أمر زائد على عنوان أرض الإسلام، وإذا فسّرناه بغيره ينطبق على معنى أرض الإسلام، ولا يكون أمراً زائداً عليها؛ لأنّ معناها كما عرفت هو كون الغلبة والسلطنة عليها للمسلمين، فلا يكون الجواب دالّاً على أمر آخر بوجه.

وبعبارة اخرى: الضمير في قوله عليه السلام: «إذا كان الغالب عليها»، يرجع إلى أرض الإسلام، لا مطلق الأرض، ولا معنى لتقييد أرض الإسلام بما يرجع إلى تفسيرها، وحمل الجواب على التوضيح والتفسير مستبعد جدّاً، بل الظاهر كونه ناظراً إلى اعتبار أمر زائد، وهو لا ينطبق إلّا على تفسير الشهيد، وقد عرفت أنّ مقتضاه أنّه لا أصالة للمصنوعية في أرض الإسلام، بل هي بضميمة الغلبة أمارة على كون الصانع مسلماً. نعم، مقتضى ذلك اعتبار إسلام الصانع، من دون فرق بين أن يكون البائع أيضاً مسلماً، وبين أن لا يكون كذلك.

المقام الحادي عشر: هل المطروحية في أرض الإسلام أمارة على وقوع التذكية على المطروح أو على الأمارة عليه، أو أنّها لا تكون أمارة أصلًا إلّا إذا كان عليه أثر استعمال المسلم، وجريان يده عليه؟ ومن المعلوم أنّه حينئذ يرجع إلى اعتبار يد المسلم وأماريّتها.

والدليل في هذا المقام رواية السكوني، عن أبي عبداللَّه عليه السلام، أنّ أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها، وفيها سكّين؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل؛ لأنّه‏ يفسد وليس له بقاء، فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن. قيل له: يا أمير المؤمنين عليه السلام لا يدري سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ فقال: هم في سعة حتى يعلموا (35) ، ويجري في معنى الرّواية احتمالات:

أحدها: أن تكون الرّواية بصدد بيان أصالة الطهارة عند الشك في النجاسة، ومنشأ الشك عدم العلم بكون السفرة لمسلم أو مجوسيّ من جهة ملاقاة المجوسي، وعليه: فالمراد بقوله عليه السلام: «هم في سعة حتّى يعلموا»، هي التوسعة من جهة الطهارة إلى حصول العلم بالنجاسة.

ثانيها: أن تكون الرّواية بصدد إفادة أمارية المطروحية في أرض الإسلام على وقوع التذكية على الحيوان المأخوذ منه اللحم الموجود في السفرة، ومنشأ الشك احتمال كونها لمجوسي، وهو لا يراعي شرائط التذكية المعتبرة في الاسلام، ولا يجتمع هذا الاحتمال مع ذكر مثل الخبز والبيض في رديف اللّحم؛ لعدم الشك فيه من هذه الجهة، كما هو ظاهر.

ثالثها: أن تكون الرواية بصدد بيان أنّ الحكم في مورد الشك في الحلّية مطلقاً هي الحلية والإباحة، ومنشأ الشك احتمال عدم رضا المالك بالتصرّف فيها.

إذا ظهر لك هذه الاحتمالات فاعلم أنّ الاستدلال بالرواية على الأمارية متوقّف على كون المراد بها هو الاحتمال الثاني، ومن الواضح عدم ظهور الرواية فيه لو لم نقل بظهورها في غيره؛ لما مرّ من عدم ملائمته لذكر مثل الخبز والبيض، إلّا أن يقال بأنّ السؤال الثاني في الرواية لا يرتبط بما هو محطّ النظر في السؤال الأوّل، بل يمكن أن يكون من شخص آخر لا من السائل الأوّل. وعليه: فيمكن دعوى كون الثاني ناظراً إلى خصوص اللحم من جهة التذكية وعدمها، فالحكم بالتوسعة إلى‏ أن يعلم بكونه من مجوسيّ دليل على أماريّة المطروحيّة في أرض الإسلام.

ولكن هذه الدّعوى لا توجب ظهور الرّواية فيها، وإن كانت تصلح لأن يجاب بها عن الإشكال الوارد على الاحتمال الثالث؛ وهو أنّه يوجب طرح الرّواية؛ إذ لم يذهب أحد إلى الإباحة عند الشك فيها من هذه الجهة، فإنّ الإباحة حينئذٍ إنّما هي لأجل وجود الأمارة لا لمجرّد الشك، كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام في قاعدة حجّية سوق المسلمين.

_____________

( 1) الكافي: 7/ 387 ح 1، الفقيه: 3/ 31 ح 92، تهذيب الأحكام: 6/ 261 ح 695، وعنها وسائل الشيعة: 27/ 292، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ب 25 ح 2.

( 2) القواعد الفقهيّة للمحقّق البجنوردي: 4/ 156.

( 3) الكافي: 6/ 237 ح 2، الفقيه: 3/ 211 ح 976: تهذيب الأحكام: 9/ 72 ح 307 و306، وعنها وسائل الشيعة: 24/ 70، كتاب الصيد والذبائح، أبواب الذبائح ب 29 ح 1.

( 4) تهذيب الأحكام: 2/ 234 ح 920، الكافي: 3/ 43 ح 28، وعنهما وسائل الشيعة: 3/ 490، كتاب‏ الطهارة، أبواب النجاسات ب 50 ح 2.

( 5) تهذيب الأحكام: 3/ 368 ح 1529، الفقيه: 1/ 167 ح 787، وعنهما وسائل الشيعة: 3/ 491، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب 50 ح 3.

( 6) تهذيب الأحكام: 2/ 371 ح 1545، قرب الإسناد: 385 ح 1375، وعنهما وسائل الشيعة: 3/ 492، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب 50 ح 6.

( 7) الكافي: 3/ 404 ح 31، تهذيب الأحكام: 2/ 234 ح 921، وعنهما وسائل الشيعة: 3/ 493، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب 50 ح 9.

( 8) راجع مستند الشيعة: 1/ 351- 353، جواهر: 6/ 347، تعليقة السيد الگلپايگاني على العروة: 1/ 130.

( 9) مستمسك العروة الوثقى: 1/ 328.

( 10) تهذيب الأحكام: 2/ 371 ح 1544، الفقيه: 1/ 167 ح 788، وعنهما وسائل الشيعة: 3/ 492، كتاب ‏الطهارة، أبواب النجاسات ب 50 ح 7.

( 11) القواعد الفقهيّة: 4/ 160- 165.

( 12) كفاية الاصول: 254، فوائد الاصول: 1/ 515، أجود التقريرات: 2/ 295- 299، نهاية الأفكار: 2/ 510، محاضرات في اصول الفقه: 5/ 159، مناهج الوصول: 2/ 230.

( 13) البيان في مذهب الشافعي: 4/ 535، بدائع الصنائع: 4/ 177، المغني لابن قدامة: 11/ 11، المجموع‏ شرح المهذّب: 9/ 88.

( 14) البيان في فقه الشافعي: 1/ 69- 70، بدائع الصنائع: 1/ 243- 245، المغني لابن قدامة: 1/ 55- 56، المجموع شرح المهذّب: 1/ 268- 280.

( 15) البيان في فقه الشافعي: 4/ 526- 529، بدائع الصنائع: 4/ 164- 165، المغني لابن قدامة: 11/ 35، المجموع شرح المهذّب: 9/ 75، الشرح الكبير: 11/ 46.

( 16) القواعد الفقهيّة: 4/ 165.

( 17) القواعد الفقهيّة: 4/ 165- 167.

( 18) الكافي: 3/ 398 ح 7، وعنه وسائل الشيعة: 3/ 493، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب 50 ح 10.

( 19) رسالة الصلاة في المشكوك للمحقّق النائيني: 178- 179، العروة الوثقى: 1/ 130- 131 طبع مؤسّسة النشر الإسلامي.

( 20) روض الجنان: 2/ 570، جواهر الكلام: 6/ 346، مستمسك العروة الوثقى: 1/ 330.

( 21) تذكرة الفقهاء: 2/ 464، حاشية الشرائع للمحقّق الثاني: 1/ 201، مسالك الأفهام: 1/ 285.

( 22) منتهى المطالب: 4/ 204- 206.

( 23) نهاية الإحكام في معرفة الأحكام: 1/ 373.

( 24) ذكرى‏ الشيعة: 3/ 29، الدروس الشرعيّة: 1/ 149- 150.

( 25) بدائع الصنائع: 1/ 243- 245، المغني لابن قدامة: 1/ 55، المجموع: 1/ 268- 280.

( 26) الصرد: بفتح الصاد وكسر الراء المهملة: من يجد البرد سريعاً. مجمع البحرين.

( 27) القرظ: بالتحريك ورق السلم يدبغ به الأديم. وفي الخبر: اتي بهديّة في أديم مقروظ؛ أي مدبوغ‏ بالقرض. مجمع البحرين.

( 28) الكافي: 3/ 397 ح 2، وعنه وسائل الشيعة: 4/ 462، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب 61 ح 2.

( 29) مستمسك العروة الوثقى: 1/ 326، نهاية التقرير: 1/ 301- 302.

( 30) لم نعثر عليه عاجلًا.

( 31) الكافي: 3/ 398 ح 5، تهذيب الأحكام: 2/ 204 ح 798، وعنهما وسائل الشيعة: 3/ 503، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب 61 ح 4.

( 32) تهذيب الأحكام: 2/ 368 ح 1532، وعنه وسائل الشيعة: 3/ 491، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب 50 ح 5.

( 33) روض الجنان: 2/ 571 ومسالك الأفهام: 1/ 285.

( 34) نهاية التقرير: 1/ 299- 301.

( 35) الكافي: 6/ 297 ح 2، المحاسن: 2/ 239 ح 1737، وعنهما وسائل الشيعة: 24/ 90، كتاب الصيد والذبائح، أبواب الذبائح ب 38 ح 2، وبحار الأنوار: 65/ 39 ح 15.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.