أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-02-08
3374
التاريخ: 15-6-2017
7981
التاريخ: 2-4-2017
2804
التاريخ: 22-11-2015
3695
|
1 - أول من أسلم وأعلن إسلامه : عليٌّ وخديجة « عليهما السلام »
أ . أول من أسلم علي وخديجة وجعفر ، ثم أمر الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن ينذر عشيرته الأقربين : روت مصادر الطرفين متواتراً عن علي قوله ( عليه السلام ) : « صليت قبل الناس بسبع سنين » « ابن ماجة : 1 / 44 ، الحاكم : 3 / 111 . وفي الترمذي : 5 / 304 » : « بُعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم الاثنين ، وصلى وعلي ( عليه السلام ) يوم الثلاثاء » ! ورواه الحاكم : 3 / 112 وصححه .
وفي الأحوذي : 10 / 160 : « فيه دليل على أن أول من أسلم من الذكور هو علي
رضي الله عنه » . ومثله أبو يعلى : 1 / 348 ، والبدء والتاريخ / 303 ، عن أبي رافع .
وقال ابن عبد البر في الإستيعاب : 3 / 1095 : « وروى مسلم الملائي عن أنس بن مالك قال : استنبئ النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم الاثنين وصلى عليٌّ يوم الثلاثاء . وقال زيد بن أرقم : أول من آمن بالله بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علي بن أبي طالب . . . الخ . » .
وحسَّنَه في مجمع الزوائد : 9 / 274 : « عن ابن عباس قال : أسلم زيد بن حارثة بعد علي ، فكان أول من أسلم بعده » . والطبراني الكبير : 5 / 84 ، الطبري : 2 / 60 ، تهذيب الكمال : 5 / 52 وسير الذهبي : 1 / 216 .
وقال ابن هشام : 1 / 163 : « وكان أول ذكر أسلم وصلى بعد علي بن أبي طالب رضي الله عنهما » . وسير الذهبي 1 / 13 وتاريخ دمشق 19 / 353 .
ب . وبعد القرن الخامس أنكر علماء السلطة أن علياً ( عليه السلام ) أول من أسلم ! ففي مقدمة ابن الصلاح / 178 : « قال الحاكم : لا أعلم خلافاً بين أصحاب التواريخ أن علي بن أبي طالب أولهم إسلاماً . واستُنكر هذا من الحاكم » !
واستنكره علماء السلطة بعد القرن الخامس ! أما قبله فكانوا متفقين مجمعين عليه !
قال في الصحيح من السيرة : 2 / 315 : « إن أول من أسلم واتبع وصدق وآزر وناصر ، هو أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه ، وعلى أبنائه الأئمة الطاهرين . وأورد العلامة الأميني في الغدير : 3 / 95 ، أقوالاً لعشرات من كبار الصحابة والتابعين وغيرهم من الأعلام ، وعشرات من المصادر غير الشيعية ، تؤكد أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) هو أول الأمة إسلاماً » .
وقال المناوي في فيض القدير : 4 / 468 : « علي أخي في الدنيا والآخرة : كيف وقد بُعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم الاثنين فأسلم وصلى يوم الثلاثاء ، فمكث يصلي مستخفياً سبع سنين ، كما رواه الطبراني عن أبي رافع . وفي أوسط الطبراني عن جابر مرفوعاً : مكتوب على باب الجنة لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أخو رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي سنة ! وفيه : عن أبي أمامة أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : آخى بين الناس وآخى بينه وبين علي .
قال الإمام أحمد : ما جاء في أحد من الفضائل ما جاء في علي ! وقال النيسابوري : لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأحاديث الحسان ما ورد في حق علي » .
ويحق لنا هنا أن نتعجب من ابن حجر الذي يعرف حديث الدار وإنذار العشيرة الأقربين أول البعثة ، وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أعلن علياً ( عليه السلام ) أخاه ووزيره ووصيه ، ويعرف الأحاديث الصحيحة المتقدمة في خلق نورالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ونور علي ( عليه السلام ) قبل الخلق ، ويعرف حديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) الصحيح إن الملائكة صلت عليه وعلى علي سبعاً ، لأنهما صليا قبل الناس سبع سنين ! ويعرف قول علي ( عليه السلام ) : « أنا عبد الله وأخو رسوله ، وأنا الصديق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلا كذاب ! صليت قبل الناس لسبع سنين » . وأنه صحيح بشرط الشيخين !
ويعرف أنه لا يوجد حديث في إسلام أن أبا بكر أول من أسلم إلا ما نسبوه إلى عمار !
وقد صرح « فتح الباري : 7 / 130 » بأن البخاري لم يجد حديثاً في أن إسلام أبي بكر هو الأول ، إلا ما نسبه إلى عمار فقال : « اكتفى بهذا الحديث لأنه لم يجد شيئاً على شرطه غيره ، وفيه دلالة على قدم إسلام أبي بكر ، إذ لم يذكر عمار أنه رأى مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) من الرجال غيره » ! فيكفي عنده لإثبات أولية إسلام أبي بكر حديث مبهم ليرد به أحاديث قوية ويقول : « قد اتفق الجمهور على أن أبا بكر أول من أسلم من الرجال » . والجمهور هنا أتباع السلطة فقط ، واتفاقهم تم في القرن الخامس !
ج . أما روايات أهل البيت : فأجمعت على أن علياً وخديجة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أول من أسلم ، ومن ذلك ما رواه اليعقوبي : 2 / 22 : « أتاه جبريل ( عليه السلام ) ليلة السبت . . . وقال من رواه عن جعفر بن محمد : يوم الجمعة . . . وعلى جبريل جبة سندس ، وأخرج له درنوكاً من درانيك الجنة فأجلسه عليه ، وأعلمه أنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وبلغه عن الله وعلمه : إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . وأتاه من غد وهو متدثر فقال : يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ . قُمْ فَأَنْذِرْ . .
وكان أول ما افترض عليه من الصلاة الظهر ، أتاه جبريل فأراه الوضوء فتوضأ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كما توضأ جبريل ( عليه السلام ) ثم صلى ليريه كيف يصلي فصلى رسول الله . ثم أتى خديجة ابنة خويلد فأخبرها فتوضأت وصلت ، ثم رآه علي بن أبي طالب ففعل كما رآه يفعل . . . وكان أول من أسلم خديجة بنت خويلد « عليها السلام » من النساء ، وعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) من الرجال ، ثم زيد بن حارثة ، ثم أبو ذر » . وفي قصص الأنبياء للراوندي / 316 : « فكان يصلي خلف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علي وجعفر وزيد وخديجة » .
وفي روضة الواعظين للنيشابوري / 85 ، عن علي ( عليه السلام ) قال : « إن أول صلاة ركعنا فيها صلاة العصر ، قلت يا رسول الله : ما هذا ؟ قال : أمرت به . قال أبو رافع : صلى النبي غداة الاثنين وصلت خديجة آخر نهار يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء » .
ورواه محمد بن سليمان في المناقب : 1 / 278 ، بطريقين عن حبة العرني وأنس . وذخائر العقبى / 59 ، تفسير الإمام العسكري / 429 . وشرح الأخبار : 1 / 177 و 449 ، المناقب : 2 / 7 ، التعجب / 98 ، كنز الفوائد / 125 ، الإحتجاج : 1 / 37 وفيه : « بعث يوم الاثنين وصليت معه يوم الثلاثاء ، وبقيت معه أصلي سبع سنين ، حتى دخل نفر في الإسلام » .
وروى ابن طاووس « رحمه الله » في كتاب الطرف / 5 والبحار : 65 / 392 عن عيسى بن المستفاد ، أنه سأل الإمام الكاظم ( عليه السلام ) عن بدء الإسلام فقال : « سألت أبي جعفر بن محمد ( عليه السلام ) عن بدء الإسلام كيف أسلم علي ( عليه السلام ) وكيف أسلمت خديجة « عليهما السلام » ؟ فقال لي أبي : إنهما أسلما لما دعاهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا علي ويا خديجة أسلمتما لله وسلَّمتما له ؟ وقال : إن جبرئيل عندي يدعوكما إلى بيعة الإسلام ، فأسلما تسلما وأطيعا تُهديا ، فقالا : فعلنا وأطعنا يا رسول الله ، فقال : إن جبرئيل عندي يقول لكما : إن للإسلام شروطاً ومواثيق ، فابتداؤه بما شرط الله عليكما لنفسه ولرسوله أن تقولا : نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، أرسله إلى الناس كافة بين يدي الساعة ، ونشهد أن الله يحيي ويميت ويرفع ويضع ويغني ويفقر ويفعل ما يشاء ويبعث من في القبور . قالا : شهدنا . قال : وإسباغ الوضوء على المكاره واليدين والوجه والذراعين ، ومسح الرأس ومسح الرجلين إلى الكعبين ، وغسل الجنابة في الحر والبرد ، وإقام الصلوات ، وأخذ الزكوات من حلها ووضعها في أهلها ، وحج البيت ، وصوم شهر رمضان ، والجهاد في سبيل الله ، وبر الوالدين ، وصلة الرحم ، والعدل في الرعية والقسم في السوية ، والوقوف عند الشبهة إلى الإمام فإنه لا شبهة عنده ، وطاعة ولي الأمر بعدي ومعرفته في حياتي وبعد موتي ، والأئمة من بعده واحداً فواحداً ، وموالاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله ، والبراءة من الشيطان الرجيم وحزبه وأشياعه . . . والحياة على ديني وسنتي ودين وصيي وسنته ، إلى يوم القيامة ، والموت على مثل ذلك ، غير شاقة لأمانته ولامتعدية ولامتأخرة عنه ، وترك شرب الخمر ، وملاحاة الناس . يا خديجة فهمت ما شرط عليك ربك ؟ قالت : نعم وآمنت وصدقت ورضيت وسلمت . قال علي : وأنا على ذلك . فقال : يا علي تبايع على ما شرطت عليك ؟ قال : نعم . . » .
2 - إسلام جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه
أ . أخبر الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن جعفر بن أبي طالب ( عليه السلام ) نشأ على الفطرة وحنيفية إبراهيم ( عليه السلام ) ففي علل الشرائع : 2 / 558 عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « أوحى الله تعالى إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إني شكرت لجعفر بن أبي طالب أربع خصال ، فدعاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره فقال : لولا أن الله تبارك وتعالى أخبرك ما أخبرتك : ما شربت خمراً قط لأني علمت أني إن شربتها زال عقلي ، وما كذبت قط لأن الكذب ينقص المروءة ، وما زنيت قط لأني خفت أني إذا عملت عُمل بي ، وما عبدت صنماً قط لأني علمت أنه لا يضر ولا ينفع ! قال : فضرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) على عاتقه وقال : حقٌّ لله تعالى أن يجعل لك جناحين تطير بهما مع الملائكة في الجنة » !
ب - . روى الصدوق في أماليه / 597 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، قال : « أول جماعة كانت أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يصلي وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب معه ، إذ مرَّ أبو طالب به وجعفر معه ، فقال : يا بني صِلْ جناح ابن عمك . فلما أحسه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تقدمهما ، وانصرف أبو طالب مسروراً ، وهو يقول :
إن علياً وجعفراً ثقتي * عند مهم الأمور والكرب
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبي
والله لا يخذل النبي ولا * يخذله من بني ذو حسب
قال : فكانت أول جماعة جُمعت ، ذلك اليوم » .
والحدائق الناضرة : 11 / 91 ، صححه ، روضة الواعظين / 86 ، كنز الفوائد / 79 و 124 ، المناقب : 1 / 301 ، الطرائف / 305 ، عمدة الطالب / 23 ، حلية الأبرار 1 / 69 ، البحار : 35 / 174 ، إيمان أبي طالب للشيخ المفيد / 39 ، الفصول المختارة / 171 ، الوسائل : 8 / 288 ، جامع أحاديث الشيعة : 6 / 406 ، الغدير : 7 / 356 و 396 ، إعلام الورى : 1 / 103 ، كشف الغمة : 1 / 86 ،
نهج الإيمان / 376 . راجع الغدير : 7 / 396 ، مناقب محمد بن سليمان : 1 / 129 ، تأويل الآيات : 1 / 271 ، بتفاوت وشبيه به الكافي : 1 / 450 ، عن علي ( ( ع ) ) . وأبو هلال العسكري في الأوائل / 51 ، ونحوه النكت لابن حبيب : 4 / 437 ، العثمانية للجاحظ / 314 ، أبو حيان : 8 / 489 والآلوسي : 30 / 183 والإسكافي في نقض العثمانية .
ورواه أبو الفتح الكراجكي في كنز الفوائد / 124 ، بسنده عن أبي صفو بن صلصال بن الدلهمس ، قال : « كنت أنصر النبي ( صلى الله عليه وآله ) مع أبي طالب قبل إسلامي ، فإني يوماً لجالس بالقرب من منزل أبي طالب في شدة القيض ، إذ خرج أبو طالب إليَّ شبيهاً بالملهوف فقال لي : يا أبا الغضنفر هل رأيت هذين الغلامين ؟ يعني النبي وعلياً . فقلت : ما رأيتهما مذ جلست ! فقال : قم بنا في الطلب فلست آمن قريشاً أن تكون اغتالتهما ! قال فمضينا حتى خرجنا من أبيات مكة ، ثم صرنا إلى جبل من جبالها فاسترقينا قلته ، فإذا النبي وعلي عن يمينه ، وهما قائمان بإزاء عين الشمس يركعان ويسجدان . قال : فقال أبو طالب لجعفر ابنه : صِلْ جناح ابن عمك ، فقام إلى جنب علي فأحس بهما النبي ( صلى الله عليه وآله ) فتقدمهما ، وأقبلوا على أمرهم حتى فرغوا مما كانوا فيه ، ثم أقبلوا نحونا فرأيت السرور يتردد في وجه أبي طالب ثم انبعث يقول : إن علياً وجعفراً ثقتي . . الأبيات . » .
وهذا يدل على أن أبا طالب وجعفراً كانا مسلمَيْن قبل ذلك ، لأن جعفراً دخل مباشرة في الصلاة ، ولأن أبا طالب شهد بنبوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولم يصلِّ معهم لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمره أن يكتم إسلامه ، فلو أظهره لما استطاع أن يحمي النبي ( صلى الله عليه وآله ) . وكذا حمزة كان مسلماً يكتم إيمانه ، كما يدل حديث إسلام أبي ذر .
ج - . حذف بعض رواة السلطة أبيات أبي طالب ( رحمه الله ) من الحديث لأن فيها تصريحاً بإسلامه وإيمانه بنبوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو يردُّ زعمهم بأنه مات مشركاً !
وزادوا فيه أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) دعا أبا طالب ليصلي معهم فرفض ، وقال كلمة سخرية من الصلاة كان يقولها المشركون الطلقاء !
ففي تاريخ بغداد : 2 / 271 عن علي ( عليه السلام ) قال : « بينا أنا مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حِيرٍ « مُحَوَّطة » لأبي طالب ، أشرف علينا أبو طالب فبصر به النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا عم ألا تنزل فتصلي معنا ؟ قال : ابن أخي إني لأعلم أنك على حق ولكني أكره أن أسجد فتعلوني إستي ! ولكن إنزل يا جعفر فصل جناح ابن عمك . فنزل جعفر فصلى عن يسار النبي ( صلى الله عليه وآله ) فلما قضى النبي صلاته التفت إلى جعفر فقال : أما إن الله قد وصلك بجناحين تطير بهما في الجنة كما وصلت جناح ابن عمك .
قال الشيخ أبو بكر : تفرد برواية هذا الحديث عن سفيان الثوري ابن أخته سيف بن محمد ، ولا نعلم رواه عنه إلا السمتي » . ورواه في تاريخ دمشق : 54 / 164 ، خيثمة / 206 ، طبقات الحنابلة 1 / 309 ، اللالكائي : 8 / 1420 . ورده الذهبي في ميزان الإعتدال : 2 / 257 ، لأنه يثبت إسلام جعفر بن أبي طالب ( ( رحمه الله ) ) قبل أبي بكر !
د . في المناقب : 1 / 176 : « سنة ثمان في جمادى الأولى وقعة مؤتة ، وهم ثلاثة آلاف . في كتاب أبان قال الصادق ( صلى الله عليه وآله ) : إنه استعمل عليهم جعفراً فإن قتل فزيد ، فإن قتل فابن رواحة ، ثم خرجوا حتى نزلوا معان ، فبلغهم أن هرقل قد نزل بمأرب في مائة الف من الروم ومائة ألف من المستعربة ، فانحازوا إلى أرض يقال لها المشارف ، ونسبت السيوف المشرفية إليها لأنها طبعت لسليمان بن داود « عليهما السلام » ، فاختلفوا في القتال أو في إخبار النبي ( صلى الله عليه وآله ) بكثرتهم فقال ابن رواحة : ما نقاتل الناس بكثرة وإنما نقاتلهم بهذا الدين ! فلقوا جموعهم بقرى البلقاء ، ثم انحازوا إلى مؤتة .
وفي البخاري : نعى النبي ( صلى الله عليه وآله ) جعفراً ، وزيداً ، وابن رواحة ، قبل أن يجئ خبرهم وعيناه تذرفان . زيد بن أرقم : حارب جعفر على أشقره حتى عقر ، وهو أول من عقر فرسه في الإسلام ، فحارب راجلاً حتى قتل . عن الباقر ( عليه السلام ) قال : أصيب يومئذ جعفر وبه خمسون جراحة ، خمس وعشرون منها في وجهه » .
وفي الكافي : 1 / 49 عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : « لما كان يوم مؤتة كان جعفر على فرسه فلما التقوا نزل عن فرسه فعرقبها بالسيف ، وكان أول من عرقب في الإسلام » .
وفي التنبيه والإشراف / 230 ، للمسعودي أن هرقل : « يومئذ مقيم بأنطاكية وعلى الروم تيادوقس البطريق ، وعلى متنصرة العرب من غسان وقضاعة وغيرهم شرحبيل بن عمرو الغساني ، فقتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب بعد أن عرقب فرسه ، وهو أول فرس عرقبت في الإسلام ، وجرح نيفاً وتسعين جراحة كلها في مقادمه ، وقتل عبد الله بن رواحة ، ورجع خالد بن الوليد بالناس » .
ه - . عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) حين جاءته وفاة جعفر بن أبي طالب وزيد بن جابركان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جداً ويقول : كانا يحدثاني ويؤنساني فذهبا جميعاً . ولما انصرف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من واقعة أحد إلى المدينة سمع من كل دار قتل من أهلها قتيلاً نوحاً وبكاءً ، ولم يسمع من دار حمزة عمه ، فقال : لكن حمزة لا بواكي له ! فآلى أهل المدينة أن لا ينوحوا على ميت ولا يبكوه حتى يبدؤوا بحمزة فينوحوا عليه ويبكوه ، فهم إلى اليوم على ذلك » . الفقيه : 1 / 183 .
3 - كان أبو طالب وحمزة يخفيان إسلامهما
أ . كان أبو طالب كأبيه عبد المطلب رضوان الله عليهما ، يعرف أن محمداً ( صلى الله عليه وآله ) هو النبي الموعود من ذرية إبراهيم وإسماعيل ( صلى الله عليه وآله ) ، ويؤمن به من صغره ويحبه ويحرسه .
أما حمزة « رحمه الله » فذكر رواة السلطة أنه أسلم في السنة الثالثة أو الرابعة عندما شتم أبو جهل النبي ( صلى الله عليه وآله ) فغضب وانتصر للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وضرب أبا جهل وأعلن إسلامه .
لكن الصحيح أنه يومئذ أعلن ، وأنه أسلم أول بعثة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ووقف إلى جنبه في مواجهة قريش ، ووقاه بنفسه مع أبي طالب وعلي وجعفر وزيد بن حارثة ، كما يدل حديث إسلام أبي ذر « رحمه الله » الآتي ، وأن أبا طالب رتب نظام حراسة مشددة حول النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكان يدقق في من يريد لقاءه .
فقد روى الكليني في الكافي : 8 / 297 والصدوق في الأمالي / 567 ، حديث إسلام أبي ذر وإصراره أن يرى النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى قال له أبو طالب : « قم معي ، فتبعته فدفعني إلى بيت فيه حمزة فسلمت عليه وجلست فقال لي : ما حاجتك ؟ فقلت : هذا النبي المبعوث فيكم ؟ فقال : وما حاجتك إليه ؟ قلت : أؤمن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشئ إلا أطعته ، فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؟ قال : فشهدت قال : فدفعني حمزة إلى بيت فيه جعفر . . » .
أقول : آمن أبو ذر بنبوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن يراه ، لأن الله أنطق له الذئب ،
كما يأتي .
ب . أعلن حمزة إسلامه يوم ثأر للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وتحدى قريشاً في ناديهم ، وضرب أبا جهل زعيم بني مخزوم ! فقد روى ابن إسحاق : 2 / 151 وابن هشام : 1 / 188 : « أن أبا جهل اعترض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عند الصفا فآذاه وشتمه ، ونال منه ما يكره من العيب لدينه والتضعيف له ، فلم يكلمه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومولاةٌ لعبد الله بن جدعان التيمي في مسكن لها فوق الصفا تسمعُ ذلك ، ثم انصرف عنه ، فعمد إلى ناد لقريش عند الكعبة فجلس معهم .
ولم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحاً قوسه راجعاً من قنص له ، وكان إذا رجع لم يرجع إلى أهله حتى يطوف بالكعبة ، وكان إذا فعل ذلك لا يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم ، وكان أعز قريش وأشدها شكيمة ، وكان يومئذ مشركاً على دين قومه « في الظاهر » فلما مر بالمولاة وقد قام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فرجع إلى بيته ، فقالت له : يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك من أبي الحكم آنفاً قُبَيْل ؟ وجده هاهنا فآذاه وشتمه وبلغ منه ما يكره ، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد ! فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله عز وجل به من كرامته ، فخرج سريعاً لا يقف على أحد - كما كان يصنع حين يريد الطواف بالبيت - مُعداً لأبي جهل أن يقع به ، فلما دخل المسجد نظر إليه جالساً في القوم فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس وضربه بها ضربة شجه بها شجة منكرة ! وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل منه فقالوا : ما نراك يا حمزة إلا قد صبأت ! قال حمزة : وما يمنعني منه وقد استبان لي منه ذلك ، وأنا أشهد أنه رسول الله وأن الذي يقول حق ، فوالله لا أنزع ، فامنعوني إن كنتم صادقين ! فقال أبو جهل : دعوا أبا عمارة ، فإني والله لقد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً » !
وقال في الصحيح من السيرة : 3 / 153 : « قوله الأخير : وما يمنعني وقد استبان لي منه أنه رسول الله والذي يقول حق : أنه لم يكن في إسلامه منطلقاً من عاطفته التي أثيرت وحسب ، وإنما سبقت ذلك قناعة كاملة مما شاهده عن قرب . . .
وبعد إسلام حمزة بن عبد المطلب بدأت تتراجع قريش وتلين من موقفها ، وتدخل في مفاوضات معه ( صلى الله عليه وآله ) ، وتعطيه بعض ما يريد ، لأنها رأت أن المسلمين يزيد عددهم ويكثر ، فكلمه عتبة فأبى ( صلى الله عليه وآله ) كل عروضهم » . البدء والتاريخ : 5 / 98 .
ج . تعصب رواة قريش على بني هاشم ، فجردوا حمزة من فضيلة سبقه إلى الإسلام ، وقرنوا به عمر وكأنه شجاع مقاتل مثله ، وخففوا من تمثيل هند بجثمان حمزة ومحاولتها أكل كبده ، أو أنكروا ذلك . كما خففوا من جريمة قاتله وحشي غلام هند ، ونسبوا اليه أنه قتل مسيلمة الكذاب فغفر الله له قتله حمزة !
ثم افتروا على حمزة بأنه كان يشرب الخمر صحيح بخاري 3 / 80 و 4 / 41 وأنه سكر يوماً وجاء إلى جملين لعلي ( عليه السلام ) فشق بطنيهما وأخذ كبديهما ، وجلس يشرب الخمر وجاريته تغنيه ! فشكوه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فجاء مع علي وزيد ، فشتمهم حمزة ! فتركه النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما رآه سكراناً ! وقد فند ذلك في الصحيح من السيرة : 5 / 290 .
د . كان علي وحمزة بطلا معركة بدر التي غيرت موازين القوى بين النبي ( صلى الله عليه وآله ) والمشركين . فقد سأل أمية بن خلف : « من المُعَلَّم بريشة نعامة في صدره ؟ قلت ذاك حمزة عم النبي ( صلى الله عليه وآله ) . قال : ذاك فعل بنا الأفاعيل منذ اليوم » . الحاكم : 2 / 117 .
ه - . وفي معركة أحُد انتصر المسلمون في الجولة الأولى ، ببطولة علي وحمزة ، ثم خالفوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) فانهزمو ا ، وثبت النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعلي وحمزة ، فقتل حمزة « رحمه الله » .
قال في الإرشاد : 2 / 83 : « وكانت هند بنت عتبة جعلت لوحشي جعلاً على أن يقتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أو حمزة بن عبد المطلب ، فقال لها : أما محمد فلا حيلة لي فيه لأن أصحابه يطيفون به ، وأما علي فإنه إذا قاتل كان أحذر من الذئب ، وأما حمزة فإني أطمع فيه لأنه إذا غضب لم يبصر بين يديه . وكان حمزة يومئذ قد أُعلم بريشة نعامة في صدره ، فكمن له وحشي في أصل شجرة ، فرآه حمزة فبدر إليه بالسيف فضربه ضربة أخطأت رأسه ، قال وحشي : وهززت حربتي حتى إذا تمكنت منه رميته فأصبته في أربيته « أسفل بطنه » فأنفذته ، وتركته حتى إذا برد صرت إليه فأخذت حربتي ، وشغل عني وعنه المسلمون بهزيمتهم . وجاءت هند فأمرت بشق بطن حمزة ، وقطع كبده ، والتمثيل به ، فجذعوا أنفه وأذنيه ، ومثلوا به » .
وفي تفسير القمي : 1 / 117 : « فقطعت مذاكيره وقطعت أذنيه وجعلتهما خرصين وشدتهما في عنقها ، وقطعت يديه ورجليه » .
وفي شرح النهج : 14 / 271 : « كانت هند بنت عتبة أول من مثل بأصحاب النبي وأمرت النساء بالمثلة وبجدع الأنوف والآذان ، فلم تبق امرأة إلا عليها معضدان ومسكتان وخَدَمتان » !
والمعضد ما يلبس في العضد ، والمسكة سوار يلبس في ذراع اليد ، والخدمة الخلخال يلبس في الساق .
وفي مسند أحمد : 1 / 463 ، ابن أبي شيبة : 8 / 492 وفتح الباري : 7 / 272 : « وأخذت هند كبده فلاكتها فلم تستطع أن تأكلها ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أأكلت منه شيئاً ؟ قالوا : لا . قال ما كان الله ليدخل شيئاً من حمزة النار » .
وفي تفسير البغوي : 3 / 91 : « فمضغتها ثم استرطبتها لتأكلها ، فلم تلبث في بطنها حتى رمت بها فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : أما إنها لو أكلتها لم تدخل النار أبداً ، إن حمزة أكرم على الله تعالى من أن يدخل شيئاً من جسده النار » .
قال الحافظ ابن عقيل في النصائح الكافية / 112 : « كانت شديدة العداوة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بمكة ، ولما تجهز مشركوا قريش لغزوة أحد ، خرجت معهم تحرض المشركين على القتال . ولما مروا بالأبواء حيث قبر أم النبي ( صلى الله عليه وآله ) آمنة بنت وهب « عليها السلام » ، أشارت على المشركين بنبش قبرها وقالت : لو نبشتم قبر أم محمد ، فإن أسرَ منكم أحداً فديتم كل إنسان بإرب من آرابها أي جزء من أجزائها ! فقال بعض قريش : لايفتح هذا الباب » !
وقال المحامي أحمد حسين يعقوب في مذبحة كربلاء / 74 : « خذ على سبيل المثال : أم معاوية هند بنت عتبة ، وهي امرأة والمرأة على الغالب ترمز للرحمة وتجنح للموادعة ، لكن هنداً لم تكتف بأن يخرج زوجها وابناها لمعركة أحد ، بل أصرت على الخروج بنفسها وحملت نساء البطون على الخروج ، لتشهد العنف والدم على الطبيعة ! لقد تيقنت من قتل حمزة عم النبي ( صلى الله عليه وآله ) لكنها لم تكتف بقتله بل سارت بخطى ثابتة حتى وقفت بجانب جثته ، وبأعصاب باردة شقت بطن حمزة وهو ميت واستخرجت كبده ، وحاولت أن تأكله ! ثم قطعت أذنيه وأنفه ومثلت به أشنع تمثيل ! فإذا كانت المرأة منهم تفعل بضحيتها هكذا ، فكيف يفعل أبو سفيان ومعاوية وذريتهم بضحاياهم ؟ ! هذه هي البيئة الدموية التي تربى فيها يزيد مهندس مذبحة كربلاء ! فأبوه معاوية وجده أبو سفيان وجدته هند ! لقد ورث العنف والتنكيل بخصومه كابراً عن كابر » .
وفي شرح الأخبار للقاضي المغربي : 1 / 281 : « مضى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يلتمس حمزة ، فوجده وقد بقروا بطنه عن كبده ! فقال حين رآه : أما إنه لولا أن تحزن صفية ويكون سنة بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير ! ثم قال : والله ما وقفت موقفاً قط أغيظ لي من هذا الموقف ! فهبط جبرئيل فقال : يا محمد إنه مكتوب في أهل السماوات إن حمزة أسد الله وأسد رسوله .
ثم أمر به صلوات الله عليه فسجي ببردة ثم صلى عليه فكبر سبع تكبيرات ثم أتى بالقتلى يوضعون إلى حمزة فيصلي عليه وعليهم ، حتى صلى اثنين وسبعين صلاة . ثم أمر به فدفن في مصرعه ، وأمر بالقتلى كذلك أن يدفنوا في مصارعهم وقال : أنا أشهد على هؤلاء أنه ما من أحد يجرح في الله إلا واللهُ عز وجل يبعثه يوم القيامة بدم جرحه ، اللون لون الدم والريح ريح المسك » .
و . رويَ أن وحشياً أسلم وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) سأله كيف قتل حمزة ، ثم قال له : « غَيِّبْ وجهك عني ، فإني لا أستطيع أن أرى قاتل حمزة » ! شرح الأخبار : 1 / 268 .
وروي أنه حسن إسلامه وجاهد « ذخائر العقبى / 178 » وأن الله قد يتوب عليه ، ففي الكافي : 2 / 381 : « عن حمزة بن الطيار قال : قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) : الناس على ستة أصناف ، قال قلت : أتأذن لي أن أكتبها ؟ قال : نعم . قلت : ما أكتب ؟ قال : اكتب أهل الوعيد من أهل الجنة وأهل النار . واكتب : وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا . قال قلت :
مَن هؤلاء ؟ قال : وحشي منهم . قال : واكتب : وَآخَرُونَ مَرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ . قال : واكتب : إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً « إلى الكفر » وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً « إلى الإيمان » فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَعَنْهُمْ . قال : واكتب أصحاب الأعراف قال قلت : وما أصحاب الأعراف ؟ قال : قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، فإن أدخلهم النار فبذنوبهم ، وإن أدخلهم الجنة فبرحمته » .
ز . من زيارة قبر حمزة ( رحمه الله ) : « السلام عليك يا عم رسول الله وخير الشهداء . السلام عليك يا أسد الله وأسد رسوله ، أشهد أنك جاهدت في الله ، ونصحت لرسول الله وجدت بنفسك ، وطلبت ما عند الله ورغبت فيما وعد الله . كامل الزيارات / 62 .
ح . في كشف الإرتياب / 55 : « هدموا جميع ما بالمدينة ونواحيها من القباب والأضرحة والمزارات ، فهدموا قبة أئمة أهل البيت « عليهم السلام » بالبقيع ، ومعهم العباس عم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وجدرانها ، وأزالوا الصندوق والقفص الموضوعين على قبورهم ، وصرفوا على ذلك ألف ريال مجيدي . . وهدموا قباب عبد الله وآمنة أبوي النبي ( صلى الله عليه وآله ) . . وكانوا قبل ذلك هدموا قبة حمزة عم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وشهداء أحد حتى أصبح مشهد حمزة والشهداء والجامع الذي بجانبه ، وتلك الأبنية كلها أثراً بعد عين ، ولا يرى الزائر لقبر حمزة اليوم إلا قبراً في برية ، على رأس تل من التراب » !
4 - زيد بن حارثة الذي اختار النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) على أبيه !
في تفسير القمي : 2 / 172 ، بسند صحيح عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، قال : « كان سبب نزول ذلك « وَإِذْ تَقُولُ للذِى أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ . . » أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما تزوج بخديجة بنت خويلد خرج إلى سوق عكاظ في تجارة لها ، ورأي زيداً يباع ، ورآه غلاماً كَيِّساً حصيفاً فاشتراه ، فلما نُبئ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دعاه إلى الإسلام فأسلم ، وكان يدعى زيد مولى محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما بلغ حارثة بن شراحبيل الكلبي خبر ولده زيد ، قدم مكة وكان رجلاً جليلاً ، فأتى أبا طالب فقال : يا أبا طالب إن ابني وقع عليه السبي وبلغني أنه صار إلى ابن أخيك ، فسله إما أن يبيعه وإما أن يفاديه وإما أن يعتقه . فكلم أبو طالب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : هو حرٌّ فليذهب كيف يشاء ، فقام حارثة فأخذ بيد زيد فقال له : يا بني إلحق بشرفك وحسبك ، فقال زيد : لست أفارق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أبداً ! فقال له أبوه : فتدع حسبك ونسبك وتكون عبداً لقريش ؟ فقال زيد : لست أفارق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما دمت حياً ! فغضب أبوه فقال : يا معشر قريش اشهدوا أني قد برئت منه وليس هو ابني ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اشهدوا أن زيداً ابني أرثه ويرثني ، فكان يدعى زيد بن محمد ، فكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يحبه وسماه زيد الحِبّ ، فلما هاجر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة زوجه زينب بنت جحش » . وسيأتي طلاقه لها ، وتزويج الله رسوله ( صلى الله عليه وآله ) بها .
5 - أبو ذر الغفاري ( ( رحمه الله ) ) رابع المسلمين المعلنين إسلامهم
أ . كان أبو ذر قبل الإسلام يصلي بهداية فطرته ! قال : « صليت قبل الناس بأربع سنين ، قلت له : من كنت تعبد ؟ قال : إله السماء » . دلائل النبوة : 4 / 1307 .
« قلت : يا أبا ذر أين كنت تتوجه ؟ قال : كنت أتوجه حيث وجهني الله ، كنت أصلي من أول الليل فإذا كان آخر الليل ألقيت هذا ، حتى كأنما أنا خفاء حتى تعلوني الشمس » . الطبراني الأوسط : 3 / 246 .
وفي الكافي : 8 / 297 ، وأمالي الصدوق / 567 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « قال لرجل من أصحابه : ألا أخبرك كيف كان سبب إسلام سلمان وأبي ذر رحمة الله عليهما ؟ فقال الرجل وأخطأ : أما إسلام سلمان فقد علمت ، فأخبرني كيف كان سبب إسلام أبي ذر ؟ فقال أبو عبد الله الصادق ( عليه السلام ) : إن أبا ذر « رحمه الله » كان في بطن مُرّ « واد قرب مكة » يرعى غنماً له ، فأتى ذئب عن يمين غنمه فهش بعصاه على الذئب ، فجاء الذئب عن شماله فهش عليه أبو ذر ، ثم قال له أبو ذر : ما رأيت ذئباً أخبث منك ولا شراً ! فقال له الذئب : شرٌّ والله مني أهل مكة بعث الله عز وجل إليهم نبياً فكذبوه وشتموه ! فوقع في أذن أبي ذر فقال لامرأته : هلمي مزودي وإداوتي وعصاي ، ثم خرج على رجليه يريد مكة ليعلم خبر الذئب وما أتاه به ! حتى بلغ مكة فدخلها في ساعة حارة وقد تعب ونصب ، فأتى زمزم وقد عطش فاغترف دلواً فخرج لبن ! فقال في نفسه : هذا والله يدلني على أن ما خبرني الذئب وما جئت له حق ، فشرب وجاء إلى جانب من جوانب المسجد ، فإذا حلقة من قريش فجلس إليهم فرآهم يشتمون النبي ( صلى الله عليه وآله ) كما قال الذئب ! فما زالوا في ذلك من ذكر النبي ( صلى الله عليه وآله ) والشتم له حتى جاء أبو طالب من آخر النهار ، فلما رأوه قال بعضهم لبعض : كفُّوا فقد جاء عمه ! قال فكفوا فلما دنا منهم أكرموه وعظموه ، فلم يزل أبو طالب متكلمهم وخطيبهم إلى أن تفرقوا . فلما قام أبو طالب تبعته فالتفت إلي فقال : ما حاجتك ؟ فقلت : هذا النبي المبعوث فيكم . قال : وما حاجتك إليه ؟ فقال له أبو ذر : أؤمن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ، ولا يأمرني بشئ إلا أطعته . فقال أبو طالب : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؟ قال فقلت : نعم ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . فقال قال : وتفعل ؟ قلت : نعم قال : فتعال غداً في هذا الوقت إليَّ حتى أدفعك إليه ، قال : بتُّ تلك الليلة في المسجد حتى إذا كان الغد جلست معهم ، فما زالوا في ذكر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وشتمه حتى إذا طلع أبو طالب ، فلما رأوه قال بعضهم لبعض : أمسكوا فقد جاء عمه ! فأمسكوا ، فلما قام أبو طالب تبعته فالتفت إلي فقال : ما حاجتك ؟ . « فأعاد عليه ما قاله » فقال : قم معي فتبعته فدفعني إلى بيت فيه حمزة فسلمت عليه وجلست ، فقال لي : ما حاجتك ؟ فقلت : هذا النبي المبعوث فيكم ؟ فقال : وما حاجتك إليه ؟ قلت : أؤمن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشئ إلا أطعته ، فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؟ قال : فشهدت قال : فدفعني حمزة إلى بيت فيه جعفر فسلمت عليه وجلست فقال لي جعفر : ما حاجتك ؟ فقلت : هذا النبي المبعوث فيكم قال : وما حاجتك إليه ؟ فقلت : أو من به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشئ إلا أطعته فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ؟ قال فشهدت فدفعني إلى بيت فيه علي سلمت وجلست فقال : ما حاجتك ؟ فقلت : هذا النبي المبعوث فيكم ؟ قال : وما حاجتك إليه ؟ قلت : أؤمن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشئ إلا أطعته ، فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؟ قال : فشهدت فدفعني إلى بيت فيه رسول الله فسلمت وجلست فقال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما حاجتك ؟ قلت : النبي المبعوث فيكم ؟ قال : وما حاجتك إليه ؟ قلت : أؤمن به وأصدقه ولا يأمرني بشئ إلا أطعته ، فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؟ فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فقال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا أبا ذر انطلق إلى بلادك فإنك تجد ابن عم لك قد مات وليس له وارث غيرك ، فخذ ماله وأقم عند أهلك حتى يظهر أمرنا ! قال : فرجع أبو ذر فأخذ المال وأقام عند أهله حتى ظهر أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : هذا حديث أبي ذر وإسلامه رضي الله عنه وأما حديث سلمان فقد سمعته ! فقال : جعلت فداك حدثني بحديث سلمان ، فقال : قد سمعتَهُ ، ولم يحدثه لسوء أدبه » .
وفي رواية الصدوق : « قال أبو ذر : فانطلقت إلى بلادي فإذا ابن عم لي قد مات وخلف مالاً كثيراً في ذلك الوقت الذي أخبرني فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فاحتويت على ماله ، وبقيت ببلادي حتى ظهر أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأتيته » .
وفي قصص الأنبياء للراوندي / 304 : « فلما انصرفت إلى قومي أخبرتهم بذلك ، فأسلم بعضهم وقال بعضهم : إذا دخل رسول الله أسلمنا ، فلما قدم أسلم بقيتهم » .
أقول : يدل هذا الحديث على أن أبا طالب وحمزة وجعفراً وعلياً « عليهم السلام » قد أسلموا من أول الأمر ، وأحاطوا بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) وحرسوه ، ودعوا الناس إلى الإيمان به بأساليب متنوعة تتناسب مع كل واحد منهم ، ودوره الذي حدده له النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
لكن زعماء قريش الذين عادوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأسرته وحاربوهم ثم أبعدوا عترته عن خلافته ، يريدون حذف أي دور لعترته في دعوته !
وقد روت مصادر السلطة إسلام أبي ذر « رحمه الله » بصيغ متفاوتة ، أشهرها رواية البخاري : 4 / 241 قال : « عن ابن عباس قال : لما بلغ أبا ذر مبعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لأخيه : إركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخير من السماء ، واسمع من قوله ثم أئتني . فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله ( صلى الله عليه وآله ) ثم رجع إلى أبي ذر فقال له : رأيته يأمر بمكارم الأخلاق ، وكلاماً ما هو بالشعر . فقال : ما شفيتني مما أردت ! فتزود وحمل شِنَّةً له فيها ماء حتى قدم مكة فأتى المسجد ، فالتمس النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا يعرفه ، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه بعض الليل ، فرآه عليٌّ فعرف أنه غريب ، فلما رآه تبعه فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شئ حتى أصبح ، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد ، وظل ذلك اليوم ولا يراه النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى أمسى فعاد إلى مضجعه ، فمر به عليٌّ فقال : أما نال للرجل أن يعلم منزله ! فأقامه فذهب به معه لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شئ ! حتى إذا كان يوم الثالث فعاد على عليٍّ مثل ذلك فأقام معه ، ثم قال : ألا تحدثني ما الذي أقدمك ؟ قال : إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدنني فعلت ، ففعل فأخبره ، قال : فإنه حق وهو رسول الله ، فإذا أصبحت فاتبعني فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك ، فقمت كأني أريق الماء ، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي ففعل ، فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ودخل معه ، فسمع من قوله وأسلم مكانه ، فقال له النبي إرجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري . قال : والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم ! فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ثم قام القوم فضربوه حتى أضجعوه ، وأتى العباس فأكب عليه ، قال : ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار وأن طريق تجاركم إلى الشام فأنقذه منهم ، ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا إليه ، فأكبَّ العباس عليه » .
ب - لم يرو بخاري شيئاً من كرامات أبي ذر ( رحمه الله ) مثل أنه كان موحداً على الفطرة ، وكان يصلي لربه كما هداه ، وقد رواه البيهقي وغيره ، وأن الله أكرم أبا ذر بأن كلمه الذئب ، وأرشده إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) كما رواه الكليني ، ولا روى بخاري كرامة شبعه وريِّه بماء زمزم ، كما رواه مسلم وغيره . . الخ . كما حذف بخاري ذكر أبي طالب وحمزة وجعفر من روايته ! ثم اختار روايته عن ابن عباس مع أنه لم يكن مولوداً عندما أسلم أبو ذر ، ولا أسند روايته إلى أبي ذر أو من عاصره وسمع منه !
وكذا غيَّب بخاري العديد من أحاديث أبي ذر « رحمه الله » وفيها الصحيح على شرطه !
وهذا ليس عجيباً ، فقد كان بخاري يعتاش من مال المتوكل ، ويطبق سياسته في طمس ذكر أبي طالب وإسلامه ، وتنقيص مكانة عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومن والاهم كأبي ذر « رحمه الله » ! وقد زعم بخاري أن العباس خلَّصَ أبا ذر مرتين من أيدي قريش !
ج - يظهر تعصب بخاري ضد أبي ذر ( رحمه الله ) عندما تقارن ما رواه عنه في صحيحه بما أهمله من الصحيح على شرطه ، كجهاده مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في كل حروبه ، وشهادات النبي العظيمة فيه ، وموقفه من السقيفة ، وجهاده عشرين سنة في فتوح الشام وفلسطين لبنان وقبرص ومصر ، وجهره بموالاة أهل البيت « عليهم السلام » ، وروايته أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيهم وفي مخالفيهم ، وثورته على معاوية وعثمان ، ونفي معاوية له إلى بر الشام ، ونفي عثمان له إلى الربذة ، وموته فيها غريباً وحيداً ، وصلاة ركب من الصالحين عليه ، فيهم مالك الأشتر « رحمه الله » كما أخبرالنبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وغاية ما رواه البخاري قول أبي ذر : 1 / 25 : « لو وضعتم الصمصامة على هذه ، وأشار إلى قفاه ، ثم ظننت أنى أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن تجيزوا عليَّ ، لأنفذتها » . وكتم أنه قال ذلك لما منعه عثمان من التحديث !
بل زوَّر البخاري عن عمد نفي عثمان له إلى الربذة بأنه كان بسبب خلافٍ بسيطٍ مع معاوية في تفسير قوله تعالى : وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . فشكاه معاوية إلى عثمان فجاء أبو ذر إلى المدينة : « فكثر عليَّ الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك ، فذكرت ذلك لعثمان فقال لي : إن شئت تنحيت فكنت قريباً . فذاك الذي أنزلني هذا المنزل » أي الربذة . 2 / 111 و 5 / 203 .
د - ثم روى بخاري أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذم أبا ذر ، وقال له : إنك امرؤ فيك جاهلية ! « 1 / 13 و 3 / 123 و 7 / 85 » . وأمره أن يطيع الحاكم بعده حتى لو كان عبداً حبشياً : « اسمع وأطع ولو لحبشي كأنَّ رأسه زبيبة » : 1 / 171 . أي وجهه كالزبيبة السوداء .
وروى عن أبي ذر أحاديث عديدة لتأييد مكذوبات رواة السلطة ، منها أن النبي حكم بأن التوحيد كافٍ لدخول الجنة حتى بدون إيمان بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وحتى لو زنى وسرق ، على رغم أنف أبي ذر ! « 2 / 69 و 4 / 81 و 7 / 43 و 137 و 176 و 8 / 196 » وحديث أن الشمس تستأذن بالسجود تحت العرش فلايؤذن لها ! « 4 / 75 و 6 / 30 و 8 / 136 و 178 » . وأن المسجد الحرام كان أول بيت وضعه الله للناس قبلة ، ثم وضع المسجد الأقصى بعده بأربعين يوماً ! 4 / 117 و 136 .
وحديث أن جبرئيل شق صدر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وغسله بماء من طست من ذهب ، ثم عرج به ! « 1 / 91 و 2 / 167 و 4 / 106 » . ثم روى عنه أحاديث عادية : 3 / 82 و 4 / 121 و 156 ، 5 / 6 و 242 و 6 / 150 ، 7 / 81 و 84 و 150 ، 219 ، 8 / 216 .
بينما روت مصادرنا ومصادر السلطة الكثيرالوفير المهم عن أبي ذر ، وكتب العلماء فيه بحوثاً ضافية وكتباً خاصة ، وكتبنا عنه موجزاً في ترجمة معاوية وأبيه .
ه - روى مسلم : 7 / 152 قصة إسلام أبي ذر بخلاف رواية بخاري ، وفيها أنه صلى قبل الإسلام بثلاث سنين ، ودخل مكة فسأل : أين هذا الذي تدعونه الصابئ ؟ وأنهم اجتمعوا عليه وضربوه وأدمَوْه فغسل عنه الدماء بماء زمزم ، وبقي شهراً لم يَرَ النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولم يكن له طعام إلا ماء زمزم حتى سمن ، ثم رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) جاء للطواف مع أبي بكر فسلم عليه ، واستأذن أبو بكر من النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يضيفه فأطعمه من زبيب الطائف ! وأسلم ورجع إلى قومه يدعوهم . . .
قال ابن حجر : 7 / 132 : « أخرج مسلم قصة إسلام أبي ذر من طريق عبد الله بن الصامت عنه ، وفيها مغايرة كثيرة لسياق ابن عباس . . ويمكن التوفيق بينهما بأنه لقيه أولاً مع علي ، ثم لقيه في الطواف أو بالعكس . . . وقال القرطبي : في التوفيق بين الروايتين تكلفٌ شديد ، ولا سيما أن في حديث عبد الله بن الصامت أن أبا ذر أقام ثلاثين لا زاد له ، وفي حديث ابن عباس أنه كان معه زاد وقربة ماء . . إلخ . » .
وصدق القرطبي ، فرواياتهم في إسلامه متناقضة لا يمكن الجمع بينها !
و - شهد أهل البيت ( عليهم السلام ) وأبو ذر ( رحمه الله ) أنه رابع المسلمين الذين أعلنوا إسلامهم ، وهم علي وجعفر وزيد وأبو ذر . ففي الفوائد الرجالية : 2 / 153 في حديث نفي عثمان لأبي ذر : « فقال أبو ذر : أجل والله لقد رأيتني رابع أربعة مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما أسلم غيرنا ، وما أسلم أبو بكر ولا عمر . فقال علي ( عليه السلام ) : والله لقد رأيته وهو رابع الإسلام » . وروى عنه الطيالسي / 157 ، والحارث / 304 والآحاد والمثاني 2 / 230 « كنت ربع الإسلام أسلم قبلي ثلاثة نفر وأنا الرابع » وابن حبان : 16 / 83 ، كبير الطبراني : 2 / 147 ، الحاكم : 3 / 341 ، الزوائد : 9 / 327 ، ووثقه . وبه يظهر تعصب بخاري وابن حجر .
وقال أبو نعيم في حلية الأولياء : 1 / 156 : « هو العابد الزهيد ، القانت الوحيد ، رابع الإسلام ، ورافض الأزلام ، قبل نزول الشرع والأحكام ، تعبد قبل الدعوة بالشهور والأعوام ، وأول من حيا الرسول بتحية الإسلام ، لم يكن تأخذه في الحق لائمة اللوام ، ولا تفزعه سطوة الولاة والحكام ، أول من تكلم في علم البقاء ، وثبت على المشقة والعناء ، وحفظ العهود والوصايا ، وصبر على المحن والرزايا ، واعتزل مخالطة البرايا ، إلى أن حل بساحة المنايا ، أبو ذر الغفاري رضي الله عنه ، خدم الرسول ، وتعلم الأصول ، ونبذ الفضول » .
لكنهم لم يتركوا حديثه بدون تخريب ، فجعلوه رابع النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأبي بكر وبلال ، وكذبوا عليه بأنه قال : « لم يسلم قبلي إلا النبي وأبو بكر وبلال » . « الحاكم 3 / 342 » وحذفوا علياً وخديجة وجعفراً وزيداً وحمزة وأبا طالب ! مع أنهم رووا حديثاً صحيحاً متواتراً عن عفيف الكندي سمى فيه الثلاثة الذين قبله ، قال : « كنت امرأ تاجراً وكنت صديقاً للعباس بن عبد المطلب في الجاهلية فقدمت لتجارة فنزلت على العباس بن عبد المطلب بمنى ، فجاء رجل فنظر إلى الشمس حين مالت فقام يصلي ، ثم جاءت امرأة فقامت تصلي ، ثم جاء غلام حين راهق الحلم فقام يصلي ، فقلت للعباس : من هذا ؟ فقال : هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي ، يزعم أنه نبي ولم يتابعه على أمره غير هذه المرأة وهذا الغلام . وهذه المرأة خديجة بنت خويلد امرأته ، وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب . قال عفيف الكندي وأسلم وحسن إسلامه : لوددت أني كنت أسلمت يومئذ فيكون لي ربع الإسلام » . الحاكم : 3 / 183 ، ابن كثير : 1 / 430 وغيرهما .
وقد شطح ابن حبان فقال في صحيحه : 16 / 83 : « قول أبي ذر كنت رابع الإسلام : أراد من قومه ، لأن في ذلك الوقت أسلم الخلق من قريش وغيرهم » !
ز - لم يهتم أتباع مذاهب السلطة بأبي ذر ( رحمه الله ) ، معشار ما اهتموا بأصاغر الصحابة ، ولو كان لأحد ممن يحبونهم عشر ما له من المناقب ، لملؤوا به كتبهم !
روى في الكافي : 2 / 587 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « إن أبا ذر أتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعنده جبرئيل ( عليه السلام ) في صورة دحية الكلبي وقد استخلاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما رآهما انصرف عنهما ولم يقطع كلامهما ، فقال جبرئيل : يا محمد هذا أبو ذر قد مرَّ بنا ولم يسلم علينا ، أما لو سلم لرددنا عليه ، يا محمد إن له دعاء يدعو به ، معروفاً عند أهل السماء ، فسله عنه إذا عرجتُ إلى السماء .
فلما ارتفع جبرئيل جاء أبو ذر إلى النبي فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما منعك يا أبا ذر أن تكون سلمت علينا حين مررت بنا ؟ فقال : ظننت يا رسول الله أن الذي معك دحية الكلبي قد استخليته لبعض شأنك ، فقال : ذاك جبرئيل ( عليه السلام ) يا أبا ذر ، وقد قال : أما لو سلم علينا لرددنا عليه ، فلما علم أبو ذر أنه كان جبرئيل ( عليه السلام ) دخله من الندامة حيث لم يسلم عليه ما شاء الله ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما هذا الدعاء الذي تدعو به ، فقد أخبرني جبرئيل ( عليه السلام ) أن لك دعاء تدعو به معروفاً في السماء ؟ فقال : نعم يا رسول الله أقول : اللهم إني أسألك الأمن والإيمان بك ، والتصديق بنبيك ، والعافية من جميع البلاء ، والشكر على العافية ، والغنى عن شرار الناس » . وفي رجال الطوسي : 1 / 107 : « وسله عن كلمات يقولهن إذا أصبح » .
وفي الخصال / 448 : « عن عبد العزيز القراطيسي قال : دخلت على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فذكرت له شيئاً من أمر الشيعة ومن أقاويلهم ، فقال : يا عبد العزيز ، الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم له عشر مراقي ، تُرْتَقى منه مرقاتٌ بعد مرقاة ، فلا يقولن صاحب الواحدة لصاحب الثانية لست على شيء ، ولا يقولن صاحب الثانية لصاحب الثالثة لست على شئ ، حتى انتهى إلى العاشرة . قال : وكان سلمان في العاشرة ، وأبو ذر في التاسعة ، والمقداد في الثامنة . يا عبد العزيز : لا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك ، إذا رأيت الذي هو دونك فقدرت أن ترفعه إلى درجتك رفعاً رفيقاً فافعل ، ولا تحملن عليه ما لا يطيقه فتكسره ، فإنه من كسر مؤمناً فعليه جبره ، لأنك إذا ذهبت تحمل الفصيل
حمل البازل فسخته » .
وفي الخصال / 42 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « كان أكثر عبادة أبي ذر رحمة الله عليه : التفكر والاعتبار » .
وفي الكافي : 3 / 250 عن علي بن إبراهيم رفعه ، قال : « لما مات ابن أبي ذر ، مسح أبو ذر القبر بيده ثم قال : رحمك الله يا ذر ، والله إن كنت بي باراً ، ولقد قبضت وإني عنك لراض ، أما والله ما بي فقدك وما عليَّ من غضاضة ، ومالي إلى أحد سوى الله من حاجة ، ولولا هول المطلع لسرني أن أكون مكانك ، ولقد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك ! والله ما بكيت لك ولكن بكيت عليك ، فليت شعري ماذا قلت وماذا قيل لك ؟ ثم قال : اللهم إني قد وهبت له ما افترضت عليه من حقي فهب له ما افترضت عليه من حقك ، فأنت أحق بالجود مني » .
وفي الكافي : 2 / 458 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « جاء رجل إلى أبي ذر فقال : يا أبا ذر ما لنا نكره الموت ؟ فقال : لأنكم عمرتم الدنيا وأخربتم الآخرة ، فتكرهون أن تنقلوا من عمران إلى خراب ! فقال له : فكيف ترى قدومنا على الله ؟ فقال : أما المحسن منكم فكالغائب يقدم على أهله ، وأما المسيء منكم فكالآبق يرد على مولاه ! قال : فكيف ترى حالنا عند الله ؟ قال : أعرضوا أعمالكم على الكتاب ، إن الله يقول : إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ، وَإِنَّ الفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ . قال فقال الرجل : فأين رحمة الله ؟ قال : رحمة الله قريب من المحسنين » .
وفي كامل الزيارات / 153 ، عن عروة قال : « سمعت أبا ذر وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة ، فقال له الناس : يا أبا ذر أبشر فهذا قليل في الله تعالى ، فقال : ما أيسر هذا ، ولكن كيف أنتم إذا قتل الحسين بن علي ( عليه السلام ) قتلاً ، أو قال ذبحاً ! والله لا يكون في الإسلام أعظم قتيلاً منه ، وإن الله سيسلُّ سيفه على هذه الأمة لايغمده أبداً ، ويبعث قائماً من ذريته فينتقم من الناس !
وإنكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار وسكان الجبال في الغياض والآكام وأهل السماء من قتله لبكيتم والله حتى تزهق أنفسكم ! وما من سماء يمر به روح الحسين ( عليه السلام ) إلا فزع له سبعون ألف ملك يقومون قياماً ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة ! وما من سحابة تمر وترعد وتبرق إلا لعنت قاتله ، وما من يوم إلا تعرض روحه على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيلتقيان » . فقير . . . غني بولاية علي
6 - إسلام عمرو بن عبسة السلمي أخ أبي ذر لأمه
ذكرت بعض الروايات أن أبا ذر أسلم هو وأخوه أنيس وأمه رملة بنت الوقيعة الغفارية ، وعدد من قبيلته بني غفار . أعيان الشيعة : 4 / 225 والأحوذي : 10 / 305 .
وذكروا له أخاً من أمه هو عمرو بن عبسة السلمي . تهذيب الكمال : 33 / 294 .
قال الطبري : 2 / 61 : « اجتمع أصحابنا على أن أول أهل القبلة استجاب لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خديجة بنت خويلد ، ثم اختُلف عندنا في ثلاثة نفر ، في أبي بكر وعلي وزيد بن حارثة ، أيهم أسلم أول ، قال الواقدي : أسلم معهم خالد بن سعد بن العاص خامساً ، وأسلم أبو ذر قالوا رابعاً أو خامساً ، وأسلم عمرو بن عبسة السلمي ، فيقال رابعاً أو خامساً . قال : فإنما اختلف عندنا في هؤلاء النفر أيهم أسلم أول ، وفي ذلك روايات كثيرة » . وشبيه به تاريخ اليعقوبي : 2 / 23 .
وروى الحاكم : 4 / 148 عن عمرو بن عبسة السلمي ، قال : « أتيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في أول ما بعث وهو بمكة ، وهو حينئذ مستخف » .
وروى أحمد : 4 / 112 عن ابن عبسة : « إني كنت في الجاهلية أرى الناس على ضلالة ولا أرى الأوثان شيئاً ، ثم سمعت عن رجل يخبر أخبار مكة ويحدث أحاديث ، فركبت راحلتي حتى قدمت مكة فإذا أنا برسول الله مستخف ، وإذا قومه عليه جرآء ، فتلطفت له فدخلت عليه فقلت : ما أنت ؟ قال أنا نبي الله ، فقلت : وما نبي الله ؟ قال : رسول الله . قال قلت : آلله أرسلك ؟ قال : نعم . قلت : بأي شئ أرسلك ؟ قال : بأن يوحد الله ولا يشرك به شئ وكسرالأوثان وصلة الرحم . فقلت له : من معك على هذا ؟ قال : حُرٌّ وعبد ، أو عبد وحر ، وإذ معه أبو بكر بن أبي قحافة وبلال مولى أبي بكر . قلت إني متبعك . قال : إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا ، ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فالحق بي . قال : فرجعت إلى أهلي وقد أسلمت فخرج رسول الله مهاجراً إلى المدينة ، فجعلت أتخبَّر الأخبار حتى جاء ركبة من يثرب فقلت : ما هذا المكي الذي أتاكم ؟ قالوا : أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك وحيل بينهم وبينه ، وتركنا الناس سراعاً اليه .
قال عمرو بن عبسة : فركبت راحلتي حتى قدمت عليه المدينة فدخلت عليه فقلت : يا رسول الله أتعرفني ؟ قال : نعم ، ألست أنت الذي أتيتني بمكة ؟ قال قلت : بلى ، فقلت : يا رسول الله علمني مما علمك الله وأجمل . قال : إذا صليت الصبح فاقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس ، فإذا طلعت فلا تصل حتى ترتفع ، فإنها تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ، فإذا ارتفعت قيد رمح أو رمحين فصل ، فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلى العصر ، فإذا صليت العصر فاقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس ، فإنها تغرب حين تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار .
قلت : يا نبي الله أخبرني عن الوضوء . قال : ما منكم من أحد يقرب وضوءه ثم يتمضمض ويستنشق وينتثر إلا خرجت خطاياه من فمه وخياشيمه مع الماء حين ينتثر ، ثم يغسل وجهه كما أمره الله تعالى إلا خرجت خطاياه وجهه من أطراف لحيته من الماء ، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرجت خطايا يديه من أطراف أنامله ، ثم يمسح رأسه من أطراف شعره مع الماء ، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره الله عز وجل إلا خرجت خطايا قدميه من أطراف أصابعه مع الماء ، ثم يقوم فيحمد الله عز وجل ويثني عليه بالذي هو له أهل ، ثم يركع ركعتين إلا خرج من ذنبه كهيئته يوم ولدته أمه !
قال أبو أمامة : يا عمرو بن عبسة أنظر ما تقول ! أسمعت هذا من رسول الله ؟ ! أيعطى هذا الرجل كله في مقامه ؟ ! قال فقال عمرو بن عبسة : يا أبا أمامة لقد كبرت سني ورق عظمي واقترب أجلى وما بي من حاجة أن أكذب على الله عز وجل وعلى رسوله ! لو لم أسمعه من رسول الله إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً ، لقد سمعته سبع مرات أو أكثر من ذلك » ! وبعضه الطبقات : 4 / 217 وهو عندي محل شك .
وكان عمرو بن عبسة يقول : « رأيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو نازل بعكاظ فقلت : من معك على هذا الأمر ؟ فقال : رجلان أبو بكر وبلال ، فأسلمت . ولقد رأيتني وأنا ربع الإسلام » . أحمد : 4 / 112 ، المستدرك : 3 / 66 ، 285 و 1 / 164 . وتهذيب الكمال : 22 / 121 ، الطيالسي / 157 ، ابن خزيمة : 1 / 129 والأحاديث الطوال / 36 .
وقال ابن سعد في الطبقات : 4 / 219 : « لما أسلم عمرو بن عبسة بمكة ، رجع إلى بلاد قومه بني سليم ، وكان ينزل بصُفَّة وحَاذَة ، وهي من أرض بني سليم ، فلم يزل مقيماً هناك حتى مضت بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر ، ثم قدم على رسول الله بعد ذلك المدينة » . وفي الطبقات : 7 / 403 : « ثم خرج بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى الشام فنزلها إلى أن مات بها » . راجع معجم البلدان : 4 / 386 .
أقول : كلامه عن الصلاة ، وعن كيفية إسلامه يوجب الشك في صدقه ، ولعله زار أمه وأخويه أبا ذر وأنيساً ، فوجدهم مسلمين فأسلم ، ثم عاد إلى موطنه في بني سليم في أطراف نجد ، وبقي هناك ولم يهاجر . ومما يزيد الشك في صدقه أنه جعل إسلام أبي بكر قبل كل الناس ، وإسلام بلال مع أبي بكر ، ولم يقل به أحد !
7 - قالوا أبو بكر أول من أسلم وقال سعد أسلم بعد خمسين
قالوا إن علياً كان صغيراً لم يبلغ الحلم عندما أسلم ، وكان أبو بكر شاباً ! وردهم المأمون بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) دعاه إلى الإسلام بأمر ربه ، فهو كبير وإن كان صغيراً !
ثم قالوا إن أبا بكر أسلم قبل علي ( عليه السلام ) وبالغوا في شجاعته وثروته ، وعددوا أناساً أسلموا على يده ! لكن سعد بن أبي وقاص شهد بأن أبا بكر أسلم متأخراً . قال ابنه محمد : « قلت لأبي : أكان أبو بكر أولكم إسلاماً ؟ فقال : لا ، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين ، ولكن كان أفضلنا إسلاماً » . الطبري : 2 / 60 .
وروى ابن أبي شيبة : 8 / 448 عن هشام بن عروة قال : « أسلم أبو بكر يوم أسلم وله أربعون ألف درهم . . أول من أظهر الإسلام سبعة : رسول الله وأبو بكر وبلال وخباب وصهيب وعمار وسمية أم عمار ، فأما رسول الله فمنعه عمه ، وأما أبو بكر فمنعه قومه ، وأُخذ الآخرون فألبسوا أدراع الحديد ثم صهروهم . . . » .
وهذا لا يصح عن أول البعثة ، لأن مرحلة دعوة العشيرة الأقربين امتدت ثلاث سنين وكان الخوف فيها شديداً ، فلوأسلم أبو بكر في تلك الفترة ، لكان لقريش ردة فعل كما في إسلام أبي ذر وعمار .
كما لا يصح قوله : منعته قبيلته ، في أبي بكر ، لأن نوفل بن خويلد من بني أسد عبد العزى كان يربط أبا بكر بحبل هو وطلحة ويحبسهما ، فسميا القرينين . وكان خويلد يدعى أسد قريش فقتله علي ( عليه السلام ) في بدر . « الحاكم 3 / 369 » . وكان عثمان بن عبيد الله أيضاً يربطهما بحبل . « الإصابة 6 / 77 » . ولم تحمهما قبيلتهما تيم .
ورووا أن أبا بكر هاجر إلى اليمن لخوفه على نفسه ، فوجد ابن الدِّغِنَّة وهو رئيس الأحابيش القارة ، أي الرماة ! فحماه وأرجعه معه إلى مكة ، وأعلن لقريش أنه يجيره فبلت ، في قصة طويلة كررها البخاري : 3 / 58 وابن هشام : 1 / 249 .
8 - خامس المسلمين خالد بن سعيد بن العاص الأموي
أ - شاء الله عز وجل أن يجعل من أبناء أبي أُحَيْحَة مسلمين مؤمنين !
وأبوأحيحة هو سعيد بن العاص الأموي ، من كبار فراعنة قريش وأثريائهم ، ومعنى الأُحَيْحَة الضغينة في الصدر ، ويقال كان له ابن اسمه أحيحة توفي صغيراً . وكان له خمسة أولاد ذكور وقيل ثمانية ، والمعروف منهم ابنه الكبير العاص الذي شهد بدراً مع المشركين فقتله علي ( عليه السلام ) ، وخالد وعمرو وأبان ، الذين أسلموا وختم الله لهم بالشهادة ، وأفضلهم خالد الذي أكرمه الله برؤيا كانت سبب هدايته !
ففي الطبقات : 1 / 166 ، تاريخ دمشق : 16 / 67 ، عن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت : « لما كان قبيل مبعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) بينا خالد بن سعيد ذات ليلة نائم قال : رأيت كأنه غشيت مكة ظلمة حتى لا يبصر امرؤ كفه ، فبينا هو كذلك إذ خرج نور ثم علا في السماء فأضاء في البيت ، ثم أضاء مكة كلها ، ثم إلى نجد ، ثم إلى يثرب فأضاءها حتى أني لأنظر إلى البسر « التمر » في النخل ! قال فاستيقظت فقصصتها على أخي عمرو بن سعيد وكان جَزِلَ الرأي « راجحه » فقال : يا أخي إن هذا الأمر يكون في بني عبد المطلب ! ألا ترى أنه خرج من حفيرة أبيهم « زمزم » .
قال خالد : فإنه لما هداني الله به للإسلام . قالت أم خالد : فأول من أسلم أبي ، وذلك أنه ذكر رؤياه لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا خالد أنا والله ذلك النور ، وأنا رسول الله ، فقص عليه ما بعثه الله به فأسلم خالد ، وأسلم عمرو » . ورواه ابن حبيب في المنمق / 292 ، وكنز الفوائد / 93 وغيرها ، بروايات متعددة وتفاصيل .
وفي المستدرك : 3 / 248 : « وأرسل أبوه في طلبه من بقي من ولده ممن لم يسلم ورافعاً مولاه ، فوجده فأتوا به أباه أبا أحيحة ، فأنَّبه وبكَّته وضربه بصريمة في يده حتى كسرها على رأسه ، ثم قال : اتبعت محمداً وأنت ترى خلاف قومه ، وما جاء به من عيب آلهتهم وعيبه من مضى من آبائهم ؟ !
فقال خالد : قد صدق والله واتبعته . فغضب أبوه أبو أحيحة ونال منه وشتمه ، ثم قال : إذهب يا لكع حيث شئت ، والله لأمنعنك القوت !
فقال خالد : إن منعتني فإن الله عز وجل يرزقني ما أعيش به ! فأخرجه وقال لبنيه : لا يكلمه أحد منكم إلا صنعت به ما صنعت به ، فانصرف خالد إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فكان يكرمه ويكون معه » .
وفي الطبقات : 4 / 95 : « كان إسلام خالد بن سعيد بن العاص ثالثاً أو رابعاً ، وكان ذلك ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يدعو سراً . . . فضربه أبو أحيحة بقراعة في يده حتى كسرها على رأسه ، ثم أمر به إلى الحبس وضيق عليه وأجاعه وأعطشه ، حتى لقد مكث في حر مكة ثلاثاً ما يذوق ماء ، فرأى خالد فُرجة فخرج فتغيب عن أبيه في نواحي مكة حتى حضر خروج أصحاب رسول الله إلى الحبشة في الهجرة الثانية » .
وفي المناقب : 1 / 288 : « استفاضت الرواية أن أول من أسلم علي ، ثم خديجة ، ثم جعفر ، ثم زيد ، ثم أبو ذر ، ثم عمرو بن عنبسة السلمي ، ثم خالد بن سعيد بن العاص ، ثم سمية أم عمار ، ثم عبيدة بن الحرث ، ثم حمزة « أعلن إسلامه » ثم خباب بن الأرت ، ثم سلمان ، ثم المقداد ، ثم عمار ، ثم عبد الله بن مسعود ، في جماعة . ثم أبو بكر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعيد بن زيد ، وصهيب وبلال » .
وفي الآحاد والمثاني : 1 / 387 : « كان « خالد » جميلاً وسيماً ، قتل وهو ابن نحو خمسين » .
وفي الإستيعاب : 2 / 420 : « هاجر إلى أرض الحبشة مع امرأته الخزاعية ، وولد له بها ابنه سعيد بن خالد ، وابنته أم خالد . . . قالت . . وشهد أبي مع رسول الله عمرة القضاء وفتح مكة ، وحنيناً ، والطائف ، وتبوك ، وبعثه رسول الله على صدقات اليمن ، فتوفى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأبي باليمن » .
ب - هاجر خالد إلى الحبشة ، لكنه كان يتردد على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويقوم له بمهمات . فقد أرسله النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى قيصر الروم ، فتأثر به كبير الأساقفة . تاريخ دمشق : 16 / 67 .
وكان يتاجر إلى اليمن فجاء إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بآلة كالمنجنيق من جرش . إمتاع الأسماع : 2 / 21 .
وكان إلى جانب جعفر في الهجرة ، ورجع معه في السنة السابعة . الإستيعاب : 3 / 1177 .
ولما توفي في الحبشة زوج أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فكتب النبي ( صلى الله عليه وآله ) للنجاشي أن يخطبها له ، فوكلت خالد بن سعيد وخطبها النجاشي منه . الإستيعاب : 4 / 1932 .
ج - شارك سعيد بفعالية في حروب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأمَّره في فتح مكة على سرية وأرسله إلى ذي عَرَنة . التنبيه والإشراف / 233 .
وكان يكتب للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو أول من ابتدأ بالبسملة . « الدر المنثور : 1 / 11 ومكاتيب الرسول : 1 / 149 » . وتوسط للنبي ( صلى الله عليه وآله ) مع ثقيف وكتب عهدهم . الدرر / 248 .
د - أرسله النبي ( صلى الله عليه وآله ) مع علي ( عليه السلام ) لفتح اليمن فجعله علي ( عليه السلام ) قائد مقدمته ، وبرز إلى عمرو بن معدي كرب فنهاه علي ( عليه السلام ) ، وبرز هو اليه وصاح بعمرو فهرب ! ثم جاء عمرو واستأمن ، وأعطى سيفه المشهور الصمصامة إلى خالد .
وذهب خالد بن الوليد بمن معه في اليمن إلى جهة ، فنهاه علي ( عليه السلام ) فخالفه ، فبعث اليه خالد بن سعيد ، فأجبره على طاعة أميره . كشف الغمة : 1 / 229 .
ولاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) على اليمن وكتب له كتاب الفرائض . مكاتيب النبي : 1 / 303 .
ه - - عندما توفي النبي ( صلى الله عليه وآله ) رجع خالد إلى المدينة وتفاجأ ببيعة أبي بكرفغضب « وأتى بني هاشم فقال : أنتم الظهر والبطن والشعار دون الدثار والعصا دون اللحا ، فإذا رضيتم رضينا وإذا أسخطتم سخطنا . . . وبلغت أبا بكر فلم يحفل بها واضطغنها عليه عمر فلما ولاه أبو بكر الجند الذي استنفر إلى الشام قال له عمر : أتولي خالداً وقد حبس عليك بيعته وقال لبني هاشم ما قال ! » . شرح النهج : 2 / 58 .
و - كان أول الخطباء المعترضين على بيعة أبي بكر ، ففي الاحتجاج : 1 / 97 والخصال / 461 ، عن أبان بن تغلب قال : « قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق : جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : نعم كان الذي أنكر على أبي بكر اثنا عشر رجلاً . من المهاجرين : خالد بن سعيد بن العاص وكان من بني أمية ،
وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود ، وعمار بن ياسر ، وبريدة الأسلمي . ومن الأنصار : أبو الهيثم بن التيهان ، وسهل وعثمان ابنا حنيف ، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وأبيُّ بن كعب ، وأبو أيوب الأنصاري ، وغيرهم . فلما صعد المنبر تشاوروا بينهم في أمره فقال بعضهم : هلا نأتيه فننزله عن منبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وقال آخرون : إن فعلتم ذلك أعنتم على أنفسكم وقال الله عز وجل : وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى الْتَّهْلُكَةِ ، ولكن إمضوا بنا إلى علي بن أبي طالب نستشيره ونستطلع أمره ، فأتوا علياً ( عليه السلام ) فقالوا : يا أمير المؤمنين ضيعت نفسك وتركت حقاً أنت أولى به ، وقد أردنا أن نأتي الرجل فننزله عن منبر رسول الله فإن الحق حقك وأنت أولى بالأمر منه ، فكرهنا أن ننزله من دون مشاورتك ، فقال لهم علي : لو فعلتم ذلك ما كنتم إلا حرباً لهم ، ولا كنتم إلا كالكحل في العين أو كالملح في الزاد ، وقد اتفقت عليه الأمة التاركة لقول نبيها والكاذبة على ربها ! ولقد شاورت في ذلك أهل بيتي فأبوا إلا السكوت لما تعلمون من وَغَرِ صدور القوم وبغضهم لله عز وجل ولأهل بيت نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ، وإنهم يطالبون بثارات الجاهلية ! والله لو فعلتم ذلك لشهروا سيوفهم مستعدين للحرب والقتال كما فعلوا ذلك حتى قهروني وغلبوني على نفسي ولببوني وقالوا لي : بايع وإلا قتلناك ، فلم أجد حيلة إلا أن أدفع القوم عن نفسي ، وذاك أني ذكرت قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي ، إن القوم نقضوا أمرك واستبدوا بها دونك وعصوني فيك ، فعليك بالصبر حتى ينزل الأمر ! ألا وإنهم سيغدرون بك لا محالة فلا تجعل لهم سبيلاً إلى إذلالك وسفك دمك ، فإن الأمة ستغدر بك بعدي ! كذلك أخبرني جبرئيل ، عن ربي تبارك وتعالى .
ولكن إئتوا الرجل فأخبروه بما سمعتم من نبيكم ( صلى الله عليه وآله ) ، ولا تجعلوه في الشبهة من أمره ، ليكون ذلك أعظم للحجة عليه ، وأبلغ في عقوبته إذا أتى ربه وقد عصى نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ، وخالف أمره » !
ز - وقال علي ( عليه السلام ) : « فأتى رهط من أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) يعرضون عليَّ النصرة منهم خالد وأبان ابنا سعيد بن العاص ، والمقداد بن الأسود الكندي ، وأبو ذر الغفاري ، وعمار بن ياسر ، وسلمان الفارسي ، والزبير بن العوام ، وأبو سفيان بن حرب ، والبراء بن مالك الأنصاري . فقلت لهم : إن عندي من نبي الله العهد وله الوصية ، وليس لي أن أخالفه ولست أجاوز أمره وما أخذه علي لله ! لو خزموا أنفي لأقررت سمعاً وطاعة لله عز وجل ، فبينا أنا على ذلك إذ قيل : قد انثال الناس على أبي بكر وأجفلوا عليه ليبايعوه ، وما ظننت أنه تخلف عن جيش أسامة إذ كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد أمَّره عليه وعلى صاحبه وأمر أن يجهز جيش أسامة ، فلما رأيته قد تخلف وطمع في الأمارة ، ورأيت انثيال الناس عليه أمسكت يدي . . . فلبثت ما شاء الله حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام وأظهرت ذلك يدعون إلى محو دين الله ، وتغيير ملة محمد ( صلى الله عليه وآله ) ! فخشيت إن لم أنصر الإسلام وقعدت أن أرى فيه ثلماً وهدماً تكون مصيبته علي أعظم من فوت ولاية أموركم ، التي إنما هي متاع أيام قلائل ، ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب ، وينقشع كما ينقشع السحاب . ورأيت الناس قد امتنعوا بقعودي عن الخروج إليهم ، فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فتألفته ، ولولا أني فعلت ذلك لباد الإسلام ثم نهضت في تلك الأحداث حتى انزاح الباطل ، وكانت كلمة الله هي العليا ، ولو كره المشركون » . المسترشد / 411 .
ح - عرض عليه أبو بكر الولاية فرفضها هو وإخوته ، قال لهم أبو بكر : « ما أحد أحق بالعمل من عمال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إرجعوا إلى أعمالكم ، فقالوا : لا نعمل بعد رسول الله لأحد ! فخرجوا إلى الشام فقتلوا عن آخرهم » ! الحاكم : 3 / 249 .
ثم أعلن بعض العرب عدم طاعتهم لأبي بكر ، وأعلن مسيلمة الكذاب نبوته وحث أبو بكر الناس على الجهاد فتثاقلوا حتى نهض علي ( عليه السلام ) وحثهم على جهاد مسيلمة وذات مرة قال عمر : « لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا . . الآية . فقال له خالد بن سعيد بن العاص : يا ابن أم عمر ، ألنا تضرب أمثال المنافقين ! والله لقد أسلمت وإنَّ لبني عدي صنماً إذا جاعوا أكلوه ، وإذا شبعوا استأنفوا » . عين العبرة لابن طاووس / 18 .
ط - ولما رأى أبو بكر رفض خالد للولاية ورغبته في الجهاد ، عقد له على جيش فتح الشام : « فأول لواء عقده لواء خالد بن سعيد بن العاص ، ثم عزله قبل أن يسيِّره ، وولى يزيد بن أبي سفيان فكان أول الأمراء الذين خرجوا إلى الشام » .
« عن ابن عمر قال : لما عقد أبو بكر الأمراء على الشام كنت في جيش خالد بن سعيد بن العاص ، فصلى بنا الصبح بذي المروة وهو على الجيوش كلها ، فو الله إنا لعنده إذ أتاه آت فقال قدم يزيد بن أبي سفيان ، فقال خالد بن سعيد هذا عمل عمر بن الخطاب ، كلم أبا بكر في عزلي وولى يزيد بن أبي سفيان !
فقال ابن عمر فأردت أن أتكلم ، ثم عزم لي على الصمت . قال : فتحولنا إلى يزيد بن أبي سفيان وصار خالد كرجل منهم ، وقال محمد بن عمر : وهذا أثبت عندنا مما روي في عزل خالد وهو بالمدينة » . تاريخ دمشق : 65 / 244 .
وفي تاريخ الطبري : 2 / 586 وشرح النهج : 2 / 58 : « واضطغنها عليه عمر ، فلما ولاه أبو بكر الجند الذي استنفر إلى الشام قال له عمر : أتولي خالداً وقد حبس عليك بيعته وقال لبني هاشم ما قال » .
ي - وكان خالد في الشام هو القائد الحقيقي لقوة إيمانه وشجاعته ، وضعف يزيد بن أبي سفيان الشاب أمامه ، فسعيد من ناحية اجتماعية ابن أبي أحيحة الأقوى والأعرق في قيادة بني أمية ، من أبي سفيان وأولاده . على أن خالداً لم يذهب مع يزيد بن أبي سفيان ، بل اختار أن يذهب في جيش شرحبيل بن حسنة فأوصاه به أبو بكر ، وربما كان ذلك بفعل تأنيب الضمير !
ففي الطبقات : 4 / 98 : « لما عزل أبو بكر خالد بن سعيد أوصى به شرحبيل بن حسنة ، وكان أحد الأمراء فقال : أنظر خالد بن سعيد فاعرف له من الحق عليك مثل ما كنت تحب أن يعرفه لك من الحق عليه لو خرج والياً عليك ، وقد عرفت مكانه من الإسلام ، وأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) توفي وهو له والٍ ، وقد كنت وليته ثم رأيت عزله وعسى أن يكون ذلك خيراً له في دينه . ما أغبط أحداً بالأمارة ! وقد خيرته في أمراء الأجناد فاختارك على غيرك على ابن عمه ، فإذا نزل بك أمر تحتاج فيه إلى رأي التقي الناصح ، فليكن أول من تبدأ به أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل ، وليكن خالد بن سعيد ثالثاً ، فإنك واجد عندهم نصحاً وخيراً . وإياك واستبداد الرأي عنهم ، أو تطوي عنهم بعض الخبر .
قال محمد بن عمر : فقلت لموسى بن محمد : أرأيت قول أبي بكر قد اختارك على غيرك ؟ قال : أخبرني أبي أن خالد بن سعيد لما عزله أبو بكر كتب إليه أي الأمراء أحب إليك ؟ فقال : ابن عمي أحب إلي في قرابته ، وهذا أحب إلي في ديني ، فإن هذا أخي في ديني على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وناصري على ابن عمي ، فاستحبَّ أن يكون مع شرحبيل بن حسنة » .
أقول : شرحبيل صحابي عرف باسم أمه حسنة . واسم أبيه المطاع من قبيلة غوث من كندة ، ولد ونشأ في مكة وتحالف مع بني زهرة ، وأسلم وهاجر إلى الحبشة وكان فارساً وصديقاً لخالد بن سعيد الفارس البطل يحترمه ويناصره ، ولذلك اختار خالد أن يكون معه فأعطاه قيادة الخيل ، ولا بد أن تكون خططه كلها من خالد ، ولذا قلنا إن ثقل معركة أجنادين التي تم فيها فتح الأردن وفلسطين كان على خالد ، وكان الروم يجمعون فيها قواتهم فنزل شرحبيل مقابلهم ، ولما اقتربت المعركة جاءه من المسلمين مدد مساعد ، وقد فتح جيش شرحبيل الأردن كلها عنوة أي بالحرب ، إلا طبرية فصالحه أهلها ، بينما فتحت المدن التي توجهت إليها الفرق الأخرى صلحاً ، أي بالمحاصرة أو بالتخويف ، بدون حرب كبيرة .
ك - وكان خالد « رحمه الله » بطل معركة أجنادين التي بدأت بها هزيمة هرقل ، فقد توجه جيش المسلمين إلى الشام فاجتاحوا مدينة بصرى الشام بسهولة ، وصالحهم أهلها على الجزية وأن يكونوا تحت حكمهم . وكان هرقل يومها في حمص فأمر بتجميع الجيش لقتال المسلمين في « أجنادين » وهي في فلسطين قرب مدينة بيت جبرين ، وجعل القيادة لابنه وخليفته ، فجمعوا لهم تسعين ألف مقاتل .
قال البلاذري : 1 / 135 : « ثم كانت وقعة أجنادين وشهدها من الروم زهاء مئة ألف سرَّب هرقل أكثرهم ، وتجمع باقوهم من النواحي ، وهرقل يومئذ مقيم بحمص » . « واجتمعت الروم بأجنادين ، وعليهم تذارق أخو هرقل لأبويه ، وقيل كان على الروم القبقلار » . الكامل : 2 / 417 .
« ورد علينا عباد بن سعد الحضرمي وكان قد بعثه شرحبيل بن حسنة . . . من بصرى يُعلم خالداً بمسير الروم اليه من أجنادين في تسعين ألف فارس » « فتوح الواقدي : 1 / 48 » . وهذا يدل على أن خالداً كان قائد الجيش الميداني .
وقال ابن عبد البر في الإستيعاب : 1 / 64 : « وكانت وقعة أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر الصديق ، قبل وفاة أبي بكر بدون شهر . . . وكان في إجنادين أمراء أربعة أبو عبيدة بن الجراح ، وعمرو بن العاص ، ويزيد أبي سفيان ، وشرحبيل بن حسنة ، كل على جنده » .
« فتوافت جنود المسلمين والروم بأجنادين فالتقوا يوم السبت لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة ، فظهر المسلمون وهزم الله المشركين ، وقتل خليفة هرقل » . تاريخ الطبري : 2 / 611 .
وفي رواية ابن عساكر : 16 / 66 : « فحملت لهم خيل على خالد بن سعيد ، وكان واقفاً في جماعة من المسلمين في ميمنة الناس يحرض الناس ويدعو الله عز وجل ، ثم يقبض عليهم ، فحملت طائفة منهم عليهم فنازلهم فقاتلهم قتالاً شديداً » .
وورد ذكر أخيه أبان بن سعيد : « ورُمِيَ أبان بن سعيد بن العاص بنشابة فنزعها وعصبها بعمامته فحمله أخواه خالد بن سعيد وعمرو بن سعيد فقال : لاتنزعوا عمامتي عن جرحي فإنكم إذا انتزعتموها عن جرحي تبعتها نفسي ، أما والله ما أحب أنها بأقصى حجر من البلاد مكاني ، فلما نزعوا العمامة مات « رحمه الله » » .
« واستشهد من المسلمين طائفة . . . وانتهى خبر الوقعة إلى هرقل فنخِب قلبه ، ومُلئ رعباً فهرب من حمص إلى أنطاكية » . معجم البلدان : 1 / 103 .
ل - ولم يكن شرحبيل يعجب عمر فعزله بدون سبب ، بحجة أنه وجد أقوى منه ! وتوفي شرحبيل في طاعون عمواس وعمره 67 سنة . تاريخ دمشق : 22 / 464 .
م - تعمد تاريخ السلطة أن يخفي بطولات الأبطال الذين حققوا النصر للمسلمين في هاتين المعركتين لمجرد أنهم من تلاميذ علي ( عليه السلام ) ! وفي طليعتهم خالد بن سعيد بن العاص بطل معركة أجنادين وأخواه عمرو وأبان ، ومالك الأشتر بطل معركة اليرموك ، وأبو ذر ، وهاشم بن عتبة المرقال ، وغيرهم .
وكذلك دور حذيفة بن اليمان ، وحجر بن عدي ، وحبيب بن مظاهر ، وزهير بن القين ، أبطال فتوحات العراق وفارس وأرمينيا . وكذلك دور جعدة بن هبيرة قائد فتوح خراسان ، وما وراء النهر !
كما أخفى تاريخ السلطة استغاثة أبي بكر وعمر بعلي ( عليه السلام ) في الشدائد ، ونهوضه فيها ، وإدارته أهم معارك الفتوحات !
ن - بعد انتصار المسلمين في أجنادين بقيادة سعيد وبطولته ، ثم في معركة اليرموك ببطولة مالك الأشتر « رحمه الله » ، انسحب هرقل إلى القسطنطينية وودع سوريا قائلاً : السلام عليك يا سوريا ! وسقطت الشام وفلسطين وقبرص بيد المسلمين .
س - كان خالد القائد الحقيقي لجيش شرحبيل ، وكان الأشتر الفارس الحاسم في جيش خالد وأبي عبيدة ، وكان أبو ذر « رحمه الله » مفتي جيش الشام وموجهه .
قال القاضي النعمان في شرح الأخبار : 2 / 156 : « غزا يزيد بن أبي سفيان بالناس وهو أمير على الشام فغنموا وقسموا الغنائم ، فوقعت جارية في سهم رجل من المسلمين وكانت جميلة ، فذكرت ليزيد فانتزعها من الرجل ! وكان أبو ذر يومئذ بالشام فأتاه الرجل فشكا إليه واستعان به على يزيد ليرد الجارية إليه ، فانطلق إليه معه وسأله ذلك فتلكأ عليه ! فقال له أبو ذر : أما والله لئن فعلت ذلك ، لقد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : إن أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية ثم قام ! فلحقه يزيد فقال له : أذكرك الله عز وجل أنا ذلك الرجل ؟ قال : لا . فرد عليه الجارية » . وفي سير الذهبي : 1 / 329 وتاريخ دمشق : 65 / 250 : « فوقعت جارية نفيسة في سهم رجل فاغتصبها يزيد » !
وصححه الألباني : 4 / 329 ، ولم يبين مناسبته ! قال : « أول من يغير سنتي رجل من بني أمية ! ولعل المراد بالحديث تغيير نظام اختيار الخليفة وجعله وراثة » !
وفي تقريب المعارف لأبي الصلاح الحلبي / 266 : « كتب معاوية إلى عثمان : إن أبا ذر قد حرَف قلوب أهل الشام وبغَّضك إليهم فما يستفتون غيره ولا يقضي بينهم إلا هو ! فكتب عثمان إلى معاوية : أن احمل أبا ذر على ناب صعبة » . والبحار : 31 / 274 .
ع - قُتل خالد بن سعيد بعد تحقيقه النصر في أجنادين ، في ظرف مريب ، وزاد من الريبة تناقض روايتهم فقالوا قتل في معركة أجنادين ، لكن ثبت أنه تزوج بأم حكيم الخزاعية بعد استشهاد زوجها عكرمة بن أبي جهل في أجنادين ، وقد اعتدت بعده أربعة اشهر وعشراً . وقالوا قتل في مرج الصفر ، وهي قرية في حوران ، وقد تناقضت روايتها في وجود معركة فيها ، وفي وقتها !
وقالوا خرج يستمطر في مرج الصفر بعد انتصاره في أجنادين ، أي نزع ثيابه ووقف تحت ماء المطر « فيض القدير : 5 / 280 » ، فباغته الروم فقتلوه ! الطبري : 2 / 601 .
وقالوا كان غيره يستمطر فقتلهم الروم ، فهرب هو بفئة من الجيش « تاريخ : 2 / 104 » لكنه لم يعرف عنه الهرب في المعارك ! « وقالوا لما قتل الرومي خالد بن سعيد قلب ترسه وأسلم واستأمن ! وقال مَن الرجل الذي قتلنا ، فإني رأيت له نوراً ساطعاً في السماء » . « تاريخ دمشق : 16 / 83 » . والسر عند ذلك الرومي الذي أخفوا اسمه !
ومما يوجب زيادة الشك أن السلطة أشاعت بعد قتل خالد بن سعيد ، أن عمر كان رضي عنه لحسن بلائه في الفتوحات !
ف - وقد ذكر الباحث الشيخ نجاح الطائي في كتابه اغتيال أبي بكر / 64 ، بأن عمر اغتال أبا بكر وخالد بن سعيد ، وخالد بن الوليد ، وشرحبيل بن حسنة ، وأبا عبيدة وبلالاً وأصحابه المعترضين عليه . . . فدس إليهم السم ، إذ مات أبو بكر وطبيبه وواليه على مكة في يوم واحد !
ص - ولعل زواج خالد بن سعيد بأم الحكم الخزاعية أثار عمر ، « ففي الطبقات 4 / 98 » : « شهد خالد بن سعيد فتح أجنادين وفحل ومرج الصفر ، وكانت أم الحكيم بنت الحارث بن هشام تحت عكرمة بن أبي جهل ، فقتل عنها بأجنادين ، فأعدت أربعة أشهر وعشراً ، وكان يزيد بن أبي سفيان يخطبها ، وكان خالد بن سعيد يرسل إليها في عدتها يتعرض للخطبة فحطت إلى خالد بن سعيد فتزوجها على أربعمائة دينار ، فلما نزل المسلمون مرج الصفر أراد خالد أن يعرس بأم حكيم فجعلت تقول لو أخرت الدخول حتى يفض الله هذه الجموع ، فقال خالد : إن نفسي تحدثني أني أصاب في جموعهم . قالت : فدونك . فأعرس بها عند القنطرة التي بالصفر ، فبها سميت قنطرة أم حكيم ، وأولم عليها في صبح مدخله فدعا أصحابه على طعام ، فما فرغوا من الطعام حتى صفَّت الروم صفوفها صفوفاً خلف صفوف ، وبرز رجل منهم معلم يدعو إلى البراز ، فبرز إليه أبو جندل بن سهيل بن عمرو العامري فنهاه أبو عبيدة ، فبرز حبيب بن مسلمة فقتله حبيب ورجع إلى موضعه ، وبرز خالد بن سعيد فقاتل فقتل ، وشدت أم حكيم بنت الحارث عليها ثيابها وعَدَت وإن عليها لدرعاً والخلوق في وجهها . . . وقتلت أم حكيم يومئذ سبعة بعمود الفسطاط الذي بات فيه خالد بن سعيد معرساً بها . وكانت وقعة مرج الصفر في المحرم سنة أربع عشرة ، في خلافة عمر بن الخطاب » . انتهى .
ويظهر أنها كانت من فاضلات النساء ، فقد هرب زوجها عكرمة بن أبي جهل عند فتح مكة فأسلمت هي وبايعت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأخذت منه أماناً لزوجها ولحقت به إلى اليمن وجاءت به إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأسلم ، وكانت مع زوجها عكرمة في فتوح الشام ، وبعد شهادته تزوجت بخالد بن سعيد ، وبعد شهادته « فتزوجها عمر بن الخطاب ، فولدت له فاطمة بنت عمر » . تاريخ دمشق : 70 / 225 . راجع : الكافي : 5 / 572 ، الموطأ : 2 / 545 ، المستدرك : 3 / 241 ، فتح الباري : 8 / 9 ، التوابين لابن قدامة / 123 والطبقات : 5 / 50 .
9 - من أوائل المسلمين عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب
أ - في الخصال / 452 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) ، عن جابر قال : « سئل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن ولد عبد المطلب فقال : عشرة ، والعباس ! قال الصدوق : وهم عبد الله ، وأبو طالب والزبير ، وحمزة ، والحارث وهو أسنُّهم ، والغيداق ، والمقوم ، وحجل ، وعبد العزى وهو أبو لهب ، وضرار ، والعباس » .
وفي جواهر العقود للأسيوطي : 1 / 396 : « وأجمعوا على تحريم الصدقة المفروضة على بني هاشم ، وهم خمس بطون : آل علي ، وآل عباس ، وآل جعفر ، وآل عقيل ، وآل الحارث بن عبد المطلب . واختلفوا في بني المطلب فحرمها مالك وأحمد في أظهر روايته ، وجوزها أبو حنيفة » . وذكر الشيخ الطوسي أن ذرية عبد المطلب انحصرت بأولاد أبي طالب ، والحارث ، والعباس ، وأبي لهب ، ولا عقب للباقين . الخلاف : 3 / 540 .
ب - أسلم من أعمام النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبو طالب وحماه ونصره ، وكذا حمزة ، وأسلم عبيدة بن الحارث ابن عم النبي ( صلى الله عليه وآله ) في أوائل البعثة ، وكان أكبر سناً من النبي ( صلى الله عليه وآله ) . ولم يسلم العباس إلا بعد أن أخذ أسيراً في بدر ، وشذ أبو لهب إلى النار . « كان « عبيدة » مربوعاً أسمر حسن الوجه » . الطبقات : 3 / 50 .
وكان مسلماً صادقاً ، ففي المرحلة الأولى من الدعوة عندما تكالبت قريش على قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) تعاهد هو وحمزة وعلي وجعفر ، على نصرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبذل أرواحهم دونه فنزل فيهم قرآن .
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في حديثه مع حبر يهودي : « قد علم من حضر ممن ترى ومن غاب من أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) أن الموت عندي بمنزلة الشربة الباردة في اليوم الشديد الحر ، من ذي العطش الصدي ! ولقد كنت عاهدت الله عز وجل ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) أنا وعمي حمزة ، وأخي جعفر ، وابن عمي عبيدة ، على أمر وفينا به لله عز وجل ولرسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، فتقدمني أصحابي وتخلفت بعدهم ، لما أراد الله عز وجل فأنزل الله فينا : مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً . حمزة ، وجعفر ، وعبيدة ، وأنا والله والمنتظر يا أخ اليهود ، وما بدلت تبديلا » . الخصال / 376 .
وقد طبق الإمام الصادق ( عليه السلام ) هذه الآية على الشيعة الذين صدقوا ووفوا بولاية أهل البيت « عليهم السلام » فقال لأبي بصير « رحمه الله » « الكافي : 8 / 34 » : « يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال : مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ، إنكم وفيتم بما أخذ الله عليه ميثاقكم من ولايتنا ، وإنكم لم تبدلوا بنا غيرنا ، ولو لم تفعلوا لعيركم الله كما عيرهم حيث يقول جل ذكره : وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ » .
ج - هاجر عبيدة مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأمَّره النبي ( صلى الله عليه وآله ) على سرية بعثها لاعتراض قافلة قريش ، وكانت أول سرية حسب قول ابن إسحاق والبخاري ، والثانية حسب قول غيرهما ، والأولى كانت بقيادة حمزة .
قال ابن عبد البر في الإستيعاب : 1 / 313 : « وكانت هجرته إلى المدينة مع أخويه الطفيل والحصين بن الحارث بن المطلب ، ومعه مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب ، ونزلوا على عبد الله بن سلمة العجلاني . وكان لعبيدة بن الحارث قَدر ومنزلة عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . قال ابن إسحاق : أول سرية بعثها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مع عبيدة بن الحارث في ربيع الأول سنة اثنتين في ثمانين راكباً ، ويقال في ستين من المهاجرين ليس فيها من الأنصار أحد ، وبلغ سيف البحر حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة ، فلقي بها جمعاً من قريش ، ولم يكن بينهم قتال » .
د - وفي معركة بدر : « فلبس عتبة درعه وتقدم هو وأخوه شيبة وابنه الوليد وقال : يا محمد أخرج الينا أكفاءنا من قريش ، فتطاولت الأنصار لمبارزتهم فدفعهم ، وأمر علياً ( عليه السلام ) وحمزة وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وهو ابن سبعين سنة بالبراز ، وقال : قاتلوا على حقكم الذي بعث الله به نبيكم ، إذ جاؤوا بباطلهم ليطفؤا نورالله ، فلما رأوهم قالوا : أكفاء كرام .
فقتل علي الوليد وحمزة عتبة وأصابت فخذ عبيدة ضربة ، فحمله علي وحمزة إلى رسول الله فقال : يا رسول الله ألستُ شهيداً ؟ قال : بلى أنت أول شهيد من أهل بيتي ، فمات بالصفراء » . المناقب : 1 / 162 .
ه - - قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في جوابه على رسالة معاوية : « ثم أمر الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) بقتال المشركين فكان يقدم أهل بيته إلى حر الأسنة والسيوف ، حتى قتل عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب يوم بدر ، وقتل حمزة يوم أحد ، وقتل جعفر بمؤتة وزيد بن حارثة ، وأسلم الناس نبيهم يوم حنين غير العباس عمه ، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عمه ، وأراد من لو شئت يا معاوية ذكرت اسمه ، مثل الذي أرادوا من الشهادة مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، إلا أن آجالاً أجلت ومنية أخرت ، والله ولي الإحسان إليهم والمنان على أهل بيتي بما أسلفوا من الصالحات . وقد أنزل الله تعالى في كتابه فضلهم يوم حنين فقال : ثمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وإنما عنانا بذلك دون غيرنا ، فتذكرُ في الفضل غيرنا وتدعنا ! فلم لا تذكر فيه من استشهد في الله ورسوله منا ؟ وما ذاك إلا لحسدك إيانا وبغيك علينا ، كما أن تلك عادتك فينا ! فهل سمعت يا معاوية بأهل بيت نبي في سالف الأمم أصبر على الضراء واللأواء وحين البأس والمواطن الكريهة ، من هؤلاء النفر الذين عددتهم من أهل بيتي . وفي المهاجرين والأنصار خير كثير جزاهم الله بأحسن أعمالهم » . مناقب الخوارزمي / 251 .
و - في المناقب للقاضي النعمان / 146 : « وقد قطع عتبة رجل عبيدة فمات بعد منصرف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، بالصفراء ، رحمة الله عليه » .
وفي الإستيعاب : 3 / 313 : « فمات بالصفراء على ليلة من بدر ، ويروى أن رسول الله لما نزل بأصحابه بالتاربين قال له أصحابه : إنا نجد ريح المسك ! قال : وما يمنعكم وهاهنا قبر أبي معاوية » .
وفي وفاء الوفا : 2 / 1064 : « بذفران مسجد يتبرك به على يسار من سلكه إلى ينبع . . . أمام محرابه قبر قديم محكم البناء . . . قبر عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب » .
ولا بد أن الوهابية أزالهم الله ، أزالوه فيما أزالوا من معالم الإسلام !
10 - إسلام عمار ووالديه ياسر وسمية رضي الله عنهم
10 - إسلام عمار ووالديه ياسر وسمية رضي الله عنهم
أ - اتفق رواة السيرة على أن عائلة ياسر من أول المسلمين ، وكانوا حلفاء لبني مخزوم ، وقد يكون إسلامهم في السنوات الثلاث الأولى يوم كان رئيس بني مخزوم الوليد بن المغيرة ، لكن لا تجد له ذكراً في رواية إسلامهم وتعذيبهم ، بل الذي عذبهم وقتل ياسراً وسمية هو أبو جهل الذي صار رئيس بني مخزوم بعد هلاك الوليد ، وقد هلك مع بقية المستهزئين في السنة الثالثة . نعم ، يحتمل أن يكونوا أسلموا سراً وكتموا إسلامهم ، أو لم ينكشف إلى ما بعد هلاك الوليد .
إن ظروف السنوات الثلاث الأولى للبعثة ، التي ختمت بقوله تعالى : فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ ، إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ . يدل على أنها المرحلة الأصعب والأخطر على حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبني هاشم ، وكل من أسلم ، حتى كفاه فراعنة قريش الخمسة فأهلكهم في يوم واحد في يوم نزول آية : فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ !
ولم يثبت أن أحداً أظهر إسلامه في تلك المدة من غير بني هاشم ، إلا أبو ذر الغفاري « رحمه الله » فتعرض للأذى والضرب ! وقد يكون أسلم في تلك الفترة المقداد وخباب بن الأرت وبلال وعبد الله بن مسعود وآل ياسر ، وكانوا يخفون إسلامهم حتى اكتشفه أبو جهل فعذبهم وقتل سمية .
ولهذا لا يصح ما ذكروه عن إسلام أبي بكر كقول ابن هشام : 1 / 164 : « فلما أسلم أبو بكر أظهر إسلامه ودعا إلى الله ورسوله » . ثم عدد من دعاهم : عثمان ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة ، وأنهم أسلموا على يد أبي بكر وجاء بهم إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقال : « فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا الناس بالإسلام فصلوا ، ثم أسلم أبو عبيدة بن الجراح ، وأبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد . . والأرقم بن أبي الأرقم . . وعثمان بن مظعون بن حبيب . . وعبيدة بن الحارث بن المطلب . . وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل . . وامرأته فاطمة بنت الخطاب . . أخت عمر بن الخطاب ، وأسماء بنت أبي بكر ، وعائشة بنت أبي بكر وهي صغيرة ، وخباب بن الأرت ، حليف بني زهرة » .
ومن الواضح أن قولهم : « سبقوا الناس بالإسلام فَصَلَّوْا » وضعوه مقابل أن علياً أول من أسلم ، وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « صلت الملائكة عليَّ وعلى علي سبع سنين ، وذلك أنه لم يصل معي أحد قبله » .
رواه الخطيب في المتفق : 3 / 141 ، تاريخ دمشق : 42 / 39 وفيه : « لأنا كنا نصلي ليس معنا أحد يصلي غيرنا ، وبلفظ آخر فيه : ولم يصعد أو ترفع شهادة أن لا إله إلا الله من الأرض إلى السماء إلا مني ومن علي بن أبي طالب » .
ب - قال ابن أبي جمهور في غوالي اللئالي : 2 / 104 : « في الحديث أن ياسراً وابنه عماراً وأمه سمية قبض عليهم أهل مكة وعذبوهم بأنواع العذاب لأجل إسلامهم ، وقالوا : لا ينجيكم منا إلا أن تنالوا محمداً وتبرؤوا من دينه ! فأما عمار فإنه أعطاهم بلسانه كل ما أرادوا منه ، وأما أبواه فامتنعا فقتلا ، ثم أخبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : في عمار جماعة إنه كفر ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : كلا إن عماراً ملئ إيماناً من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه . وجاء عمار وهو يبكي فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما خبرك ؟ فقال : يا رسول الله ما تُركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير ، فصار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يمسح عينيه ، ويقول : إن عادوا لك ، فعد لهم بما قلت . فأنزل الله عز وجل فيه : مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمان . فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا عمار إن عادوا فعد . فقد أنزل الله عز وجل عذرك وأمرك أن تعود إن عادوا » . راجع : الكافي : 2 / 219 وقرب الإسناد / 12 .
« صهروهم في الشمس حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ فأعطوهم ما سألوا . . فلما كان العشي جاء أبو جهل فجعل يشتم سمية ويرفث ، ثم طعنها فقتلها » ! ابن أبي شيبة : 8 / 448 .
ج - ومن كرامة عمار ( رحمه الله ) أن قريشاً ألقته في النار فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنت برداً وسلاماً على إبراهيم ، فلم تصله النار ولم يصله منها مكروه ! وقتلت قريش أبويه ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : صبراً آل ياسر ، موعدكم الجنة . ما تريدون من عمار ! عمار مع الحق والحق مع عمار حيث كان . عمار جلدة بين عيني وأنفي ، تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار » . رجال الطوسي : 1 / 127 ، الخوئي : 13 / 284 ، الطبقات : 3 / 248 والذهبي : 3 / 571 .
د - تعمدت السيرة الرسمية أن تجعل أبا بكر أول من أسلم ، وتشيد به وتطمس أدوار من لم ترض عنهم ، وأولهم بنو هاشم ، وأبو ذر ، وعمار ، وخالد بن سعيد ، وخباب ، والمقداد ، وغيرهم من كبار الصحابة وأبطال الإسلام ، الذين سبقوا أبا بكر وعمر وعثمان في الإسلام والدعوة والتضحية والجهاد ، وشهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حقهم شهادات عظيمة رفعت مكانتهم ، ومن هؤلاء عمار بن ياسر « رحمه الله » .
ه - - « هاجر إلى أرض الحبشة ، ثم إلى المدينة » . « شهد بدراً والمشاهد كلها وأبلى بلاء حسناً ، ثم شهد اليمامة فأبلى فيها أيضاً ، ويومئذ قطعت أذنه » . عمدة القاري : 1 / 197 ،
شرح النهج : 20 / 37 وغيرهما .
وفي المسترشد / 657 : « قال فيه النبي ( صلى الله عليه وآله ) : عمار جلدة بين عيني . وهذا حين ارتجز وهم ينقلون حجارة المسجد بأبيات سمعها من أمير المؤمنين :
لا يستوي من يعمر المساجد * وبات فيها قائماً وقاعداً
ومن غدا عن الغبار حائدا .
يعرِّض بعمر ، فقال له عمر : يا بن السوداء لهممت أن أغمسه في أنفك ! فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما لكم ولعمار ؟ عمار جِلدة ما بين عينيَّ ، ثم قال لعمار : تقتلك الفئة الباغية » .
و - كان منقطعاً إلى علي ( عليه السلام ) من زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال النوبختي في فرق الشيعة / 17 : « أول فرق الشيعة وهم فرقة علي بن أبي طالب المسمون بشيعة علي في زمان النبي وبعده معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته منهم : المقداد بن الأسود ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري ، وعمار بن ياسر . . . » .
وكان بذلك ينفذ أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ففي مناقب الخوارزمي / 193 ، ومذاهب الطوائف / 102 : « عن علقمة والأسود قالا : أتينا أباأيوب الأنصاري فقلنا : يا أباأيوب إن الله أكرمك بنبيه ( صلى الله عليه وآله ) إذ أوحى إلى راحلته فبركت على بابك ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ضيفاً لك ، فضيلة الله فضلك بها ، فأخبرنا عن مخرجك مع علي بن أبي طالب ؟ قال أبو أيوب : فإني أقسم لكما لقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في هذا البيت الذي أنتما فيه وما فيه غير رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعلي جالس عن يمينه ، وأنا جالس عن يساره ، وأنس بن مالك قائم بين يديه إذ تحرك الباب فقال ( صلى الله عليه وآله ) : أنظر من بالباب ؟ فخرج أنس فنظر فقال : هذا عمار بن ياسر فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إفتح لعمار الطيب المطيب ، ففتح أنس ودخل عمار فسلم على رسول الله فرحب به ، ثم قال لعمار : إنه سيكون في أمتي من بعدي هنات حتى يختلف السيف فيما بينهم ، وحتى يقتل بعضهم بعضاً ، وحتى يبرأ بعضهم من بعض ! فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني علي بن أبي طالب ! وإن سلك الناس كلهم وادياً وسلك علي وادياً ، فاسلك وادي علي وخل الناس طراً ! إن علياً لا يردك عن هدى ولا يدلك على ردى . يا عمار طاعة علي طاعتي ، وطاعتي طاعة الله » .
ز - وانتدب الصحابة عماراً ليسلم عريضتهم إلى عثمان ، فضربه عثمان ، وكاد يقتله ! قال ابن الأعثم في الفتوح : 2 / 372 : « واجتمع نفر من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم إنهم كتبوا كتاباً ، وذكروا فيه كل حدث أحدثه عثمان منذ يوم ولي الخلافة إلى ذلك اليوم ثم إنهم خوفوه في الكتاب وأعلموه أنه إن لم ينزع عما هو عليه خلعوه واستبدلوا به غيره . . . ثم أقبلوا على عمار بن ياسر وقالوا له : يا أبا اليقظان ! هل لك أن تكفينا هذا الأمر وتنطلق بالكتاب إلى عثمان ؟ فقال عمار : أفعله ، ثم أخذ الكتاب وانطلق إلى عثمان ، فإذا عثمان وقد لبس ثيابه وخفيه في رجليه ، فلما خرج من باب منزله نظر إلى عمار واقفاً والكتاب في يده فقال له : حاجة يا أبا اليقظان ؟ فقال عمار : مالي حاجة ، ولكنا اجتمعنا فكتبنا كتاباً نذكر فيه أموراً من أمورك لا نرضاها لك ، قال : ثم دفع إليه الكتاب فأخذه عثمان فنظر فيه حتى قرأ سطراً منه ، ثم غضب ورمى به من يده ، فقال له عمار : لا ترم بالكتاب وانظر فيه حسناً ، فإنه كتاب أصحاب رسول الله وأنا والله ناصح لك ! فقال له عثمان : كذبت يا بن سمية ! فقال عمار : أنا والله ناصح لك ! فقال عثمان : كذبت يا ابن سمية ! فقال عمار : أنا والله ابن سمية وابن ياسر . قال : فأمر عثمان غلمانه فضربوه ضرباً شديداً حتى وقع لجنبه ، ثم تقدم إليه عثمان فوطئ بطنه ومذاكيره حتى غشي عليه وأصابه الفتق ، فسقط لما به لا يعقل من أمر شيئاً ! قال : واتصل الخبر ببني مخزوم فأقبل هشام بن الوليد بن المغيرة في نفر من بني مخزوم فاحتملوا عماراً من موضعه ذلك وجعلوا يقولون : والله لئن مات الآن لنقتلن به شيخاً عظيماً من بني أمية ، ثم انطلقوا بعمار إلى منزله مغشياً عليه ، فلم يصل ظهراً ولا عصراً ولا مغرباً ولا عشاءً حتى ذهب بعض الليل ، ثم أفاق بعد ذلك من غشيته فقام فقضى ما فاته من صلواته كلها . قال : فكان هذا من إحداثه الذي نقموا عليه ، فبلغ ذلك أبا ذر وكان مقيماً بالشام فجعل يظهر عيب عثمان هناك ويذكر منه خصالاً قبيحة ، فكتب معاوية بن أبي سفيان بذلك إلى عثمان . . . فكتب إليه عثمان : أما بعد ، فقد جاءني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من أمر أبي ذر جندب بن جنادة ، فإذا ورد عليك كتابي هذا فابعث به إلي واحمله على أغلظ المراكب وأوعرها ، وابعث معه دليلاً يسير به الليل مع النهار حتى يغلبه النوم ، فينسيه ذكري وذكرك والسلام » !
ح - غيَّبَ رواة السلطة دور عمار في مواجهة السقيفة ، ثم في حرب اليمامة والفتوحات ! عملاً بسياستهم تجاه علي ( عليه السلام ) وأصحابه وشيعته ! والنصوص القليلة التي وصلتنا تدل على دوره في فتح العراق ، وكان والي الكوفة ، ونبه عمر إلى خطر الفرس وحثه على مواجهة خطتهم ! فقد روى ابن الأعثم في الفتوح : 2 / 290 ونحوه الطبري : 3 / 209 ، رسالة عمار التاريخية إلى عمر الخليفة ، ينذره بأن الفرس جمعوا مئة وخمسين ألف جندي : « وأنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا وتحالفوا وتكاتبوا وتواصوا وتواثقوا ، على أنهم يخرجوننا من أرضنا ويأتونكم من بعدنا . . . فلما ورد الكتاب على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقرأه وفهم ما فيه ، وقعت عليه الرِّعدة والنَّفْضة حتى سمع المسلمون أطيط أضراسه ! ثم قام عن موضعه حتى دخل المسجد وجعل ينادي : أين المهاجرون والأنصار ! ألا فاجتمعوا رحمكم الله وأعينوني أعانكم الله » . ثم وصفوا اجتماعهم وكيف وضع علي ( عليه السلام ) الخطة ، وقال عمر لا أبقاني لمعضلة ليس لها أبو الحسن ، وكيف أطلق يده فأدار ( عليه السلام ) جبهة فتح فارس ومدها بقادة من تلاميذه ، وكان لحذيفة وسلمان وعمار أدوار أساسية فيها ، وحقق للمسلمين النصر الحاسم ، كما أدار قبلها فتح بلاد الشام ومعركتيها المهمتين أجنادين واليرموك ، وكان لأبي ذر وخالد بن سعيد ومالك الأشتر الأدوار الأساسية فيها .
ط - وتنفس عمار الصعداء لما بايعت الأمة علياً ( عليه السلام ) فنهض لنصرة إمامه ولازمه في خلافته حتى استشهد بين يديه في صفين ! وفي صفين قاتل ، وناظر عمرو بن العاص في يوم مشهود وأفحمه وفضح إمامه معاوية !
وكان ينادي في المسلمين : « أيها الناس ! والله ما أسلم القوم ولكنهم استسلموا وأسروا الكفر ، فلما وجدوا له أعواناً أظهروه » ! الجمل للمفيد / 19 ، والمناقب لمحمد بن سليمان : 2 / 356 ، ووقعة صفين / 216 ، بسند صحيح عندهم .
وفي شرح الأخبار : 2 / 15 : « دعا عمار يوم صفين بشراب ، فأتي بضياح من لبن فشربه ثم قال : اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه . سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول لي : تقتلك الفئة الباغية ، ويكون آخر زادك من الدنيا ضياح من لبن ، ثم تقدم إلى القتال فقاتل حتى قتل رحمة الله عليه » .
وفي الاحتجاج : 1 / 266 ، عن الصادق ( عليه السلام ) : « لما قتل عمار بن ياسر ارتعدت فرائص خلق كثير وقالوا : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : عمار تقتله الفئة الباغية ، فدخل عمرو على معاوية وقال : يا أمير المؤمنين قد هاج الناس واضطربوا ، قال : لماذا ؟ قال : قتل عمار ! فقال : قتل عمار فماذا ؟ قال : أليس قال رسول الله : تقتله الفئة الباغية ؟ فقال معاوية : دحضت في بولك ! أنحن قتلناه ؟ إنما قتله علي بن أبي طالب لما ألقاه بين رماحنا ، فاتصل ذلك بعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، قال : فإذاً رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هو الذي قتل حمزة لمَّا ألقاه بين رماح المشركين » !
وقال الإمام الهادي ( عليه السلام ) مخاطباً جده أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في زيارته يوم الغدير : « مولاي بك ظهر الحق وقد نبذه الخلق ، وأوضحت السنن بعد الدروس والطمس ولك سابقة الجهاد على تصديق التنزيل ، ولك فضيلة الجهاد على تحقيق التأويل ، وعدوك عدو الله جاحد لرسول الله ، يدعو باطلاً ويحكم جائراً ، ويتأمر غاصباً ، ويدعو حزبه إلى النار . وعمار يجاهد وينادي بين الصفين : الرواح الرواح إلى الجنة . ولما استسقى فسقي اللبن كبَّر وقال : قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : آخر شرابك من الدنيا ضياح من لبن وتقتلك الفئة الباغية فاعترضه أبو الغادية الفزاري فقتله فعلى أبي الغادية لعنة الله ولعنة ملائكته ورسله أجمعين » . المزار لابن المشهدي / 277 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|