أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-08-2015
2151
التاريخ: 28-12-2015
7696
التاريخ: 23-06-2015
1784
التاريخ: 22-7-2016
2959
|
رؤبة (1)
سماه أبوه العجاج باسم جده، وقد ولد له حوالي عام 65 للهجرة، ويظهر أنه عني به منذ صغره، وأنه ما زال به حتي استيقظت شاعريته مبكرة، إذ نراه يفد معه على الوليد بن عبد الملك (86 - 96 هـ)، ونراه في رفقة الشعراء الذين حجوا مع سليمان بن عبد الملك سنة سبع وتسعين (2). ويظهر أنه كان يولع بالرحلة منذ شبابه الى الشرق، فينزل تارة السند وتارة خراسان.
ومنذ أوائل القرن الثاني يلزم ولاة العراق يمدحهم، يمدح أولا مسلمة بن عبد الملك ويشيد بانتصاراته على الأزد وصاحبهم يزيد بن المهلب، ويجتر في هذه الإشادة عصبية عنيفة لقومه تميم، وقد مضي يمدح هريم بن أبي طحمة المجاشعي أحد قوادهم الذين أبلوا في القضاء على يزيد وثورته. وتلقانا في ديوانه أراجيز كثيرة في مديح خالد القسري وولاته وفي مديح كثير من رجالات العراق أمويين وغير أمويين، نذكر منهم المهاجر بن عبد الله والي اليمامة، وبلال بن أبي بردة الأشعري نائب خالد على البصرة، وأبان بن الوليد البجلي نائبه في شئون الخراج ثم والي فارس، والحكم بن عبد الملك بن بشر بن مروان، وحرب بن الحكم بن المنذر بن الجارود، وعمرو بن عنبسة بن سعيد بن العاص. ويقدم على الوليد بن يزيد بن عبد الملك فيمدحه، ويمدح مروان ابن محمد آخر خلفائهم ويلج في هجاء خصومه المارقين. وينزل خراسان.
فيمدح نصر بن سيار ويحذره من أبي مسلم الخراساني في غير أرجوزة.
وجعله هذا الموقف من مناصرة الأمويين يستشعر غير قليل من الخوف والوجل حين تحولت مقاليد الأمور الى العباسيين، ويحاول أبو مسلم الخراساني أن يذهب عنه روعه. وكذلك يصنع أبو العباس السفاح، وله في مديحه أرجوزة طويلة إذ امتدت الى أربعمائة بيت، ويمدح من بعده أبا جعفر المنصور.
وهو في أثناء ذلك كله مقيم بالبصرة، حتي إذا ثار بها إبراهيم بن عبد الله بن الحسن رأيناه يخاف على نفسه، ويخرج الى البادية، ليتجنب الثورة، وسرعان ما يلبي نداء ربه سنة 145 للهجرة.
ومر بنا أنه كان جبريا، يؤمن بأن عمل الإنسان قدر مقدور عليه لا مفر منه، مما جعله يناقش ذا الرمة في مذهبه القدري على نحو ما أسلفنا. والروح الإسلامية قوية في شعره، ويقول بعض من ترجموا له إنه كان يتأله. وعنده انتهي فن الرجز الى كل ما كان ينتظره من وعوثة وصعوبة لغوية، إذ تحول به يرضي اللغويين من حوله ويقدم لهم كل ما كانوا يطلبونه من الشواذ اللغوية في الألفاظ وأبنيتها وهيئاتها وما قد يحدث في بعض الحروف كالهمزة من إعلال، وكأنما تحول معينا لا ينفد للأوابد والشوارد، ومن ثم غدت الأرجوزة
عنده وكأنها متن لغوي معقد، أو قل مستغلق، تستغلق ألفاظه، إذ يختارها من وحشي الكلام، بحيث لا يفهمها إلا خاصة الخاصة من اللغويين الذين كانوا يأخذون عنه أمثال يونس وأبي عبيدة وخلف الأحمر وأبي عمرو بن العلاء.
وهو لا يكتفي باستغلاق اللفظ من حيث وحشيته وغرابته، فقد كان يضيف الى ذلك زوائد تزيده استغلاقا، زوائد من تغيير في الحركات أو إعلال في الحروف أو إتيان بصيغ جديدة في التصريف بواسطة المصادر والجموع والأفعال، كأن يقول في مطلع قافيته المشهورة:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق … مشتبه الأعلام لماع الخفق (3)
فقد حرك فاء الخفق الساكنة وجعلها مفتوحة للإتباع. ومن ذلك إضافة النون الساكنة الى بعض قوافيه مثل «يا أبتا علك أو عساكن» والإتيان بصيغة فيعل بفتح العين في قوله: «ما بال عيني كالشعيب العين» والقياس العين بكسر الياء مع التشديد (4). واقرأ قوله في وصف الليل:
وجل ليل يحسب السدوسا … يستسمع الساري به الجروسا (5)
هماهما يسهرن أو رسيسا … علوت حين يخضع الرعوسا (6)
قرع يد اللعابة الطسيسا (7) …
فإنك تراه يجمع جرسا على جروس، فيغرب شيئا ما، ويعمد عمدا الى ألفاظ غريبة يحشو بها وصفه من نحو السدوس والرسيس والرعوس، وجاء بالطست لا بصيغته المألوفة، وإنما بصيغة الطسيس. وعني بأن يلائم بين الروي
والكلمات الداخلية في البيت، إذ اختارها من ذوات السين. وهو مثل أبيه كان يعني بالجناس كثيرا في نظمه، وخاصة جناس الاشتقاق.
واقرأ في أراجيزه فإنك لا تستطيع أن تخرج من بيت الى بيت إلا بعد أن تعكسه على فهمك مرارا، وتعود الى معاجم اللغة تكرارا، وتنظر في سيبويه وغيره ممن عنوا بتوجيه الصيغ في شعره. ومن المؤكد أن أباه هو الذي فتح له هذا الباب، ولكنه هو الذي انتهي به الى هذه الصورة المتعمقة في الإغراب، إذ كان يكثر من القياس في اللغة والتصرف فيها بالتفريع والتوليد، محاولا أن يأتي بكل شاذة. وبذلك تحولت أراجيزه الى متون لغوية كاملة، وأخذ يفزع إليه الشعراء الذين كانوا يعنون بإدخال الغريب من مثل الطرماح والكميت، يأخذون منه الشئ بعد الشئ ليدحلوه في أشعارهم (8). وتحول إليه يونس وأضرابه من علماء النحو يسجلون رجزه وما يأتي به من مستغلقات لغوية، كان يحشدها في أراجيزه من أجلهم، ونراه يصرح بذلك، إذ يقول في أرجوزة له «يلتمس النحوي فيها قصدي».
وعلي هذه الشاكلة اقترنت الأرجوزة عند رؤبة بغاية تعليمية واضحة، وهي غاية لم تلبث أن تحولت بها كما قدمنا الى الشعر التعليمي الذي أخذ ينظمه الشعراء في العصر العباسي، وكأنهم وجدوا في وفرة موسيقاها ما يتلافون به نقص المعاني الشعرية في هذا الضرب الجاف من ضروب الشعر. ومضي العباسيون يولدون من اتحاد مصاريعها صورا جديدة من المزدوج والمخمس. ونري الأندلسيين حين يخترعون الموشحات ويزاوجون فيها بين الأوزان ويخالفون بين القوافي يعتمدون في هذا الصنيع على نظام الأرجوزة في التصريع، فيجعلون الشطر وحدة في الموشحة، على نحو ما صنع رؤبة ورجاز هذا العصر في أراجيزهم. ولعلنا لا نبعد إذا قلنا إن الأراجيز وخاصة عند رؤبة هي التي ألهمت ابن دريد حكاياته في تعليم اللغة كما ألهمت بعد ذلك بديع الزمان الهمذاني والحريري صنع مقاماتهم المعروفة.
(1) انظر في ترجمة رؤبة الشعر والشعراء 2/ 575 وابن سلام ص 579 والأغاني (ساسي) 18/ 124 وما بعدها و 21/ 57 والخزانة 1/ 43 ومعجم الأدباء 11/ 149 وابن خلكان وتهذيب التهذيب 3/ 290 ولسان الميزان 2/ 464 والموشح ص 219 وابن عساكر 5/ 321 وكتابنا «التطور والتجديد في الشعر الأموي» ص 340. وقد نشر ديوانه آلوارد وخصه بالجزء الثالث من مجموع أشعار العرب.
(2) طبري 5/ 305.
(3) يتحدث رؤبة عن فلاة. قاتم: أسود، أعماق المفازة: أطرافها البعيدة. مخترق الرياح: مهبها. خواؤه: خلوه. الأعلام: الجبال يهتدي بها، يقول إنها متشابهة. لماع الخفق: السراب، وخفقه: اضطرابه وتحركه.
(4) راجع الخصائص 3/ 214، وسيبويه 2/ 272. الشعيب: المزادة والسقاء البالي. العين: سائل الماء.
(5) جل الليل: معظمه. السدوس: الطيلسان الأخضر. جروس: جمع جرس وهو الصوت
(6) هماهم: جمع همهمة وهي الصوت الخفي، الرسيس: الحديث غير البين. الرعوس: الذي يهز رأسه في نومه.
(7) الطسيس: الطست، يريد أن النوم يميل رأسه ويلعب به كما يلعب اللاعب بالطست.
(8) الخصائص 3/ 297.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|