أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-25
903
التاريخ: 5-7-2021
9914
التاريخ: 19-7-2019
2610
التاريخ: 2023-08-05
981
|
قريش في طلب النبي صلّى الله عليه وآله :
أذكت قريش العيون ، وركبوا في طلب النبي «صلى الله عليه وآله» الصعب والذلول ، واقتفوا أثره ، حتى وصل القائف (1) إلى نقطة لحوق أبي بكر به ، فأخبرهم أن من يطلبونه صار معه هنا رجل آخر.
واستمروا يقتفون الأثر حتى وصلوا إلى باب الغار ، الذي كان مغطى بأغصان الشجرة .. فصرفهم الله عنه ؛ حيث كانت العنكبوت قد نسجت على باب الغار ، وباضت في مدخله حمامة وحشية ، كما يذكرون ، وغير ذلك فاستدلوا من ذلك على أن الغار مهجور ، لم يدخله أحد ، وإلا لتخّرق النسج ، وتكسّر البيض ، ولم تستقر الحمامة الوحشية على بابه (2).
شعر علي عليه السّلام بمناسبة المبيت :
وقال أمير المؤمنين «عليه السلام» يذكر مبيته على الفراش ، ومقام رسول الله «صلى الله عليه وآله» :
وقيت بنفسي خير من وطا الحصا *** ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
محمد لما خاف أن يمكروا به *** فوقاه ربي ذو الجلال من المكر
وبت أراعيهم متى ينشرونني *** وقد وطنت نفسي على القتل والأسر
وبات رسول الله في الغار آمنا *** هناك وفي حفظ الإله وفي ستر
أقام ثلاثا ، ثم زمت قلائص *** قلائص يفرين الحصا أيما يفري
كل ما تقدم يذكره المؤرخون وأهل الحديث في كتبهم ومؤلفاتهم فليراجعها من أراد.
ولسوف يأتي إن شاء الله بعض الكلام حول سفره ، ووروده قباء ، وغير ذلك بعد الكلام على بعض الأمور التي ترتبط بما تقدم ؛ فنحن نسجل هنا الأمور التالية :
المثل الأعلى للتضحية :
يقول بعضهم : «وهنا تبدأ قصة من أروع ما عرفه تاريخ الفداء والتضحية ، فالشجعان والأبطال يثبتون في المعارك في وجه أعدائهم ، يدافعون بما لديهم من سلاح وعتاد مع أنصارهم وأعوانهم ، وقد تضطرهم المعارك إلى أن يثبتوا في مقابل العدو ، لا منفردين.
أما أن يخرج الإنسان إلى الموت طائعا مطمئنا بدون سلاح ولا عتاد ، وكأنه يخرج ليعانق غادة حسناء ، فينام على فراش تحف به المخاطر والأهوال ، أعزل من كل شيء إلا من إيمانه ، وثقته بربه ، وحرصه على سلامة القائد ، كما حدث لعلي «عليه السلام» ، حينما عرض عليه ابن عمه محمد «صلى الله عليه وآله» أمر المبيت على فراشه ؛ ليتمكن هو من الفرار ، والتخلص من مؤامرة قريش ؛ فهذا ما لم يحدث في تاريخ البطولات ، وما لم يعرف من أحد في تاريخ المغامرات ، في سبيل المبدأ والعقيدة».
ويقول : «ولم يكن مبيت عليّ ليلة الهجرة هي المرة الأولى ؛ فلقد كان أبو طالب في أيام الحصار في الشعب ينيم عليا على فراش النبي ، حتى إذا حصلت حادثة اغتيال ، كان في عليّ دون النبي ، ولم يكن ليمانع في ذلك أبدا بل كان يقدم عليه برضا نفس ، وطيبة خاطر» (3).
ونقول : إننا لا نوافق على هذا التعبير الجاف الذي يقول : «ليتمكن هو من الفرار ..» فإنه «صلى الله عليه وآله» لا يفر ، ولكنه يهاجر لجمع القوى ، ويعود ظافرا فاتحا بعد ثمان سنوات ..
المبيت ، والخلافة :
والغريب هنا : أن نجد أحد من عرف بنصبه ، وبالعداء لشيعة عليّ «عليه السلام» أو محبيه ، يضطر لأن يعترف بأن قضية مبيته «عليه السلام» على فراش النبي «صلى الله عليه وآله» ليلة الهجرة ، من الإشارات الواضحة إلى خلافته ، فيقول :
«هذا الذي كان من عليّ في ليلة الهجرة ، إذا نظر إليه في مجرى الأحداث التي عرضت للإمام عليّ في حياته بعد تلك الليلة ؛ فإنه يرفع لعيني الناظر إمارات واضحة ، وإشارات دالة على أن هذا التدبير الذي كان في تلك الليلة لم يكن عارضا بالإضافة إلى عليّ ، بل هو عن حكمة لها آثارها ومعقباتها ، فلنا أن نسأل :
أكان لإلباس الرسول «صلى الله عليه وآله» شخصيته لعلي تلك الليلة ما يوحي بأن هناك جامعة تجمع بين الرسول وبين علي أكثر من جامعة القرابة القريبة التي بينهما؟.
وهل لنا أن نستشف من ذلك أنه إذا غاب شخص الرسول كان عليا (كذا) هو الشخصية المهيأة لأن تخلف ، وتمثل شخصه ، وتقوم مقامه؟. وأحسب أن أحدا قبلنا لم ينظر إلى هذا الحدث نظرتنا هذه إليه ، ولم يقف عنده وقفتنا تلك حتى شيعة علي» (4).
قريش وعلي عليه السّلام :
١ ـ ونشير هنا : إلى أن الملاحظ : أن قريشا لم تصر على أمير المؤمنين في استنطاقها له عن مكان ابن عمه.
وما ذلك إلا لأنهم قد علموا : أنهم إنما يحاولون عبثا ، ويطلبون مستحيلا ، فإن من كان يحمل مثل هذا الإخلاص ، ومثل هذه التضحية النادرة في التاريخ لن يفشي لهم سرا قد ضحى بنفسه في سبيل كتمانه ، لذلك نراهم قد أطلقوه وانصرفوا عنه يائسين (5).
٢ ـ لقد كان علي في موقفه تجاه النبي «صلى الله عليه وآله» مثلا أعلى للإنسانية الكاملة ، فقد عرف الناس معنى الإخلاص ، وماهية التضحية ، وحقيقة الإيمان.
حيث إنه يرى نفسه مقتولا على كل حال ، إما لظن المشركين أنه رسول الله ، فيخبطوه بأسيافهم ضربة رجل واحد ، وإما انتقاما منه ، حيث كان سببا لخلاص من سفه أحلامهم ، وعاب آلهتهم ، وفرق جماعتهم ، وهم يعرفون أيضا حب النبي «صلى الله عليه وآله» له ومنزلته منه ، فإذا قتلوه فإنما يقتلون أخاه وابن عمه ، والرجل المخلص الذي يفديه بنفسه (6).
وأما انصرافهم عنه ، بعد ظهور الأمر ، فهو إما خوفا منه ، بعد أن رأوا ما فعله بخالد ، وإما من أجل توفير الفرصة للبحث عن غريمهم الأصلي والأهم بالنسبة إليهم.
بقي هنا سؤال :
وهو أنه إذا كان علي «عليه السلام» يعلم بأن حديث الدار يدل على أنه «عليه السلام» لن يقتل في هذه الحادثة ، بل هو سوف يعيش إلى ما بعد الرسول «صلى الله عليه وآله» ليكون وصيه وخليفته من بعده ، فلا تبقى له فضيلة في مبيته على فراش النبي «صلى الله عليه وآله» ليلة الهجرة.
والجواب :
أولا : إن ذلك لا يمنع من حصول البداء في هذا الأمر حسبما أشرنا إليه في أوائل هذا الكتاب.
ثانيا : إن ذلك لا يمنع من تعرضه «عليه السلام» للجراح وقطع الأعضاء والأسر والتعذيب البالغ.
وهو أمر يتجنبه ويخشاه الناس وسيأتي بعد صفحات ما يؤيد الجواب الأول وأنه «عليه السلام» قد كان موطنا نفسه على القتل والأسر ومعنى ذلك هو أنه كان لا يقطع بالبقاء إلى ما بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» ، لأجل إمكانية حصول البداء في هذا الأمر لما قلنا.
قريش والمبيت :
ويقول البعض أيضا : «إن هذا الذي كان من علي ليلة الهجرة في تحديه لقريش هذا التحدي السافر ، وفي استخفافه بها ، وقيامه بينها ثلاثة أيام يغدو ويروح إن ذلك لا تنساه قريش لعلي أبدا.
ولو لا أنها وجدت في قتله يومئذ إثارة فتنة تمزق وحدتها ، وتشتت شملها ، دون أن يكون في ذلك ما يبلغ بها غايتها في محمد «صلى الله عليه وآله» ـ لو لا ذلك ـ لقتلته ، وشفت ما بصدرها منه ، ولكنها تركته ، وانتظرت الأيام لتسوي حسابها معه» (7).
ولقد كان حسابا عسيرا حقا ، ولا سيما بعد أن أضاف إلى ذلك : أنه قتل رجالها ، وجندل صناديدها ، وبقي اليد الطولى لابن عمه يضرب بها هنا وهناك كل متكبر جبار ، أين وأنى شاء.
وقد بدأ هذا الحساب العسير فور استشهاده «صلى الله عليه وآله» ، وحتى قبل أن يغسل ويكفن ويدفن.
مقايسة :
قلنا : إن مبيت أمير المؤمنين «عليه السلام» هذا قد ضيع الفرصة على قريش ، وأفشل ما كانت دبرته في النبي «صلى الله عليه وآله» ، وكان أيضا سببا لتمكين الدين ، وإعلاء كلمة الحق.
وأما أن يقاس ذلك بقضية ذبح إسماعيل ، فلا يصح ذلك ، لان إسماعيل قد استسلم لوالد شفيق رحيم ، يجد في عطفه وحنانه ما يسليه عما ينزل به ، ولا يجد منه أيا من أنحاء التنكيل ، والقسوة والخشونة.
أما علي «عليه السلام» ، فإنما استسلم لعدوه الذي لا يرحمه ، ومن لا يشفي غليله إلا سفك دمه ، وصب أقسى أنواع العذاب والتنكيل عليه ، مع شماتة قاتلة ، وحقد هائل.
وقد تكلم الإسكافي في نقضه لعثمانية الجاحظ حول هذه القضية فراجعه (8) ، ولو أردنا استقصاء الكلام حول هذه النقطة لطال بنا المقام.
إرادة الله :
لقد كان من الممكن أن ينصر الله رسوله من دون أن يضطر إلى اللجوء إلى الغار ، وإلى مبيت علي «عليه السلام» على فراشه ، وذلك عن طريق آيات باهرة ، وعنايات ومعجزات قاهرة.
وقد ظهر أنه قادر على ذلك من خلال ما صنعه لرسوله «صلى الله عليه وآله» من نسج العنكبوت ، ومن إنبات الشجر على باب الغار ، ثم تردد الحمامة الوحشية على مكان قريب تنفر منه بحسب العادة.
ولكن لا ، فقد شاءت العناية الإلهية أن تسير الأمور على سجيتها ، وعلى وفق أسبابها الطبيعية ، مع تسديدات وعنايات تشمل الأمور الخارجة عن حدود الطاقة ، وليكون ذلك مثلا لنا جميعا ودرسا مؤثرا في الجد والعمل في سبيل الدين والعقيدة ، فليس لنا أن ننتظر المعجزة من السماء ، فالله لم يخطط لنبيه على أساس المعجزة والكرامة وحسب ، ولا تكرم عليه بها إلا بعد أن رأى منه الاستعداد والتضحية والمبادرة إليها ، فاستحق اللطف الإلهي ، وتحقق مصداق قوله تعالى : (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)(9) و (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ)(10).
وأما السبب في أنه تعالى لم يخطط لنبيه على أساس التدخل المباشر ، والإعجاز : هو أنه حين يرتبط الأمر بحرية اختيار الناس لأعمالهم فلا بد من الحذر من أن يفهم الأمر بطريقة خاطئة ، وهو أنهم مسلوبو الاختيار ، وأن لا قدرة لهم على التصرف ؛ ولأجل ذلك فإن التدخل الإلهي يقتصر على ما يكون من خارج دائرة اختيارهم ، فهم قد فعلوا كل ما خطر في بالهم ، فلم يمنع أعينهم من النظر والرؤية ، ولا أصم آذانهم عن السمع ، ولا منع لسانهم من الحركة ، والتفاهم ، ولا شل حركة أيديهم عن حمل السلاح ، ولا أقعدهم عن المشي في أي اتجاه أحبوا.
بل تصرف خارج دائرة اختيارهم ، فخلق الشجرة التي تحتاج في الحالات الطبيعية إلى سنوات ، ونسجت العنكبوت ـ التي يستغرق نسجها إلى شهور ـ في وقت يسير .. تماما كما تدخل في قضية حرق النبي إبراهيم «عليه السلام» في خارج دائرة الاختيار ، فقال للنار : (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً) بعد أن فعل الناس كل ما راق لهم فجمعوا الحطب وجاؤوا بالمنجنيق ، وأضرموا النار و.. الخ ..
__________________
(1) القائف : الذي يتتبع الآثار.
(2) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٢٨ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٧ والبداية والنهاية ج ٣ ص ١٨١ و ١٨٢.
(3) راجع : سيرة المصطفى ص ٢٥٠ و ٢٥٢.
(4) علي بن أبي طالب ، لعبد الكريم الخطيب ١٠٥ و ١٠٦.
(5) راجع حياة أمير المومنين ص ١٠٥ و ١٠٦.
(6) المصدر السابق ص ١٠٧ و ١٠٨.
(7) علي بن أبي طالب لعبد الكريم الخطيب ص ١٠٦.
(8) راجع : شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١٣ والعثمانية للجاحظ في أواخرها.
(9) الآية ٤٠ من سورة الحج.
(10) الآية ٧ من سورة محمد.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|