المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4870 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
زكاة الفطرة
2024-11-05
زكاة الغنم
2024-11-05
زكاة الغلات
2024-11-05
تربية أنواع ماشية اللحم
2024-11-05
زكاة الذهب والفضة
2024-11-05
ماشية اللحم في الولايات المتحدة الأمريكية
2024-11-05

الحضر....مدينة الشمس و روما الشرق
10-11-2016
من هي معلمة رياض الأطفال؟
12-1-2022
المعجزة تنزل بأمر الهي
23-09-2014
الالتواءات Folds
2024-10-07
Self-Correcting Point Process
16-3-2021
أثر دراسات علم الإجرام في القانون الجنائي
17-6-2022


الإمامة بمفهومها العام  
  
1208   08:49 صباحاً   التاريخ: 5-08-2015
المؤلف : محمد حسن آل ياسين
الكتاب أو المصدر : أصول الدين
الجزء والصفحة : ص271-288
القسم : العقائد الاسلامية / الامامة / الامامة تعريفها ووجوبها وشرائطها /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-4-2017 1113
التاريخ: 7-08-2015 1034
التاريخ: 5-08-2015 800
التاريخ: 5-08-2015 3366

 الامام- كما تعرفه اللغة العربية- هو المتقدم على قومه والمتبع والمقتدى والقيّم ‏(1) .

وتكون الامامة على هذا- قيادة ورئاسة ومتبوعية وتقدما، وبذلك استحق من يتقدم القوم للصلاة بهم ان يسمى «إماما» لأنه يؤمهم أي يتقدمهم.

وعلى هذا المعنى اللغوي سار القرآن الكريم في استعمال كلمة «الامام» كما في قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124] {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً } [هود: 17] {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } [الفرقان: 74] {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } [الإسراء: 71] ، والى آخر ما ورد في القرآن المجيد من استعمال لكلمة «امام», والخليفة- كما تعرفه اللغة العربية أيضا- هو الامير والسلطان الاعظم ومن يستخلف ممن قبله‏ (2) , وتكون الخلافة- على هذا- أمارة وسلطنة وقياما مقام الذاهب.

وعلى هذا المعنى سار القرآن الكريم في استعمال كلمة «الخليفة» و «الخلائف» و «الخلفاء» كما في قوله تعالى:

{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ } [ص: 26] {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ} [فاطر: 39] {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} [الأعراف: 69] والى آخر الآيات التي استعملت فيها هذه الكلمات.

واذا كان علماء اللغة قد اتفقوا على هذه المعاني التي تشير إليها كلمتا «إمامة» و «خلافة» فان علماء الكلام وانصارهم قد اختلفوا في كون هاتين الكلمتين بمعنى واحد او معنيين.

فالماوردي يعرف الامامة بأنها «موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا»(3) .

وابن خلدون يعرف الخلافة بأنها «حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الاخروية والدنيوية الراجعة إليها» (4) ، و يؤكد «ان الخطط الدينية الشرعية ... مندرجة تحت الامامة الكبرى التي هي الخلافة» (5) .

وربط ثالث «بين الخلافة باعتبارها الامامة الكبرى والصلاة باعتبارها إمامة صغرى» (6) .

ومعنى ذلك كله ان هاتين الكلمتين تتجهان نحو مقصد واحد.

ولعل «الرئاسة» او «القيادة» هي المعنى الجامع الذي يمكن تفسير هذين اللفظين به واتفاقهما عليه.

ولكننا عند ما نتتبع مجال نفوذ هذه القيادة أو الرئاسة في الميدان العملي فإننا نلمس من الفروق ما يفصل احدى الكلمتين عن الاخرى ويميز بينهما بما يعطى لكل لفظة منهما من اطر وابعاد.

فالإمامة- كما تشعرنا النصوص الدينية- رئاسة دين.

والخلافة- كما تشعرنا تلك النصوص أيضا- رئاسة دولة.

و«أصبح الامام لدى مفكري الاسلام- سُنة وشيعة- يعني صاحب الحق الشرعي، بينما يشير لفظ الخليفة الى صاحب السلطة الفعلية» (7)  ومن هنا «كانت خلافة ابي بكر عن النبي في سلطته الزمنية دون الدينية» (8) .

وبهذا يصبح لكل لفظ منهما ميدانه الخاص واطاره المعين الذي يدور فيه.

ومع هذا الاختلاف في مجال التطبيق فإننا نؤمن- سيرا وراء النصوص- ان العنوانين لا بد من اجتماعها في شخص واحد، لأننا لا نقر- اسلاميا- فكرة فصل الدين عن الدولة.

واذا كان للمجتمعات الاوروبية التي صدرت إلينا هذه الفكرة بعض العذر في تبني هذا «الفصل» وفي الثورة على تحكم الكنيسة وتدخلها في الشئون العامة، باعتبار أن المسيحية لم تحمل نظام دولة ومنهج حكم، فليس لنا- نحن المسلمين- أي عذر أو مبرر في حمل هذا الشعار، ما دام ديننا في حقيقته رسالة دين ونظام دولة (9) .

واذن فلا بد من اجتماع رئاستي الدين والدولة في شخص واحد لئلا نسقط في «الثنائية» التي يكون من أول آثارها مرض «ازدواج الشخصية» في نفس الانسان المسلم.

واذا كان بين المسلمين من ذهب الى ان الامامة شي‏ء والخلافة شي‏ء آخر فإنما استنبط ذلك من التاريخ العملي للمسلمين، حينما انفصلت الامامة عن الخلافة؛ فكان مرجع الدين غير رئيس الحكومة، وكان من غير المعقول ان يصبح شخص «الخليفة» كيزيد بن معاوية مثلا «إماما» للمسلمين يلجئون له في مسائل الدين وشئون العقيدة.

ان الامامة- كما فهمها الشيعة الامامية- جزء متمم للرسالة و استمرار لوجودها. و العقل قاض بضرورتها لأنها لطف، وكل لطف واجب على اللّه تعالى؛ على حد تعبير المنهج العقلي في علم الكلام.

اما كون الامامة لطفا، فذلك لأن اللطف هو ما يقرب العبد الى الطاعة و يبعده عن المعصية و يحمله على طريق الحق، و هذا المعنى تحققه الامامة بكل وضوح. و كل أحد يعلم أن وجود قائد مطاع مبسوط اليد؛ يردع الظالم؛ وينتصف للمظلوم؛ وينظم شئون الناس بإخلاص وايمان وتجرد عن الهوى والانانية وحب الاثرة؛ مما يقرب الانسان الى الطاعة ويبعده عن الجريمة ويشجعه على السير وفق النهج الذي اختاره اللّه تعالى, وهذا هو معنى «اللطف» الذي نعنيه في مثل هذا المقام.

وأمر ليس بحاجة الى مزيد كلام: ان كل مجتمع انساني- قديم أو حديث- لا بد له من رئيس يدير امره؛ ودستور وقوانين تنظم شئونه. واذا كانت المجتمعات الحديثة تشعر بحاجتها الماسة الى رئيس والى حكومة؛ أي الى سلطة تتولى الشئون الحيوية للمجتمع من سياسية وعسكرية واقتصادية وقضائية وتربوية ... الخ، فان الاسلام ينظر الى رئيس‏ الدولة نظرة أوسع وأشمل، باعتباره المسئول والمنفذ لكل شئون الدنيا والدين.

تلك الشئون التي تضمنتها الشريعة بما حملت من مناهج السلوك للمواطن المسلم، سواء منها سلوكه نحو ربه وسلوكه نحو مجتمعه وسلوكه نحو أي فرد من افراد البشر.

ولما كانت الدساتير والقوانين المعمول بها في كثير من المجتمعات الانسانية هي من وضع الانسان وقابلة للتبدل والتغير حسب مقتضيات الزمان والمكان؛ وكان الاسلام خارجا عن ذلك لأنه تشريع سماوي لا يجوز التغيير أو التصرف فيه؛ ولكنه مع تمامه وكماله وعدم جواز التلاعب فيه- غامض في بعض نصوصه ومشتمل على القواعد العامة والاصول الاساسية في بعض آخر كان من الضروري الذي لا مناص منه ان نقول بحتمية وجود من يقوم بشرحه وبيانه وتوضيحه ومجالات تطبيق كل حكم منه.

وهكذا يكون كل ما دل على ضرورة النبوة ووجوبها صالحا للاستدلال به على وجوب الامامة؛ لأن وجود النبوة دون الامامة وجود منقطع الآخر، وذلك يناقض جوهر الاسلام القائم على استمرار الرسالة الى يوم القيامة.

فالنبوة بداية حياة والامامة استمرار لتلك الحياة.

ولو جاز لنا ان نقول بالنبوة دون الامامة لجاز لنا ان نقول بأن الرسالة محدودة النظر لم تقدر لنفسها عمرا بعد حياة رسولها، و لم تحتط لأهدافها بوصي يستمر في العمل والامداد.

وحيث ان الاسلام يهدف الى الدولة الكبرى التي تضم كل الانسان على اختلاف الأوطان والألوان، فلا مناص من أن يهيئ الاسلام لهذا الهدف قيادة التنفيذ والتطبيق متمثلة بشخص النبي في حياته وبمن يخلفه على هذا المركز بعد وفاته.

وخلاصة القول :

إن الامامة في واقعها اتمام لمعنى النبوة، ولا يستقيم وجود النبوة العملي بدونها. ولهذا رأت الشيعة الامامية ان الإمامة واجبة وجوب النبوة ضرورية ضرورتها، ولها خير سند ودليل في الحديث النبوي الشهير:

«من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية».

واذا كانت الامامة ضرورية لا بد منها- كما اسلفنا- فهل ترك الاسلام للناس مهمة اختيار الامام الذي سيشغل هذا المركز المهم الخطير، أم أن ذلك قد ارتبط بالنص الإلهي أو النبوي في التعيين والاختيار.

ذهبت الشيعة وأكثرية المعتزلة الى أن الامام يجب أن يكون منصوصا عليه من النبي نفسه ومعينا من قبله بالذات، مستندين في ذلك الى أن الامامة باعتبارها استمرارا لمقام النبوة لا بد فيها- كالنبوة- من التعيين الخاص الكاشف عن اختيار اللّه تعالى ورضاه.

وكما أنه لا نبوة بانتخاب وشورى فكذلك لا إمامة بشورى وانتخاب.

وكان هذا المنهج هو الخط الثابت لهؤلاء في مسألة الامامة والامام.

أما بقية الطوائف الاسلامية فلم تختر منهجا خاصا للحكم في الاسلام (10)‏ ، بل ذهبت الى أن كل من استولى على الأمر وزعم أنه امام فهو امام، سواء كان ذلك الاستيلاء بطريق الانتخاب كما وقع لأبي بكر وعثمان وعلي والحسن- ولم يقع لغيرهم في تاريخ الاسلام- أو بالنص عليه من سلفه كما وقع لعمر بن الخطاب وأكثر الخلفاء الأمويين والعباسيين والعثمانيين، أو بالقوة والسيف كما وقع لمعاوية بن أبي سفيان وأبي العباس السفاح.

واستدلت الشيعة- في ما استدلت به على ضرورة النص في تعيين الامام- بقوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص: 68] حيث دلت هذه الآية بصريح اللفظ على أن اختيار أمناء الشريعة و رعاة الدين ليس من الحقوق التي ترك اللّه مجال التصرف فيها للناس، وإنما ينحصر الاختيار في هذا الموضوع باللّه تعالى، وبه وحده.

أما رد من رد بأن هذا الاختيار مختص بمسألة النبوة وأن الآية ناظرة إلى هذا الأمر دون غيره فغير مقبول إذ ليس في صدر الآية أو ذيلها ما يشعر- ولو من طرف خفي- بالاختصاص بالأنبياء، بل ان اطلاقها- بما يحمل من صراحة ووضوح يأبى كل قيد وتأويل وكيف لا والامامة باعتبارها استمرارا لمقام النبوة واتماما للرسالة بحاجة الى نفس الشروط الملحوظة في النبي من هذه الناحية.

والحق انه لو لم تثبت الوصية عن النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) بطريق الرواية والنقل، فان العقل بمجرده حاكم بضرورة هذه الوصايا ووقوعها وان أحدنا لا يرضى لنفسه أن يغيب عن حطامه الزائل أو يموت عن شي‏ء من متاعه القليل دون أن يكل هذا وذاك الى وصي أمين يديره ويحوطه. أفيجوز على نبي الاسلام أن يفارق تراثه العظيم- وهو للإنسانية طوال عصورها- دون ما وصي يرعى هذا التراث ويحوطه على الوجه الصحيح؟!

ان كل الظروف المحيطة بالإسلام حين وفاة النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) تدعونا الى الايمان بضرورة أنه أوصى، وانه لم يترك غرسته المباركة في صحراء، عرضة لريح هو جاء أو هجير محرق أو نزوة عارضة.

وان الدين الذي فرضت فيه القواعد والأحكام والتشريعات لكل مسألة من مسائل الدنيا وكل جانب من جوانب الحياة وكل تصرف من تصرفات الانسان، من بيع وشراء، وحوالة وكفالة، واجارة ووكالة، ومزارعة ومساقاة، وقرض ورهن، ونكاح وطلاق، وصيد وذباحة، وأطعمة وأشربة، وحدود وديات، إن دينا كهذا لا يمكن له- في نظرنا على الأقل- أن يهمل مسألة الامامة، وهي هي في اهميتها ودورها في التشريع وفي قيادة الدولة وهي توجيه المسيرة الاسلامية نحو اتمام ما بدأ النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) به في بناء الصرح الجديد.

وان الاسلام الذي هدف في كل تشريعاته الى ضمان العدالة والمساواة والطمأنينة للإنسان المسلم، تأمينا له من كل المخاوف، وحماية من كل المساوئ، في ظل عقيدة سامية تصله باللّه تعالى وتهيمن على جوارحه بوازع من نفسه يمنعها من الخيانة والسوء والفساد والشر.

إن الاسلام لا يمكن أن يحقق في نظرنا على الأقل- هذا الهدف الكبير من دون الامام‏ المنصوص عليه، ليكون هذا الامام بعيدا عما يتعرض له غيره من خطأ وزلل و انحياز لعاطفة وفساد في راي وتأثر بغير العدل مما يفسد الحاكم و تفسد بفساده حياة الانسان ودينهم ونظامهم العام، ولا بد للتخلص من كل هذه السيئات من امام مختار جامع لجميع صفات الكمال، منزه عن كل ما يشين، بعيد عن كل سوء في التصرف وخطأ في التقدير وخروج على تعاليم الشريعة- وذلك ما نطلق عليه اسم العصمة- وواضح ان اختيار شخص جامع لكل هذه الصفات مما يعسر على المحكومين الناخبين، فلا بد- اذن- من النص النبوي عليه وإرشاد الأمة إليه.

وليست هذه العصمة المشار إليها مسألة تدعوا الى الغرابة أو العجب كما يبدو من كلام بعض الباحثين في المذاهب الاسلامية- وبخاصة من المستشرقين- وإنما هي من مستلزمات الحاكم الذي يكون من بعض واجباته تفسير القرآن الكريم و تطبيق أحكامه و شرح غوامضه.

إن العصمة في كلام العرب معناها المنع‏(11) ، وهذا المعنى هو الذي نعنيه في المصطلح، والعصمة في هذا المصطلح عبارة عن ملكة نفسيه تهيمن على الانسان فتمنعه عن فعل المعصية و ترك الطاعة وتسيطر على عقله وحسه وشعوره فتجعله متيقظا الى أبعد حدود التيقظ فلا يسهو ولا ينسى ولا يفعل ما لا يرضي اللّه تعالى.

أن فاعل المعصية ظالم في المصطلح القرآني‏ {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229] {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1] {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18] {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا } [مريم: 72] والى أمثال ذلك وهو كثير في القرآن المجيد.

وهذا العاصي الذي سماه القرآن «ظالما» لا يمكن أن يتحمل أي مسئولية شرعية ذات ارتباط باللّه تعالى ودينه و شرائعه، وهذا هو ما نص عليه القرآن الكريم بقوله تعالى:

{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124].

ويقول الفخر الرازي في اثناء تفسيره لهذه الآية: «قد ثبت ان المراد من هذا العهد الامامة ... و اذا دلت الآية على أن الامام لا يكون فاسقا فبأن تدل على أن الرسول لا يجوز أن يكون فاسقا فاعلا للذنب و المعصية أولى»(12).

وهكذا يبدو أن معنى «العصمة» و مسألة اشتراطها في‏ الإمامة ليسا من غرائب الافكار أو من عجائب المعتقدات بل أن ذلك هو المعني المنسجم مع النصوص الشرعية القطعية والفكر الديني الأصيل.

ويقول الدكتور أحمد محمود صبحي في التعليق على مسألة «العصمة» عند الشيعة :

«إن جميع فلاسفة السياسة حين تناولوا موضوع السيادة العليا في الدولة أو للرجع الاخير للسلطة جعلوه فوق مستوى الشبهات ... ولقد أثبت الفلاسفة السياسيون القائلون بالدكتاتورية والذين أثبتوا السيادة العليا في الدولة لشخص الحاكم أثبتوا العصمة له وان اختاروا لذلك أوصافا أخرى.

وكذلك وصف فلاسفة الانظمة الديمقراطية الشعب أو ممثليه أو الدستور بالعصمة. ويبدو أن العصمة لا بد أن تخلع على من يمتلك السيادة العليا في الدولة كضمان وحيد لاستقرار نظام الحكم و فرض تأييده على المحكومين».

«إن جميع الأنظمة السياسية على اختلافها تقر بوجوب وجود سلطة عليا تكون مرجع الأحكام، ولا يخضع الفرد لهذه السلطة أيا كانت حاكما أو إرادة عامة أو دستورا إلا إذا أضفي عليها نوع من القداسة و وصفت بالعصمة، فليست عصمة إمام الشيعة بشيء يدعو الى الاستغراب مهما بدا في هذا اللفظ من غيبة، و إذا كان الشيعة هم أول من ابتدعوا البحث في حقيقة العصمة وحدودها فهم ليسوا وحدهم الذين انفردوا بالقول بها»(13) .

ومهما يكن من أمر، فقد ظهر مما مر أن الشيعة لم يصدروا في معارضتهم للانتخاب عن انحياز عاطفي لشخص معين. أو رأي سياسي بالمعنى الشائع للسياسة، بل رأوا في النص ضمانا لحياة صحيحة ووسيلة لبناء سليم‏(14) ، فهم مندفعون في تأييد هذا الرأي بروح من الايمان بالاسلام والاخلاص للهدف والشعور بالمصلحة.

وهكذا يتضح أن القول بضرورة النص:

1) منسجم تماما مع مشاعر الفطرة في الانسان، بما تزرع فيه من إحساس بالحاجة الى ما وراء الغيب و من ركون إليه في كل الأمور.

والامامة- كما نعلم- رأس تلك الامور التي تشد الانسان المسلم بما وراء الغيب؛ بفعل ما تضفي عليه من مشاعر الراحة و الاطمئنان و الاستسلام الكامل لسلامة المسيرة و سداد خطاها على الطريق.

2) ومنسجم أيضا مع علم النفس بما يذهب إليه من ضرورة اجتثاث عوامل القلق في الانسان وردعه عن روح التمرد على القانون.

وعند ما يكون الامام معينا من قبل صاحب الوحي مباشرة فان الفرد سيكون واثقا كل الثقة بهيمنة العدل والنزاهة والمساواة الصادقة والاخلاص المطلق، وبذلك تزول كل عوامل القلق والتململ والتمرد.

3) وهو منسجم كذلك مع ما ذهب إليه علماء الاجتماع من اعتبار الدين أعلى صيغ الربط والتماسك في الحياة الاجتماعية، بما يغمر حامليه من أحاسيس التآخي والوحدة والتراص الكامل.

والامام المنصوص قمة- ولا شك- في عملية الربط والتماسك المتصلة بالمبدأ الأعلى والايمان بحسن اختياره وسلامة انتقائه.

ولن يضير الفكرة- بعد ثبوت اصالتها الاسلامية المقتبسة من النص القرآني والحديث النبوي، وبعد ثبوت انسجامها مع مشاعر الفطرة و منطلقات علميّ النفس والاجتماع- أن يرفضها رافض؛ أو ينبزها نابز أو يعبر عنها بما يشاء من الاسماء معبر.

نعم لن يضير الامامة بعد ثبوت كل ما سلف أن تسمى في لسان بعض الكتاب «ثيوقراطية».

فان هذه التسمية إن قصد بها «الحكم الديني» فما في ذلك بأس، بل هو الامر الواقع بالضبط.

وإن قصد بها «التحكم برقاب الناس باسم الدين» قياسا على التحكم الكنسي السيّئ الصيت؛ فذلك هو خلاف حقيقة الامامة نظرية و تطبيقا.

ولهذا رفض الدكتور مجيد خدوري هذه التسمية لعدم انطباقها على الواقع، و اختار لها اسما آخر استقاه من صميم منهج الاسلام هو «الحكم النوموقراطي»(15)  أي الحكم الذي تكون السيادة فيه للقانون. وهذه هي الحقيقة التي لا يستطيع انكارها الشكاك والجاحدون مهما اشتطوا في الشك و الجحود.

ولن يضير الامامة أيضا أن يسميها بعض آخر من الكتاب «ديكتاتورية».

فان الحكم الديكتاتوري هو الحكم الذي تكون السيادة فيه لفرد أو أفراد معينين فتكون الدولة ملكا لهم و القانون لعبة بأيديهم، وذلك ما يتنافى- كل التنافي- مع منهج الحكم الاسلامي الذي تعتبر السيادة فيه للقانون وحده؛ وليس من شي‏ء غيره.

وواضح أن سيادة القانون كما جسمها عهد الامام الاول علي ابن ابي طالب عليه السلام- في سلمه و حربه- هي والديكتاتورية على طرفي نقيض.

ثم لن يضير الامامة أن يطلق عليها بعض الكتاب اسم «الحكم الطبقي».

ومعلوم أن سيادة «الطبقة» معناها تسخير التشريع بكامله لصالح تلك الطبقة و توجيه الاجهزة القمعية كلها لتدعيم مصالحها الذاتية الخاصة. وهذا ما لا يمت الى الاسلام بأي شبه من الاشباه وبأي علاقة من العلاقات.

إن سيادة القانون وتحكيم مصدر السلطات وعدم السماح لأي أحد- حتى شخص الامام- بتغيير النصوص و تعديل الاحكام؛ بقطع العلاقة بين الامامة و بين كل فكرة طبقية قد يحاول البعض الصاقها بهذا النظام.

وأخيرا- وليس آخرا- لن يضير الامامة أن تعرف بانها أسلوب «لاديمقراطي».

أن القيمة الاساسية للديمقراطية- كنظرية- انما تتمثل في ما تدل عليه من «حكم الشعب»، وان القيمة الاساسية للشعب وحكمه انما تنشأ من الايمان بكونه «مصدر السلطات».

ولما كان اللّه تعالى- اسلاميا- هو مصدر السلطات وهو الفعال لما يريد كان لا بد من الاقرار بانه صاحب القول الفصل في أي شأن من شئون الحكم و النظام.

وحيث أن النبي هو الناطق الوحيد باسم مصدر السلطات و الممثل الامين له فان تعيينه لشخص الامام انما يكون تعيينا مرضيا من قبل هذا المصدر وبذلك يكون منسجما مع المنطق السياسي القائل بضرورة استشارة مصدر السلطات في الانتخاب والاختيار.

_______________

(1) لسان العرب: 12/ 24- 25( مادة أم)1

(2) نفس المصدر: 9/ 83 و 84 و 89( مادة خلف).

(3) الاحكام السلطانية: 3.

(4) مقدمة ابن خلدون: 159.

(5) المصدر السابق: 183.

(6) نظرية الامامة: 22.

(7) نظرية الامامة: 24.

(8) نفس المصدر: 20.

(9) يراجع بحثنا« الاسلام دين و دولة» في كتاب« مفاهيم اسلامية ».

(10) يقول الدكتور أحمد محمود صبحي:« لقد كان علاج أبي بكر و عمر علاجا موقتا لدرء فتنة متوقعة، دون وضع أسس كاملة لنظام الحكم» يراجع نظرية الامامة: 26.

(11) لسان العرب: 12/ 403( مادة عصم).

(12) تفسير الرازي: 4/ 43.

(13) نظرية الامامة: 135 و 139.

(14) ومما يلفت النظر أن القائلين بالانتخاب يوم وفاة النبي (صلى الله عليه واله) لم يجدوا بدأ من القول بالنص و الدفاع عنه عند ما نص أول خليفة في الاسلام على من يخلفه، و عللوا ذلك بأن الظروف العامة كان تفرض النص و تعينه، باعتبار أن حروب الفتح كانت قائمة، و أن الخشية من تمرد المتمردين ما زالت موجودة.

و لعل الباحث المدقق في الظروف التي أحاطت بوفاة النبي(صلى الله عليه واله) يدرك أنها كانت أكثر خطورة و أشد حساسية. و كان النبي على علم تام بها و بملابساتها المتوقعة، و ذلك بحكم علمه بواقع الأمور؛ و بحكم أخبار اللّه تعالى له بذلك في قوله جل وعلا: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144].

فلما ذا لم ينص النبي اذن و نص غيره؟ و هل كان محمد صلى الله عليه واله - أقل من غيره ادراكا للخطر و شعورا بالمسؤولية؟!.

(15) نظرية الامامة: 62.




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.