أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-07-2015
1435
التاريخ: 1-07-2015
1725
التاريخ: 1-07-2015
1553
التاريخ: 1-07-2015
1437
|
الخلاف المعروف في هذا المسألة مع اليهود، وهم ثلاث فرق:
فرقة تقول انّ نسخ الشريعة غير جائز عقلا، لما فيه من
البداء.
وفرقة تقول: إنّ العقل لا يمنع منه، لكنّ الشرع منع منه،
لأنّ موسى عليه السلام قال: «شريعتي مؤبّدة لا تنسخ»، وقال: «تمسّكوا بالسّبت
أبدا».
وقال: «تمسّكوا بالسّبت عهد إليكم ولذرّيتكم الدّهر أو
ما دامت السّماوات والأرض»، فلا يجوز تصديق من جاء بنسخ ذلك.
والفرقة الثالثة أجازت النسخ عقلا وشرعا ولم تدّع ورود
الشرع بالمنع منه، ولكنّها تمنع من نبوّة نبيّنا صلى اللّه عليه وآله، وتزعم أنّه
لم يقم عليه معجزة ولا دلّت على نبوّته دلالة.
ونحن نبيّن حدّ النسخ وحقيقته، ثمّ نتكلّم على كلّ فرقة
من هؤلاء الفرق، فنقول: حدّ النسخ هو الدليل الشرعيّ الدالّ على أنّ مثل الحكم
الشرعيّ الثابت بالدليل الشرعيّ الأوّل غير ثابت في المستقبل على وجه لولاه لكان
ثابتا بالدليل الأوّل مع تراخيه عنه.
ذكرنا المثل دون العين، لأنّه لو نهى تعالى عن غير ما
أمر به لكان ذلك بداء، وذلك محال عليه تعالى، وكان فيه إضافة قبيح إليه تعالى،
إمّا الأمر أوّلا أو النهي ثانيا.
وخصّصناه بأدلّة
الشرع، لأنّ ما يدلّ على سقوط وجوب الفعل في المستقبل من جهة العقل، كالعجز أو فقد
العقل أو الآلة وما جرى ذلك المجرى، لا يوصف بأنّه ناسخ.
وشرطنا التراخي، لأنّ ما يقترن بالدليل الأول ممّا يقتضي
زوال وجوب مثل الفعل في المستقبل من ذكر غاية معيّنة، كقوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا
الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } [البقرة: 187] وقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ
حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ
اللَّهُ} [البقرة: 222] لا يوصف أيضا بأنّه ناسخ وكذا لو قال موسى: «الزموا السّبت
إلى وقت كذا»، لم يكن سقوط وجوب لزوم السبت عند تلك الغاية نسخا. ولو قال ذلك
القول مطلقا، ثمّ قال بعد ذلك بزمان: «سقط عنكم وجوب لزوم السّبت» لكان ذلك نسخا.
إذا تبيّن حدّ النسخ وحقيقته، فالذي يدلّ على جوازه هو
أنّ الذي لأجله حسن التعبّد بالشرائع وبعثة الأنبياء بها، من المصالح المتعلّقة
ببعض أفعالنا والمقاصد المتعلّقة ببعضها يجوز تغيّر الحال فيها بأن يصير ما هو
مصلحة لنا في وقت مفسدة في وقت آخر، وما يكون مفسدة في وقت يصير مصلحة في وقت آخر،
كما علم من حال الحائض والطاهر والمقيم والمسافر، فغير ممتنع أن يعلم تعالى أنّ
مكان مصلحة في وقت يكون مفسدة في غيره من الأوقات وكذا ما يكون مصلحة لقوم غير
ممتنع أن يكون مفسدة لغيرهم، فلا بدّ عند علمه تعالى بذلك من أن يدلّ المكلّفين
على ذلك من حال الفعل إزاحة لعلّتهم فيما كلّفهم.
إذا تقرّر هذا فأيّ فرق بين أن يدلّ على ذلك بذكر غاية
متّصلة بالدليل الأوّل، مثل أن يقول: «الزموا هذه العبادة إلى وقت كذا ثمّ اتركوها
بعد ذلك»، وبين أن يقول: «الزموا هذه العبادة»، ولا تقيّد بذكر غاية، ثمّ يقول بعد
انتهاء المدّة التي كانت العبادة مصلحة إليها: «اتركوها فقد زالت عنكم».
وهل تجويز أحد الأمرين إلّا كتجويز الآخر، ثمّ وغير
ممتنع أنّ تتعلق المصلحة بأن لا يبيّن للمكلّفين الغاية التي عندها ينقطع التعبّد
بها في وقت الخطاب والأمر بها، وبأن يبيّن لهم بعد ذلك بزمان، فعند ذلك يتعيّن
تأخير ذلك البيان فيكون نسخا، وهذا لا يقتضي البداء ولا إضافة قبيح من أمر أو نهي
إليه. وإنّما الذي تقتضيه هو أن ينهى من أمره تعالى بفعل على وجه مخصوص في وقت
معيّن عن نفس ما أمر به على ذلك الوجه في ذلك الوقت، كأن يقول لشخص معيّن أو أشخاص
معيّنين: صلّ أو صلّوا اليوم وقت الظهر أربع ركعات بنيّة الوجوب، ثمّ يقول: لا
تصلّ أو لا تصلّوا اليوم وقت الظهر أربع ركعات بنيّة الوجوب.
يبيّن ما ذكرناه أنّ البداء معناه الظهور والاطّلاع على
من كان خافيا عند من ظهر له ولسنا نقول: إنّه تعالى إنّما علم صيرورة ما كان مصلحة
في وقت مفسدة في وقت آخر عند ما صار مفسدة.
بل نقول: علم اللّه تعالى لم يزل أنّ الفعل يكون مصلحة
في زمان مفسدة في زمان آخر، فيأمر به في الوقت الذي علم أنّه مصلحة فيه، وينهى عنه
في الوقت الذي علم أنّه مفسدة فيه وهذا غير ممتنع، كما لم يمتنع أن علم لم يزل أن
إمراض شخص معيّن ممّن يخلقهم وفقره مصلحة له في وقت، وصحّته وغناه مصلحة له في وقت
آخر، فيمرضه ويفقره في الوقت الذي علم أنّ ذلك مصلحته، ويصحّحه ويغنيه في الوقت
الذي علم أنّ ذلك مصلحته. وكما لا يمتنع أن يعلم أحدنا أنّ مصلحة ولده الرفق به
اليوم وغدا مصلحته العنف، فيرفق به في اليوم ويعنف معه بالغد. كما لا يمتنع أن
يعلم الطبيب أنّ صلاح المريض اليوم في دواء مخصوص وغدا في دواء آخر، فيأمره اليوم
بذلك الدواء، وغدا بالدواء الآخر.
وشبهتهم التي
تمسكوا بها في المنع من النسخ، هي ... أنّه لو نهى تعالى عن مثل ما أمر به أو بمثل
ما نهى عنه، لكان قد ظهر له من فساد ما أمر به أو صلاح ما نهى عنه ما لم يكن ظاهرا
عنده، أو خفي عنه من صلاح ما أمر به أو فساد ما نهى عنه ما كان ظاهرا له ولم يكن
خافيا عليه. وكلا الأمرين لا يجوزان عليه.
... في معرض الجواب ... نقول لهم: لم زعمتم أنّ نهيه عن
مثل ما أمر به أو أمره بمثل ما نهى عنه يدلّ على ما ذكرتم مع تجويز ما ذكرناه من
انّه علم لم يزل انّ الفعل الذي أمر به مصلحة في الوقت الذي امر به ومفسدة وفي
الوقت الذي نهى عنه، فأمر به في الوقت الذي علم انّه مصلحة فيه ونهى عنه في الوقت
الذي علم أنّه مفسدة فيه، والذي نهى عنه أوّلا مفسدة في الوقت الذي نهى عنه، ومصلحة
في الوقت الذي أمر به فنهى عنه في الوقت الذي علم أنّه مفسدة فيه وأمر به في الوقت
الذي علم أنّه مصلحة فيه.
ثمّ يقال لهم: أليس الجمع بين الاختين في النكاح كان
مباحا ليعقوب، وقد حرّمه اللّه تعالى في زمن موسى عليه السلام ولم يحرّمه قبل بعثة
موسى، ولم يدلّ ذلك على انّه قد ظهر له ما كان خافيا عليه أو خفي عنه ما لم يكن
خافيا؟
وأيضا ففي التوراة أنّ اللّه تعالى قال لنوح عليه السلام
عند خروجه من السفينة:
«إنّى قد جعلت كلّ دابّة حيّة مأكلا لك ولذريّتك وأطلقت
ذلك لكم كلّ نبات العشب ما خلا الدم فلا تأكلوه» وقد حرّم اللّه تعالى على موسى وبني
إسرائيل كثيرا من الحيوان.
وكان آدم عليه السلام يزوّج الأخ من ولده أخته، وحرّم
اللّه ذلك على موسى.
وأمر موسى وبني اسرائيل إذا عبروا أرض الأردن أن يبنوا
للّه مذبحا في جبل عينال.
فلمّا جاوز بنو إسرائيل الأردن بنى يوشع بن النون المذبح
الذي أمر اللّه به موسى في جبل عينال، ووضع بنو اسرائيل عليه القرابين.
وبنى يوشع بن النون بيتا للّه في ذلك المكان وسمّاه
شيلو.
ومكث بنو إسرائيل أربعمائة سنة وأربعين سنة يحجّون ذلك
المذبح والبيت، وهو قبلتهم التي يقصدون إليها. ولو أنّ رجلا حج في تلك السنين إلى
موضع بيت المقدس، لكان ضالا عندهم. فلمّا مضت تلك المدّة عادوا يصلّون إلى مضرب، وإلى
ألواح وهم مقيمون في البلاد، ثمّ أوحى اللّه، إلى نبيّ من بني إسرائيل في منامه أن
يبني له بيتا في موضع الصخرة من بيت المقدس فلمّا انتبه أوحى اللّه تعالى إليه:
لست أنت الذي تبني هذا البيت، لأنّك سفكت الدماء ولكن يبنيه سليمان وبنى سليمان
ذلك البيت. وحجّت إليه بنو إسرائيل وتركوا البيت والمذبح الذي أمر اللّه به موسى وبناه
يوشع بن نون.
ولم تدلّ هذه الأشياء كلّها على أنّه ظهر للّه تعالى ما
كان خافيا عليه أو خفي عنه ما كان ظاهرا له.
ذكر الشيخ أبو الحسين أنّه قال له بعض اليهود: إنّ الذي
بنى البيت قال: إنّ هذا مكتوب، فقلت له: أقال: إنّ هذا مكتوب عند موسى؟ قال: لا، ولكن
نعلم أنّ موسى بيّن ذلك كلّه، ولم ينقل إلينا بيانه. فقلت له: فجوّز أن يكون موسى
أوجب التمسّك بالسبت أبدا، إلّا أن يجيء نبيّ بنسخه، ولم ينقل هذا الاستثناء.
ثم يقال لهم: هل كان قبل نزول التوراة شرع أم لا؟ إن
قالوا: لم يكن شرع قبل نزولها وجحدوا، قلنا لهم: أليس في الجزء الثاني من السّفر
الاول من التوراة حين شرع اللّه تعالى على نوح عليه السلام القصاص في القتل؟ ذلك
قوله: «شوقيخ ذامها اذام بااذام داموا يشافيخ» تفسيره: من سفك دم إنسان، فليحكم
الحاكم بسفك دمه. وفي الجزء الثالث من السفر الأوّل «إذ شرع على إبراهيم عليه
السلام ختانة المولود في اليوم الثامن من ميلاده».
فإذا أقرّوا بأنّه قد كان شرع قبل نزول التوراة قلنا
لهم: ما تقولون في التوراة؟ هل أتت بزيادة على تلك الشرائع أم لا؟ فإن لم تأت
بزيادة فقد صارت عبثا عندهم، إذ لا زيادة فيها ... ولم يعن شيئا، فلا يجوز أن تكون
صادرة عن اللّه تعالى، فيلزمهم انّ التوراة لا تكون من عند اللّه، وذلك كفر على
مذهبهم، وإن كانت التوراة أتت بزيادة، فهل في تلك الزيادة تحريم ما كان مباحا، أم
لا؟ إن قالوا: ما أتت بتحريم ما كان مباحا من قبل. بطل قولهم بأنّ التوراة حرمت
الأعمال الصناعيّة في يوم السبت بعد أن كان مباحا وهذا هو النسخ في المعنى.
ومن تتبّع أحكامهم التي يتديّنون بها وجد أمثال ما
ذكرناه كثيرا ممّا فيه النسخ.
فأمّا من ادّعى أنّ الشرع منع من النسخ وإن لم يمنع العقل
منه، فانّه يحتجّ بما حكيناه عنهم من نقلهم عن موسى عليه السلام أنّه قال: تمسّكوا
بالسبت أبدا فقال: تمسّكوا بالسبت عهدا لكم ولذريّتكم الدهر، أو ما دامت السماوات
والأرض، قال: فلا يجوز أن يصدق من جاء بنسخ ذلك.
والجواب عنه: أنّ ما نقلوه عن موسى عليه السلام غير
معلوم ولا مسلّم، لأنّ نقل التوراة التي في أيديهم ونقل أخبارهم غير متصل بل
منقطع، بما فعل بهم بختنصّر.
ثمّ وان لم ننازعهم في صحّة نقلهم، ففي التوراة ألفاظ
التأبيد كثيرة، والمراد بها المبالغة في طول المدّة دون الدوام، فمن ذلك قوله في
العبد: «إنّه يستخدم ستّ سنين ثمّ يعتق في السابعة، فإن أبى فليثقب أذنه ويستخدم
أبدا»، وقال في موضع آخر: «يستخدم خمسين سنة». وقيل في البقرة التي أمروا بذبحها:
يكون ذلك لكم سنّة أبدا وانقطع الشهيد به عندهم. وكذا
أمروا في قصّة دم الفصيح الذي تعبّدوا به أن يجعلوه في أبوابهم ويذبحوا الجمل ويأكلوا
لحمه ملحوجا ولا يكسروا عظما، ويكون ذلك الجمل سنّة أبدا، وقد زال التعبّد بذلك. وفي
السفر الثاني قال اللّه تعالى: «قربوا إليّ كلّ يوم خروفين سنة خروف عدوة وخروف
عشيّة بين المغارب، قربان دائم لأحقابكم».
فهذه ألفاظ تقتضي الدوام كالألفاظ التي ذكروها في السبت
وما اريد بها الدوام. فما أنكروا في مثل ذلك من ألفاظ السبت، سيّما وقد ورد من
البشارات بالنبيّ عليه السلام على ما نشير إليه ونبيّنه إن شاء اللّه ما يحرز معه
أن يكون النبيّ عليه السلام ناسخا للسبت ورافعا لتأبيده كما ارتفع تأبيد ما
عددناه. لأنّا إذا رأينا ألفاظ التأبيد وما اريد بها التأبيد لم نأمن أن يكون كذلك
ألفاظ التأبيد في السبت، وأن يكون النبيّ الذي بشّر به، أو الذي دلّت عليه دلالة
سوى البشارة بيّن أنّ ألفاظ التأبيد ليست على الدوام وأنّها كسائر الألفاظ التي لم
يرد بها الدوام.
فإن قالوا: إن الألفاظ التي ذكرتموها قد بيّن موسى انّه
لم يرد بها الدوام فلو كان السبت كذلك لبيّنه.
قلنا لهم: أبيّن موسى انقطاع تلك العبادات، وأنّها غير
دائمة حين تعبّد بها أو بعد ذلك؟
فإن قالوا: بيّن ذلك بعد زمان متراخ، وهكذا يقتضي ظاهر
التوراة، لأنّه قال في موضع: «يثقب أذن العبد ويستخدم أبدا»، وقال في موضع آخر:
«يستخدم خمسين سنة»، ولم يقولوا ولم ينقلوا أنّه بيّن في
ذلك الموضع.
قلنا لهم: فإذا جاز أن يأمر موسى بالشيء أبدا وعلى
الأحقاب، ثمّ يبيّن بعد ذلك أنّه ما أراد التأبيد جاز أن يبيّن ذلك نبيّ آخر، إذا
كان البيان تأخّر في كلا الحالين.
فإن قالوا: إنّ موسى بيّن مراده بهذه الألفاظ في الحال.
قلنا: لو بيّن ذلك
لنقل منه كما نقل بيانه المتراخي.
فإن قالوا: يجوز أن لا ينقل، ولكن نحن نعلم أنّ البيان
صدر منه في الحال، لعلمنا بأنّ البيان لا يتأخّر.
قلنا لهم: فجوّزوا أن يكون بيان نسخ السبت صدر منه في
الحال ولم ينقل منه، كما لم ينقل ما ذكرتم، وقد ذكر بعضهم انّ حزقيل ذكر زيادات في
عبادات يعتقدون أنّ تك الزيادات تلزمهم عند مجيء منتظرهم ثمّ هم مختلفون فيها،
فمنهم من يقول: إنّ موسى عليه السلام ما ذكر تلك الزيادات. ومنهم من يقول ذكرها ولكنّها
لم تنقل عنه، فتقول لمن قال إنّه لم يذكرها أصلا: أليس تلك الزيادات ترفع إباحة
تركها، وهذا نسخ في المعنى، فقد وقع ما هو في معنى النسخ بعد موسى على يد نبيّ
آخر، فجوّز وامثله في السبت، ونقول لمن قال إنّه ذكرها ولم ينقل عنه جوّز أنّه قد
بيّن انقطاع التعبّد بالسبت ولم ينقل عنه خاصّة، والهوى وحبّ المذهب يدعوكم إلى
ترك نقل ذلك.
فإن قالوا: إنّما يلزمنا أن نقول: قد بيّن موسى عليه
السلام انقطاع التعبّد بالسبت لو نسخه من صحّت نبوّته.
قلنا: أنتم دفعتم نبوّة نبيّنا عليه السلام لأنّه نسخ ما
لم يبيّن موسى عليه السلام انقطاعه فإذا لم تعلموا أن موسى لم يبيّن ذلك بطل
دليلكم، فيوجب أن لا تقطعوا بذلك على أنّه ليس بنبيّ. وبعد، فإنّ كلامهم هذا يقتضي
أن يقطعوا على أنّ موسى عليه السلام قد أشعرهم بنسخه مهما صحّت نبوّة محمّد عليه
السلام: فليقتصروا على مطالبتنا بالمعجزات الدالة على نبوّته حتّى نذكرها لهم ونبيّن
صحّتها، وليتركوا الاحتجاج بما لا يعلمونه، من أنّه نسخ ما لم يبيّن موسى انقطاعه.
وقد قال بعض اليهود: إنّ قصّة البقرة إنّما انقطع التعبد
بها، لأنّ المتعبدين بها هم بنو هارون، ثمّ بيّن نبيّ آخر بعد موسى أنّ المتولي
لذلك هو من نقطع على أنّه من بني هارون، لا من نظنّه كذلك. وإذا لم نعلم بني
هارون قطعا زال التعبّد بذبح البقرة لزوال شرطه.
فيقال لهم: إنّ موسى عليه السلام هل بيّن هذا الشرط أم
لا؟
إن قالوا: لا، وإنّما بينه نبيّ بعده.
قلنا لهم: فجوّزوا أن يكون من شرط التمسّك بالسبت أن لا
يبعث نبيّ من العرب. ولم يبيّن ذلك موسى، وإنّما بيّنه محمّد عليه السلام.
وإن قالوا: إن موسى عليه السلام بيّن انقطاع التعبّد
بذبح البقرة.
قلنا: فكان يجب أن ينقل ذلك عنه وأنتم لا تنقلون هذا
عنه.
فإن قالوا: نحن نعلم أنّ موسى عليه السلام كان يتديّن
بدوام شرعه وأن لا ينقطع ولا ينسخ بمثل ما تعلمون أنتم أنّ نبيّكم كان يعتقد ويتديّن
بأنّ شريعته لا تنسخ ولا يحتجّ في ذلك بألفاظ التأبيد، حتّى تردّوا علينا بما
رددتموه .
قلنا: نحن نعلم علما لا يخالطه شكّ وريب انّ نبينا عليه
السلام كان يتديّن بأنّ شرعه لا ينسخ وأنّه خاتم النبيين، مثل علمنا بالبلدان
والوقائع ومثل علمنا بوجوده تعالى وادّعائه النبوّة لا يمكنكم أن تدّعوا مثل ذلك،
لأنّه لو كان كذلك لوجب في كلّ من خالطكم أن يعلم ذلك. وخلافه معلوم، لأنّا نعلم
ذلك والنصارى على كثرتهم وقراءتهم لكتبكم لا يعلمون ذلك، وجماعة منكم لا يعلمون
ذلك بل يقولون: الأمر فيه مشتبه، ويقتصرون على مطالبتنا بالمعجزة ألا ترى أنّ
العلم بتديّن نبيّنا عليه السلام بدوام شرعه وكونه خاتم النبيين، لما كان على
الحدّ الذي وصفناه، شاركنا فيه المسلم وغير المسلم والصديق والعدوّ. فكلّ من علم
وجوده وادّعاءه النبوة علم انّه كان يتدين بما ذكرناه، ومثل هذا لا يمكنكم
ادّعاؤه.
وبعد، فإذا ثبت
نبوّة نبيّنا عليه السلام بما ظهر عليه من المعجزات ... بطل قول من ادّعى تأبيد
شرع موسى أو غيره من الأنبياء عليهم السلام، لأنّه لو صحّ تأبيد شرع واحد منهم لما
دلّت المعجزات التي قامت وظهرت عليه على نبوّته عليه السلام وصحة شرعه مع ما فيه
من مخالفة الشرائع المتقدّمة في أكثر الأحكام.
فإن قيل: لم صرتم بأن تنظروا في معجزات نبيّكم، فتعلموا
بها صحة نبوّته وبطلان ما تمسّكنا به من الخبر المقتضي بظاهره لدوام شرع موسى وتأبيده
أو صحّة تأويله على ما تأوّلونه عليه أولى من أن تنظروا أوّلا في خبرنا فتعلموا
صحّته، وإذا علمتم صحّته قطعتم على بطلان نبوّة من تدّعون نبوّته.
قلنا: صحّة معجز نبيّنا الذي هو أظهر آياته ومعجزاته، وهو
القرآن الموجود في أيدينا مبنيّة على امور عقليّة لا يدخلها الاحتمال والاشتباه
لأنّها مبنيّة على ظهور القرآن عليه وتحدّيه العرب به وأنّهم لم يعارضوه. وذلك
كلّه معلوم ضرورة وعلما لا يدخله شكّ وريب مثل العلم بالبلدان والوقائع والعلم
بأنّ ما هذا صفته معجز دالّ على صدق من ظهر عليه طريقه أيضا اعتبار العقل الذي لا
يدخله الاحتمال. وليست هذه المباني والقواعد ولا واحد منها من جنس الكلام الذي
يدخله الاحتمال والحقيقة والمجاز والعمل بظاهره أو تركه.
والاستدلال بالخبر الذي تدّعونه مبنيّ على صحّته لا يعلم
إلّا بعد أن يعلم أنّ صفة التواتر ثابتة في جميع أسلاف اليهود في كلّ زمان، ثمّ
إذا صحّ وثبت نقله فهو كلام يدخله الحقيقة والمجاز والخصوص والعموم، والاحتمال
للتأويل المخالف لما يقتضيه ظاهره.
إذا تقرّر هذا، فمعلوم أنّ التمسّك بما لا يحتمل والنظر
فيه وبناء المحتمل عليه أولى من عكسه، وهو التمسّك بالمحتمل والنظر فيه وبناء ما
لا يحتمل عليه، فظهرت الأولويّة التي طلبها السائل، في جانب ما ينظر فيه بحمد
اللّه ومنّه...
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|