أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-05-2015
2022
التاريخ: 26-05-2015
914
التاريخ: 26-05-2015
1200
التاريخ: 26-05-2015
1569
|
أمّا مصدر التسمية بالمرجئة ؛ فهو الاشتقاق ؛ إمّا من الإرجاء بمعنى التأخير ، كما في قوله تعالى : {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} [الأعراف: 111] أي أمهله وأخّره ، وذلك لأنّهم يؤخّرون العمل عن الإيمان ، أي يقولون إنّ الإيمان إنّما هو معرفة بالقلب وتصديق باللسان ، ولا يضرّ مع الإيمان ذنب .. أو لأنّهم أرجأوا الحكم في مرتكب الكبيرة إلى الله تعالى ، كما في قوله تعالى : {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} [التوبة: 106].
أو هو مشتقّ من الرجاء ، بمعنى رجاء الثواب لأهل المعاصي ، لقولهم : لا تضرّ مع الإيمان معصية (1).
أمّا أقسام المرجئة ، فالرئيسية المتّفق عليها تقريباً ثلاثة :
أ ـ مرجئة القدرية : الذين قالوا بالقَدَر ( التفويض ) مع الإرجاء.
ب ـ مرجئة الجبرية : الذين قالوا بالجبر مع الإرجاء.
ج ـ المرجئة الخالصة : الذين لم يخلطوا الإرجاء بالجبر ولا بالتفويض (2).
وقسم رابع ذكره الشهرستاني بعنوان : مرجئة الخوارج. كما ذكر أنّ ( غيلان الدمشقي ) أحد زعماء الإرجاء ، قد جمع خصالاً ثلاثاً : الإرجاء ، والقَدَر ، والخروج (3).
إذن هذه أقسام يجمعها القول بإنّ الإيمان معرفة بالقلب وتصديق باللسان ، ولا يضّر معه معصية ، وأنّ الحكم على المذنبين مُرجىً إلى الله تعالى ، وعامّتهم قالوا : إنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص ..
ثمّ اختلفوا بعد ذلك في عقائد اُخري على أساسها جرى تقسيمهم المذكور.
ـ وثمّة أصل آخر مذكور ، جامع لكلّ تلك الأقسام ، وهو ما ذكره الشهرستاني من أنّ الإرجاء قد يطلق على من أخّر أمير المؤمنين عليّاً عن مرتبته إلى المرتبة الرابعة (4).
وعلى هذا القول الأخير تكون « المرجئة » التسمية الأسبق ل : « أهل السنّة والجماعة » وهو بهذا المعنى تعبير تامّ عن الواقع التاريخي للخلافة.
لكنّ الذي يثار هنا أنّ هذه التسمية سيكون مصدرها عندئذٍ القائلون بتقديم عليّ عليه السلام ، وهذه التسمية إن لم تظهر في أيّامه ، فقد كان بعده أهل بيته وأنصاره مضطهدين سياسياً وإعلامياً واجتماعياً ، فهل كان موقعهم ذاك يؤهّلهم لإطلاق هذه التسمية على خصمهم المتنفّذ القاهر حتّى تغلب عليه ؟!
ويكفي في الجواب على هذا الإيراد : التعريف الذي أورده الأشعري ، فهو مطابق لما قاله الشهرستاني في شمول لقب « المرجئة » للقائلين بتأخير الإمام عليّ ، لكن ليس التأخير هذا هو مصدر التسمية ، إنّما كان مصدرها « عقيدتهم في تولّي المختلفين جميعاً ، وزعمهم أنّ أهل القبلة كلّهم مؤمنون ، ورجوا لهم جميعاً المغفرة » (5). إذن رجاؤهم المغفرة للجميع هو مصدر تسميتهم.
لكن أحمد بن حمدان الرازي قد نبّه إلى خطأ لم يتنبّه له سابقه ، فعدّ إرجاع لفظ « المرجئة » إلى الرجاء من الكلام العامّي ! لإنّ الرجاء من رجا يرجو فهو راج ، وأمّا المرجئ ، فهو من أرجأ يرجئ فهو مرجئ. فصوب النسبة إلى التأخير بكلا وجيهه المذكورين ، إمّا من قولهم في أصحاب الذنوب « نرجئ أمرهم إلى الله » وإمّا من تأخير هم العمل عن الإيمان. قال : ولكن هذا صحيح من حيث اللغة فقط ، أمّا من حيث التأويل فالأمر مختلف.
وله هنا نقاش جميل ، خلاصته : أنّه إذا الزمهم لقب المرجئة لإرجاء أمرهم إلى الله ، فإنّ هذا القول قد قال به قوم من المعتزلة وقوم مالوا إلى التشيّع فإذن لزم هؤلاء جميعاً اسم الإرجاء .. لكن لا تعرف الأُمّة أحداً يقال له هذا شيعي مرجئ !
وأمّا القول بلزوم لقب الإرجاء لقولهم « الإيمان قول بلا عمل » فهو خطأ ، لأنّهم بقولهم هذا قد اسقطوا العمل ولم يؤخّروا رتبته عن الإيمان ، وإنّما يقال أرجأت الشيء : إذا أخّرته ، ولا يقال أرجأته بمعنى أسقطته.
ثمّ ينتهي إلى اختيار أنّ الإرجاء لقب لزم كلّ من فضّل أبابكر وعمر على عليّ ، كما أنّ التشيّع قد لزم كلّ من فضّل عليّاً على أبي بكر وعمر .. قال :
ويقال إنّ أول ما وضع اسم الارجاء وظهر وشاع لمّا افترق أصحاب عليّ بعد الحكمين فصار الناس ثلاث فرق : فرقة مع عليّ سُمّوا « الشيعة » فظهر اسم التشيّع ظهوراً شائعاً ، وفرقة خرجت عليه فسمّوا « المارقة » وظهر هذا اللقب عليهم ، وفرقة كانوا مع معاوية فسمّوا « المرجئة » وظهر اللقب عليهم واُعلن إعلاناً.
ثم قال : هذا ما يتعارفه الناس بينهم ظاهراً واتّفقت عليه الأُمّة .. فكثيراً ما يقال : مرجئ قدري ، شيعي قدري .. لكن لم نَر أحداً يقال له هذا مرجئ شيعي ، أو مرجئ رافضي ، هذا محال جدّاً.
ويؤكّد اختياره بما رواه من شعر لشاعر قال إنّه مشهور ومن رواة الحديث اسمه محارب بن دثار ، يقول فيه :
يعيبُ عليَّ أقوامٌ شفاهاَ *** بأنْ اُرجي أبا حسنٍ عليّا
وإرجائي أبا حسنٍ صواب *** على القطرين برّاً أو شقيّا
وليس عليَّ في « الإرجاء » بأسٌ *** ولا شينٌ ولست أخاف شيّا
ثمّ نقل بعد هذه الأبيات أبياتاً أخرى للسيد الحميري ، تثبت هذا المعنى ، يقول فيها :
خليليّ لا ترجيا واعلما *** بأنَّ الهدى غير ما تزعمانِ
فإرجاء ذي الشك بعد اليقين *** وضعف البصيرة بعد البيانِ
ضلال أزيلاهما عنكما *** فبئست لعمركما الخصلتانِ
أيُرجى عليٌّ إمام الهدى *** وعثمان ، ما اعتدل المرجيانِ
ويُرجى ابن هند واحزابه *** وهوج الخوارج بالنهروانِ
ويُرجى الألى نصروا نعثلاً *** بأعلى الخريبةِ والسامرانِ
ثمّ قال : فهذا يصحّح أنّ الإرجاء هو تأخير عليّ وتقديم أبي بكر (6).
وهذا أجمل وأقوى ما أورده القدامى والمحدثون ، وله تأييد في قول أبي خلف الأشعري ، وقول الشهرستاني ، فهما يتّفقان على أنّ حقيقة الإرجاء الأولى إنّما هي تأخير رتبة عليّ عليه السلام عن حقّها وتقديم أبي بكر وعمر وعثمان عليه .. فالمرجئة ـ على هذا ـ هم الطائفة التي لقّبت نفسها فيما بعد بلقب « الجماعة » و « أهل السنّة » ..
وممّا يدلّ على أسبقية اسم المرجئة لهم ما ذكره أبو حاتم الرازي نفسه بعد نقله لشعر السيد الحميري بقوله : « وسمعت من يذكر ان النبي صلى الله عليه واله انما شبّه المرجئة باليهود .. ». والراجح أنّه من الأحاديث التي ظهرت بعد ظهور هذه الفرق.
ثمّ لما صارت الغلبة لأهل الإرجاء بزعامة ابن أبي سفيان أطلق على المرجئة اسم « الجماعة » ! فيما احتلّ الإرجاء موقعاً آخر حين أصبح يعبّر فقط عن الموقف من مرتكب الكبيرة !
وهذا منسجم جداً مع قانون أثر الغلبة في اختيار الأسماء وترويجها.
فلمّا ظهر التفسير الثاني للإرجاء ، أصبح مقابلاً للوعيد وليس مقابلاً للتشيّع ! فأصبح الوعيدية ـ المعتزلة ـ يطلقونه علي من خالفهم في الوعيد ولم يقطع بتخليد مرتكب الكبيرة بالنار ، كما نقله عنهم الشهرستانى وهذا هو الذي يفسّر لنا نسبة الإرجاء إلى الحسن بن محمّد بن الحنيفة ، إذ عدّه بعضهم أول من تكلّم بالإرجاء وكتب به إلى الأمصار. فهو إن صحّ عنه ذلك يكون قد تكلّم بالإرجاء الأخير في مرتكب الكبيرة ، وليس بالإرجاء بمعناه الحقيقي الأول. وهذا ما اختاره الشيخ أبو زهرة ، وفيه تفنيد للرأي الذي يستدل من نسبة الحسن إلى الإرجاء على أنّه كان يقول بتفضيل أبي بكر وعمر وعثمان علي علىّ عليه السلام (7) !
ومن الناحية الجامعة للأثرين : السياسي والعقيدي ، يتمّ تقسيم المرجئة إلى طائفتين : الأولى هي طائفة السلطة الاُموية ، وهي التي عُرفت بالمرجئة الخالصة ، وأهل الإرجاء المحض .. والثانية بقيت على الإيمان بالإمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واستوعبت باقي أقسام المرجئة من جبرية وقدرية وغيرهم.
__________________
(1) اُنظر : الملل والنحل 1 : 125 ، الخطط المقريزية 2 : 349.
(2) الفرق بين الفِرق : 151 ، الملل والنحل 1 : 125.
(3) الملل والنحل 1 : 125 ، 127.
(4) الملل والنحل 1 : 125 ، ومن الغريب جدّاً أنّ الاستاذ محمّد عمارة ينسب هذا القول إلى كتاب ( الكافي ) للكليني ، فيقول : وفي الكافي نصّ هامّ يشهد لهذا التفسير يقول : « وقد تُطلق المرجئة على من أخّر أمير المؤمنين عليّاً عن مرتبته » والنصّ الهامّ هذا كما علم الأستاذ هو في هامش الكافي ( 1 : 169 ) وليس في الكافي والهامش ، كما لا يخفى على أحد هو ليس لصاحب الكافي بل هو للمحقّق ، وقد اخذه الأخير من كتب الفِرق ، فكيف ينسب إلى الكافي ؟! ولكن صنع الأستاذ هذا لغرض سيأتي ذكره.
(5) المقالات والفِرق / الأشعري : 5 ـ 6 ـ ط 3 ـ 1981 م.
(6) كتاب الزينة / أحمد بن حمدان الرازي ، أبو حاتم : 263 ـ 266 ـ ملحق بكتاب الغلو والفرق الغالية للدكتور عبدالله سلّوم السامرائي ـ دار واسط للنشر ـ بغداد ـ 1982 م.
(7) وهو اختيار الدكتور محمّد عمارة.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|