أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-5-2022
2203
التاريخ: 29-12-2022
1366
التاريخ: 18-1-2023
1222
التاريخ: 23-10-2019
10312
|
لا يخفى أن الإنسان يمر في رحلة الحياة الدنيا بمراحل عمرية مختلفة، تبدأ بسن الطفولة وتنتهي بسن الشيخوخة والهرم، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِير} [الروم:٥٤]. وقال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5]. ومن المعلوم أن لكل مرحلة عمرية خصائصها ومزاياها التي تختلف عن مزايا المراحل الأخرى وخصائصها. فللطفولة براءتها وطهرها وعفويتها، وللشباب حماسه ونشاطه وحيويته، وللكهولة هيبتها ووقارها(1).
ويهمنا أن نتوقف قليلاً عند أهم مزايا مرحلة الشباب، هذه المزايا التي قد تشترك في بعضها سائر المراحل العمرية، لكننا نجدها بارزة وحاضرة في مرحلة الشباب أكثر من غيرها. والوقوف على هذه المزايا في غاية الأهمية، فهي تستدعي مسؤوليات تتناسب معها، ومن الضروري التعويل عليها في كل عمل تغييري إصلاحي، إذ من المفترض أن يكون الشباب هم رواد عملية التغيير والنهوض، كما أن من الضروري أخذها بعين الاعتبار في عملية إرشاد الشباب وتوجيههم وتهذيبهم وتنمية قدراتهم وتطوير ملكاتهم، ويحقق طموحاتهم، ويخدم قضاياهم وقضايا المجتمع عموماً.
ـ الفطرة السليمة
احدى المزايا للشباب هي سلامة الفطرة، فالإنسان عندما يولد فإنه يولد وهو يحمل فطرة نقية، بعيدة كل البعد عن كافة أشكال الانحراف، وتستمر الفطرة على صفائها ونقائها إلى حين بلوغ الإنسان أوان شبابه، وتبقى مستمرة كذلك إذا حافظ عليها من تأثير الملوثات الروحية والفكرية التي تواجهه. وهذا ـ في واقع الأمر ـ أحد مظاهر لطف الله تعالى بعباده، إذ أنعم عليهم وزودهم بتلك الفطرة الصافية والسليمة من كل كدر.
وبوحي هذه الفطرة البعيدة عن الملوثات نرى الشباب متحفزاً لكل خير، ومتطلعاً للتغيير، وهكذا نراه أقرب إلى الصلاح، وأكثر قبولاً للتهذيب والإصلاح، فالشاب يرجى إصلاحه أكثر من الكهل، لأن الكبير قد تأسره العادات التي اعتادها ويقسو قلبه بفعل تراكم المؤثرات المختلفة، ويصبح من الصعب تغيير قناعاته، ولو تم إقناعه فربما تمنعه روابطه الخاصة وشبكة علاقاته ومصالحه من تغيير ما هو عليه والانخراط في وضع جديد، بينما الشاب حيث إنه أقرب إلى الفطرة ولا تقيده الكثير من المثقلات فإنه أبعد عن العادات السيئة، وأقرب إلى تبديل قناعته وخياراته ومواقفه، يقول مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) لأحد أصحابه المعروف بالأحول: "أتيت البصرة؟ قال: نعم، قال (عليه السلام): كيف رأيت مسارعة الناس في هذا الأمر (يقصد خط أهل البيت (عليهم السلام)) ودخولهم فيه؟ فقال: والله إنهم لقليل، ولقد فعلوا، وإن ذلك لقليل، فقال (عليه السلام): "عليكم بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير" (2)، فالشباب ـ إذاً ـ أسرع إلى كل خير، لأن فطرتهم سليمة لم تلوثها الأهواء والعادات السيئة، فهي تنبض بالخير وتتطلع إلى الكمال والحب والجمال، ومن هنا كان أبو العتاهية يشم ريح الجنة في الشباب، حيث يقول:
يا للشباب المرح التصابي روائح الجنـة فـي الشـباب(3)
وفي ضوء ذلك كانت مرحلة الشباب هي مرحلة التأسيس الفكري والعاطفي والسلوكي، فما يتعلمه الإنسان في صغره وشبابه يثبت في ذهنه ويقر، بخلاف ما عليه الكبير فإن ذاكرته تضعف شيئاً فشيئاً؛ في الحديث عن الإمام موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "من تعلم في شبابه كان بمنزلة الرسم في الحجر، ومن تعلم وهو كبير كان بمنزلة الكتاب على وجه الماء"(4).
ـ مرحلة تحديد المسارات
والميزة الأخرى من مزايا مرحلة الشباب، أنها مرحلة تحديد المسارات والخيارات، فالشباب في شعوره بالاستقلال وتحفزه للبحث عن أجوبة لأسئلة المصير التي تواجهه وتفرض نفسها عليه، كمن يقف على مفترق طرق متشعبة تسير به في اتجاهات شتى، ومن هنا كان لزاماً عليه أن يسعى لتحديد الطريق الأسلم والذي ينتهي به إلى سعادة الدارين (الدنيا والآخرة).
وهذه الميزة هي في واقع الأمر متفرعة عن سابقتها، فصفاء الفطرة المشار إليه يشكل أرضية خصبة وصالحة لتلقي مختلف الأفكار، لأنها أشبه ما تكون بقطعة الإسفنج القابلة لامتصاص كل شيء وضع عليها، من الماء العكر أو الماء الصافي، أو كالورقة البيضاء القابلة لتُنقش عليها كل الألوان على اختلافها، يقول الإمام علي (عليه السلام) فيما روي عنه: "إنما قلب الحدث (الفتى) كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لُبّك"(5).
إن قرب الشباب من الفطرة وخلوه من الأفكار والتصورات المسبقة، يجعله أسرع إلى تقبل الأفكار والمبادئ. ولكن هذه الميزة سيف ذو حدين، فقد يسبقنا الآخرون إلى عقله وقلبه؛ ولهذا كان لزاماً على الدعاة والمبلغين أن يبادروا الى احتضان هذا الجيل واشراكه في العمل الحركي والرسالي، فالشباب هم نبض الحركة الإسلامية وعمادها. كما يلزمنا وفي ضوء هذه الفطرة الصافية، أن نعمل - في سياق تربية أطفالنا الصغار ـ على توفير البيئة الإيمانية الملائمة لهم، ونسارع في تعليمهم وتأديبهم قبل أن يسبقنا إليهم الفكر الآخر الذي يغزونا من خلال العديد من الأبواب، ومن أبرزها وربما اخطرها وسائل الاتصال والتواصل الحديثة.
_____________________________________
(1) يقول بعض الشعراء وهو يحدثنا عن مزايا وخصائص المراحل التي يمر بها الانسان:
ابن عشر من السنين غلام رفعت عن نظيره الأقلام
وابن عشرين للصبا والتصابي ليس يثنيه عن هواه ملام
والثلاثون قوة للشباب وهيام ولوعة وغرام
فإذا زيد بعد ذلك عشراً فكمال وقوة وتمام
وابن خمسين مر عنه صباه فيراه كأنه أحلام
وابن ستين صيرته الليالي هدفا للمنون وهي سهام
وابن سبعين عاش ما قد كفاه واعترته وساوس وسقام
فإذا زيد بعد ذلك عشرا بلغ الغاية التي لا ترام
وابن تسعين لا تسلني عنه فابن تسعين ما عليه كلام
فإذا زيد بعد ذلك عشرا فهو حي كميت والسلام
وهذه الابيات تنسبت الى الشاعر الفقيه عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن ابي الفوارس المعري البكري المشهور بابن الوردي، من شعراء القرن الثامن الهجري، ولد في المعرة غرب مدينة حلب بالشام (سوريا) زمن المماليك سنة 689هـ، توفي بالطاعون سنة 749هـ.
(2) الكافي ج8 ص 83.
(3) الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ج 4 ص 283.
(4) بحار الأنوار ج 1 ص 222، نقله عن نوادر الراوندي.
(5) نهج البلاغة ج3 ص 40.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|