أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-08-2015
1101
التاريخ: 3-08-2015
1464
التاريخ: 3-08-2015
1134
التاريخ: 3-08-2015
3350
|
العصمة لغةً :
عَصَمَ ، يعصم من باب
ضَرَبَ : حَفَظَ ووقىٰ (1).
فالعصمة في كلام العرب :
معناها المنع (2).
والعاصم : المانع الحامي
(3).
العصمة اصطلاحاً :
عرّف الشيخ المفيد
العصمة في الاصطلاح الشرعي بأنّها : ( لطفٌ يفعلُهُ الله تعالىٰ بالمكلّف ، بحيث
تمنع منه وقوع المعصية ، وترك الطاعة ، مع قدرته عليهما ) (4).
ومِنْ هنا قالوا بانّهُ
: ( ليس معنىٰ العصمة انّ الله يجبُرهُ علىٰ ترك المعصية ، بل يفعل به ألطافاً ،
يترك معها المعصية ، باختياره ، مع قدرته عليها ) (5).
ولذا قال الشيخ المفيد
قدس سره : ( العصمة من الله لحججه
هي التوفيق ، واللّطف ، والاعتصام من الحجج بهما عن الذنوب والغلط في دين الله ).
والعصمة : تفضّل من الله
تعالىٰ علىٰ من علم انّه يتمسك بعصمته ، والاعتصام فعل المعتصم.
وليست العصمة مانعةً من
القدرة علىٰ القبيح ، ولا مضطرة للمعصوم إلىٰ الحسن ، ولا مُلجئةً له إليه ؛ بل هي
الشيء الذي يعلم الله تعالىٰ إنّه اذا فَعَلهُ بعبدٍ من عبيده ، لم يُؤثِر معه
معصيةً له.
وليس كلُّ الخلق
يُعْلَمُ هذا من حاله ، بل المعلوم منهم ذلك هم الصّفوة والأخيار، قال الله تعالىٰ
: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} [الأنبياء: 101]، وقال :
{وَلَقَدِ
اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الدخان: 32]، وقال :
{وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ} [ص: 47] و « اعلم
إنّ العصمة هي : اللّطف الذي يفعله الله تعالىٰ فيختار العبد عنده الامتناع من فعل
القبيح ، فيقال علىٰ هذا انّ الله عصمه بأن فَعَلَ له ما اختار عنده العدول عن
القبيح.
ويُقال : إنّ العبد
معصوم لأنّهُ اختار عند هذا الداعي الذي فعل له الامتناع من القبيح.
وأصل العصمة في موضوع
اللغة المنع يقال عصمتُ فلاناً من السوء إذا منعت من حلوله به ، غير أن المتكلمين
أجروا هذه اللّفظة علىٰ من امتنع باختياره عند اللّطف الذي يفعله الله تعالىٰ به
عنده من فعل القبيح ، فقد منعه من القبيح ، فأجروا عليه لفظة المانع قهراً ،
وقسراً.
وأهل اللّغة يتعارفون
ذلك أيضاً ، ويستعملونه لأنّهم يقولون فيمن أشار علىٰ غيره برأي فقبلهُ منه
مختاراً ، واحتمىٰ بذلك من ضررٍ يلحقه ، وسوء يناله انّه حماه من ذلك الضرر ،
ومنعه وعصمه منه ، وان كان ذلك علىٰ سبيل الاختيار» (6).
وقد قال المحقق الطوسي
قدس سره في « التجريد » : ( ولا
تنافي العصمة القدرة ).
وقال العلاّمة الحلي قدس
سره في شرحه لهذه العبارة
: اختلف القائلون بالعصمة في انّ المعصوم هل يتمكن من فعل المعصية أم لا ؟! فذهب قوم
منهم إلىٰ عدم تمكّنه من ذلك. وذهب آخرون إلىٰ تمكّنه منها.
أمّا الأولون : فمنهم من
قال إنّ المعصوم مختص في بدنه ، أو نفسه بخاصيّة تقتضي امتناع إقدامه علىٰ
المعصية.
ومنهم من قال : إنّ
العصمة هي القدرة علىٰ الطاعة ، وعدم القدرة علىٰ المعصية ، وهو قول أبي الحسن البصري.
وأمّا الآخرون الذين لم
يسلبوا القدرة : فمنهم من فسّرها : بانّه الأمر الذي يفعله الله تعالىٰ بالعبد من
الألطاف المُقرِّبة إلىٰ الطاعات ، التي يعلم معها انّه لا يقدم علىٰ المعصية ،
بشرط أن لا ينتهي ذلك الأمر إلىٰ الإلجاء.
ومنهم من فسّرها :
بأنّها ملكة نفسانية لا يصدر عن صاحبها معها المعاصي.
وآخرون قالوا : العصمة
لطفٌ يفعله الله لصاحبها ، لا يكون معه داعٍ إلىٰ ترك الطاعات ، وارتكاب المعصية.
وأسباب هذا اللّطف أمور
أربعة :
أحدها : أن يكون لنفسه ،
أو لبدنه خاصيّة ، تقتضي ملكةً مانعةً من الفجور ، وهذه الملكة مغايرة للفعل.
الثاني : أن يحصل له علم
بمثالب المعاصي ، ومناقب الطاعات.
الثالث : تأكيد هذه
العلوم بتتابع الوحي ، أو الالهام من الله تعالى.
الرابع : مؤاخذته علىٰ
ترك الأولىٰ ، بحيث يعلم انّه لا يُترك مهملاً ؛ بل يُضيَّقُ عليه الأمر في غير
الواجب من الامور الحسنة.
فإذا اجتمعت هذه الامور
كان الإنسان معصوماً ) (7).
إلىٰ هنا وقفنا علىٰ
أربعة تعاريف لمصطلح العصمة ، هي كالآتي :
1 ـ ( لطفٌ يفعله الله
تعالىٰ بمكلّف ، بحيث تمنع منه وقوع المعصية ، وترك الطاعة ، مع قدرته عليهما ).
2 ـ ( الأمر الذي يفعله
الله تعالىٰ بالعبد من الالطاف ، المقرِّبة إلىٰ الطاعات التي يعلم معها إنّه لا
يقدم علىٰ المعصية ، بشرط ألاّ ينتهي ذلك الأمر إلىٰ الإلجاء ).
3 ـ ( ملكة نفسانية لا
يصدر عن صاحبها معها المعاصي ).
4 ـ ( لطفٌ يفعله الله
لصاحبها ، لا يكون معه داعٍ إلىٰ ترك الطاعات ، وارتكاب المعاصي ).
ومنه يظهر اتحاد
التعاريف الثلاثة : الأول والثاني والرابع ، في المعنىٰ ، وأنّها تكاد تتحد في
اللفظ أيضاً.
وأمّا الثالث : فاذا كان
مقصودهم من انّ ذلك لطفٌ يفعله الله بمكلّفٍ يجعل له ملكة نفسانية حينئذٍ تكون
كلُّ التعاريف واحدة.
وأمّا سبب هذا اللطف لو
لاحظناه بدقة لرأينا انه في التعريف الثاني هو «علم»، وفي الثالث تأكيد هذه العلوم
يرجع إلىٰ العلم أيضاً ، والرابع أيضاً يرجع إلىٰ علمه بانّه سيضيَّقُ عليه ،
فعليه كلّها ترجع إلىٰ العلم.
يبقىٰ الأول ، ولعلَّ
قوله تقتضي ملكة مانعة أيضاً مرجعها إلىٰ العلم فنحصل علىٰ انَّ سبب هذا اللّطف
علم في علم ، ولعلّ ذلك حدىٰ بالسيد الطباطبائي قدس سره إلىٰ تبني أن قوّة العصمة
هي علمٌ خاص.
وأمّا علىٰ تعريف الشيخ
محمد رضا المظفر قدس سره من أنّ العصمة : « هي التنزّه عن الذنوب والمعاصي ،
صغائرها وكبائرها ، وعن الخطأ والنسيان ،
وإن لم يمتنع عقلاً علىٰ
النبي ان يصدر منه ذلك ، بل يجب ان يكون مُنزّهاً عمّا ينافي المروءة ، كالتبذّل
بين الناس من أكلٍ في الطريق ، أو ضحك عالٍ ، وكل عمل يستهجن فعله عند العرف العام
» (8).
فهو أقرب للشرح ، لا
للتعريف.
هذا ما اقتضىٰ ذكره حول
تعريف العصمة في هذه الرسالة ، ومن أراد التوسّع فليرجع إلىٰ كتب هذا الشأن ...
لكن من المهم هنا تبيان
قول السيد الطباطبائي الذي ارجع هذه الملكة إلىٰ العلم ، إذ قال في تفسيره «
الميزان » تحت عنوان ( كلامٌ في معنىٰ العصمة ) عند تفسيره للآية المباركة :
{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ
أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ
شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا
لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا } [النساء: 113].
( ظاهر الآية انّ الأمر
الذي تتحقق به العصمة نوع من العلم يمنع صاحبه عن التلبّس بالمعصية والخطأ.
وبعبارة اخرىٰ علمٌ مانعٌ عن الضلال.
كما ان سائر الأخلاق
كالشجاعة والعفّة والسخاء كلٌّ منها صورة علمية راسخة، موجبة لتحقق آثارها ، مانعة
عن التلبس باضدادها من آثار الجبن والتهور والخمود والشره ، والبخل ، والتبذير.
ومن هنا يظهر ان هذه
القوّة المسماة بقوّة العصمة سببٌ شعوري علمي غير مغلوب البتة ، ولو كانت من قبيل
ما نتعارفه من أقسام الشعور والإدراك لتسرّب إليها التخلّف ، وخبطت في أثرها
أحياناً.
فهذا العلم من غير سنخ
سائر العلوم ، والإدراكات المتعارفة التي تقبل الاكتساب.
ثم يقول قدس سره ـ : فقد بان من
جميع ما قدّمناه انّ هذه الموهبة الالهية التي نسميها قوّة العصمة نوع من العلم
والشعور يغاير سائر أنواع العلوم في انه غير مغلوب لشيء من القوىٰ الشعورية البتة
، بل هي الغالبة القاهرة عليها المستخدمة إيّاها ولذلك كانت تصون صاحبها من الضلال
والخطيئة مطلقاً ) (9).
فقوله : ( إنّ الأمر
الذي تتحقق به العصمة نوعٌ من العلم يمنع صاحبه عن التلبس بالمعصية والخطأ ) قول
دقيق وصحيح ، فالعلم أمرٌ تتحقق به العصمة ، أي ان العصمة شيء والعلم أمرٌ آخر.
ويمكن ان يقال حينئذٍ انّ
العلم بلا ريب له تأثيره الأكبر في العصمة ، ولذا قال تعالىٰ : {إِنَّمَا يَخْشَى
اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [فاطر: 28]، فحتىٰ الخشية ولعلّها من مراحل
العصمة الأولىٰ أيضاً منشؤها العلم ، ولذا حصر الخشية لله من عباده بالعلماء كما
هو ظاهر الآية ، وهذا تامٌّ لا غبار عليه.
إلاّ أنّ قوله بعد ذلك :
( ومن هنا يظهر ان لهذه القوّة المسماة بقوّة العصمة سببٌ شعوري علمي غير مغلوب
ألبتّة ) يوجب إرباكاً ، فهو يجعل قوّة العصمة : قوةً وسبباً شعورياً علمياً غير
مغلوب. ثم نراه يقول أخيراً :
العلم والشعور يغاير سائر
أنواع العلوم في انّه غير مغلوب لشيء من القوىٰ الشعورية البتّة ).
فيُعرِّف العصمة بالعلم.
بل في استطراد كلام له
في موضع آخر يقول بصريح العبارة : ( العصمة الالهية : التي هي صورة علمية نفسانية
تحفظ الإنسان من باطل الاعتقاد ، وسيّء العمل ) (10).
وللتحقيق في هذا مجالٌ
آخر ، وإنّما كان قصدنا تذكير القارئ بذلك ليراجع مظانّه إن شاء.
ولنتبرّك بذكر بعض معاني
العصمة من كلام الإمام الرضا عليه السلام : « إنّ
الإمامة خصَّ الله عزَّ
وجلَّ بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة والخلّة
، مرتبة ثالثة وفضيلة شرّفه بها ، وأشاد بها ذكره ، فقال :
( إِنِّي جَاعِلُكَ
لِلنَّاسِ إِمَامًا ) ..
إنّ الإمامة هي منزلة
الأنبياء وإرث الأوصياء... إنّ الإمام زمام الدين ونظام المسلمين ، وصلاح الدنيا ،
وعزّ المؤمنين ... .
الإمام يحلُّ حلال الله
، ويحرّم حرام الله ، ويقيم حدود الله ، ويذب عن دين الله ، ويدعو إلىٰ سبيل ربه
بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة ...الإمام الماء العذب علىٰ الظماء ،
والدال علىٰ الهدىٰ ، والمنجي من الردىٰ... والدليل في المهالك من فارقه فهالك...
الإمام المطهّر من الذنوب المبرّأ عن العيوب... الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد ،
ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير مخصوص بالفضل كلّه ، من غير
طلب منه له ، ولا اكتساب ، بل اختصاص من المفضِّل الوهاب. فمن الذي يبلغ معرفة
الإمام أو يمكنه اختياره ؟! .
هيهات هيهات ... .
فكيف لهم باختيار الإمام
؟ والإمام عالم لا يجهل ، وراعٍ لا ينكل معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة
والعلم والعبادة ... نامي العلم ، كامل الحلم ، مضطلع بالإمامة ، عالم
بالسياسة ، مفروض الطاعة
، قائم بأمر الله عزَّ وجلَّ ناصح لعباد الله ، حافظ لدين الله (11) .
__________________
(1) راجع المصباح المنير
: 417 مادة « عَصَمَ ».
(2) مختار الصحاح : 437
مادة « عصم ».
(3) راجع لسان العرب 12
: 403 مادة « عصم ».
(4) النكت الاعتقادية /
الشيخ المفيد 10 : 37 مصنّفات الشيخ المفيد ط ـ المؤتمر العالمي.
(5) حق اليقين / السيد
عبدالله شبر 1 : 91.
(6) الأمالي / السيد
المرتضى 2 : 347 دار إحياء الكتب العربية ـ مصر ط 1.
(7) شرح تجريد الاعتقاد
/ العلاّمة الحلي : 365.
(8) عقائد الإمامية /
الشيخ محمد رضا المظفر ، تحقيق محمد جواد الطريحي : 287 مؤسسة الإمام علي عليه السلام.
(9) الميزان / السيد
الطباطبائي : 5 / 78 ـ 80.
(10) الميزان / السيد
الطباطبائي 16 : 312.
(11) اُصول الكافي /
الكليني 1 : 198 / 1 باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته ، كتاب الحجّة.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|