أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-5-2022
1137
التاريخ: 31-5-2022
1597
التاريخ: 20-6-2022
1830
التاريخ: 30-5-2022
1648
|
من أجل الإحاطة بموضوع البحث وضرورة ما تقتضيه الأمانة العلمية، فقد ارتأينا دراسة هذا الحق في الشرائع السماوية، لتوضيح أهميته من خلال الوقوف على ركائزه وأساس تطوره في مرحلة ما قبل الإسلام، ليتبين مدى تأثير ذلك التطور على هذا الحق في مرحلة ما بعد الإسلام، بحيث نخلص إلى القول هل أن ما قررته الشريعة الإسلامية يعد مجرد تقنين لما ظهر قبل الإسلام من أديان سماوية (يهودية، مسيحية) أو مدونات قانونية (رومانية) أو غيرها أم هل أن للإسلام منهجية ونظرة خاصة ومستقلة في حماية هذا الحق؟ ، للاجابة على ذلك يقتضي تقسيم هذا الموضوع الى فروع ثلاثة وعلى النحو الآتي :
المطلب الاول : الديانة اليهودية.
لقد جاء في (التوراة) وهو كتاب الله المنزل على بني إسراًئيل(1) ما يشير من قريب أو بعيد إلى حرص الإنسان على ستر خصوصياته كما جاء في (سفر التكوين)(2) ما يشير إلى حرص سيدنا آدم وحواء عليهما السلام على ستر ما ظهر منهما بعد أن أكلا من الشجرة التي وسوس لهما الشيطان الاقتراب منها مخالفة لأمر الله، وهي الحادثة نفسها التي ورد ذكرها في القرآن الكريم(3) بمعنى آخر هناك ما يخص حفظ العورة وحرمتها(4) تعد أحد مظاهر الحق في الخصوصية. أما بالنسبة إلى باقي مظاهر الحق ومنها حرمة المسكن فيبدو أن حمايته كانت بصورة غير مباشرة، وهي أنه إذا قتل لص متلبس ليلاً لقيامه بعمل ثقب في حائط مسكن من أجل السرقة، فإن القاتل يعفى من العقاب(5)، إذ لا يوجد في القانون اليهودي نص يعاقب على جريمة انتهاك حرمة المسكن بوصفها جريمة قائمة بذاتها، بل وردت الإشارة لهذا الحق بوصفه ظرفاً مشدداً لجريمة السرقة التي ترتكب عن طريق عمل ثقب أو كسر ليلاً.
المطلب الثاني: الديانة المسيحية.
لم يكن في الديانة المسيحية(6) حاجة لتنظيم المسائل الدنيوية، لأن المسيح عليه السلام أمر الناس ألا يهتموا في حياتهم بما يأكلون ويشربون ولا بأجسادهم بما يلبسون، لأن الحياة بنظرهم ما هي إلا وسيلة لتحقيق غاية سامية وهي السعادة الأبدية(7). اذ ان من المسلم به أن المسيحية كانت تحث على احترام حقوق الإنسان ألا إن هذه الحقوق انغمست ما بين الدين والدولة ولكن على نحو أخف وطأة مما كان في الدولة التي سبقت ظهور المسيحية، وعلى الرغم من هذا لا يمكن وبأية حال من الأحوال إغفال الدور الذي رسمته هذه الديانة من النهي عن المساس بحق الإنسان في الحياة، وضرورة حماية الأعراض، والتشديد على عدم استعمال حاسة البصر في الإطلاع على عورات الناس، من خلال ما جاء بالنهي عن الزنا(8) ، ومما يؤكد ما نحن بصدده أنها حثت على عدم الاعتداء على حرمة ذلك الجزء الأساسي من خصوصية الإنسان - حماية عرضه وسمعته - مع العلم أن هذا الحق جزء لا يتجزأ، ولكن في مواضع معينة يكون رضا الإنسان مسوغاً للآخرين في التصرف بحقه، كمن يسمح للغير بالدخول إلى مسكنه للقيام بعمل معين . وفي مجال التطبيق نجد أن القانون الكنسي كان يرمز إلى الجمود فيما يخص جريمة انتهاك حرمة المسكن من خلال عدم وضع تعريف محدد لهذه الجريمة، علاوة على أن نوع الحماية التي أضفاها القانون الكنسي على ذلك المحل القانوني ما هي إلا امتداد لحماية الحرم الكنسي والأديرة(9). وأما بخصوص جريمة إفشاء السر، فلم يعرف القضاء الكنسي عقابا لها، إلا بالنسبة إلى أشخاص معينين وهم أعضاء الكنيسة(10) أما باقي الأشخاص فكان عقابهم قاصرا على الأفعال المخالفة للعقيدة حتى أن هذا الهدف لا ينطبق على إفشاء سر مهنة الطب والمحاماة مثلاً.
المطلب الثالث : حق الخصوصية في الشريعة الإسلامية.
لقد عملت الشريعة الإسلامية بوصفها ديناً سماوياً ختم الله به الديانات على صيانة حقوق الإنسان، إذ أن ما جاءت به الشريعة يعد أعظم إعلان عالمي لحقوق الإنسان، الإعلان الذي يحمي الإنسان ذاته بصرف النظر عن أي شيء لكي يمارس حقوقه بوعي كامل دون تعد على حرية الآخرين من أجل اكتمال بناء المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان سيداً كريماً، ومما يتفق مع هذا التكريم القاعدة التي يقوم عليها بناء الإسلام عقيدة وشريعة، فقد جاء قوله تعالى بهذا الشأن ] وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا[ (11). ولا تقتصر الأسس التي أرساها الإسلام في بناء حقوق الإنسان وحمايتها على حق معين بل حافظت على الحرية الشخصية وحرمت الاعتداء على الإنسان في نفسه أو ماله أو عرضه فشرعت القصاص في ذلك، لقوله تعالى ]وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[(12) ، فالإسلام شرع حقوق الإنسان في شمول وعمق، وحرص عليها بسياج عال منيع، وأحاطها بضمانات كافية وصاغها مجتمعة على أساس قوي من الأصول والمبادئ، وما هذا كله إلا دعما لبنائه التشريعي(13). ومن مجمل تلك الحقوق اللصيقة بشخص الإنسان، حقه في الحرية، وحقه في حرمة خصوصيته، وهذا الأخير سيبقى لصيقا بصاحبه حتى يرث الله سبحانه وتعالى الأرض وما عليها، وعلى الرغم من أن اصطلاح الحق في الخصوصية لم يرد ذكره في الشريعة بهذا اللفظ(14) غير أن هذا لا يعني أن الشريعة الإسلامية أغفلت الإشارة إلى جوهره بوصفه حقاً(15) إذ أن حقوق الأفراد في الفقه الإسلامي ترتكن إلى المصادر التي تستقي منها الأحكام الشرعية، فليس هناك حق شرعي ما لم يستند إلى دليل، فإذا كان الحق هو مثبت الحقوق فإن الله سبحانه وتعالى هو مثبت جميع الحقوق(16).
من الواضح أن البحث عن فلسفة التعاليم الإسلامية في هذا المجال لم تترك كبيرة ولا صغيرة إلا وبينتها فحفظت الحقوق وصانتها من التعدي عليها لأي سبب من الأسباب. فالبحث في جملة الحقوق التي تندرج تحت مفهوم حق الخصوصية ليس من السهل الإحاطة بها مجتمعة سواء في الفقه الإسلامي أم في القانون الوضعي، بل يمكننا اتباع القواعد والمعايير التي من خلالها نستطيع فهم مضمون ما تنطوي عليه من احترام تفرضه علينا الحياة من شريعة وقانون، فالشريعة الإسلامية جعلت حماية حرمة هذا الحق ضرورة إنسانية كباقي الضرورات التي تعد من مقومات المجتمع الإسلامي، فهي حماية تتسم بالشمول في وضع قواعد كلية لا تتبدل بتبدل الزمان والمكان كقاعدة (لا ضرر ولا ضرار) القادرة على صون خصوصية الإنسان، هذه الحماية التي تستمد جذورها من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فالإسلام هو تنظيم ونظرية متكاملة ماديا وروحيا، فهو دين ودنيا معا(17)، بمعنى آخر أنه دعوه عالمية والشريعة فيه عامة التطبيق، وشاملة لجميع نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية..الخ. ونستأثر في دراستنا المقارنة من خلال التطبيق بحماية هذا الحق ومشروعية القيود التي تحول دون ذلك، فالشريعة الإسلامية حرمت الدخول إلى المساكن دون إذن أصحابها، ولكن في الوقت نفسه بينت مشروعية الاقتراب منها ودخولها عن طريق الاستئناس، كما حرمت إفشاء الحديث والاسرار الخاصة ودعت إلى حفظها، وكيف يحافظ كل من الزوجين على اسرار الآخر، فضلاً عن تحريم الوصول إلى الاسرار عن طريق التطفل والتجسس لأي سبب كان، وحرمت التشهير وإشاعة الفاحشة لكي تحفظ للإنسان عرضه وشخصه وكرامته، كما حافظت على حماية المراسلات البريدية والبرقية والهاتفية الشخصية والرسمية، وأهمية المحافظة على الاسرار الواردة فيها، ولم تقف عند هذا فحسب فقد حمت خصوصية المتوفى ابتداءاً من وفاته ووضعه في القبر ثم احترام جثته بعدم نبشها وانتهاءاً بعدم إفشاء اسراره بعد وفاته إن لم تكن مكرمة أو صفة حميدة(18). يتجلى البحث في هذا المضمار من خلال الإشارة إليه في مفردات البحث كلما استوجب الأمر ذلك على أنه من الأجدر بيانها بشكل أكثر تفصيلا باعتبار أن أحكام الشريعة الإسلامية ما تزال موضع التطبيق إلى يومنا هذا فهي لم تعجز عن الوفاء بمقصد وما ضاق ذرعها بجديد.
______________
1- بنو إسرائيل هم أتباع الديانة اليهودية التي تنسب إلى سيدنا موسى عليه السلام، وكانت تعتمد في السابق على كتاب مقدس (التوراة) أو كما يسمى بالعهد القديم، وتنقسم هذه الديانة الآن إلى مذهبين، الأول: الربانيين الذين يؤمنون بـ(التوراة) والسنة (التلمود)، والثاني: القرائين وهؤلاء لا يعتقدون إلا فيما يقرأ بالكتاب، وفي الوقت نفسه ينقسم الربانيون إلى طائفتين: (الأشكنازيم) وهم يهود الغرب و(السفرديم) وهم يهود الشرق، ينظر في هذا الصدد تفصيلا د. ثروت أنيس الأسيوطي، نظام الأسرة بين الاقتصاد والدين ـ الجماعات البدائية، بنو إسرائيل، دار النهضة العربية، القاهرة، 1966م، ص121.
2- جاء ذلك في الكتاب المقدس (سفر التكوين)، الإصحاح الثالث (2،7،27)، فالتوراة تتكون من كتب خمس هي (التكوين، الخروج، اللاوين، العدد، التثنية).
3- قال تعالى في محكم تنزيله]وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ [ سورة البقرة، الآية 35 وقال جل وعلا ايضاً ]يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * يَابَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [ سورة الأعراف، الآية (26- 27).
4- الكتاب المقدس (سفر التكوين)، الإصحاح الحادي عشر، وينظر كذلك د. حسني الجندي، ضمانات حرمة الحياة الخاصة في الإسلام، ط(1)، دار النهضة العربية، القاهرة، 1993م، ص23.
5- ينظر : د. صوفي ابو طالب ، مصدر سابق ، ص267.
6- هي الديانة التي نادى بها سيدنا عيسى عليه السلام وتعتمد على كتاب سماوي يسمى (الإنجيل) أو كما يسمونه بـ(العهد الجديد) ، ينظر : د. حسني الجندي، مصدر سابق، ص24.
7- ينظر : (إنجيل متى) الإصحاح السادس، 25ـ31، وكذلك (إنجيل لوقا)، الإصحاح الثاني عشر، الآية (22).
8- ينص (إنجيل متى) على (وقد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن، وأما أنا فأقول لكم أن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه، فان كانت عينك اليمنى تعثرك فأقلعها وألقها عنك، لأنه خير أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم). الإصحاح الخامس ، 21ـ22.
9- لقد كان تدنيس حرمة الكنائس والأديرة يعد جريمة إلى أن شملت الحماية محيط (300 بيت) حول الكنيسة، ومما يؤخذ على محل هذه الحماية أنها أصبحت ملجأ للمجرمين لأنه كان من غير الممكن إخراجهم أو القبض عليهم داخل حرمها، وللمزيد ينظر حامد راشد، مصدر سابق، ص28.
10- ومثال على ذلك أن هذا القانون حظر إفشاء الاعترافات المدلى بها أمام محكمة التوبة، فإذا أفشى كاهن سر اعتراف، فإن عقوبته تكون عزله في مكان معين بالدير يقضي فيه بقية حياته مع عزلة من الوظيفة، ينظر احمد كامل سلامة، مصدر سابق، ص13.
11- سورة الإسراء ، الآية (70).
12- سورة البقرة ، الآية (179) .
13- ينظر: د. حسني الجندي، مصدر سابق، ص8ـ10.
14- ينظر: د. عبد الحسين شعبان، الإسلام وحقوق الإنسان ،مؤسسة حقوق الانسان والحق الانساني ، بيروت، 2001م، ص146.
15- سيتم البحث في تعريف الحق وتقسيماته في الفقه الإسلامي في الفصل الأول من هذه الأطروحة.
16- الحق: اسم من أسماء الله الحسنى قال الرسول عليه السلام: (إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا، إنه وتر يحب الوتر، من حفظها دخل الجنة ) وعد منها الحق . ينظر : ابن ماجة ج(2)، حديث رقمه (3861)، ص1269. وكذلك ينظر : د. هاني سليمان الطعيمات، حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان ، 2001م، ص21.
17- الشريعة الإسلامية لها ذاتية خاصة، فقد نشأت مستقلة ومتميزة عن غيرها من الشرائع والقوانين، لأن طبيعة مصادرها إلهية لا تستند إلى الأعراف والعادات والتقاليد، كما أننا نعاني اليوم من تلك (الإسرائيليات) المدسوسة على تاريخنا وفقهنا الإسلامي . ينظر : د. عادل بسيوني، تاريخ القانون المصري، مصر الإسلامية، مكتبة نهضة الشرق، القاهرة، 1985م، ص103ـ105 وما بعدها ، وينظر كذلك : د. محمد السقا، تاريخ القانون المصري ، دار النهضة العربية، القاهرة، بدون سنة طبع، ص398 ، وكذلك : د. صوفي أبو طالب، مصدر سابق، ص589.
18- ينظر : محمد راكان الدغمي، حماية الحياة الخاصة في الشريعة الإسلامية، دار السلام للنشر والتوزيع، 1985، ص135.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|