أقرأ أيضاً
التاريخ: 12/12/2022
1262
التاريخ: 18-10-2019
1520
التاريخ: 14/12/2022
1207
التاريخ: 7-1-2023
1184
|
المدارس الصحفية وأساليب كتابها
لقد شهد تطور المقال الصحفي في الصحافة العربية عددا من المراحل، اتسمت كل مرحلة منها بملامح، أسلوبية واضحة، میزت أصحاب الأقلام ومحرري الجرائد، وخاصة في الصحافة المصرية، منذ ظهور الصحافة المطبوعة باللغة العربية في الثلث الأول من القرن التاسع عشر إلى الثلث الأول من القرن العشرين. هذه المراحل التي قام (د. عبد اللطيف حمزة) بتسمية كل واحدة منها بالمدرسة الصحفية، فكان هناك مدرسة صحفية أولى، كان من أشهر رموزها: رفاعة رافع الطهطاوي، وعبد الله أبو السعود، وميخائيل عبد السيد صاحب جريدة الوطن وغيرهم. ومدرسة صحفية ثانية كان من أشهر رموزها: أديب اسحق، ومحمد عبده، وعبد الله النديم، وبشارة تقلا صاحب الأهرام وغيرهم. ومدرسة صحفية ثالثة كان من أشهر ممثليها: علي يوسف، ومصطفى كامل، وأحمد لطفي السيد، وعبد العزيز جاويش وغيرهم.
والمهم أن لكل مدرسة من تلك المدارس أسلوبها اللغوي الخاص بها في كتابة المقال، وأن لها غايتها أو هدفها الذي كانت ترمي إليه من وراء هذا المقال، وأن هذا الهدف قد حددته لها الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية التي أحاطت بكل واحدة من تلك المدارس على حدة. فأما من حيث الأسلوب فقد كان رجال المدرسة الأولى مقيدين بقيود الماضي القريب، حيث كان النثر العربي يميل إلى السجع وغيره من ألوان البديع التي فتن بها أدباء العربية منذ القرن الرابع الهجري، وكان هذا النثر محبوسة في أورقة الأزهر لا يكاد يتجاوزه إلى الحياة في خارجه. ثم جاء الوقت الذي سئموا فيه السجع، وزهدوا فيه البديع، وكان ذلك إيذانا بمجيء المدرسة الصحفية الثانية، وهي المدرسة التي نعمت بقسط من الحرية في الأسلوب ليس من شك في أنه كبير بالقياس إلى القسط الذي نعمت به المدرسة التي سبقتها.
أما المدرسة الثانية، فإنها أخذت تتحرر-نوعا ما- من قيود الأساليب الموروثة، وأصبحت قادرة على إنشاء المقال الصحفي بلغة، هي مع ذلك، أصلح لكتابة الأدب أو الكتب منها لكتابة الصحف. أي أن المدرستين تشتركان في صفة، وتفترقان في أخرى. تشتركان في أنهما لم تصلا بعد إلى تفرقة واضحة بين لغة المقال الأدبي، ولغة المقال الصحفي. وتفترقان في أن الأولى مقيدة في أسلوبها بقيود الماضي البعيد أو القريب، عاجزة في الوقت نفسه عن التعبير الحر الطليق، هابطة المستوى في مجموعها من حيث الأسلوب، في حين أن الثانية حاولت بالفعل أن تتحرر من هذه القيود، واكتسبت من المران الأدبي ما جعلها تحسن استخدام الزينة أو القيود حين تريد استخدامها على سبيل إظهار المقدرة الفنية، كما كان الشأن مع أديب اسحق من رجال المدرسة الصحفية الثانية بنوع خاص. وبقيت المدرسة الصحفية الثانية تكتب صحافتها بهذه الطريقة الأدبية العالية حتى جاء الإمام محمد عبده فأخذ يقترب شيئا فشيئا من لغة الصحف، ثم جاء عبد الله النديم واقترب كثيرة منها، وأعانه على ذلك ميله الطبيعي إليها وإلى الأسلوب الخطابي الذي برع فيه براعة منقطعة النظير، والأسلوب الخطابي أدني بطبيعته إلى الأسلوب الصحفي منه إلى الأسلوب الأدبي.
أما المدرسة الصحفية الثالثة، فقد أحاطت بها ظروف سياسية خطيرة، لا شك أن من أهمها ظرف (الاحتلال البريطاني) الذي خلق في نفوس المصريين اليأس مرة، وغرس في نفوسهم روح المقاومة العنيفة مائة مرة. وكان من أثر هذه أن نشطت العقول والأقلام في مصر، واحتاج الأمر إلى ظهور طبقة جديدة من الكتاب أصبح لها أسلوب جديد يصح أن يطلق عليه اسم (الأسلوب السياسي). وكان يمثل هذه الطبقة فيما عدا علي يوسف صاحب المؤيد ومصطفى كامل صاحب اللواء وأحمد لطفي السيد محرر الجريدة، أمين الرافعي صاحب الأخبار، وعبد القادر حمزة صاحب البلاغ وحافظ عوض صاحب كوكب الشرق وغيرهم. وكما كانت هذه المدرسة الصحفية الثالثة جديدة في الأسلوب السياسي، فكذلك كانت جديدة في التفكير السياسي.
وفيما يلي نموذج من أسلوب المدرسة الصحفية الأولى، وهو مقال بتوقيع المحرر، نشرته صحيفة (وادي النيل) لعبد الله أبو السعود، بعنوان: (حوادث أدبية سعيدة وممارسات عربية جديدة) جاء فيه: إن من طالع سعدنا أن وصل إلينا بمصر القاهرة، في هذه الأيام نتائج أفكار أرباب القرائح العصريين، وثمرات أوراق أصحاب الفضل والأدب السوريين، المتوقدة أذهانهم الآن بمدينة بيروت، ولا يليق بتاريخ اللغة العربية في هذا العصر أن يلزم حقهم السكوت، عدة نسخ متوالية، وجملة أعداد متتالية، من جريدتين أو دوريتين، وصحيفتين خبريتين، أو مجموعتين أديتين، بل مهرتين عربيتين أصيلتين، تطبعان الآن بطبع مدينة بيروت الجميل، على هيئة كراسة صغيرة، في شكل صحيفة وادي النيل. وتتراكضان بغاية إطلاق العنان في ميدان الأخبار السياسية. أي أخبار بعض الدول المجاورة، والممالك المعاصرة، من الحكومات الإسلامية والإفرنجية، وغيرها من سائر الأقطار الأجنبية، فضلا عن النكات الأدبية. وكلتاهما من الطرافة والكياسة، وعظم الفائدة والنفاسة، في درجة عالية وهيئة حالية. وكأنهما فتاتان من الجذر الأوروبية، وقد
بدأتا في كنائس نصرانية، متجملتين بمآزر مشرقية عربية، أو برانس مغربية. إحداهما تنشر باسم (الزهرة) بتأليف وإدارة الأديب الأريب، والكاتب اللبيب، والاخذ من الكتابة بمجامع الفنون، المدعو ب (يوسف الشلفون). والثانية تظهر باسم (الجنان) جمع جنة، بقلم وإدارة المؤلف اللطيف والمصنف المتقن الظريف، أصمعي هذا العصر الثاني، المشهور باسم (بطرس البستاني) مع شبلة الشاب الفهيم المعروف كذلك بـ (سليم) إلخ.
وفيما يلي نموذج من أسلوب المدرسة الصحفية الثانية، مقال كتبه (أديب اسحق) في جريدته (مصر) يدعو فيه إلى إعانة جرحى الحرب الروسية التركية. جاء فيه: في معترك أومضت فيه بروق المرهفات، ولعلعت رعود المدافع، وسكرت السيوف بخمر من الدم فعربدت في الرؤوس، والخيل ساغبة تقبلا ثقالا ، وتعود خفافا، وكأنها-وقد أعياها الفارس حيا قد غضبت على الإنسان، فاحتجبت بحجاب الضباب. وتململت الأرض من أعماله، فزلزلت زلزالها، وكادت تخرج أثقالها، فارتعد الرعديد، وثبت الصنديد، ونادى منادي الحراب: من فمن الموت وقع، ومن كان ينوي أهله فلا رجع، طريح على الأرض جريح ذو كبد حرى، يستجير وإحدى يديه فوق الكبد الأخرى، يذكر خليلة أو حليلة، آلمه فراقها مع أمل الرجوع. فما الظن به وقد اختفى نور ذلك الأمل. والدة تألمت به جنينة، وأرضعته طفلا، وربته يافعا، وسهرت عليه حالمة، ووالدة واساة في كآبته، وسلاه في حزنه، وتوجع له في مصابه. ثم تنجلي له الدنيا بزخرفتها وزينتها، فيرى مرير عذابها حلوة، وكدر شرابها صفوة. فهذا هو الإنسان، الجريح بسلاح الإنسان، المطلوبة مساعدته من الإنسان.
وكان (أديب اسحق) قد بدأ المقال بهذه الأشعار:
الحرب أول ما تكون فتية تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا حميت وشب شرارها عادت عجوز آغير ذات خليل
شمطاء جزت رأسها وتنكت مكروهة للشم والتقبيل
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|