أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-1-2019
10351
التاريخ: 3-1-2021
15779
التاريخ: 22-9-2016
2409
التاريخ: 1-12-2016
4362
|
الموسيقى:
يعتبر جل الباحثين أن موسيقى الشرق القديم ومنها موسيقى وادي الرافدين فنا بمعنى الكلمة لأن الموسيقى فيها كانت دينية مسخرة لخدمة الآلهة وعبادتها وقيام الموسيقى والغناء بدور الناقل لتضرع ودعاء الناس إلى آلهتهم لهذا كانت الآلات الموسيقية آنذاك جزءا من الأثاث الديني(1).
وقد وجدت مشاهد ووثائق دلت على معرفة السومريين للموسيقى واستمرارها مع البابليين، منها صور لرعاة الماشية وهم ينفخون في المزمار ويعزفون على الطنبور ومن حولهم قطعانهم وكلابهم، ومن بين الوثائق التي تعود إلى السومريين التي دونت في عهد الملك جوديا عام 2400 ق.م، والتي يرجع لها الفضل في إلمامنا بالكثير من الغناء الديني وقوالبه، ولم تتضمن أية وثائق أخرى سوى مشاهد منقوشة لعازفين ومغنين وحفل ومآدب ملكية(2)، ضف إلى ذلك ما جاء في سفر دانيال " 10 أَنْت أَيها الْملِك قد أَصدرت أَمرًا بِأَن كُلَّ إِنْسان يسمع صوت اْلَقرنِ والنَّايِ والْعودِ والربابِ والسْنطِيرِ واْلمِزمارِ وكلِّ أَنْواعِ الْعزفِ يخِر ويسجد لِتِمَثالِ الذَّهبِ. 11 ومن لا يخِر ويسجد فَإِنَّه يْلَقى فِي وسطِ أَتونِ نَارٍ متَّقِدةٍ."(3).
والملك المقصود في الآية نبوخذ نصر، غير أنه وجدت جوقات على الأختام الأسطوانية والمنحوتات السومرية منذ عهد ميسيليم، وقد اقتصر أداء تلك الفرق الموسيقية خلال العصور السحيقة على مصاحبة الغناء دون عزف مقطوعات موسيقية مستقلة(4).
كما تم العثور على عديد الآلات الموسيقية التي تعد أصولا لبعض الآلات الموسيقية الحديثة من ضمنها الطبل الذي له قدسية خاصة، فهو لا يدق في المعبد إلا حين يكون الإله ننكرسو في حالة قلق واضطراب، فعند دقه تهدئ ضرباته العميقة من روع الإله وتصر أذنيه(5)، ولما كان القمر أحد المعبودات السومرية فقد كانت الطبول تدق لإثارة الحزن والنواح على القمر المخفي أيام المحاق أو الخسوف الكلي، وكان الدف في بابل أحد الآلات النذرية ويستعمل إما لوزن إيقاع الترتيل أو الرقص أو كليهما معا، تستخدمه الكاهنات أو رائدات العقيدة نفسها(6)، وتعد الآلات الوترية التي وجدت بالمقابر الملكية في أور أقدم الأمثلة على الآلات الموسيقية، وفي مقدمة تلك الآلات القيثارة الذهبية الموجودة في المتحف العراقي والتي تحمل رأس ثور الذي يرمز إلى الخصوبة أو أن هذه القيثارة خصصت للاحتفال بالأعياد التي تتصل بطقوس الخصوبة (أنظر الملحق رقم 31 ص 205).
ويمكن القول أن ميلاد الموسيقى قد عاصر مولد الدين السومري، فهي قديمة قدمه بل هي توأم له شاركته في أداء طقوسه التي تمثل الغناء فيها ركنا رئيسيا، وتذكر الوثائق السابقة - وثائق جوديا - عن اختيار موسيقي يقود فرقة للإنشاد بمعبد ننكرسو بمدينة لكش وآخر يتولى تدريب فرقة الغناء والعزف من الرجال والنساء، وتسجل تلك الوثائق أن بعض المدارس قد ألحقت بالمعابد لتدريس النصوص الغنائية الدينية، وعثر المنقبون على مجموعة من هذه النصوص الدينية التي كانت تدرس بمعبد "بل" (إله الشمس ورب العدل والعرافة) مما يشير إلى وجود مدارس موسيقية ملحقة بالمعابد الكبرى وهي معابد شمش بمدينة سيبار وانليل بمدينة نيبور وانين بمدينة الوركاء(7). وكان على طلبة ورجال الموسيقى أن يتفننوا في حفظ:
1- نصوص التراتيل والأدعية والأغاني المختلفة الداخلة في المناسبات والشعائر الدينية التي يقومون بالمشاركة في أدائها ومصاحبتها موسيقيا وغنائيا.
2- أن يحفظوا ألحان هذه التراتيل والأغاني.
3- أن يعرفوا لكل نوع من الشعائر والطقوس الدينية النص اللغوي ولحنه الخاص به.
4- أن يجيدوا العزف على أكثر من آلة موسيقية واحدة لأن ممارسة وتنفيذ الشعائر الدينية
المتنوعة تحتاج إلى ذلك(8).
ومن خلال هذه النصوص يتضح أن أكثر الموسيقيين كانوا من الكهنة ورجال الدين الذين يعملون في المعبد، ويقسم الكهنة الموسيقيين حسب هذه النصوص:
أ. عازف الألحان الحزينة(Gala كالا):
وتدل هذه الكلمة على الكاهن الذي يعزف ويرتل التراتيل والنواح عند الوفاة والدفن وغير ذلك من المناسبات وتقسم هذه الوظيفة إلى ثلاث درجات:
1- كالا ماخ (Gala-mah)) ) وفي اللغة الأكدية كالماخو (Galmahu): أي الكاهن العظيم ويعتبر الموسيقي الأول أو من الدرجة الأولى.
2- كالا Gala)) وبالأكدية كالو(Kalu) : أي الكاهن وهو من الدرجة الثانية.
3- كالا تور Gala-tur)): أي الكاهن المبتدئ المتدرب، أو طالب الموسيقى.
ب. عازف الألحان السارة نار(Nar) بالأكدية ناروم (Naru):
وتدل هذه الكلمة على صنف من الكهنة الذين يعزفون وينشدون في المناسبات السارة، وهم يقسمون أيضا إلى ثلاث درجات:
(Nar-gal)( 1. نار كال أي الكاهن الكبير.
(Nar (2. نار أي الكاهن.
Nar-tur ( 3). نار تور أي الكاهن الصغير.
ج. عازف ملكي: وهم الموسيقيون الذين يعملون في بلاط الملك ويقسمون إلى قسمين: قسم مختص بالموسيقى الحزينة ويطلق عليهم (كالا لوكال (Gala lugal،وقسم مختص في الموسيقى المفرحة السارة ويطلق عليهم (نار لوكالNar lugal)(9).
ومما سبق يتضح أن الموسيقى قد عايشت السومريين والبابليين حياتهم ورافقتهم في المناسبات الدينية المختلفة مثل: احتفالات عيد رأس السنة والأعياد الأخرى، الوفاة ودفن الموتى في غياب تموز ونزول الآلهة انانا إلى العالم الأسفل، ولائم الشراب، بناء المعابد وتجديدها وتدشينها، الدعاء والمديح للآلهة والملوك والثناء عليهم، وتخريب المدن ومعابدها وغير ذلك من المناسبات، بالإضافة إلى كل هذا فقد استخدموا الموسيقى في الحروب وفي النصر على الأعداء وفي تقديم القرابين بعد الانتهاء من الصيد...(10).
من العرض السابق نلاحظ أن الفن في سومر وبابل فن أصيل، ظهر على مر التاريخ وهو فن كامل له شخصيته، ثم أخذ يتطور وينمو محتفظا بطابعه، ونظرا إلى أصالته وقدمه، واستمرار الحضارة التي كان يستوحيها ظهرت فيه وحدات فنية مختلفة، هيئ لها الوقت الكافي لتنضج، ثم انتقلت إلى غيرها من الفنون، ويمكن القول أن هذا الفن صورة لا تختلف كثيرا عن فن وادي الرافدين بصفة عامة، هذا الأخير كان له نصيب كبير في تكوين كثير من الفنون التي عاصرته والتي جاءت من بعده، فن استمد صوره من تقاليد تاريخه، ومتأثرا بالحضارة التي نشأ فيها، والدين الذي اتصل به وخدمه.
فقد كانت وظيفة الدين هي تفسير الظواهر المختلفة مثل بدء الخليقة والموت ومصير العالم، كما ساهم الدين دائما في إعطاء الشرعية للنظام الاجتماعي السائد ووسيلته إلى تحقيق ذلك هي الفن، فهو الذي كون النشاط الإبداعي وخلق حالة من الوعي تنطلق وتنعكس على ظواهر الحياة البشرية كالمهن والفنون بعد أن اجتازت عددًا من المراحل السابقة وجسدت صورة الوعي بالآلهة لتتخذ شكلا بالفن، وكما أن الفن تأثر بالبيئة الجغرافية والظروف الطبيعية للمكان قد تفاعل مع الدين وكان جزء منه يعبر عنه ويخدم النظام الاجتماعي بل ويضيف أحيانا إلى المعتقدات والأفكار.
وتتضح العلاقة بين الدين والفن أيضا إضافة إلى ما جاء سابقا في تبعية الفن والفنانين للدين والحكام حسب رأي أرنولد هاوزر نقلا عن كتاب صبحي الشاروني: "إن الكهنة والحكام هم أول من استخدم الفنانين وظلوا لفترة طويلة ينفردون باستخدامهم، وكانت أهم الورشات الفنية التي يعمل بها الفنانون طوال فترة حضارة الشرق القديم تقع في المعابد وقصور الأمراء، في هذه الورش كان الفنانون يعملون إما بوصفهم متطوعين وإما بوصفهم موظفين مجبرين، أعني بوصفهم عمالا لديهم حرية الحركة أو بوصفهم عبيدا مدى الحياة وفي هذه الظروف أنجز أعظم وأروع قدر من الإنتاج في ذلك العصر... ويمكن أن يكون الفنانون يعملون في سلك الكهنة بسبب ما لديهم من مهارات سحرية وهي عملية التشخيص في حد ذاتها..."(11).
وعلى ذلك كله يمكن القول أن الفن والدين سارا جنبا إلى جنب منذ البداية وبقيا متحدين معا وبدون تفكك عبر تواريخ طويلة ملئي ٌ ة بالحوادث في تاريخ السومريين والبابليين وهو ما يذهب إليه هيغل: "وكان الدين في أقدم أطواره دينا يحتل فيه الفن ومنتجاته المحسوسة مكانة بالغة الأهمية"(12)، ونفس الرأي ذهب إليه دوركايم في شرحه العلاقة بين الدين والفن بصفة عامة: "الفنون تنبع أساسا من الدين"، وكذا ما ذهب إليه لانسون: "إن كل ما تذوقه الشعب من فنون الجمال كان مصدره الدين"(13).
وخلاصة القول أن الفنون في سومر وبابل بما تتضمن من قيم ومعايير جمالية تعرضت لنزعات واتجاهات متغيرة بعضها يستمد قوامه من المعتقد الديني وبعضها يستمد أصوله من غاية نفعية أخلاقية أو متطلبات إيديولوجية أو سياسية معينة أوجدت فنون خالصة وفنون مشوبة بالتيارات والنزعات الدينية أو غيرها.
____________
(1) صبحي أنور رشيد وآخرون، الموسيقى، حضارة العراق، ج 4، المرجع السابق، ص 407
(2) ثروت عكاشة، المرجع السابق، ص 635-636.
(3) سفر دانيال(11-10 : ( 3 )
(4) ثروت عكاشة، المرجع السابق، ص 636.
(5) ثوركليد جاكوبسن وآخرون، المرجع السابق، ص 222 .
(6) ثروت عكاشة، المرجع السابق، ص 641 .
(7) نفسه، ص ص 635-637 .
(8) صبحي أنور رشيد وآخرون، المرجع السابق، ص 415 .
(9) صبحي أنور رشيد، تاريخ الآلات الموسيقية في العراق القديم، المؤسسة التجارية للطباعة والنشر، بيروت، 1971 ، ص 254-255.
(10) -صبحي أنور رشيد، (تاريخ الآلات الموسيقية في العراق القديم)، المرجع السابق, ص 270 .
(11) صبحي الشاروني، المرجع السابق، ص 63 )
(12) هيغل، فكرة الجمال، تر: جورج طرابيشي، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 1981 ، ص 26 .
(13) نقلا عن: محمد عزيز نظمي سالم، قراءات في علم الجمال حول الإستطيقا النظرية والتطبيقية -الفن بين الدين والأخلاق- ج 1، دار المعارف، مصر، 1996 ، ص 10.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|