أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-12-2015
6473
التاريخ: 24-3-2022
2269
التاريخ: 8-3-2022
1650
التاريخ: 2023-02-21
3643
|
فتح مكة [1] :
لقد اختلفت ردود فعل القوى في المنطقة بعد معركة مؤتة ، فالروم فرحوا من انسحاب المسلمين وعدم تمكّنهم من دخول الشام .
أما قريش فقد سادهم الفرح وانبعثت فيهم الجرأة على المسلمين وأخذوا يسعون لنقض صلح الحديبية عبر الإخلال بالأمن فحرّضوا قبيلة بني بكر على بني خزاعة ( بعد أن دخلت قبيلة بني بكر في حلف قريش وخزاعة في حلف النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) اثر صلح الحديبية ) وأمدّوها بالسلاح فعدت بكر على خزاعة غيلة وقتلوا عددا من أفرادها وهم في ديارهم آمنين ، وكان بعضهم في حال العبادة ففزعوا إلى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) طالبين النصرة ، ووقف عمرو بن سالم بين يدي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) - وهو جالس في المسجد - ينشد أبياتا يعرض فيها نقض العهد .
فتأثر الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) وقال : نصرت يا عمرو بن سالم .
أما قريش فقد انتبهت وأدركت سوء فعلتها وقد تملّكها الخوف والهلع من المسلمين فاجتمع رأيهم على إيفاد أبي سفيان إلى المدينة ليجدد الصلح ويطلب تمديد المدة من النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) .
ولكن النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) لم يصغ لطلب أبي سفيان وسأله قائلا : هل كان من حدث ؟ قال أبو سفيان : معاذ اللّه ، فأجابه النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) : نحن على مدّتنا وصلحنا .
لكن أبا سفيان لم يهدأ له بال ولم يقنع بل أراد أن يستوثق ويأخذ عهدا وأمانا من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) فسعى لتوسيط من يؤثّر على النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) فقابله الجميع بالرفض واللامبالاة .
فلم يجد إلّا أن يقفل راجعا بالخيبة إلى مكة وقد ضاقت الأمور على قوى الشرك حيث تبدلت الظروف ، فالنبي ( صلّى اللّه عليه واله ) يطلب مكة فاتحا ، بعدّة تتزايد وإيمان يترسخ ، وقريش تطلب الأمان والسلامة في دمائها وأموالها ، وقد سنحت الفرصة بنقض الصلح . وتكاد تكون مكة آخر خطوة لتتم سيطرة الاسلام على الجزيرة العربية برمّتها .
وأعلن النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) النفير العام ، وتوافدت عليه جموع المسلمين ملبية نداءه ، فجهّز جيشا قارب عدده عشرة آلاف رجل . واجتهد النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) أن يكتم قصده وهدفه إلّا على الخاصة وكان ( صلّى اللّه عليه واله ) يدعو اللّه قائلا : « اللهم خذ العيون والأخبار من قريش حتى نباغتها في بلادها »[2].
ويبدو أن النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) كان يود أن يتحقق النصر المؤزّر سريعا دون إراقة قطرة دم ، متخذا أسلوب المباغته . ولكن الخبر تسرب إلى رجل كان قد ضعف أمام عواطفه فكتب إلى قريش كتابا بذلك وبعثه مع امرأة توصله . ونزل الوحي يخبر النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) بذلك فأمر عليا والزبير بأن يلحقا المرأة ويسترجعا الكتاب ، وانتزع علي بن أبي طالب بقوة إيمانه برسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) الكتاب من المرأة [3].
ولمّا استلم الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) الكتاب جمع المسلمين في المسجد ليثير هممهم ويحذر من مسألة الخيانة من جانب ويبيّن من جانب آخر أهمية كتب ؟ ؟ ؟ العواطف مرضاة للّه . وقام المسلمون يدفعون حاطب بن أبي بلتعة صاحب الكتاب الذي حلف باللّه أنه لم يقصد الخيانة وانفعل عمر بن الخطاب وطلب من النبيّ أن يقتله فقال له : « وما يدريك يا عمر لعلّ اللّه اطلع على أهل بدر وقال لهم اعملوا ما شئتم فلقد غفرت لكم »[4].
تحرك الجيش الإسلامي نحو مكة :
وتحرك جيش المسلمين في العاشر من شهر رمضان باتجاه مكة المكرمة ، ولما بلغ مكانا يدعى « الكديد » طلب النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) ماءا فأفطر به أمام المسلمين وأمرهم أن يفطروا لكن بعضا منهم عصوا الرسول القائد ولم يفطروا فغضب من عصيانهم وقال : « أولئك العصاة » وأمرهم أن يفطروا[5].
ولما وصل النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) إلى مرّ الظهران أمر المسلمين أن ينتشروا في الصحراء ويوقد كل منهم نارا . وهكذا أضاء الليل البهيم وظهر المسلمون كجيش عظيم تضيع أمامه كل قوى قريش مما أقلق العباس بن عبد المطلب - وهو آخر المهاجرين إذ التحق بركب رسول اللّه في منطقة الجحفة - فتحرك يبحث عن وسيلة يبلغ بها قريشا أن تأتي مسلمة قبل دخول الجيش عليها .
وفجأة سمع صوت أبي سفيان يحادث بديل بن ورقاء مستغربا وجود هذه القوة الكبيرة على مشارف مكة . وارتعد أبو سفيان خوفا حين أخبره العباس بزحف النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) بجيشه لفتح مكة ، ولم يجد أبو سفيان بدّا من اصطحاب العباس لأخذ الأمان من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) .
ولم يكن بوسع ينبوع العفو والاخلاق السامية أن يبخل بإجازة جوار عمّه لأبي سفيان فقال ( صلّى اللّه عليه واله ) : « إذهب فقد أمناه حتى تغدو به عليّ » .
استسلام أبي سفيان :
ولما مثل أبو سفيان بين يدي النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) قال له : « ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلّا اللّه ؟ » فقال أبو سفيان : بأبي أنت وأمي ما أحلمك ، وأكرمك وأوصلك ! واللّه لقد ظننت أن لو كان مع اللّه إله غيره لقد أغنى عني شيئا بعد .
فقال ( صلّى اللّه عليه واله ) : ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول اللّه ؟ » قال : بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما واللّه فإنّ في النفس منها حتى الآن شيئا[6].
وتدارك العباس الموقف ليضغط على أبي سفيان ليسلم وقال له : ويحك أسلم واشهد أن لا إله إلّا اللّه وأن محمدا رسول اللّه قبل أن تقتل . فشهد أبو سفيان الشهادتين خوفا من القتل ، ودخل في عداد المسلمين .
واستسلم من بقي من زعماء المشركين بعد استسلام أبي سفيان ، ولكن النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) استتماما للضغط النفسي على قريش كي تستسلم دون إراقة دماء قال للعباس : « يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمرّ به جنود اللّه فيراها » .
ولإشاعة الاطمئنان والثقة برحمة الإسلام ورحمة الرسول القائد وإرضاء لغرور أبي سفيان كي لا يكابر قال ( صلّى اللّه عليه واله ) : « من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، ومن طرح السلاح فهو آمن » .
ومرّت جنود اللّه تعبر المضيق والعباس يعرّف الكتائب التي تمر وأبو سفيان قد أخذته الدهشة حتى قال : واللّه يا أبا الفضل ، لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما فأجابه العباس : يا أبا سفيان إنها النبوة . وتردد أبو سفيان في الجواب فقال :
فنعم إذن . ثم انطلق أبو سفيان إلى مكة ليحذّر أهلها ويعلن أمان رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله )[7].
دخول مكة :
أصدر رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) أوامره الحكيمة بتوزيع مداخل القوات إلى مكة مؤكدا عدم اللجوء إلى القتال إلّا ردا عليه . وأهدر ( صلّى اللّه عليه واله ) دماء عدد من المشركين - في كلّ الحالات - حتّى لو وجدوهم متعلقين بأستار الكعبة ، لعظيم جنايتهم ومعاداتهم للإسلام وللنبي ( صلّى اللّه عليه واله ) .
وما إن لاحت بيوت مكة حتّى إغرورقت عينا النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) بالدموع ، ودخلت قوّات الإسلام الظافرة مكة من جهاتها الأربع ومظاهر العز والنصر تجلّلها ودخل الرسول الأكرم ( صلّى اللّه عليه واله ) مكة مطأطئا رأسه تعظيما للّه وشكرا له على ما منحه من الفضل والنعمة حيث دانت لرسالته ودولته أم القرى ، بعد طول جهد وعناء تحمله ( صلّى اللّه عليه واله ) في سبيل إعلاء كلمة اللّه .
ورفض النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) أن يدخل دار أحد من أهالي مكة رغم كثرة عروضهم له ، واغتسل بعد استراحة قصيرة وركب راحلته وكبّر فكبّر المسلمون فدوّى الصوت في الجبال والوهاد - التي فرّ إليها بعض رؤوس الشرك خوفا من الإسلام ونصره - وجعل يشير وهو يطوف في البيت إلى كل صنم موجود حوله ويقول :
قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ، فيسقط الصنم لوجهه .
ثم أمر النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) عليّا أن يجلس ليصعد ( صلّى اللّه عليه واله ) على كتفه ولكن لم يستطع علي ( صلّى اللّه عليه واله ) أن يحمل النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) على كتفه لكسر الأصنام فوق الكعبة ، من هنا صعد عليّ على كتف ابن عمّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وكسر الأصنام . ثم طلب النبيّ مفاتيح الكعبة وفتح بابها ودخلها ومسح ما فيها من صور . ثم وقف على بابها يخطب الجموع المتكاثرة خطبة الفتح العظيم فقال ( صلّى اللّه عليه واله ) : « لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدّعى فهو تحت قدميّ هاتين ، إلّا سدانة البيت وسقاية الحاج . . . ثم قال ( صلّى اللّه عليه واله ) : « يا معشر قريش إن اللّه قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظّمها بالآباء ، الناس من آدم وآدم من تراب . . . »[8] ثم تلا قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13] يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم » ؟ .
قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم فقال ( صلّى اللّه عليه واله ) : « إذهبوا فأنتم الطلقاء »[9] .
ثم ارتقى بلال سطح الكعبة ليؤذّن لصلاة الظهر فصلى المسلمون بإمامة النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) في المسجد الحرام أوّل صلاة بعد هذا الفتح .
ووقف المشركون والحيرة تملكهم وتعلوهم الدهشة مشوبة بالخوف والحذر . وخشيت الأنصار أن لا يرجع معها الرسول الكريم حين رأوا تفاعل النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) مع أهل مكة ووقفوا والأسئلة تدور في مخيّلتهم والنبي ( صلّى اللّه عليه واله ) واقف يدعو الله وقد علم ما يدور بينهم فالتفت إليهم قائلا : معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم ، معلنا بذلك أن المدينة ستبقى عاصمة الاسلام .
ثم أقبل الناس يبايعونه فبايعه الرجال - وتشفع عدد من المسلمين لدى النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) ليعفو عمن أهدر دمه فعفا وصفح .
وجاءت النساء لتبايع - فكانت المرأة تدخل يدها في قدح فيه ماء قد وضع الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) يده فيه - عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ [10] .
وغضب النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) حين عدت خزاعة - حليفة الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) - على رجل من المشركين فقتلته وقام ( صلّى اللّه عليه واله ) خطيبا فقال : « يا أيها الناس إن الله حرّم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام إلى يوم القيامة ، لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك دما أو يعضد فيها شجرا . . »[11].
ثم قال ( صلّى اللّه عليه واله ) : « فمن قال لكم إن رسول اللّه قد قاتل فيها فقولوا إن الله قد أحلّها لرسوله ولم يحللها لكم يا معشر خزاعة » . وأكبرت قريش جميع مواقف النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) من مكة وأهلها من عطف ورحمة وسماحة وعفو واحترام وتقديس فمالت قلوبهم إليه وأقبلوا على الإسلام آمنين مطمئنين .
وأرسل رسول الله ( صلّى اللّه عليه واله ) سراياه إلى أطراف مكة وما حولها لهدم ما تبقّى من الأصنام وأماكن عبادة المشركين فأخطأ خالد بن الوليد إذ قتل عددا من قبيلة بني جذيمة بعد استسلامهم ثأرا لعمّه [12] وغضب النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) حين علم بذلك وأمر عليا أن يأخذ أموالا ويدفع دية المقتولين ثم قام ( صلّى اللّه عليه واله ) واستقبل القبلة رافعا يديه وهو يقول : « اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد » ، وبذلك هدأت نفوس بني جذيمة »[13] .
[1] تم فتح مكة في شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة .
[2] السيرة النبوية : 3 / 397 ، المغازي : 2 / 796 .
[3] السيرة النبوية : 2 / 398 .
[4] إمتاع الأسماع : 1 / 363 ، المغازي : 2 / 798 . ويرى بعض المحققين أن هذا الحديث من الموضوعات . راجع سيرة المصطفى : 592 .
[5] وسائل الشيعة : 7 / 124 ، السيرة الحلبية : 3 / 290 ، المغازي : 2 / 802 ، وصحيح مسلم 3 / 141 - 142 ، كتاب الصيام باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية ، ط دار الفكر ، بيروت .
[6] السيرة النبوية : 3 / 40 ، مجمع البيان : 10 / 554 .
[7] المغازي ، للواقدي : 2 / 816 ، السيرة النبوية : 3 / 47 .
[8] مسند أحمد : 1 / 151 ، فرائد السمطين : 1 / 249 ، كنز العمّال : 13 / 171 ، السيرة الحلبية : 3 / 86 .
[9] بحار الأنوار : 21 / 106 ، والسيرة النبوية : 2 / 412 .
[10] بحار الأنوار : 21 / 113 ، وسورة الممتحنة : الآية 12 .
[11] سنن ابن ماجة ، الحديث 3109 ، كنز العمال ، الحديث 34682 ، الدر المنثور : 1 / 122 ، ط دار الفكر .
[12] السيرة النبوية : 2 / 420 ، الخصال : 562 ، أمالي الطوسي : 318 .
[13] الطبقات الكبرى : 2 / 148 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
في مستشفى الكفيل.. نجاح عملية رفع الانزلاقات الغضروفية لمريض أربعيني
|
|
|