المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31

اعداد السطح - تنفيذ طبقة الاساس المعالجة بالاسمنت
2023-09-25
دفع الخمس لأهل البيت عليهم السلام
25-11-2014
الإنتاج الحيواني - امراض الدواجن- الامراض الطفيلية
7-6-2021
NITROGEN  LASERS
24-3-2016
downstep (n.)
2023-08-17
الذرات والجزيئات
12-3-2018


أحمد بن يحيى بن يسار أبو العباس ثعلب  
  
6534   05:08 مساءاً   التاريخ: 19-06-2015
المؤلف : ياقوت الحموي
الكتاب أو المصدر : معجم الأدباء (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب)
الجزء والصفحة : ج2، ص55-78
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-04-2015 6939
التاريخ: 28-12-2015 5821
التاريخ: 14-08-2015 1807
التاريخ: 13-08-2015 2434

الشيباني، مولاهم النحوي اللغوي، إمام الكوفيين في النحو واللغة والفقه والديانة. ولد فيما ذكره المرزباني عن مشايخه سنة مائتين و مات لثلاث  عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة إحدى و تسعين و مائتين في خلافة المكتفي ابن المعتضد و قد بلغ تسعين سنة و أشهرا و كان رأى أحد عشر خليفة  أولهم المأمون و اخرهم المكتفي وكان قد ثقل سمعه قبل موته و دفن في مقابر باب الشام في حفرة اشتريت له و بنيت بعد ذلك و قبره هناك معروف و رد ماله على ابنته و كان خلف إحدى و عشرين ألف درهم و ألفي دينار ودكاكين بباب الشام قيمتها ثلاثة الاف دينار وضاع له قبل أحمد الصيرفي ألف دينار و كان يتجر له بها ذكر ذلك عبد الله بن الحسين القطربلي في تاريخه.

 حدث المرزباني عن أبي العباس محمد بن طاهر الطاهري و كان أبو العباس ثعلب يؤدب أباه طاهر بن محمد بن عبد الله بن طاهر قال كان سبب وفاة أبي العباس ثعلب أنه كان في يوم جمعة قد انصرف من الجامع بعد صلاة العصر و كان يتبعه جماعة من أصحابه إلى منزله أنا أحدهم فتبعناه في تلك العشية إلى أن صرنا إلى درب قد أسماه بناحية باب الشام و اتفق أن ابنا لإبراهيم بن أحمد المادرائي يسير من ورائنا على دابة و خلفه خادم له على دابة قد قلق واضطرب و كان في تلك العشية بيده دفتر ينظر فيه و قد شغله عما سواه فلما سمعنا صوت حوافر الدواب خلفنا تأخرنا عن جادة الطريق و لم يسمع أبو العباس لصممه صوت الحوافر فصدمته دابة الخادم فسقط على رأسه في هوة من الطريق أخذ ترابها فلم يقدر على القيام فحملناه إلى منزله كالمختلط يتأوه من رأسه و كان سبب وفاته رحمه الله.

 وحدث المرزباني عن أحمد بن محمد العروضي قال إنما فضل أبو العباس أهل عصره بالحفظ للعلوم التي يضيق عنها الصدور وكان أبو سعيد السكري كثير الكتب جدا فكتب بيده ما لم يكتبه أحد فكانا في الطرفين لأن أبا سعيد كان غير مفارق للكتاب عند ملاقاة الرجال وأبو العباس لا يمس بيده كتابا اتكالا على حفظه وثقة بصفاء ذهنه

 قال الخطيب سمع يعني ثعلبا محمد بن سلام الجمحي ومحمد بن زياد الأعرابي وعلي بن المغيرة الأثرم وإبراهيم بن المنذر الحراني وسلمة بن عاصم وعبيد الله بن عمر القواريري والزبير بن بكار وخلقا كثيرا.

 وروى عنه محمد بن العباس اليزيدي وعلي بن سليمان الأخفش وإبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه وأبو بكر ابن الأنباري وأبو عمر الزاهد وأبو الحسن بن مقسم وأحمد بن كامل القاضي خلق كثير. وكان يقول سمعت من القواريري مائة ألف حديث. قرأت بخط أبي سالم الحسن بن علي قال نقلت من خط الحسن بن علي بن مقلة قال أبو العباس أحمد بن يحيى ابتدأت النظر في العربية والشعر واللغة في سنة ست عشرة ومولدي سنة مائتين في السنة الثانية من خلافة المأمون. قال أبو العباس و رأيت المأمون لما قدم من خراسان في سنة أربع و مائتين و قد خرج من باب الحديد و هو يريد قصر الرصافة و الناس صفان في المصلى قال و كان أبي قد حملني على يده فلما مر المأمون رفعني و قال لي هذا المأمون و هذه سنة أربع فحفظت ذلك إلى هذه الغاية وحذقت العربية و حفظت كتب الفراء كلها حتى لم يشذ عني حرف منها و لي خمس و عشرون  سنة و كنت أعنى بالنحو أكثر من عنايتي بغيره فلما أتقنته أكببت على الشعر و المعاني و الغريب و لزمت أبا عبد الله بن الأعرابي بضع عشرة سنة و أذكر يوما و قد صار إلى أحمد بن سعيد بن سليم و أنا عنده و جماعة منهم السدري و أبو العالية فأقام و تذاكروا شعر الشماخ و أخذوا في البحث عن معانيه و المسألة عنه فجعلت أجيب و لا أتوقف و ابن الأعرابي يسمع حتى أتينا على معظم شعره فالتفت إلى أحمد بن سعيد يعجبه مني.

 قال أبو العباس قلت لابن ماسويه في علة شكوتها إليه ما تقول في الحمام فقال لي إن تهيأ لإنسان بعد أربعين سنة أن يكون قيّم حمام فليفعل قال أبو العباس الذي لا ينسب إليه لأنه لا يتم إلا بصلة والعرب لا تنسب إلا إلى اسم تام والذي وما بعده حكاية والحكاية لا ينسب إليها لئلا تتغير. قال أبو العباس وسئل ابن قادم عنها وأنا غائب بفارس فقال اللذوي فلما قدمت وسئلت فقلت لا ينسب إليه وأتيت بهذه العلة فبلغته فلما اجتمعنا تجاذبنا ثم رجع إلى قولي. وقال أبو العباس كنت أصير إلى الرياشي لأسمع منه وكان نقي العلم فقال لي يوما وقد قرئ عليه: [الرجز]

 (ما تنقم الحرب العوان مني ... بازل عامين حديث سني)

                (لمثل هذا ولدتني أمي ...)

 كيف نقول بازل أو بازل فقلت أتقول لي هذا في العربية إنما أقصدك لغير هذا يروى بازلُ وبازلِ وبازلَ الرفع على الإستئناف والخفض على الإتباع والنصب على الحال فاستحيا وأمسك. قال أبو العباس ودخلت على محمد بن عبد الله بن طاهر فإذا عنده المبرد وجماعة من أصحابه وكتابه وكان محمد بن عيسى وصفه له فلما قعدت قال لي محمد بن عبد الله ما تقول في قول امرئ القيس: [المتقارب]

 (لها متنتان خظاتا كما ... أكب على ساعديه النمر)

 قال قلت أما غريب البيت فإنه يقال لحم خظا يخظا إذا كان صلبا مكتنزا ووصف فرسا وقوله أكب على ساعديه النمر أي في صلابة ساعد النمر إذا اعتمد على يده والمتن الطريقة الممتدة من عن يمين الصلب وشماله وما فيه من العربية أنه خظتا فلما تحركت التاء أعاد الألف من أجل الحركة والفتحة قال فأقبل بوجهه على محمد بن يزيد فقال له محمد أعز الله الأمير إنما أراد خظاتا بالإضافة أضاف خظاتا إلى ما قال فقلت ما قال هذا أحد. قال محمد بن يزيد بلى سيبويه يقول. فقلت لمحمد بن عبد الله لا والله  ما قال سيبويه و هذا كتابه فليحضر ثم أقبلت على محمد بن عبد الله و قلت ما حاجتنا إلى كتاب سيبويه أيقال مررت بالزيدين طريفي عمرو فيضاف نعت الشيء إلى غيره فقال محمد لصحة طبعه لا و الله ما يقال هذا و نظر إلى محمد بن يزيد فأمسك ولم يقل شيئا و قمت و نهض المجلس. قال عبد الله الفقير إليه لا أدري لم لا يجوز هذا و ما أظن أحدا ينكر قول القائل رأيت الفرسين مركوبي زيد و لا الغلامين عبدي عمرو و لا الثوبين دراعتي زيد و مثله مررت بالزيدين طريفي عمرو فيكون مضافا إلى عمرو و هو صفة لزيد و هذا ظاهر لكل متأمل. قال أبو العباس لما شاهدني المازني و جاراني النحو و خرج إلى سر من رأى كان يذكرني و يوجه إلي أخوك يقرئك السلام.

قال أبو العباس قال لي محمد بن عيسى بحضرة محمد بن عبد الله نحن نقدمك لتقدمة الأمير فقلت له يا شيخ إني لم أتعلم العلم لتقدمني الأمراء وإنما تعلمته لتقدمني العلماء. قال أحمد بن يحيى كان محمد بن عبد الله يكتب ألف درهم واحدة فإذا مر بهم به ألف درهم واحد أصلحه واحدة فكان كتابه ينكرون ذلك و يغلظ عليهم و يهابونه فلا يبتدئونه فيه بشيء فقال يوما أتدرى لمن عمل الفراء كتاب البهي قلت لا قال لعبد الله أبي بأمر طاهر جدي قلت له إنه كان قد عمل له كتبا منها كتاب المذكر و المؤنث قال و ما فيه قلت مثل ألف درهم واحد ولا يجوز واحدة ففتح عينيه و تنبه و أقلع.  وقال أبو العباس بعث إلي عبد الله ابن أخت أبي الوزير رقعة فيها خط المبرد ضربته بلا سيف قال أيجوز هذا فوجهت إليه لا والله ما سمعت بهذا قال أبو العباس هذا خطأ البتة لأن لا التبرئة لا يقع عليها خافض ولا غيره لأنها أداة وما تقع أداة على أداة.

 قال العجوزي صرت إلى المبرد مع القاسم والحسن ابني عبيد الله بن سليمان بن وهب فقال لي القاسم سله عن شيء من الشعر فقلت ما تقول أعزك الله في قول أوس: [الطويل]

 (وغيرها عن وصلها الشيب أنه ... شفيع إلى بيض الخدور مدرب)

فقال بعد تمكث وتمهل وتمطق يريد أن النساء أنسن به فصرن لا يستترن منه.

 ثم صرنا إلى أبي العباس أحمد بن يحيى فلما غص المجلس سألته عن البيت فقال قال لنا ابن الأعرابي إن الهاء في أنه للشباب وإن لم يجر له ذكر لأنه علم والتفت إلى الحسن والقاسم فقلت: أين صاحبنا من صاحبكم.

 وقال حمزة: لما مات المازني خلفه أبو العباس المبرد وبقي ذكره ببغداد وسامرا لا يغض أحد منه إلى أن ذكره ابن الأنباري في بعض مصنفاته وأراد أن يضع منه ويرفع من صاحب أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب جاريا على عادته في العصبية للكوفيين على البصريين فقال سمعت أبا العباس يعني ثعلبا يقول عزمت على المضي إلى المازني لأناظره فأنكر ذلك علي أصحابنا وقالوا مثلك لا يصلح أن يمضي إلى بصري فيقال غدا إنه تلميذه فكرهت الخلاف عليهم. فأراد ابن الأنباري أن يرفع من ثعلب فوضع منه ولم يقتصر على ذلك التقصير بالمازني حتى قصر بالخليل أيضا وزعم أن أبا العباس أحمد بن يحيى حكى له أن أبا جعفر الرؤاسي عمل كتابا في النحو وسماه الفيصل فبعث الخليل إليه يستعيره فوجه به إليه. فقال والدليل على أن الخليل تعلم النحو من كتاب الرؤاسي ما يوجد في كتاب سيبويه من ذكره إذ يقول: قال الكوفي، وهذا متى سمع علم أنه لا يقوله إلا عصبي.

 قرأت في كتاب ابن أبي الأزهر بخط عبد السلام البصري قال كان بإزاء دار أبي العباس ثعلب رجل قد غلب على عقله فكان ربما خرج على باب بيته ينظر إلى الناس فرأى يوما غلام أبي العباس وقد أدخل إلى داره خبزا أسود فقال له: يا أبا العباس ألا تشتري لك خبزا حوارى ما معنى هذا الضيق والشؤم فقال له هذا أصلح من الحاجة وبذل الوجه إلى الناس فضحك وقال عجبت لك من هذا الكلام أما لك هذا إلا من بذل الوجه والحاجة إلى الطلب منهم لا تقبل بر أحد إن كنت صادقا فالتفت إلي وقال قد قال قولا ثم أنشدني في الزهد: [السريع]

 (زماننا صعب وإخواننا ... أيديهم جامدة البذل)

 (وقد مضى الناس ولم يبق في ... عصرك إلا محكم البخل)

 (وما لنا بلغة أقواتنا ... ما فيه للإسراف من فضل)

 (فضم كفيك على ملكها ... وأطرش السمع عن العذل)

 فتعجبت من إنشاده هذا الشعر بعقب ما خوطب به.

 قال أحمد بن فارس اللغوي كان أبو العباس ثعلب لا يتكلف الإعراب في كلامه كان يدخل المجلس فنقوم له فيقول أقعدوا بفتح الألف. قال ابن كامل القاضي أنشدني أبو بكر بن العلاف لنفسه لما مات المبرد: [الكامل]

 (ذهب المبرد وانقضت أيامه ... وليلحقن مع المبرد ثعلب)

 (بيت من الآداب أصبح نصفه ... خربا وباقي بيتها فسيخرب)

 (فابكوا لما سلب الزمان ووطنوا ... للدهر أنفسكم على ما يسلب)

 (ذهب المبرد حيث لا ترجونه ... أبدا ومن ترجونه فمغيب)

 (فتزودوا من ثعلب فبكأس ما ... شرب المبرد عن قليل يشرب)

 (واستحلبوا ألفاظه فكأنكم ... بسريره وعليه جمع ينحب)

(وأرى لكم أن تكتبوا أنفاسه ... إن كانت الأنفاس مما يكتب)

 (فليلحقن بمن مضى متخلف ... من بعده وليذهبن ونذهب)

 وقال أبو الطيب عبد الواحد اللغوي في كتابه المسمى مراتب النحويين قال: كان ثعلب يعتمد على ابن الأعرابي في اللغة وعلى سلمة بن عاصم في النحو ويروي عن ابن نجدة كتب أبي زيد وعن الاثرم كتب أبي عبيدة وعن أبي نصر كتب الأصمعي وعن عمرو بن أبي عمرو كتب أبيه وكان ثقة متقنا يستغني بشهرته عن نعته وقال وكان ثعلب حجة دينا ورعا مشهورا بالحفظ والصدق وإكثار الرواية وحسن الدراية كان ابن الأعرابي إذا شك في شيء يقول له ما عندك يا أبا العباس في هذا ثقة بغزارة حفظه.

 ولد سنة مائتين وطلب اللغة والعربية في سنة ست عشرة ومائتين. قال وابتدأت بالنظر في حدود الفراء وسني ثماني عشرة سنة وبلغت خمسا وعشرين سنة وما بقي علي مسألة للفراء إلا وأنا أحفظها وأحفظ موضعها من الكتاب و لم يبق شيء من كتب الفراء في هذا الوقت إلا و قد حفظته.

 و حدث المرزباني قال عبد الله بن حسين بن سعد القطربلي في تاريخه كان أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب من الحفظ و العلم و صدق اللهجة و المعرفة بالغريب و رواية الشعر القديم و معرفة النحو على مذهب الكوفيين على ما ليس عليه أحد و كان يدرس كتب الفراء و الكسائي درسا و كان متبحرا في مذهب البصريين لا مستخرجا للقياس و لا طالبا له و كان يقول قال الفراء و الكسائي فإذا سئل عن الحجة و الحقيقة في ذلك لم يعرف النظر و كان أبو علي أحمد بن جعفر النحوي ختنه زوج ابنته يخرج من منزله و هو جالس على باب داره فيتخطى أصحابه و يمضي و معه دفتره و محبرته فيقرأ على  أبي العباس المبرد كتاب سيبويه فيعاتبه أحمد بن يحيى على ذلك و يقول له إذا راك الناس تمضي إلى هذا الرجل تقرأ عليه يقولون ماذا و لم يكن يلتفت إلى قوله. قال وكان ختنه هذا أبو علي يعرف بالدينوري و كان حسن المعرفة فسمعت إسحاق المصعبي يقول له كيف صار محمد بن يزيد أعلم بكتاب سيبويه من أحمد بن يحيى قال لأن محمد بن يزيد قرأه على العلماء و أحمد بن يحيى قرأه على نفسه. قال و لم يزل ثعلب متقدما عند العلماء منذ أيام حداثته و كان ضيق النفقة مقترا على نفسه. حدثني أخي وكان صاحبه ووصيه قال دخلت إليه يوما وقد احتجم وبين يديه طبق فيه ثلاثة أرغفة وخمس بيضات وبقل وخل وهو يأكل فقلت له يا أبا العباس قد أحتجمت ولو أخذ لك رطل لحم وثمن التوابل ومثله للعيال كان ما له معنى

 قال وسمعت أحمد بن إسحاق المعروف بأبي المدور يقول كنت أرى عبد الله بن الأعرابي يشك في الشيء فيقول لثعلب ما عندك يا أبا العباس في هذا ثقة بغزارة حفظه ولم يكن مع ذلك موصوفا بالبلاغة ولا رأيته إذا كتب كتابا إلى بعض إخوانه من أصحاب السلطان خرج عن طبع العامة فإذا أخذته في الشعر والغريب ومذهب الفراء والكسائي رأيت من لا يفي به أحد ولا يتهيأ له الطعن عليه وكان هو ومحمد بن يزيد عالمين ختم بهما تاريخ الأدب أو كانا كما قال بعض المحدثين: [المتقارب]

 (أيا طالب العلم لا تجهلن ... وعذ بالمبرد أو ثعلب)

 (تجد عند هذين علم الورى ... فلا تك كالجمل الأجرب)

 (علوم الخلائق مقرونة ... بهذين في الشرق والمغرب)

قال المرزباني أخبرني الصولي أن عبد الله بن الحسين بن سعد القطربلي أنشده هذه الأبيات لنفسه.

 وحدث محمد بن أحمد الكاتب قال حدثنا أحمد بن يحيى النحوي قال سألني ابن الأعرابي كم لك من الولد فقلت: ابنة، و أنشدته: [البسيط]

 (لولا أميمة لم أجزع من العدم ... ولم أجب في الليالي حندس الظلم)

 (تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا ... والموت أكرم نزال على الحرم)

 فأنشدني ابن الأعرابي في المعنى: [الطويل]

 (أميمة تهوى عمر شيخ يسره ... لها الموت قبل الليل لو أنها تدري)

 (يخاف عليها جفوة الناس بعده ... ولا ختن يرجى أود من القبر)

 وحدث عن أبي عبد الله الحكيمي عن يموت بن المزرع قال: وأراد أبو العباس ثعلب أن يرحل إلى أبي حاتم السجستاني في البصرة فبلغه أن أبا حاتم انتشر ذكره يوما لما رأى جماعة المرد يكتبون في مجلسه فراه غلام منهم فقال له أصلحك الله أي لام هذه قال لام كي يا بني. فلم يخرج أبو العباس إليه.

 وحدث الصولي قال كنا عند أبي العباس أحمد بن يحيى فقال له رجل المسجد هذا المعروف فما المصدر قال مصدره السجود قال فعرفني ما لا يجوز من ذا فقال لا يقال مسجد وضحك وقال هذا يطول إن وصفنا ما لا يجوز وإنما يوصف الجائز ليدل على أن غيره لا يجوز.

 ومثل ذلك أن ماسويه وصف لإنسان دواء ثم قال له كل الفروج وشيئا من الفاكهة وقال أريد أن تخبرني بالذي لا اكل فقال لا تأكلني ولا حماري ولا غلامي واجمع كثيرا من القراطيس وبكر إلي فإن هذا يكثر إن وصفته لك.

وحدث عن الصولي قال: قال أبو العباس ثعلب لم أسمع من جماعة كلهم قد رأيته وتمكنت منه ولو أردت ذلك ما فاتني عنهم جميع ما أطلب منهم أبو عبيد القاسم بن سلام وإسحاق الموصلي وأبو توبة والنضر بن حديد وإني لأذكر موت الفراء ذكرا جيدا وأنا في الكتاب.

 وحدث قال: وقال أبو العباس يوما لآخر الهرم علة قائمة بنفسها فإذا كان معه علة فذاك أمر عظيم وأنشد: [الطويل]

 (أرى بصري في كل يوم وليلة ... يكل وخطوي عن مداهن يقصر)

 (ومن يصحب الأيام تسعين حجة ... يغيرنه والدهر لا يتغير)

 (لعمري لئن أصبحت أمشي مقيدا ... لما كنت أمشي مطلقا قبل أكثر)

 و حدث أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدي قال: قال ثعلب أقعدني محمد بن عبد الله بن طاهر مع ابنه طاهر و أفرد لي دارا في داره و أقام لنا وظيفة فكنت أقعد معه إلى أربع ساعات من النهار ثم أنصرف إذا أراد الغداء فنمى ذلك إلى أبيه فكسا البهو و الأروقة و أضعف ما كان يعد من الألوان فلما حضر وقت الانصراف انصرفت فنمى ذلك إليه فقال للخادم الموكل بنا قد نمي إلي انصراف أحمد بن يحيى وقت الطعام فظننت أنه يستقل ما يحضر و لم يستطب الموضع فأمرنا بتضعيفه ثم نمي إلي أنه انصرف فقل له عن نفسك أبيتك أبرد من بيتنا أو طعامك أطيب من طعامنا و تقول له عني انصرافك إلى بيتك وقت الغداء هجنة علينا فلما عرفني الخادم ذلك أقمت فكنت على هذه الحال ثلاث عشرة سنة و كان يقيم لي مع ذلك في اليوم سبع  وظائف من الخبز الخشكار و وظيفة من الخبز السميد و سبعة أرطال من اللحم و علوفة رأس و أجرى لي في الشهر ألف درهم و لقد جاءت سنة الفتنة و عظم الأمر في الدقيق و اللحم فكتب إلي كاتبه على المطبخ يعرفه ما هو فيه من عظم المؤنة و يسأله إحضار الجريدة فيقتصر على ما لا بد منه فأنفذها فكانت مشتملة على ثلاثة الاف و ستمائة إنسان فرأيت محمدا قد زاد فيها بخطه قوما اخرين و وقع عليها لست أقطع عن أحد ما عودته و لا سيما من قال لي أطعمني الخبز فأجر الأمر على ما في الجريدة و اصبر على هذه المؤنة فإما عشنا جميعا، وإما متنا جميعا. قال الزبيدي: و خلف كتبا جليلة فأوصى إلى علي بن محمد الكوفي أحد أعيان تلاميذه و تقدم إليه في دفع كتبه إلى أبي بكر أحمد بن إسحاق القطربلي فقال الزجاج للقاسم بن عبيد الله هذه كتب جليلة فلا تفوتنك فأحضر خيران الوراق فقوم ما كان يساوي عشرة دنانير ثلاثة فبلغت أقل من ثلاثمائة دينار فأخذها القاسم بها. وقال أبو الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي صاحب كتاب مراتب النحويين وانتهى علم الكوفيين إلى ابن السكيت وثعلب وكانا ثقتين أمينين وثعلب آسن وأقدم موتا وأحسن الرجلين تأليفا وكان ثعلب أعلمهما بالنحو وكان يعقوب يضعف فيه. قال ثعلب كنت يوما عند ابن السكيت فسألني عن شيء فصحت وكان ثعلب شديد الحدة قال فقال لي لا تصح فو الله ما سألتك إلا مستفهما. وحدث أحمد بن العسكري في كتاب التصحيف قال وأخبرنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثني أبي قال قرأ القطربلي على أبي العباس ثعلب بيت الأعشى: [الطويل]

(فلو كنت في حب ثمانين قامة ... ورقيت أسباب السماء بسلم)

 فقال أبو العباس خَرب بيتك، هل رأيت حبا قط ثمانين قامة إنما هو جُب.

 وحدث الخطيب قال: قال ثعلب كنت أحب أن أرى ابن حنبل فلما دخلت عليه قال لي فيم تنظر قلت في النحو والعربية. فأنشدني أبو عبد الله وهو لبعض بني أسد: [الطويل]

 (إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل علي رقيب)

 (ولا تحسبن الله يغفل ما يرى ... ولا أن ما تخفي عليه يغيب)

 (لهونا عن الآثام حين تتابعت ... ذنوب على اثارهن ذنوب)

 (فيا ليت أن الله يغفر ما مضى ... فيأذن في توباتنا فنتوب)

 وحدث الخطيب قال: قال أبو محمد الزهري كان لثعلب عزاء ببعض أهله فتأخرت عنه لأنه خفي علي ثم قصدته معتذرا فقال لي يا أبا محمد ما بك حاجة إلى تكلف عذر فإن الصديق لا يحاسب و العدو لا يحتسب له.

 وجدت بخط أبي الحسن علي بن عبيد الله السمسمي اللغوي:

 "حدثنا أبو محمد بن الحسن النوبختي قال حدثنا أبو الفتح محمد بن جعفر المراغي النحوي قال حدثنا أبو بكر بن الخياط النحوي قال كنت عند أبي العباس ثعلب في بعض الأيام فسأله رجل و قد ساء سمعه فقال له: يا أبا  العباس أعزك الله ما الصوص فقال له الصوح أصل الجبل فأعاد الرجل سؤاله لعلمه بأن الشيخ ما فهم فقال ثعلب السوح جمع ساحة فأعاد سؤاله ثالثة فعلم ثعلب أنه ما فهم عن الرجل قال فقال له أدن مني فألقم أذني فاك و قل ففعل ذلك فلما فهم ثعلب سؤاله قال نعم العرب تقول رأيت صوصا على أصوص أي رجلا نذلا على ناقة كريمة .

 حدث الزجاجي أبو القاسم عن علي بن سليمان الأخفش قال أخبرنا أحمد بن يحيى ثعلب قال قدم الرياشي بغداد سنة ثلاثين ومائتين فصرت إليه لآخذ عنه فقال لي: أسألك عن مسألة فقلت نعم فقال تجيز نعم الرجل يقوم فقلت نعم هي جائزة عند الجميع أما الكسائي فيضمر والتقدير عنده نعم الرجل رجل يقوم لأن نعم عنده فعل والفراء لا يضمر لأن نعم عنده اسم فيرفع الرجل بنعم ويقوم صلة للرجل، وأما صاحبك يعني سيبويه فإنه لا يضمر شيئا ونعم عنده أيضا فعل ولكن يجعل يقوم مترجما وهو الذي يسمونه البدل فسكت. فقلت له فأسألك عن مسألة فقال نعم فقلت أيجوز يقوم نعم الرجل فقال جائز فقلت هذه خطأ عند الجميع أما على مذهب الكسائي فإنه لا يولي الفعل فعلا، فأما على مذهب الفراء فإن يقوم عنده صلة للرجل والصلة لا تتقدم على الموصول. وأما على مذهب سيبويه صاحبك فإنه لا يجوز لأنه ترجمة والترجمة إيضاح وتبيين للجملة التي تتقدمها ولا يجوز تقديمها عليها. فقال أنا تارك للعربية فخذ فيما قصدت له ففاتحته أيام الناس والأخبار والأشعار ففتحت به سيح بحر.

وحدث قال أخبرنا علي بن سليمان الأخفش قال: كنت يوما بحضرة ثعلب فأسرعت القيام قبل انقضاء المجلس فقال إلى أين ما أراك تصبر عن مجلس الخلدي يعني المبرد فقلت له لي حاجة فقال لي إني أراه يقدم البحتري على أبي تمام فإذا أتيته فقل له ما معنى قول أبي تمام: [الوافر]

 (أآلفة النحيب كم افتراق ... أظل فكان داعية اجتماع)

 قال أبو الحسن فلما صرت إلى أبي العباس المبرد سألته عنه فقال معنى هذا إن المتحابين العاشقين قد يتصارمان ويتهاجران إدلالا لاعزما على القطيعة فإذا حان الرحيل وأحسا بالفراق تراجعا إلى الود وتلاقيا خوف الفراق وأن يطول العهد بالالتقاء بعده فيكون الفراق حينئذ سببا للاجتماع كما قال الآخر: [الخفيف]

 (متعا باللقاء يوم الفراق ... مستجيرين بالبكا والعناق)

 (كم أسرا هواهما حذر الناس ... وكم كاتما غليل اشتياق)

 (فأظل الفراق فالتقيا فيه ... فراقا أتاهما باتفاق)

 (كيف أدعو على الفراق بحتف ... وغداة الفراق كان التلاقي)

 قال فلما عدت إلى ثعلب سألني عنه فأعدت عليه الجواب والأبيات فقال ما أشد تمويهه ما صنع شيئا إنما معنى البيت أن الإنسان قد يفارق محبوبه رجاء أن يغتم في سفره فيعود إلى محبوبه مستغنيا عن التصرف فيطول اجتماعه معه ألا تراه يقول في البيت الثاني:

(وليست فرحة الأوبات إلا ... لموقوف على ترح الوداع)

 وهذا نظير قول الاخر بل منه أخذ أبو تمام: [الطويل]

 (وأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا ... وتسكب عيناي الدموع لتجمدا)

 هذا هو ذاك بعينه.

 وحكي أن ثعلبا خرج يوما على أصحابه وليس فيهم إلا كهل أو شيخ فأنشد متمثلا: [الطويل]

 (ألا ربما سؤت الغيور وبرحت ... بي الأعين النجل المراض الصحائح)

 (فقد ساءني أن الغيور يودني ... وأن نداماي الكهول الجحاجح)

 قلت أنا إن هذا والله مليح جدا.

 وحدث جحظة في أماليه قال كنت يوما في مجلس ثعلب فقال له رجل يا سيدي ما البعجدة قال لا أعرفها في كلام العرب فقال الرجل فإني وجدتها في شعر عبد الصمد بن المعذل حين يقول: [المتقارب]

 (أعاذلتي أقصري ... أبع جدتي بالمنن)

 فاغتاظ أبو العباس غيظا عظيما وقال: يا قوم أجيدوا أذنيه عركا أو يحلف أنه لا يرجع يحضر حلقتي ففعلنا

 قال أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد الزهري كانت بيني وبين أبي العباس ثعلب مودة وكيدة وكنت أستشيره في أموري فجئته يوما أشاوره في الانتقال من محلة إلى محلة لتأذي بالجيران، فقال: يا أبا محمد العرب تقول صبرك على أذى من تعرف خير من استحداث ما لا تعرف. قال أبو عمر الزاهد أنشدني أبو العباس ثعلب: [الوافر]

 (إذا ما شئت أن تبلو صديقا ... فجرب وده عند الدراهم)

 (فعند طلابها تبدو هنات ... وتعرف ثم أخلاق المكارم)

 وحدث الخطيب قال كان بين المبرد وثعلب منافرات كثيرة والناس مختلفون في تفضيل كل واحد منهما على صاحبه. قال وجاء رجل إلى ثعلب فقال له يا أبا العباس قد هجاك المبرد. فقال: بماذا؟ فأنشده: [السريع]

 (أقسم بالمبتسم العذب ... ومشتكى الصب إلى الصب)

 (لو أخذ النحو عن الرب ... ما زاده إلا عمى القلب)

 فقال أنشدني من أنشده أبو عمرو بن العلاء: [السريع]

 (يشتمني عبد بني مسمع ... فصنت عنه النفس والعرضا)

 (ولم أجبه لاحتقاري له ... من ذا يعض الكلب إن عضا)

 وحدث أيضا قال: قال أبو العباس محمد بن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال لي أبي حضرت مجلس أخي محمد بن عبد الله بن طاهر وحضره أبو العباس ثعلب والمبرد فقال لي أخي محمد قد حضر هذان الشيخان فليتناظرا قال فتناظرا في شيء من علم النحو مما أعرفه فكنت أشركهما فيه إلى أن دققا فلم أفهم ثم عدت إليه فلم أعرف ما المجلس فسألني فقلت: إنهما تكلما فيما أعرف فشركتهما ثم دققا فلم أعرف ما قالا ولا والله يا سيدي ما يعرف أعلمهما إلا من هو أعلم منهما ولست ذلك الرجل فقال لي يا أخي أحسنت والله هذا أحسن، يعني اعترافه بذلك.

 وقال لي أبو عمر الزاهد سألت أبا بكر بن السراج فقلت أي الرجلين أعلم ثعلب أم المبرد فقال ما أقول في رجلين العالم بينهما. وحدث أبو عمر أيضا فقال كنت في مجلس أبي العباس ثعلب فضجر فقال له شيخ خضيب من الظاهرية لو علمت ما لك من الأجر في إفادة الناس لصبرت على أذاهم فقال لولا ذاك ما تعذبت ثم أنشد بعقب هذا: [الطويل]

 (يخللن بالقضبان كل مفلج ... به الظلم لم يفلل لهن غروب)

 (رضابا كطعم الشهد يجلو متونه ... من الضرو أو غصن الأراك قضيب)

 (أولئك لولاهن ما سقت نضوة ... لحاج ولا استقبلت برد جنوب)

 وحدث أبو بكر بن مجاهد قال كنت عند أبي العباس ثعلب فقال لي يا أبا بكر اشتغل أصحاب القرآن بالقرآن ففازوا واشتغل أهل الفقه بالفقه ففازوا واشتغل أصحاب الحديث بالحديث ففازوا واشتغلت أنا بزيد وعمرو فليت شعري ما يكون حالي في الاخرة فانصرفت من عنده فرأيت تلك الليلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقال لي أقرئ أبا العباس عني السلام وقل له: إنك صاحب العلم المستطيل، قال الروذبارني أراد أن الكلام به يكمل والخطاب به يجمل. وقال مرة أخرى أراد أن جميع العلوم مفتقرة إليه. وأنشد الخطيب قال أنشد أبو العباس ثعلب: [السريع]

 (بلغت من عمري ثمانينا ... وكنت لا امل خمسينا)

 (فالحمد لله وشكرا له ... إذ زاد في عمري ثلاثينا)

 (وأسأل الله بلوغا إلى ... مرضاته امين امينا)

 ونقلت من كتاب محمد بن عبد الملك التاريخي في أخبار النحويين فقال أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد بن ثعلب الشيباني النحوي فاروق النحويين والمعاير على اللغويين من الكوفيين والبصريين أصدقهم لسانا وأعظمهم شانا وأبدعهم ذكرا وأرفعهم قدرا وأصحهم علما وأوسعهم حلما وأتقنهم حفظا وأوفرهم حظا من الدين والدنيا

 حدثني المفضل بن سلمة بن عاصم قال رأس أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب النحوي واختلف الناس إليه في سنة خمس وعشرين ومائتين قال وسمعت إبراهيم الحربي يقول وقد تكلم الناس في الاسم والمسمى وقد كرهت لكم ولنفسي ما كره أحمد بن يحيى ورضيت لكم ولنفسي ما رضي أحمد بن يحيى. قال وكان أبو الصقر إسماعيل بن بلبل الشيباني قد ذكر أبا العباس ثعلبا للناصر لدين الله الموفق بالله وأخرج له رزقا سنيا سلطانيا فحسن موقع ذلك من أهل العلم والأدب. وقال قائلهم لأبي الصقر وأبي العباس في أبيات ذكرها: [الطويل]

(فيا جبلي شيبان لا زلتما لها ... حليفي فخار في الورى وتفضل)

 (فهذا ليوم الجود والسيف والقنا ... وأنت لبسط العلم غير مبخل)

 (عليك أبا العباس كل معول ... لأنك بعد الله خير معول)

 (فككت حدود النحو بعد انغلاقه ... وأوضحته شرحا وتبيان مشكل)

 (فكم ساكن في ظل نعمتك التي ... على الدهر أبقى من ثبير ويذبل)

 (فأصبحت للإخوان بالعلم ناعشا ... وأخصبت منه منزلا بعد منزل)

 وذكر التاريخي وفاة ثعلب كما تقدم. قال: وقال بعض أصحابنا يرثيه: [البسيط]

 (مات ابن يحيى فماتت دولة الأدب ... ومات أحمد أنحى العجم والعرب)

 (فإن تولى أبو العباس مفتقدا ... فلم يمت ذكره في الناس والكتب)

 وللتاريخي في ثعلب شعر رثاه به نذكره في بابه إن شاء الله تعالى. قال التاريخي: وحدثني أبو الحصين البجلي قال تقول أهل الكوفة لنا ثلاثة فقهاء في نسق لم ير الناس مثلهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن

 ولنا ثلاثة نحويين كذلك وهم أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي وأبو زكريا يحيى بن زياد الفراء وأبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب اخر ما نقلناه من كتاب التاريخي.

و ذكره محمد بن إسحاق النديم في كتاب الفهرست و قال له من الكتب: كتاب المصون في النحو جعله حدودا ،كتاب اختلاف النحويين، كتاب معاني القرآن، كتاب مختصر في النحو سماه الموفقي، كتاب القراءات، كتاب معاني الشعر، كتاب التصغير، كتاب ما ينصرف و ما لا ينصرف، كتاب ما يجزي و ما لا يجزي، كتاب الشواذ، كتاب الوقف و الابتداء، كتاب الهجاء، كتاب استخراج الألفاظ من الأخبار، كتاب الأوسط، كتاب غريب القرآن لطيف، كتاب المسائل، كتاب حد النحو، كتاب تفسير كلام ابنة الخس، كتاب الفصيح و ذكر أن الفصيح تصنيف ابن داود الرقي و ادعاه ثعلب و هذا له ترجمة.

 قال ولأبي العباس مجالسات وأمال أملاها على أصحابه في مجالسه تحتوي على قطعة من النحو واللغة والأخبار ومعاني القرآن والشعر رواها عنه جماعة. وعمل أبو العباس قطعة من دواوين العرب وفسر غريبها كالأعشى والنابغتين وغيرهم. وسئل ثعلب عن معنى قولهم لا أكلمك أصلا فقال معناه أقطع ذلك من أصله وأنشد: [الطويل]

 (بأهلي من لا يقطع البخل رغبتي ... إليه ومن يزداد عن رغبتي ذحلا)

 (ومن قد لحاني الناس فيه فأكثروا ... علي فكل الناس مضطغن دحلا)

 (وأمنحه صفو الهوى ولو أنه ... على البحر يسقي ما سقيت به سجلا)

(وما زلت تعتادين ودي بالمنى ... وبالبخل حتى قد ذهبت به أصلا)

 قرأت في أمالي أبي بكر بن محمد بن القاسم الأنباري أنشدنا أبو بكر لأحمد بن يحيى النحوي: [الطويل]

 (إذا كنت قوت النفس ثم هجرتها ... فلم تلبث النفس التي أنت قوتها)

 (ستبقى بقاء الضب في الماء أو كما ... يعيش لدى ديمومة البيد حوتها)

 قال وزادنا أبو الحسن بن البراء: [الطويل]

 (أغرك أني قد تصبرت جاهدا ... وفي النفس مني منك ما سيميتها)

 (فلو كان ما بي بالصخور لهدها ... وبالريح ما هبت وطال خفوتها)

 (فصبرا لعل الله يجمع بيننا ... فأشكو هموما منك كنت لقيتها)

 كذا كان في الكتاب ولا أدري أهذا الشعر لثعلب أم أنشده لغيره إلا أنه في هذا الكتاب لأحمد بن يحيى كما ترى.

 

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.