أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-11-2014
11788
التاريخ: 6-12-2015
5074
التاريخ: 6-05-2015
4907
التاريخ: 6-05-2015
5688
|
قال تعالى : {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ... } [الحديد: 1، 2]
يفتتح سماحته الحديث عن الآية الاولى التي تعلن صراحة تسبيح الموجودات بأسرها للّه ربّ العالمين، ليلتزم الرأي الذي يفيد أنّ هذا التسبيح حقيقي وليس مجازيا بدلالته الوجودية على وجود الخالق، كما تدلّ عليه آيات اخرى مثل قوله سبحانه : {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] فلو كان المقصود منه التسبيح بلسان الحال أو التسبيح الوجودي التكويني، لما كان ثمّ معنى للاستدراك في الآية : {ولكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} .
«إنّ تأويل «التسبيح» بالتسبيح التكويني أو الفطري، هو من التأويلات البعيدة الباردة، حيث تأباه الأخبار والآيات الشريفة، ويرفضه البرهان الفلسفي السديد، ويتعارض مع المنحى العرفاني السامي الجميل.
على أنّ ما يبعث على الدهشة هو ما ذهب إليه الحكيم الكبير والعالم الجليل صدر المتألّهين قدّس سرّه، على حمل تسبيح الموجودات على غير التسبيح النطقي، مفسرا نطق بعض الجمادات كنطق الحصى [بين يدي الرسول الأعظم] هو من قبيل إنشاء نفس الولي المقدّس لأصوات وألفاظ تأتي طبقا لأحوال تلك الجمادات. رافضا [الشيرازي] في الوقت ذاته ما ذهب إليه بعض أهل المعرفة من أنّ لجميع الموجودات حياة نطقية، عادا ذلك مخالفا للبرهان ملازما للتعطيل ودوام القسر، برغم أنّ هذا الرأي يغاير مبادئه والاصول التي يؤمن بها. [أقول] إنّ هذا القول [تسبيح الموجودات نطقيا] الذي يعدّ صريح الحقّ ولبّ لباب العرفان لا يستلزم أيّة مفسدة أبدا. ولو لا مخافة التطويل لبادرنا إلى بيانه مع المقدّمات، ولكنّا نكتفي من ذلك بإشارة إجمالية.
لقد أشرنا في السابق أيضا إلى أنّ حقيقة الوجود عين الشعور والعلم والإرادة والقدرة والحياة وسائر الشئون الحياتية، على النحو الذي إذا لم يكن لشيء من الأشياء علم ولا حياة بالمطلق، فلن يكون له وجود. إنّ من يدرك حقيقة أصالة الوجود واشتراكه المعنوي بالذوق العرفاني، يستطيع أن يصدّق ذوقا [شهودا وعيانا] أو علما [إثباتا وبرهانا] أنّ الحياة سارية في جميع الموجودات، مع جميع ما يقترن بذلك من علم وإرادة وتكلّم وغير ذلك. وإذا ما صار من أصحاب مقام المشاهدة و العيان من خلال الرياضات المعنوية ، لشاهد عيانا وسمع مباشرة دوي تسبيح الموجودات وتقديسها. لكنّنا الآن نعيش سكر الطبيعة الذي ضرب أعيننا وأسماعنا وحواسنا الاخرى بخدره، ومنعنا من الوقوف على الحقائق الوجودية والهويّات العينية.
وكما أنّ بيننا وبين الحقّ سبحانه حجبا ظلامية وحجبا نورية تحول بيننا وبينه، فكذلك هناك بيننا وبين بقية الموجودات، بل بيننا وبين أنفسنا حجب تفصلنا عن إدراك حياة تلك الموجودات وعلمها وسائر شئونها. بيد أنّ الأسوأ من كلّ الحجب والأنكى منها جميعا حجاب الإنكار من خلال الأفكار المحجوبة التي تجعل الإنسان يخسر كلّ شيء، ومن ثمّ فإنّ أفضل وسيلة بالنسبة لأمثالنا نحن المحجوبين التصديق بالآيات والتسليم لأحاديث أولياء اللّه، وغلق باب التفسير بالرأي والجنوح إلى التطبيق عبر هذه العقول الضعيفة.
ثمّ إذا كان ممكن جدلا تأويل آيات «التسبيح» بالتسبيح التكويني البارد أو الشعوري الفطري، فما ذا نفعل مع هذه الآية الشريفة : {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل: 18]؟ أو قضية الطير الذي جاء للنبي سليمان بخبر من مدينة سبأ (1) ؟ وكذلك الأخبار التي وردت عن أهل بيت العصمة والطهارة في أبواب متفرّقة [الدالّة على نطق الحيوانات وشعور الكائنات الاخرى] ممّا لا يمكن أن يخضع لمثل هذه التأويلات مطلقا؟
بشكل عام، ينبغي أن تعدّ قضية سريان الحياة في الكائنات والأشياء و تسبيحها الشعوري العلمي؛ من ضروريات الفلسفة العالية وبديهياتها، ومن مسلّمات أصحاب الشرائع وأهل العرفان. أمّا كيفية تسبيح كلّ موجود وما له من أذكار معينة تختصّ به، وأنّ صاحب الذكر الجامع هو الإنسان، ولسائر الموجودات أذكارها التي تناسب نشأتها الخاصّة؛ فإنّ ذلك كلّه يخضع بنحو عام إلى ميزان علمي وعرفاني يرتبط بعلم الأسماء، وأمّا تفاصيله فترتبط بالعلوم الكشفية العيانية المباشرة، التي تعدّ من خصائص الأولياء الكمّل.
وجريا على ما ذكرناه في الفصل السابق من أنّ «بسم اللّه» من كلّ سورة متعلّقة بالسورة نفسها، فإنّ [البسملة] هنا متعلقة أيضا ب «سبّح للّه». ويستفاد من الآية إثبات مسلك أهل الحقّ في قضية الجبر والتفويض، لأنّها تنطوي على النسبتين معا؛ النسبة إلى اسم اللّه الذي هو مقام المشيئة الفعلية، والنسبة إلى الأشياء الموجودة في السماوات والأرض، وقد جاءت النسبتان على نحو لطيف يعدّ منتهى كشف أهل الشهود والمعرفة. وقد جاء تقديم النسبة إلى المشيئة الإلهية- على النسبة الثانية- لإفهام قيّومية الحقّ ومن أجل تقديم حيثية ما يلي اللّه على حيثية ما يلي الخلق.
ولو لا مخافة التطويل لبيّنا حقيقة التسبيح واستلزامه للتحميد، وأنّ أيّما تسبيح وتحميد يصدر من أي مسبّح وحامد إنّما يقع للحق سبحانه ويكون من أجله، وأنّ التسبيح والتحميد يكونان باسم اللّه ولاسم اللّه، وأنّ الاسمين المباركين «العزيز والحكيم» مختصّان باللّه، ولذكرت طبيعة العلاقة بينهما وبين «اللّه»، ثمّ الفرق بين «اللّه» المذكور في التسمية و«اللّه» المذكور في الآية الشريفة : سَبَّحَ لِلَّهِ، والمقصود من السماوات والأرض وما فيهما؛ [لو لا الخشية من التطويل والملالة لبيّنت ذلك كلّه و] ذكرته تفصيلا تبعا لاختلاف مناهج أهل المعرفة و الفلسفة، ولذكرت الفارق بين «هو» في الآية الشريفة [قوله سبحانه : {وهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}] و«هو» في الآية المباركة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] على الطريقة العرفانية العذبة، بيد أنّني عزفت عن ذلك لما ألزمت به نفسي في هذه الأوراق من القناعة بالإجمال والإشارة» (2).
[الآية الثانية] : «و أمّا الآية الشريفة الثانية [قوله سبحانه { لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحديد: 2]] فهي إشارة إلى مالكية الحقّ جلّ جلاله لملكوت السماوات والأرض، هذه المالكية والإحاطة والسلطنة ونفوذ القدرة والتصرف، التي يتمّ بالتبع لها الإحياء والإماتة، والظهور والرجوع، والبسط والقبض. وهذه النظرة تقضي باستهلاك جميع التصرفات وكلّ التدبيرات واضمحلالها في تصرّف الحقّ وتدبيره؛ وهذا منتهى التوحيد الفعلي وغايته.
من هذه الزاوية جاءت نسبة الإحياء والإماتة اللذين يعدّان من المظاهر الكبرى للتصرّفات الملكوتية أو هما جميع القبض والبسط، إلى مالكية الذات المقدّسة نفسها [{ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ} [الحديد : 2]]. ومع أنّ الإحياء من الشئون الرحمانية والإماتة من الشئون المالكية، إلّا أنّ نسبة الاثنين معا إلى المالكية، يمكن أن يكون إشارة إلى أمر عرفاني جليل، يتمثّل في استجماع كلّ اسم لجميع الأسماء على وجه أحدي ووجهة غيبية ممّا لا مجال لبيانه الآن.
كما يمكن أن يكون صدر الآية وذيلها إشارة إلى الوحدة في الكثرة، والكثرة في الوحدة في مقام التجلّي الفعلي بالفيض المقدّس، كما هو واضح عند أهله.
أمّا الضمير «له» فيبدو أنّه يعود إلى «اللّه»، كما يحتمل إرجاعه إلى «العزيز» و«الحكيم»، وعندئذ يختلف معنى الآية الشريفة تبعا لهذين الاحتمالين، ممّا يمكن أن يتضح لأهله بالتأمل.
أمّا بيان كيفية مالكية الحقّ، وأنّ إتيان «يحيي ويميت» بصيغة المضارع الدال على التجدّد والاستمرار، وبيان مرجع الضمير «هو» والفرق بين المعاني تبعا للاختلاف في مرجع الضمير، وبيان أنّ «المحيي» و«المميت» و«القادر» هي من أسماء الذات أو من الصفات أو الأفعال، فهي جميعا بحوث موكولة إلى محلّها. كما أنّ لبيان كلّ من كيفية الإحياء والإماتة، وحقيقة صور إسرافيل، ونفختي الإحياء والإماتة، وشئون حضرة إسرافيل وعزرائيل ومكانتهما، وكيفية إحيائهما وإماتتهما، بيانات عرفانية وبراهين فلسفية طويلة.
[الآية الثالثة] : أمّا الآية الشريفة الثالثة : [{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3]] فقد علم العارف بالمعارف الحقّة لأرباب المعرفة واليقين، والسالك طريق أصحاب القلوب والسالكين، أنّ منتهى سلوك السالكين وغاية آمال العارفين، هو فهم هذه الآية الكريمة المحكمة.
قسما بعمر الحبيب، ليس ثمّ تعبير لحقيقة التوحيد الذاتي والأسمائي أفضل من هذا التعبير، وإنّه لينبغي لجميع أصحاب المعارف السجود أمام هذا العرفان المحمدي التام صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، والكشف الجامع الأحمدي، والآية الإلهية المحكمة.
قسما بحقيقة العرفان والحبّ، إنّ العارف المجذوب والعاشق لجمال المحبوب، تستولي عليه لسماع هذه الآية هزّة ملكوتية، وانبساط إلهي، يقصر عنه ثوب البيان، وتعجز الموجودات كلّها عن استيعابه وتحمّله، فسبحان اللّه ما أعظم شأنه وأجلّ سلطانه وأكرم قدره وأمنع عزّه وأعزّ جنابه.
يجدر باولئك الذين يعترضون على كلمات العرفاء الشامخين والعلماء باللّه وأولياء الرحمن، أن يتأمّلوا كلماتهم وينظروا أيّ عارف رباني أو سالك مجذوب استطاع أن يأتي بأكثر ممّا تضمنته هذه الآية الكريمة التامّة ورسالة القدس الإلهي [القرآن الكريم] وأيّهم جاء بمتاع جديد [مبتدع؛ خارج إطار القرآن] في مضمار المعارف؟ ها هي ذي الآية الكريمة- بين أيديكم- وتلك هي كتب العرفاء المشحونة عرفانا؛ فقارنوا (3) !
مع أنّ سورة الحديد المباركة بخاصّة آياتها الشريفة الاولى، تنطوي على معارف تقصر عن نيلها الآمال، إلّا أنّ لهذه الآية الكريمة بنظر الكاتب، خصوصية تفوق الآيات الاخرى. إنّ بيان أوّلية الحقّ وآخريته ، وظاهريته وباطنيته، ليس بالأمر الذي يؤدّيه البيان أو يجرؤ القلم على النهوض به، فإذا لنضرب عن هذا صفحا، تاركين إدراكه لقلوب المحبين والأولياء.
[الآية الرابعة] : الآية الشريفة الرابعة : [{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4]]، فهي إشارة إلى خلق السماوات والأرض في ستة أيام، واستوائه على العرش.
قد تحيّرت عقول أرباب العقل في تفسير هذه الآية الكريمة، واتخذ كلّ إنسان سبيله في تفسيرها تبعا لمنهجه الخاص في العلم ومسلكه في العرفان. فعلماء الظاهر ذهبوا إلى أنّ المقصود من الخلق في ستة أيام، أنّه لو قدّرت مدّة خلق السماوات والأرض في الزمان لتطابقت مع ستة أيام.
من جهته ذهب الفيلسوف العظيم صدر المتألهين قدّس سرّه، إلى تطبيق تلك الأيام على أيام الربوبية، الذي يعدّ كلّ واحد منها بألف سنة [من سنيننا] وعدّ المدة من زمان نزول آدم إلى زمان بزوغ الشمس المحمدية صلّى اللّه عليه وآله وسلّم التي تصل إلى ستة آلاف سنة، متطابقة مع الأيام الستّة، وجعل ابتداء طلوع شمسه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يوم الجمعة ويوم الجمع الذي هو اليوم السابع وأوّل يوم القيامة، وابتداء استواء الرحمن على العرش.
لقد ذكر الشيرازي ذلك إجمالا في «شرح اصول الكافي» وتناوله تفصيلا في تفسيره (4).
كما ذهب بعض أهل المعرفة إلى أنّ الأيام الستة، هي عبارة عن مراتب سير نور شمس الوجود في مرائي النزول والصعود.
أمّا بحسب مسلك العرفاء الذي يذهب إلى أنّ للوجود مراتب وجود حتّى آخر مرتبة منها، التي هي مرتبة احتجاب شمس الوجود في حجب التعيّنات، وتلك حقيقة ليلة القدر، وأنّ ابتداء يوم القيامة من أوّل مرتبة رجوع الملك إلى الملكوت وخرق حجب التعيّنات إلى آخر مراتب الظهور والرجوع التي هي الظهور التام للقيامة الكبرى؛ بحسب هذا المسلك فإنّ الأيام الستة التي انتهى فيها خلق السماوات والأرض، ممّا ينتهي إلى عرش اللّه وعرش الرحمن، الذي هو منتهى غايات استواء الحقّ سبحانه واستيلائه وقهاريته؛ هذه الأيام هي المراتب الصعودية الست في العالم الكبير. وإنّ عرش استواء الحقّ الظاهر بالقهّارية التامّة والمالكية، هو مرتبة المشيئة والفيض الرحماني المقدّس، وظهوره التام بعد رفع التعينات والفراغ من خلق السماوات والأرضين.
وما دامت السماوات والأرض موجودة، فإنّ خلقها لم يكتمل بعد عند أهل المعرفة، بمقتضى قوله : {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [الرحمن: 29] , وبحسب عدم التكرّر في التجلّي. وفي الإنسان الكبير والعالم الأكبر فإنّ المراتب ستّة واللطيفة السابعة هي عرش الرحمن، التي تعدّ مرتبة القلب الحقيقي. ولو لا خشية الإطالة لبيّنت أفضلية هذا الوجه على سائر الوجوه على نحو مستفيض. ومع أنّ علم الكتاب الإلهي هو عند الحقّ تعالى والمخصوصين بالخطاب، إلّا أنّنا نتحدّث بحسب الاحتمال وعلى أساس العلائق، بعد تعذّر حمل الآية على ظاهرها.
ثمّ في هذا المجال احتمال آخر لا يتعارض مع البيان العرفاني، وهو ينسجم مع علم الهيئة المعاصر الذي أبطل الهيئة البطليموسية. ينطلق هذا الاحتمال من واقع وجود منظومات شمسية كثيرة اخرى غير منظومتنا الشمسية، تنأى عن العدّ والحصر كما جاء ذلك تفصيلا في كتب علم الأفلاك الحديث، ومن ثمّ يكون المراد من السماوات والأرض هذه المنظومة الشمسية ذاتها والمدارات والكواكب التابعة لها، وإنّ تحديدها بالأيّام الستّة هو بحسب منظومة شمسية اخرى. هذا الاحتمال أقرب إلى الظاهر- ظاهر الآية- من بقية الاحتمالات، ولا يتصادم مع الاحتمالات العرفانية، لأنّ تلك الاحتمالات [العرفانية] مسوقة بحسب بطن من بطون القرآن.
أمّا قوله في آخر الآية الكريمة : { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ } [الحديد: 4] إلى آخره، فهو إشارة إلى علم الحقّ تعالى بجزئيات مراتب الوجود في سلسلة الغيب والشهود، و النزول والصعود. كما أشير بقوله : {هُوَ مَعَكُمْ} إلى المعية القيّومية للحقّ سبحانه وكيفية علم الحقّ تعالى بالجزئيات الذي يتمّ بطريقة الإحاطة الوجودية والسعة القيّومية. أمّا إدراك حقيقة قيّومية الحقّ هذه، فهو أمر لا يتاح إلّا لخواص أولياء اللّه.
[الآية الخامسة] : بالنسبة إلى الآية الخامسة [قوله سبحانه : {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [الحديد: 5]]، فهي إشارة إلى مالكية الحقّ ورجوع تمام دائرة الوجود إلى الحقّ. كما هي إشارة إلى أنّ هذه العملية برمتها مرتبطة باسم «المالك»، تماما كما هو الحال في قوله في سورة الفاتحة : {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] . أمّا تفسير كلّ أمر من هذه الامور وتفصيله، فهو يتطلّب مجالا آخر.
[الآية السادسة] : أمّا الآية الشريفة السادسة [قوله سبحانه : {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الحديد: 6]] فهي إشارة إلى اختلاف الليل والنهار، وأنّ أيّ نقصان في أحدهما يظهر على شكل زيادة في الآخر وبالعكس. إنّ في هذا الاختلاف منافع كثيرة يخرج ذكرها عن وظيفتنا.
ثمّ للآية الكريمة معنى عرفاني آخر امتنعنا عن ذكره» (5).
________________________________
(1)- قوله سبحانه حكاية عن لسان الهدهد مخاطبا سليمان : { فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ* إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ولَها عَرْشٌ عَظِيمٌ}. (النمل : 22- 23)
(2)- شرح چهل حديث : 654- 656، الأربعون حديثا : 684- 685.
(3)- مغزى هذه الدعوة إلى المقارنة أنّ جميع ما ذكره العرفاء من معارف، مستمد من القرآن الكريم، وهو أقل ممّا يطويه الكتاب العزيز خاصة أمثال هذه الآيات، فلما ذا هذا التسقط لكلمات العرفاء، وإثارة الأجواء ضدّهم.
(4)- راجع : شرح اصول الكافي : 249- 250، تفسير القرآن الكريم 6 : 160 فما بعد.
(5)- شرح چهل حديث : 656- 659، الأربعون حديثا : 685- 690.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|