أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-08-2015
834
التاريخ: 7-08-2015
2762
التاريخ: 5-08-2015
2004
التاريخ: 5-08-2015
1247
|
تتفق جميع الفرق الإسلامية على وجوب نصب الإمام ، سوى العجاردة من الخوارج ، ومنهم حاتم الأصم أحد شيوخ المعتزلة ( ت 237 ) ( 1 ) قد شذوا عن ذلك ، واعتقاد المسلمين بذلك يفترق إلى مذهبين اثنين في ماهية هذا الوجوب ، فالشيعة يذهبون إلى وجوبه على الله تعالى ، وباقي الفرق على الأمة، فوجوب نصب الإمام لا خلاف فيه بين المسلمين ، وإنما الكلام في تعيين من يجب عليه ذلك . وليس المراد من وجوبه على الله سبحانه ، هو إصدار الحكم من العباد على الله سبحانه ، حتى يقال : {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57] بل المراد كما ذكرنا غير مرة : أن العقل - حسب التعرف على صفاته سبحانه ، من كونه حكيما غير عابث - يكشف عن كون مقتضى الحكمة هو لزوم النصب أو عدمه ، وإلا فالعباد أقصر من أن يكونوا حاكمين على الله سبحانه .
ثم إن اختلاف المسلمين في كون النصب فرضا على
الله أو على الأمة ينجم عن اختلافهم في حقيقة الخلافة والإمامة عن رسول الله ( صلى
الله عليه وآله ) .
فمن ينظر إلى الإمام بوصفه رئيس دولة ليس له
وظيفة إلا تأمين الطرق والسبل ، وتوفير الأرزاق ، وإجراء الحدود ، والجهاد في سبيل
الله ، إلى غير ذلك مما يقوم به رؤساء الدول بأشكالها المختلفة ، فقد قال بوجوب
نصبه على الأمة ، إذ لا يشترط فيه من المواصفات إلا الكفاءة والمقدرة على تدبير
الأمور ، وهذا ما يمكن أن تقوم به الأمة الإسلامية .
وأما على القول بأن الإمامة استمرار لوظائف
الرسالة ( لا لنفس الرسالة فإن الرسالة والنبوة مختومتان بالتحاق النبي الأكرم -
صلى الله عليه وآله - بالرفيق الأعلى ) فمن المتفق عليه أن تعهد هذا الأمر يتوقف
على توفر صلاحيات عالية لا ينالها الفرد إلا إذا حظي بعناية إلهية خاصة ، فيخلف
النبي في علمه بالأصول والفروع ، وفي سد جميع الفراغات الحاصلة بموته ، ومن
المعلوم أن هذا الأمر لا تتعرف عليه الأمة إلا عن طريق الرسول ، ولا يتوفر وجوده
إلا بتربية غيبية وعناية سماوية خاصة .
وهكذا فلا يخفى أن كون القيادة الإسلامية بعد
النبي ( صلى الله عليه وآله ) بيد الله أو بيد الأمة، أو أن التعيين هل هو واجب
عليه سبحانه أو عليهم ، ينجم عن الاختلاف في تفسير ماهية الخلافة .
فمن جعلها سياسة زمنية وقتية يشغلها فرد من الأمة
بأحد الطرق ، قال في حقه : " لا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه بغصب الأموال وضرب
الأبشار ، وتناول النفوس المحرمة ، وتضييع الحقوق ، وتعطيل الحدود ، ولا يجب
الخروج عليه ، بل يجب وعظه وتخويفه ، وترك طاعته في شيء مما يدعو إليه من معاصي
الله " ( 2 ) .
ومن قال : بأن الإمام بعد الرسول أشبه برئيس
الدولة أو أحد الحكام ، وتنتخبه الأمة الإسلامية ، قال في حقه : " ولا نرى
الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ، ولا ندعو عليهم ، ولا ننزع يدا من
طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله فريضة ما لم يأمروا بمعصية ، وندعو لهم بالصلاح
والمعافاة . والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين ، برهم وفاجرهم ، إلى
قيام الساعة ، ولا يبطلهما شئ ، ولا ينقضهما " ( 3 ) .
وقد درج على هذه الفكرة متكلمو السنة ومحدثوهم ،
حتى قال التفتازاني : " ولا ينعزل الإمام بالفسق ، أو بالخروج عن طاعة الله تعالى
، والجور ( الظلم على عباد الله ) لأنه قد ظهر الفسق وانتشر الجور من الأئمة
والأمراء بعد الخلفاء الراشدين ، والسلف كانوا ينقادون لهم ، ويقيمون الجمع
والأعياد بإذنهم ، ولا يرون الخروج عليهم ، ونقل عن كتب الشافعية : أن القاضي
ينعزل بالفسق بخلاف الإمام ، والفرق أن في انعزاله ووجوب نصب غيره إثارة الفتنة ،
لما له من الشوكة ، بخلاف القاضي " ( 4 ) .
أما من فسر الإمامة بأنها عبارة عن إمرة إلهية
واستمرار لوظائف النبوة كلها سوى تحمل الوحي الإلهي ، فلا مناص له عن القول بوجوب
نصبه على الله سبحانه .
وقد استدلت الإمامية على وجوب نصب الإمام على
الله سبحانه : بأن وجود الإمام الذي اختاره الله سبحانه ، مقرب من الطاعات ، ومبعد
عن المعاصي ، وقد أوضحوه في كتبهم الكلامية .
والمراد من اللطف المقرب هنا ما عرفت من أن رحلة
النبي الأكرم تترك فراغات هائلة بين الأمة في مجالي العقيدة والشريعة ، كما تترك
جدالا ونزاعا عنيفا بين الأمة في تعيين الإمام .
فالواجب على الله سبحانه من باب اللطف هو سد هذه
الفراغات بنصب من هو صنو النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) في علمه بالعقيدة
والشريعة ، وفي العدالة والعصمة ، والتدبير والحنكة ، وحسم مادة النزاع المشتعل
برحلة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، ولم شعث الأمة، وجمعهم على خط واحد .
والغريب أن المعتزلة الذين يذهبون إلى وجوب
اللطف والأصلح على الله سبحانه ، يشذون في هذا المقام عن معتقدهم هذا ، مع العلم
بأن هذا المورد من جزئياته ، والذي منعهم عن الالتزام بالقاعدة في المقام بأنهم لو
قالوا بها في هذه المسألة لزمهم أن يقولوا بعدم صحة خلافة الخلفاء المتقدمين على
علي ، لأن قاعدة اللطف تقتضي أن يكون الخليفة منصوصا عليه من الله سبحانه.
ثم إنك قد تعرفت على أن الرسول الأكرم ( صلى
الله عليه وآله ) - وبوحي من الله سبحانه - قام بتطبيق القاعدة ، ونصب إماما للأمة
، ليقود أمرهم ويسد جميع الفراغات الحاصلة بلحوقه بالرفيق الأعلى ، وبذلك حسم مادة
النزاع ، وقطع الطريق على المشاغبين ، ولكنه - وللأسف - تناست الأمة وصية الرسول (
صلى الله عليه وآله ) وأمره ، فانقسموا إلى طوائف وأحزاب ، وقامت بينهم المعارك
والحروب التي أريقت فيها الدماء ، واستبيحت بسببها الأعراض ، وتبدلت نتيجة لذلك
المفاهيم ، واختلفت القيم ، واستثمر أعداء الدين هذه الاختلافات بين المسلمين
فعمدوا إلى زيادة الهوة بينهم وكرسوا لذلك أقصى جهودهم حتى أصبح التقريب فضلا عن
الوحدة أمرا متعسرا على المفكرين ، نسأل الله سبحانه أن يسد تلك الفجوة العميقة
بإيقاظ شعور علماء الأمة ومصلحيهم في المستقبل القريب إن شاء الله تعالى .
_________________
( 1 ) ادعت العجاردة بأن الواجب على الأمة التعاون والتعاضد لإحياء
الحق وإماتة الباطل ، ومع قيام الأمة بهذا الواجب لا يبقى للإمام فائدة تستدعي
تسلطه على العباد ، أما إذا اختلفت الأمة ولم تتعاون على نشر العدل وإحقاق الحق
فيجب عليها تعيين من يقوم بهذه المهمات ، وعلى ذلك فالإمامة لا تجب بالشرع ولا
بالعقل ، وإنما تجب للمصلحة أحيانا .
( 2 ) التمهيد للقاضي أبي بكر الباقلاني ( ت 403 ه ) 181.
( 3 ) العقيدة الطحاوية : 379 - 387 .
(
4 ) شرح العقائد النسفية لأبي حفص عمرو بن محمد النسفي ( ت 573 ه ) والشرح لسعد
الدين التفتازاني ( ت 791 ه ) 185 - 186 ، ولاحظ في هذا المجال مقالات الإسلاميين
للأشعري : 323 ، وأصول الدين لمحمد بن عبد الكريم البزدوي إمام الماتريدية : 190 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|