أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-3-2016
28469
التاريخ: 17-4-2017
3353
التاريخ: 14-3-2018
1851
التاريخ: 29-6-2019
1890
|
يعرف الفقه الإسلامي الدعوى بأنها مطالبة شخص شخصاً آخر بحق يدعيه عليه(1). ولكن ليس من المنطق ان يحكم لكل واحد بما ادعاه، لما يترتب على ذلك من ضياع للحقوق وإهدار للأموال والانفس وأخذ الناس بالشبهات. إذ ان الدعوى لا تثبت إلا بدليل يستبين به الحق ويظهر. والمدعي هو من يكلف باقامة هذا الدليل ليثبت من خلاله صدق دعواه وصحتها. أي ان يقيم البينة، حسب الفقه الإسلامي(2). غير انه هناك خلاف في الفقه الإسلامي حول حرية القاضي الجنائي في الإثبات والاقتناع، وهل هو حر في تكوين عقيدته من أي دليل يراه كافياً لاقتناعه ام انه مقيد في ذلك بأدلة معينة وردت بها النصوص وحددت حجيتها في الإثبات؟. إذ يكمن أساس هذا الخلاف بين الفقهاء، في تفسير معنى البينة التي يتعين على المدعى الالتجاء اليها لاثبات دعواه، والتي يلتزم القاضي بها في الحكم بالعقوبة. فقد اختلف الفقهاء في المراد بالبينة، فخصها البعض بالشهادة، بالقول ان البينة هي الشهود لوقع البيان بقولهم، أي لأن الشهادة تبين عن الحق وتوضحه بعد خفائه، من بان الشيء إذا ظهر وأبنته أظهرته، وتبين لي ظهر(3). وذهب البعض الآخر(4). إلى ان البينة هي اسم لكل ما يبين به الحق ويظهر. اما من خصها بالشهود فحسب، فقد قصرها على احدى صور البينة، إذ أتت البينة في القرآن الكريم، مراد بها الحجة والدليل والبرهان بصفة عامة، والشهادة من البينة، ولا ريب ان غيرها قد يكون اقوى منها. وعليه فإن الإثبات في الفقه الإسلامي، لا يقيد بالشهادة، وان كانت الشهادة وسيلة من وسائله – وانما للاثبات معنى عام وهو كل ما يؤدي إلى اظهار الحقيقة(5). ويقرب بعض فقهاء القانون المعاصرين بين نظام الإثبات في الشريعة الإسلامية وبين نظام الأدلة القانونية الذي عرفته الشرائع القديمة، على ان اشتراط طرائق معينة، ومشددة في بعض الاحيان للاثبات في الشريعة الإسلامية انما هو قيد مقرر لمصلحة المتهم وموجه اساساً إلى القاضي بحيث لا يجوز له ان يقبل في الإثبات ما هو ادنى في الدلالة على ثبوت نسبة الجريمة إلى المتهم من خلال هذه الطرق(6). بيد انه يمكن القول ان الشريعة الغراء تأخذ بنظام الأدلة القانونية في جرائم الحدود والقصاص، اما في جرائم التعزير فإن المبدأ هو حرية الإثبات وحرية القاضي في الاقتناع. وذلك مراعاة منها لمختلف الحقوق، فوضعت لكل حق ما يناسبه من وسائل الإثبات، ففرقت بين جرائم الحدود والقصاص من ناحية وجرائم التعزير من ناحية أخرى. إذ لأهمية الأولى، قيدت من طرق اثباتها، بينما اطلقت وسائل اثبات الأخرى(7).الا ان بعض من الفقه يرى ان الشريعة الإسلامية انما تتبنى مبدأ الاقتناع القضائي بصفة عامة في مجال الإثبات، ولا يؤثر في ذلك كونها تقيد من وسائل اثبات بعض الجرائم، استناداً إلى ان حكم العدل بين الناس، لن يتحقق سوى بأن يقضي القاضي تبعاً لاقتناعه، حتى مع تقييد الوسائل التي يستعين بها لتكوين هذا الاقتناع. لأن القاضي حر في تقدير الدليل المقدم اليه، يأخذ به إذا اطمئن اليه ويطرحه ما لم يقتنع به، حتى الإقرار موكول إلى القاضي، فقد يرفضه إذا تبين له ان المقر خالف في إقراره ما هو ثابت لديه. كما ان جرائم الحدود والقصاص محدودة النطاق إذا ما قورنت بجرائم التعزير، بما مؤداه ان الجانب الغالب في هذا الشأن إنما يتمثل في جرائم التعزير، إذ ان تحديد طبيعة نظام ما انما يكون بالنظر إلى ما يسود الجانب الاكبر فيه من خصائص(8). الا اننا نؤيد القول ان نظام الإثبات في الفقه الإسلامي يغلب عليه التقيد بأدلة محددة في ابرز واخطر الجرائم، وهي جرائم الحدود والقصاص، بحيث يتعين على المدعي ( الاتهام ) بيان هذه الأدلة بالتحديد واثباتها – استناداً إلى ان الأصل براءة المدعى عليه (المتهم ) – وإلا يتعين على القاضي ان يحكم بالبراءة. غير ان ذلك لا يعني عدم تطبيق مبدأ الاقتناع القضائي، على تلك الجرائم(9)؛ غاية ما في الامر ان نظام الإثبات في الشريعة الإسلامية، يأخذ بما يمكن ان نسميه "بتفريد الأدلة"، أي تصنيف الأدلة وفقاً لجسامة الجرائم والعقوبات، بما يجعل التناسب والملائمة قائمة بين جسامة العقوبة وقوة الدليل، وان تتدرج شدة الإثبات مع تدرج شدة العقوبات؛ إذ يعود ذلك التشدد في الإثبات – في النظام الإجرائي الإسلامي – انطلاقاً من التشدد في العقوبة في الشريعة الإسلامية(10). وما ذلك كله إلا حرصاً على حقوق وحريات العباد، وتطبيقاً لمبدأ البراءة الأصلية التي يتمتع بها المتهم، حتى تثبت ادانته من خلال بينة واضحة وصريحة، لا يشوبها أي شك أو ريبة. ومع ذلك، وعلى الرغم من الخلاف السابق، حول طبيعة الإثبات في الشريعة الإسلامية فإنه مما هو متفق عليه في الفقه الإسلامي ان "الأصل في الإنسان البراءة" يعد من الأصول الجوهرية التي تحدد من يقع عليه عبء الإثبات في القضاء الإسلامي، بحسبان ان ذمة الإنسان بريئة في الأساس، وان الأصل في افعاله إنها مباحة، ويظل هذا الأصل في الإنسان وأفعاله، حتى يرد ما ينفيه بصورة يقينية. فهذا الأصل والظاهر وعلى من يدعي خلاف ذلك ان يثبته، ولما كان المدعي يدعي دائماً خلاف الأصل والظاهر، فعليه يقع دائماً عبء الاثبات(11). وينبثق عن هذا الأصل القاعدة العامة التي تحكم عبء الإثبات في الشريعة الإسلامية، وهي قاعدة "البينة على المدعي واليمين على من انكر"، فضلاً عن القاعدة التي تحكم تقدير الإثبات في الشريعة الإسلامية وهي قاعدة "درء الحدود بالشبهات". لذلك نجد ان الفقه الإسلامي يتفق – وأياً كان الامر حول طبيعة الإثبات في الشريعة الإسلامية – على ان ثمة قواعد واحكاماً عامة للاثبات في الشريعة الغراء، ويقصد بها تلك القواعد التي تسري على جميع الجرائم، أي سواء أكانت الجريمة من جرائم الحدود والقصاص أم كانت من جرائم التعزير. تتمثل هذه القواعد في حمل الاتهام عبء الإثبات مع إقرار مبدأ الاقتناع القضائي بصفة عامة، ودرء الحدود بالشبهات(12).
___________________
1- محمد جواد مغنية، "فقه الامام جعفر"، مكتبة الهلال، ج6، بيروت، بدون تاريخ، ص74.
2- السيد سابق، فقه السنة، م3، المرجع السابق، ص327.
3- وهو رأي الجمهور والشيعة الامامية والشيعة الزيدية والمذهب الأباضي.
انظر: هلالي عبداللاه احمد، "النظرية العامة للاثبات الجنائي"، م1، المرجع السابق، ص213.
4- وهو رأي ابن تيمية وابن القيم، المرجع السابق، ص214.
5- انظر في ذلك:
- رأفت عبدالفتاح حلاوة، "الإثبات الجنائي قواعده وأدلته – دراسة مقارنة بالشريعة الإسلامية"، دار النهضة العربية، القاهرة، 2003، ص12-13.
6- محمد سليم العوا، "الأصل براءة المتهم"، من بحوث الندوة العلمية الأولى حول المتهم وحقوقه في الشريعة الإسلامية، ج1، المركز العربي للدراسات الامنية والتدريب، الرياض، 1986، ص253.
7- انظر بهذا المعنى: محمود محمود مصطفى، "الإثبات في المواد الجنائية"، ج1، المرجع السابق، ص21.
8- انظر في تفصيل ذلك: السيد محمد حسن شريف، المرجع السابق، ص35-41.
9- ومما يتفق مع ذلك ما يراه جمهور فقهاء المسلمين (المالكية والشافعي، واحمد بن حنبل، وبعض الحنفية، وبعض الشيعة الامامية، والشيعة الزيدية) من ضرورة الاجتهاد كشرط فيمن يولى القضاء، فلا يجوز تولية المقلد بأي حال من الأحوال، فالمقلد ليس أهلاً للقضاء وتوليته باطلة وأحكامه مردودة، وذلك استناداً إلى قوله تعالى: ((وأن أحكم بينهم بما انزل الله )) (سورة المائدة، الآية 49 ). وكذلك بقوله تعالى: (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول )) ( سورة النساء، الآية 59 ). ويفهم منها ان الحكم يجب ان يستنبط من كتاب الله وسنة رسوله (r)، وهذا عسير على الشخص ان لم يكن مجتهداً.
انظر في تفصيل ذلك: حاتم بكار، "حماية حق المتهم في محاكمة عادلة"، المرجع السابق، ص154-155.
10- انظر في هذا المعنى: هلالي عبداللاه احمد، "النظرية العامة للاثبات الجنائي"، م1، المرجع السابق، ص222.
11- انظر بهذا المعنى: رأفت حلاوة، "الإثبات الجنائي قواعده وادلته – دراسة مقارنة بالشريعة الاسلامية"، المرجع السابق، ص26.
12- انظر في تفصيل ذلك: السيد محمد حسن شريف، المرجع السابق، ص26.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مستشفى العتبة العباسية الميداني في سوريا يقدّم خدماته لنحو 1500 نازح لبناني يوميًا
|
|
|