أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-9-2018
1940
التاريخ: 2024-10-25
32
التاريخ: 19-4-2019
1653
التاريخ: 2023-07-30
921
|
لا بد من معايير وضوابط :
قد اتضح لدينا : أنه قد كان ثمة خطة خبيثة ، تستهدف النيل من شخصية النبي العظيم والكريم «صلى الله عليه وآله» ، ومن المقدسات الإسلامية ، ومن كل رموز الإسلام وشعائره ، ومبانيه ومآثره ؛ فمن الضروري جدا ـ إذا أردنا تقييم النصوص الروائية والتاريخية النبوية ، وكل قضايا الإسلام ـ أن نعتمد معايير وضوابط قادرة على إعطائنا الصورة الحقيقية ، والأكثر نقاء وصفاء ، ثم هي قادرة على إبعاد ذلك الجانب الموبوء والمريض ، والمزيف عن دائرة اهتماماتنا ، ثم عن محيطنا الفكري ، والعملي بصورة كاملة وشاملة ، فما هي تلك المعايير؟
وما هي حقيقة هاتيك الضوابط؟!
إننا من أجل الإجابة على هذا السؤال نقول بإيجاز واختصار :
أدوات البحث الموضوعي والعلمي :
إن من الواضح : أن ما لدينا من علوم إسلامية ، مثل علم الفقه وأصوله ، وعلوم القرآن ، والكلام ، والرجال ، والتاريخ ، والنحو واللغة ، وغير ذلك قد استفدنا في بعضه ـ جزئيا على الأقل ـ من إرشادات العقل وأحكامه ، ومن تتبع ودراسة اللغة العربية ، من جهات وحيثيات مختلفة ، إلا أن معظم ذلك قد جاء من خلال الاستفادة من النص القرآني الكريم ، ومعرفة حقائقه ودقائقه ، وسائر ما يرتبط به ، ثم ما جاء على شكل روايات ، نقلها لنا أناس عن غيرهم ، ونقلها هؤلاء عن آخرين أيضا ..
وهكذا إلى أن ينتهي الأمر إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، أو الإمام «عليه السلام» ، أو أي شخص آخر روى الحدث أو عاينه ، أو صدر منه القول أو الموقف.
فإذا أردنا البحث في صحة أو فساد هذا المنقول ، فلا بد لنا من امتلاك أدوات البحث ، واستخدام وسائله.
ونريد أن نوضح هنا : أن وسائل وأدوات البحث العلمي لدى الواعين من أهل الإسلام ، لا تختلف عنها لدى غيرهم من عقلاء البشر جميعا ، فهم يعتمدون نفس المعايير والضوابط التي يعتمدها سائر العقلاء والحكماء من الناس ، إذا أرادوا الوصول إلى ما هو حق وواقع وصحيح ، واستبعاد ما هو مزيف ، أو محرف ، أو مصطنع.
ونحن لا بد لنا من أجل استيفاء البحث من الإشارة إلى بعض تلك الأدوات والوسائل (١) ، فنقول : مما سبق :
قد قدمنا في الفصل السابق نماذج قليلة من معايير وضوابط مزيفة تهدف إلى حفظ الإنحراف ، والإحتفاظ به ، وترسيخه ، وتبريره وتقريره.
ونستطيع أن نستخلص منها مجموعة من القواعد والمنطلقات ، أو فقل : المعايير والأطر ، التي لا بد من مراعاتها ، والإلتزام والتقيد بها في مجالات ومراحل البحث العلمي الموضوعي والنزيه ، في النصوص المختلفة التي تحدثنا عن الدين ، والعقيدة والشريعة ، والسيرة ، والمواقف الجهادية وغيرها ، خصوصا ما كان منها مرتبطا بأقوال ومواقف وأفعال النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» ، والأئمة الطاهرين من أهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
والنقاط التي ذكرناها في ذلك الفصل ، وإن كنا لم نذكرها جميعها ، وكانت كثيرة ومتنوعة ، إلا أننا نعيد التذكير ببعضها كنموذج يوضح ما نرمي إليه ، فنقول :
١ ـ ليس لأحد حق التشريع ، ولا يؤخذ من أحد سوى الله ورسوله ، ثم من أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بأخذ الشريعة منهم ، وهم أهل البيت الأطهار «عليهم السلام» ، الذين هم سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق وهوى ، وهم أحد الثقلين اللذين لن يضل من تمسك بهما إلى يوم القيامة.
٢ ـ إنه لا سنة إلا سنة رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وسنة الخلفاء الراشدين ، وهم خصوص الخلفاء الاثني عشر من أهل بيته الأطهار ، الذين أخبر «صلى الله عليه وآله» عنهم ـ كما رواه البخاري ، ومسلم ، وأبو داود وأحمد وغيرهم (2).
٣ ـ لا معصوم إلا الأنبياء ، ثم الأئمة الاثنا عشر «عليهم السلام» ، وكل من عداهم يجوز عليه الخطأ ، والسهو ، والنسيان وغيره ، ولا يصح قولهم : إن الأمة معصومة ، فضلا عن عصمة أي كان من الناس.
٤ ـ لا نبوة لأحد بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، كائنا من كان ، فلا يقبل قولهم : الإجماع نبوة بعد نبوة.
٥ ـ إنه لا اجتهاد لأحد مع وجود الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله».
٦ ـ لا اجتهاد في مقابل النص عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، والأئمة الطاهرين «عليهم السلام».
٧ ـ إن حديث رسول الله «صلى الله عليه وآله» لا يعارض بفتوى أو عمل صحابي أو غيره ، بل قول الرسول هو المعيار والميزان.
٨ ـ دعوى اجتهاد جميع الصحابة مردودة ، بل فيهم العالم والجاهل ، والذكي والغبي وو الخ .. فلا تقبل دعوى اجتهاد واحد منهم إلا بشاهد ودليل.
٩ ـ إنه لا قيمة للرأي ولا للاستحسان ، ولا للقياس في التشريع ، فضلا عن تقديم أي من هذه الأمور على الآثار والسنن ، فضلا عن صحة نسبة ما دل عليه القياس مثلا إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله».
١٠ ـ يجوز مخالفة كل أحد ـ حتى أئمة المذاهب ـ إذا وجد النص عن النبي «صلى الله عليه وآله» على خلافه.
١١ ـ أئمة المذاهب كغيرهم من المجتهدين الآخرين ، ويجوز لكل أحد أن يجتهد ويخالفهم ، ولا يجب الوقوف عند آرائهم.
١٢ ـ لا تقليد في الأمور الاعتقادية ، ولا سيما الأمور الأساسية منها ، ولا بد فيها من الدليل القاطع ، والبرهان الساطع ، ولا يكفي الظن والحدس ، بل لا بد من تحصيل اليقين.
١٣ ـ ليس الصحابة كلهم عدولا ولا بررة أتقياء ، بل فيهم الورع التقي ، وغيره ، وما احتج به البعض لإثبات ذلك لا يكفي ، ولا يصح (١).
١٤ ـ ما يفسق به غير الصحابي يفسق به الصحابي ، فلا يصغى لدعوى : أن الصحابي لا يفسق بما يفسق به غيره.
١٥ ـ مرسلات الصحابة كمرسلات غيرهم ، فدعوى حجيتها دون سواها لا تستند إلى دليل معقول ، ولا مقبول.
١٦ ـ إن القرآن وحده هو الكتاب الصحيح مئة بالمئة ، وكل كتاب سواه قد يوجد فيه الصحيح والضعيف ، والمحرف ، والمجعول.
١٧ ـ لا تكفي صحة سند الرواية بأنها حقيقة واقعة ، بل لا بد من ملاحظة سائر المعايير ، ليمكن بعد ذلك كله إصدار الحكم عليها ، نفيا أو إثباتا.
١٨ ـ إننا لا نرى أية قدسية لأي كتاب ، إلا بملاحظة ما تضمنه من حديث الرسول «صلى الله عليه وآله» مع الالتفات إلى أنه ليس جميع ما في الكتاب كذلك ، فقد يكون بعضه مزيفا ومختلقا ، وبعضه محرفا أو مصحفا.
١٩ ـ إذا كان ثمة حديث موافقا لما عند أهل الكتاب ، فإنه يصبح مشكوكا فيه ، ولا يصح قولهم : إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان يحب موافقة أهل الكتاب في كل ما لم ينزل فيه شيء ، بل عكس ذلك هو الصحيح.
٢٠ ـ دعواهم أن الخوارج صادقون فيما ينقلونه لا تصح ، بل الصحيح هو عكس ذلك.
٢١ ـ دعوى أن الشيعة والروافض يكذبون غير صحيح ، والصحيح هو العكس.
٢٢ ـ دعوى أن من روى له الشيخان فقد جاز القنطرة ليس لها ما يبررها ، بل هم كغيرهم من الرواة ، فيهم الثقة ، وغير الثقة.
٢٣ ـ الاعتزال والتشيع ، والمخالفة لأهل الحديث لا يوجب رد رواية الراوي.
٢٤ ـ الحسن والقبح عقليان ، وليسا شرعيين.
٢٥ ـ النبي «صلى الله عليه وآله» لا يجتهد من عند نفسه.
وبعد ما تقدم نقول : إننا نضيف إلى ما تقدم طائفة من الضوابط التي لا يمكن تجاهلها لأي باحث في التراث الإسلامي ؛ وهي التالية :
١ ـ دراسة حال الناقلين :
إن أول ما يطالعنا في الحديث المأثور ، أو في النص المزبور هو سنده ، الذي يتمثل بمجموعة أسماء تدل على الذين نقلوا الحديث أو الحدث ، لا حق عن سابق. وطبيعي أن يكون اهتمام الباحث بادئ ذي بدء منصبا على دراسة حال الناقلين للنص ، لتحصيل درجة من الوثوق والاعتماد ، ليكون ذلك عذرا أمام الله لو كان خطأ ، وليكون حجة لله تعالى عليه لو أصاب ، وليرضى بذلك الوجدان ، ويطمئن القلب والضمير له ، لو أريد الإقدام والإحجام على أساسه ، حيث تكون ثمة حاجة إلى ذلك.
وواضح : أن من عرف عنه : أنه يكذب في خبره ، أو لا يدقق ولا يحقق فيه ، فلا يمكن الاعتماد على ما يخبر به إلا بعد تأكيد صحته من مصادر وجهات أخرى.
وكذا الحال بالنسبة لخبر من عرف عنه : أنه ينساق وراء هواه السياسي أو المذهبي ، أو يستسلم لمشاعره العرقية ، أو يتعصب لبلد ، أو لطائفة أو غير ذلك ، الأمر الذي يحتم علينا دراسة حالة الرواة لمعرفة ميولهم ، وارتباطاتهم السياسية والمصلحية وغيرها ، على أن من الضروري الالتفات إلى أن ضعف سند الحديث ، لا يعني بالضرورة أنه مكذوب ومجعول ، بل ما يعنيه هو أن الخلل في السند قد أخل بدرجة الوثوق والاعتماد على النص ، فلا بد لتحصيل الوثوق به من طرق ووسائل أخرى.
٢ ـ التزام النهج البياني الصحيح :
ومن جهة أخرى ، إذا فرض : أن النص صادر عن رئيس الفصحاء والبلغاء ؛ فلا بد من التأكد من سلامته في مبانيه اللغوية ، وفي أدائه على النهج العربي الصحيح ، من حيث التركيب ، والتزام قواعد الإعراب ، ومراعاة ضوابط الفصاحة والبلاغة فيه ، على نحو يليق بمن صدر عنه ، وينسجم مع لغته ، ونهجه البياني.
٣ ـ الانسجام مع الأطروحة والنهج :
وإذا كان النص يتعرض لبيان فكري ، أو سلوكي ، أو عقيدي ، فلا بد أن لا يتعارض مع النهج الفكري ، والعقيدي ، والسلوكي الذي يلتزمه ذلك الذي أطلق النص ، أو صدر عنه الموقف ، ما دام أنه عاقل حكيم ؛ فمن ينزه الله عن الجسمية مثلا ، لا يمكن أن يصف الله بأن له أضراسا ، ولهوات ، وأصابع ، وساقا ، وقدما ، وغير ذلك على نحو الحقيقة ، كما هو للإنسان وغيره من المخلوقات.
٤ ـ الشخصية في خصائصها ومميزاتها :
وإذا كان النص يحكي سلوكا لشخصية ما ، فلا بد أن يكون بحيث يمكن أن يصدر ذلك الفعل أو الموقف من تلك الشخصية ، من خلال ما عرف عنها من مميزات وخصائص ، ثبتت بالدليل الصحيح والقطعي ؛ فلا ينسب الجبن والعيّ مثلا لعلي بن أبي طالب ، والشح والبخل لحاتم الطائي ، والرذيلة والفجور لأنبياء الله سبحانه وأصفيائه ، ولأئمة الدين ، وأولياء الله.
إذن ، على الباحث في السيرة النبوية المباركة : أن يبادر إلى تحديد معالم الشخصية النبوية ، ومعرفة ما لها من مميزات وخصائص ؛ فإذا ثبت لديه بالدليل : أن هذه الشخصية في أعلى درجات الحكمة ، والعصمة ، والشجاعة ، والطهر ، والحلم ، والكرم ، والحزم ، والعلم ، وغير ذلك ، متحليا بكل صفات النبل والفضل ، وجامعا لمختلف سمات الجلال والجمال ، والكمال ، ولسائر المزايا الإنسانية المثلى ـ إذا ثبت ذلك ، فلا بد من جعل كل ذلك معيارا لأي نص يرد عليه ، ويريد أن يسجل قولا ، أو فعلا ، أو موقفا له «صلى الله عليه وآله».
فإذا جاء النص منسجما مع الوضع الطبيعي للشخصية النبوية المثلى ، بما لها من خصائص فإنه يكون مقبولا ، بعد توفر سائر شرائط القبول ، وإلا فما علينا إذا رددناه جناح.
فالنص المقبول إذن هو ذلك الذي يسجل الحقيقة كل الحقيقة ، دون أن يتأثر بالأهواء السياسية ، والمصلحية ، ولا بأي من العوامل العاطفية وغيرها ، فكما أننا لا يمكن أن نقبل أن يكون مرجع ديني ، معروف بالورع والتقوى ، قد ألف أغنية أو لحنها ، للمغنية الشهيرة فلانة ، فكذلك لا يمكن أن نقبل بنسبة ما هو مثل ذلك أو أقبح وأشنع منه ، إلى ساحة قدس الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله».
٥ ـ عدم التناقض بين النصوص :
ومما يفيد في استجلاء بعض نقاط الضعف في النصوص المنقولة ، بل وفي حصول اليقين بوجود تصرف سهوي أو عمدي فيها ، هو وجود التناقض والتنافي فيما بينها ؛ فإن ذلك يشير إلى وجود نص مجعول ، أو تعرضه لتصرف فيه ، أزاله عن وجهته الصحيحة ، الأمر الذي يستدعي مزيدا من الانتباه ، وبذل المزيد من الجهد لمعرفة الصحيح من السقيم ، والحقيقي من المزيف منها.
٦ ـ أن لا يخالف الواقع المحسوس :
ومما يفيد في الاقتراب من واقع النص ، مراقبته من حيث موافقته ، أو مخالفته لما هو مشاهد محسوس ، كما لو ادّعى النص : أن أقرب طريق من مكة إلى المدينة يمر عبر الأندلس ، أو ادعى : أن مدينة مكة تقع في سنغافورة ، أو ادعى أن الشمس تطلع كل يوم من المغرب ، أو في وسط الليل ، وما إلى ذلك ، مما يدل على أنه نص مكذوب ، أو محرف ، لا مجال لقبوله ، ولا يصلح للاعتماد عليه.
٧ ـ أن لا يخالف البديهيات :
ومن الواضح : أن هناك بديهيات وضرورات عقلية ثابتة ، لا يمكن الإخلال بها ، لأن معنى ذلك هو الإخلال بكل شيء في هذه الحياة ، فإذا جاء النص مخالفا لهذه الضرورات ، فلا بد من رده ورفضه ، وذلك كما لو ادعى : أن الثلاثة زوج ، أو أن الأربعة نصف الخمسة ، أو أن الضدين قد اجتمعا ، وما إلى ذلك من أمور ، فإن ذلك كله يكون دليلا على كذب ذلك النص وعدم صدوره من إنسان عاقل واع ، فضلا عن أن يكون صادرا من نبي أو إمام معصوم.
وذلك لأن الإسلام قد أكد على لسان نبيه ، ونطق القرآن : أن العقل هو الميزان والمعيار ، وقد اهتم بمخاطبته ، وإثارته ، وجعله الحكم الفصل في الأمور والقضايا ، ونعى على كل من لا يهتدي بهداه ، ولا يستضيء بنوره في موارد كثيرة ومختلفة.
ومما يلفت النظر هنا : أن هذه المخالفات للضرورات العقلية تكثر في الأمور العقائدية ، وفي بعض قضايا التاريخ وغيرها.
ومن ذلك قولهم : إن الله عادل حكيم ، ولكنه يجبر عباده على أفعالهم ، ثم يثيبهم أو يعذبهم عليها.
وقولهم : إنه تعالى لا يحده مكان ، ولا جهة ، ثم يقولون : إن له ساقا ، وقدما ، وأصابع ، ولهوات ، ونواجذ ، إلخ!! وأمثال ذلك كثير وخطير ؛ فراجع ولاحظ.
٨ ـ أن لا يخالف الحقائق الثابتة :
ولا يمكن أيضا قبول نص يخالف الحقائق العلمية الثابتة بالأدلة القطعية ، كالنص الذي يقول : إن الأرض تقوم على قرن ثور.
وكذا لو جاء نص يقول : إن الأرض مسطحة ، وليست كروية.
ومن ذلك ما لو خالف النص حقيقة ثبتت في علم الرياضيات ، أو نحوه ، فإنه يرفض ويرد ، مهما كان سنده صحيحا ، وحتى إعلائيا أيضا.
وأما إذا خالف نظرية قد شاعت وذاعت ، ولكنها لم تصل إلى درجة الثبوت القطعي ، فإن ذلك لا يكون دليلا على ضعف النص المنقول ، بل يكون وجود هذا النص ، من أسباب وهن تلك النظرية ، وتقليل احتمالات الوثوق بها ، والاعتماد عليها.
٩ ـ الإمكانية التاريخية :
أما إذا حمل النص الذي هو مورد البحث تناقضا مع ما هو الثابت تاريخيا ، بصورة قطعية ، فإن ذلك يدعو إلى رفضه ورده أيضا ، فإذا كان من الثابت أن الإسراء والمعراج قد حصلا قبل الهجرة ، بل حصلا في السنوات الأولى من البعثة ، وثبت أن عائشة إنما انتقلت إلى بيت رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعد الهجرة ؛ فلا يمكن ـ بعد هذا ـ تصديق النص الذي ينقل عن عائشة نفسها ، أنها قالت : ما فقدت جسد رسول الله في تلك الليلة ؛ يعني ليلة الإسراء والمعراج.
ويدخل في هذا أيضا ما لو ادّعى الراوي : أنه سمع أو رأى رجلا ، قد مات قبل أن يولد ذلك الراوي ، أو أنه قد ولد بعد وفاته.
والأمثلة التي تدخل في هذا المجال وسابقه كثيرة جدا ومتنوعة ، كما يعلم بالمراجعة والمقارنة.
١٠ ـ موافقة الأحكام العقلية والفطرية :
وإذا كان الكل يعلم : أن جميع ما جاء به رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وما صدر عنه «صلى الله عليه وآله» وعن الأئمة «عليهم السلام» لا يخالف العقل ، ولا يختلف معه ، ولا يخالف قضاء الفطرة ، ولا يشذ عنها.
فمعنى ذلك : أننا إذا رأينا نصا ينسب إلى الرسول «صلى الله عليه وآله» ، أو إلى أحد الأئمة «عليهم السلام» ، مما يرفضه العقل ، وتأباه الفطرة السليمة والمستقيمة ، فإننا سوف نشك في صحة ذلك النص ، حتى إذا لم نجد له تأويلا مقبولا ، أو معقولا ؛ فإننا لا نتردد في رده ورفضه من الأساس.
ومن ذلك حكم العقل بوجوب أن يكون النبي «صلى الله عليه وآله» ، والإمام «عليه السلام» معصومين من الخطأ ، مبرّأين من الزلل ؛ فالنص الذي يريد أن ينسب إلى النبي «صلى الله عليه وآله» والإمام «عليه السلام» خطأ أو زللا ، لا نتردد في رفضه ، ولا نشك في أنه من وضع أعداء الدين ، وأصحاب الأهواء ، فتصبح العصمة ، وسائر أحكام العقل والفطرة حول الذات الإلهية ، ومواصفات الشخصية النبوية ، وغير ذلك ، معايير وضوابط يعرف بها الصحيح من السقيم ، والحقيقي من المزيف ، والسليم من المحرف.
١١ ـ الانسجام مع الأجواء والمناخات :
وإذا استطاع الباحث أن يكتشف المناخات والظروف ، وأن يتعرف على الأجواء السياسية ، أو الاجتماعية ، وغيرها ، وفق ما توفر لديه من وسائل ، وإمكانات ، فإنه يستطيع أن يكتشف من خلال ذلك انسجام أو عدم انسجام كثير من النصوص مع الواقع الذي استطاع أن يتلمسه ، وأن يطلع على خصائصه ومزاياه ، وعناصره وخفاياه ، ويصبح هذا الفهم أيضا أحد وسائل المعرفة التي يمكنه الاستفادة منها ، والاعتماد عليها ، والاستناد إليها في نطاق البحث العلمي والموضوعي.
١٢ ـ المعيار الأعظم والأقوم :
وإذا ثبت لأي من الناس : أن كتابا ما صحيح كله ، ولا يتطرق إليه أي ريب أو شك ، فإنه سوف يجعله معيارا لكل ما يرد عليه ، فيقبل ما وافقه ، ويرد ما خالفه ، سواء أكان ذلك الكتاب يتحدث عن علم الكيمياء ، أم الفيزياء ، أم الرياضيات ، أم علوم الدين والشريعة ، أم أي شيء آخر ..
ولا ريب في أن القرآن هو ذلك الكتاب الذي أحكمت آياته ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فهو المعيار الأقوم ، وهو الميزان الأعظم لا يرتاب في ذلك ذو مسكة ، أو شعور قويم وسليم ، وفضلا عن ذلك ، فإن النصوص قد تواترت وتضافرت على الأمر بالعرض على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالفه فاتركوه.
وعن الإمام الصادق «عليه السلام» : ما لم يوافق كتاب الله فهو زخرف (4).
ومن دعاء الإمام السجاد «عليه السلام» عند ختم القرآن :
«وميزان قسط لا يحيف عن الحق لسانه ، ونور هدى لا يطفأ عن الشاهدين برهانه ، وعلم نجاة لا يضل من أمّ قصد سنّته» (5).
وعن الإمام الباقر «عليه السلام» : «إذا حدثتكم بشيء فاسألوني عن كتاب الله» (6) ومثل ذلك كثير عن أهل البيت «عليهم السلام» من طرق شيعتهم.
وأما ما رواه غيرهم في هذا المجال ، فهو كثير أيضا ، ونذكر من ذلك النصوص التالية :
١ ـ روي عن النبي «صلى الله عليه وآله» أنه قال :
تكثر لكم الأحاديث بعدي ، فإذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله ، فاقبلوه ، وما خالف فردوه (7).
٢ ـ عن ابن عباس : إذا سمعتموني أحدث عن رسول الله ، فلم تجدوه في كتاب الله ، أو حسنا عند الناس فاعلموا أني كذبت عليه (8).
٣ ـ وعن ابن مسعود : فانظروا ما واطأ كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه (9).
٤ ـ وعن أبي بكر في خطبة له : فإن كانت للباطل غزوة ، ولأهل الحق جولة ، يعفو لها الأثر ، وتموت السنن ، فالزموا المساجد ، واستشيروا القرآن (10).
٥ ـ عن ابن أبي كريمة ، عن جعفر ، عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، أنه خطب ، فقال : إن الحديث سيفشو عليّ ، فما أتاكم عني يوافق القرآن ، فهو عني ، وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس عني (11).
٦ ـ وعن علي «عليه السلام» : ستكون عني رواة يروون الحديث ، فاعرضوه على القرآن ، فإن وافق القرآن فخذوه ، وإلا فدعوه (12).
٧ ـ وعن أبي هريرة عن النبي «صلى الله عليه وآله» ما يقرب من ذلك أيضا فراجع (13).
٨ ـ وعن أبي بن كعب رحمه الله ، فيما أوصى به رجلا : اتخذ كتاب الله إماما ، وارض به قاضيا وحكما الخ ..
٩ ـ وعن معاذ : فاعرضوا على الكتاب كل الكلام ، ولا تعرضوه على شيء من الكلام.
__________________
(١) إن محط نظرنا في هذا الفصل وفي سابقه ، هو ـ في الأكثر ـ النصوص المرتبطة بالنبي «صلى الله عليه وآله» ، والأئمة المعصومين «عليهم السلام». وما عدا ذلك من قضايا تاريخية فإنه لا يهمنا كثيرا الآن. ونشير هنا إلى أن من المعلوم : أن التاريخ وكل قضايا التراث قد كتبت ـ في الأكثر ـ بأيد غير أمينة ، فلا يمكن المبادرة إلى عرضها على أنها تاريخ أو تشريع ، أو غير ذلك إلا بعد دراستها بعمق ، وتمحيصها بصورة كافية ووافية. ونحن نعترف في الوقت الحاضر أننا غير قادرين على القيام بمهمة كهذه.
(2) راجع كتابنا : الغدير والمعارضون ص ٦١ ـ ٧٠.
(3) راجع : صراع الحرية في عصر الشيخ المفيد ص ٧٠ ـ ٧٤ ودراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ج ٢ ص ٢٥٣ ـ ٢٧١ طبع إيران.
(4) أصول الكافي ج ١ ص ٥٥ وفي الباب روايات كثيرة أخرى ، فمن أرادها فليراجعها.
(5) راجع : الصحيفة السجادية ، الدعاء رقم ٤٢.
(6) الميزان في تفسير القرآن ج ٣ ص ١٧٦ عن الكافي.
(7) عن أصول الحنفية للشاشي ص ٤٣ وراجع : كنز العمال ج ١ ص ١٧٦ عن ابن عمر عنه «صلى الله عليه وآله». وص ١٧٥ و ١٦٠ عن ثوبان عنه «صلى الله عليه وآله».
والنقل في الجميع عن الطبراني ، ومجمع الزوائد ج ١ ص ١٧٠ عن ثوبان عنه «صلى الله عليه وآله» ، وأصول السرخسي ج ١ ص ٣١٥ وج ٢ ص ٦٨ ، مستدلا به على عدم جواز نسخ الكتاب بالسنة ونهاية السؤل ، تعليقات محمد بخيت المطيعي ج ٣ ص ١٧٣.
(8) سنن الدارمي ج ١ ص ١٤٦.
(9) المصنف للصنعاني ج ٦ ص ١١٢ وراجع خطبة ابن مسعود في ج ١١ ص ١٦٠ وجامع بيان العلم ج ٢ ص ٤٢ وحياة الصحابة ج ٣ ص ١٩١ عنه.
(10) عيون الأخبار لابن قتيبة ج ٢ ص ٢٣٣ والبيان والتبيين ج ٢ ص ٤٤ والعقد الفريد ج ٤ ص ٦٠.
(11) الأم ج ٧ ص ٣٠٨ وأضواء على السنة المحمدية ص ٣٦٧.
(12) كنز العمال ج ١ ص ١٧٦ عن ابن عساكر. وفي تهذيب تاريخ دمشق حديث آخر عن علي «عليه السلام» حول عرض الحديث على القرآن.
(13) الكفاية في علم الرواية ص ٤٣٠.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|