المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



القرآن في طريقه إلى الأرض‏  
  
2571   03:46 مساءاً   التاريخ: 4-05-2015
المؤلف : محمد علي الاشيقر
الكتاب أو المصدر : لمحات من تاريخ القران
الجزء والصفحة : ص91-108
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / مواضيع عامة في علوم القرآن /

نزل القرآن الكريم على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نجوما «نجما» في مدة 23 سنة وهي «الفترة التي تكامل فيه الكتاب العظيم نزولا وترتيبا بين سوره وآياته» (1) وذلك استنادا إلى بقاء واقامة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة المكرمة قبل الهجرة مدة 13(2) سنة واقامته في المدينة المنورة من بعدها مدة 10 سنوات حتى لحق برحاب ربه راضيا مرضيا ..

و قيل إنه نزل في أقل من ذلك وعلى وجه التحديد والحصر في مدة 22 سنة و3 شهر و22 يوم‏ (3).

و كان أول ما نزل من القرآن هو ما جاء في دعوته سبحانه لرسوله وابناء الأمة كافة للقراءة والتعليم وتذكيرهم بخلقتهم الأولى وأصل نشأتهم اضافة للإشارة إلى وحدانيته وعطفه على الخلق بقوله تعالى : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق : 1 - 5]

لقد كان نزول هذه الآيات الكريمة يوم الاثنين 17 رمضان للسنة 40 من ميلاد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) المصادف 1 شباط أو 6 آب (بقول آخر) من سنة 610 ميلادية، وفي غار حراء في أعلى جبل النور الذي يقع على بعد 5 كيلومتر من مكة وعلى يسار الشخص المتجه إلى منى وعرفات من مكة، والذي كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يتعبّد فيه ويخلو به قبل أن يبعثه اللّه بالرسالة ويصطفيه بالنبوة ..

كانت ساعة الصفر في قيام الثورة الإسلامية قد دقت عند ما دوّى جنبات غار حراء صوت عال متسم بالوضوح والجلاء وقاضيا على سكون الغار وصمته مخاطبا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ب : اقرأ فيجيبه ما أنا بقارئ ...؟ وهكذا يتكرر النداء ثلاثا حتى يعود الصوت لينشد البيان الأول لقيام الثورة وبدء مرحلة القضاء على أوكار الوثنية وقلاع الكفر وتصفية جيوب الانحراف والمقاومة، وهذا البيان التاريخي كان : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ‏} ... الخ.

و ما كان على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن أصبح الثائر الأول على الأرض العربية إلا أن يردد في تؤدة وهدوء كلمات هذا البيان الذي سمعه لتوه مرة ومرة ومرات بعد أن يكون الطارق الجديد قد أنهى مهمته الأولى في نقل البيان الأول وانصرف عائدا لا يلوي على شي‏ء ..

و ما هي إلا لحظات قليلة حتى يغادر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) موقع الغار مسرعا تلقاء داره ليخفّف عن كاهله وطأة هذا الحدث الجبار الذي ألمّ به، وليرى فيه من يفسر له حقيقة ما سمعه لتوه، وما أن يتوسط الجبل وإذا به (صلى الله عليه وآله وسلم) يسمع من أعالي السماء نداء مماثلا للذي سمعه قبل قليل يقول له : «يا محمد أنت رسول اللّه إلى الناس كافة وأنا الأمين جبرائيل» وينقطع الصوت ويغيب الوحي ليخيم على جنبات المنطقة والوديان التي تتخللها صمت رهيب كصمت القبور ..

لقد عرف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) اثر هذا وذاك أن الأمر لم يكن إلا حقيقة وواقعا وأنه غدا من هذه اللحظة رسول الثورة إلى الناس كافة. وان عليه‏ الآن أن يكون في مستوى المهمة التي أوكلت له، وأن كل الذي حصل له في سواد يومه لم يكن من خيالات النفس وأوهام اليقظة بل الحقيقة الواضحة والواقع الجلي وضوح الشمس وجلاء النور لذي عينين ...

جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد كل هذه الأحداث المتتابعة إلى داره من أقصر الطرق، ومن دون أن يعرّج أو يمر بأحد وحال وصوله إلى أرض الدار يلقي بنفسه إلى حجر زوجته خديجة بنت خويلد (4) طالبا منها أن تدثره على الفور، فما عتمت هذه الزوجة البارة أن لمست من خلال قسمات جبين زوجها أن شيئا جديدا قد حدث له في يومه هذا، فقادها تفكيرها إلى أن أمرا خطيرا قد كلف زوجها (صلى الله عليه وآله وسلم) به، ولكن- يا ترى- ما هو حقيقة كل ذلك حيث لا أحد يعرف سر ذلك إلا شخص واحد فقط على وجه البسيطة وهو زوجها (صلى الله عليه وآله وسلم) ..

لذا استجمعت قواها وصممت على الوقوف على حقيقة الأمر، فاقتربت منه (صلى الله عليه وآله وسلم) وسألته عما شاهد أو سمع في سحابة يومه، ولكنه (صلى الله عليه وآله وسلم) طلب منها التريث قليلا ليقصّ عليها بعد حين حقيقة الوحي الذي نزل عليه والرسالة التي كلف القيام بها والبيان الأول الذي سمعه لتوه ..

و بعد صمت مطبق خيّم على أرجاء الغرفة اثر نقل حركة الدعوة الإسلامية إلى أسماع المرأة التي أصبحت المسلمة الأولى في التاريخ، فإذا بها تجيب زوجها بكلام يطمئن قلبه ويبعث فيه السكينة والهدوء بقولها : «كلا واللّه ما يخزيك اللّه أبدا، انك لتصل الرحم وتحمل الكل‏ وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق، فابشر يا ابن العم واثبت فو الذي نفس خديجة بيده اني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة» ..

فوضعت يدها في يده (صلى الله عليه وآله وسلم) لتصبح أول من يلبي دعوة السماء ونداء الثورة من النساء، ثم يدخل بعد فترة صهرها امام الهدى علي بن أبي طالب- عليه السلام- ليضع هو الآخر يده في يد ابن عمه (صلى الله عليه وآله وسلم) ليكون أول من يسلم من الرجال، ثم يليها بعد ذلك أبو بكر الصديق ليصبح المسلم الثالث على وجه الأرض ..

لم يهدأ روع خديجة من كل الذي سمعته ولم يقر لها قرار وباتت في انتظار من يطمئن لها قلبها ويزيد في يقينها وما آمنت به، فلم تجد بدا من الإسراع تلقاء الدار التي كانت تقيم فيها سابقا حيث يقطنها قريبها ورقة بن نوفل بن عبد العزى‏ (5) ففاتحته بالقصة كاملة في انتظار ما سيجيب عليها من أجل أن يطمئن قلبها وتزداد قوة ومضاء في دعم الرسالة الجديدة ..

فما كاد ورقة يفرغ من سماع حديث خديجة حتى انتفض قائما وكأنه عثر على ما كان يبحث عنه وأجاب خديجة بقولته الشهيرة التي تحدث بها الركبان والتي جاء فيها : «لئن كنت قد صدقتيني يا خديجة فيما قلتيه لي- وما أظنك إلا صادقة- فقد جاء زوجك أمين الوحي (الناموس) الذي اتى موسى من قبل وأنه لنبي هذه الأمة، فقولي له‏ فليثبت فإنه ذائق من قومه ما ذاقه اخوانه موسى وعيسى من قبله، فطوبى لمن يؤمن به ومن يصدّقه» (6)..

وعادت خديجة وهي مثقلة بالأقوال التي سمعتها آنفا إلى زوجها لتروي له كل ذلك من أجل مضاعفة عزيمته وتصميمه على النضال والكفاح، فحكت له (صلى الله عليه وآله وسلم) كل ما سمعته، فما كان منه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أن حمد اللّه تعالى على ما اصفاه لأداء الرسالة وآثره لتبليغها إلى الناس كافة رغم ما سينتظره في سبيل ذلك من عقبات ومكاره وهو أمر طبيعي عند طرح أية فكرة جديدة ونشرها بين صفوف أناس يؤمنون بسواها ..

هذا وأن الوحي الذي جاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد انقطع عن النزول عليه مدة قيل أنها (40) يوم وقيل ثلاث سنوات وهي المدة التي تدعى ب «فترة انقطاع الوحي» وهي الفترة التي اتخذت الدعوة والثورة فيها جانب السرية والتكتم ولم تصل أنباؤها وأخبارها إلى صفوف قريش وأقطابها، لذا لم تلق الدعوة في طريقها أية عقبة أو معارضة من قبل طواغيت مكة وطغاتها ..

ثم يعود الوحي بعد مضي هذه الفترة- وهي ثلاث سنوات على أصح الأقوال- وبعد أن «تركه خلالها في حيرة يزرع دروب الصحراء الملتهبة يكاد يجزع من أمر هذا الصوت الذي نزل عليه ثم انقطع عنه» (7) يعود ليستأنف نزوله كرة أخرى لمتابعة تبليغ البيانات الإعلانات التالية للثورة حيث كان البلاغ والبيان الثاني والتالي هو : {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر : 1 - 6]

و عند الفراغ من اذاعة هذا البيان شعر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بمبدأ أو انتقال الدعوة والثورة من عهد السكون والتخفي إلى عهد الحركة والمجابهة، لذا فقد توجه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جبل الصفا بمكة ووقف على قمته ثم هتف برفيع صوته : «يا معشر قريش .. يا معشر قريش ...» فاجتمعت جموع البلد وفرسان قريش من كل حدب وصوب، ثم استأنف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله : «يا معشر قريش أ رأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أ كنتم تصدقوني ..؟» فأجابت جموع قريش المحتشدة : «نعم أنت عندنا غير متهم وما جرّبنا عليك كذبا قط» فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إذن فاسمعوا أني نذيركم بين يديّ عذاب شديد، إن اللّه أمرني أن أنذركم وعشيرتي الأقربين واني لا أملك من الدنيا منفعة ولا من الآخرة إلا أن تقولوا لا إله إلا اللّه» ..

و كان عمه أبو لهب‏ (8) من الحاضرين فأجاب غاضبا : «أ لهذا جمعتنا هذا اليوم تبا لك، تفرّقوا أيها الناس عن هذا الضال ولا تعيروا لقوله أذنا واعية أو كبير أهمية» فتفرّق القوم هنا وهناك ..

و مرة ثانية يدعو (صلى الله عليه وآله وسلم) عشيرته وأقاربه لمأدبة اعدها الإمام علي- عليه السلام- في بيت أبيه أبي طالب وبعد اكتمال نصابهم وانتظام جمعهم الذي بلغ الأربعين فردا خطبهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : «ألا وان الرائد لا يكذب أهله، واللّه لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتحاسبن كما تعملون ولتجزون بالإحسان احسانا وبالسوء سوءا وأنها لجنة أبدا أو نارا أبدا ..» ثم أضاف (صلى الله عليه وآله وسلم) : «يا بني عبد المطلب إني واللّه ما اعلم‏ إنسانا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، لقد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني ربي ان أدعوكم إليه فأيكم يؤمن به ويؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصي ووزيري وخليفتي فيكم».

فسكت الجميع ثم ضحك البعض ساخرين من هذه القولة، بينما نهض من بينهم الإمام علي- عليه السلام- وقال : «أنا يا نبي اللّه أكون وزيرك على ما بعثك اللّه به وحرب على من حاربت وسلم لمن سالمت» ..

فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن أخذ برقبة الإمام علي - عليه السلام- : «هذا أخي ووصيي ووزيري وخليفتي من بعدي فيكم فاسمعوا له واطيعوا» (9)..

وبعد هذه الواقعة اخذت الآيات الكريمة تأخذ طريقها تباعا إلى صدر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من دونما انقطاع أو تأخير حيث مضى إلى غير رجعة عهد سرية الدعوة وانقلبت هذه إلى معركة علنية، وأخذ أفراد المسلمين يزدادون ويتضاعفون بمرور الوقت وشيئا فشيئا، كما أخذت في نفس الوقت مقاومة قريش وعدوانها هو الآخر يزداد وينمو من أجل الحد من اندفاع حركة الدين الجديد وإيقاف زخم تقدمه وتفشيه وبالتالي محاولة القضاء عليه وهو عقر داره ..

ولكن حكم اللّه تعالى وامره كان قد تقرر وصدر ومفاده هو أن يكون النصر والفلاح في النهاية حليفا لهذا الدين الجديد وثواره البواسل، وأن تكون جهود ومساعي اعدائه من القرشيين وطواغيت الكفر ومن شايعهم إلى بوار وفشل، فكان كما أراد اللّه تعالى إذ انتصرت الدعوة الجديدة وعم الدين الحنيف بطاح الأرض وتمزق أعدائه بين مشهر لإسلامه وبين صريع تحت سنابك خيول المسلمين وسيوفهم تلاحقهم لعنة التاريخ والبشرية ..

أما عن آخر ما نزل من القرآن الكريم فهو قوله تعالى : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة : 3] ولم ينزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد هذه الآية شي‏ء من الفرائض ولا تحليل ولا تحريم شي‏ء ..

وقد هبطت هذه الآية في غدير خم بين مكة والمدينة بعد الخطبة الشهيرة التي ألقاها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على جموع المسلمين الذين تجاوز عددهم على المائة ألف نسمة، وحين الفراغ من حجة الوداع عام 10 هجرية وقبل أن يتفرّق هؤلاء المسلمون وينطلقوا إلى أمصارهم وديارهم وهي الخطبة المسماة ب «خطبة الوداع» حيث أحاط بها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين علما بأحكام دينهم وشئون دنياهم فخوّفهم من عذاب اللّه ورغبهم في رضوانه وعبّد لهم السبيل موصل للوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية، كما وحذرهم منها من ارتياد وسلوك الطرق المفضية للخلاف والشقاق والنزاع ومؤكدا فيها بلزوم التمسك بالثقلين كتاب اللّه وعترته الطاهرة حيث انهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض يوم القيامة، وقد حرص (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد كل أمر أو نهي على ترديد العبارة الخالدة : «ألا هل بلغت اللهم اشهد» (10)

وقد كان تاريخ إلقاء هذه الخطبة على وجه الحصر في 18 ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة حيث كان عمره الشريف (صلى الله عليه وآله وسلم) حينذاك 63 سنة وقبل ارتحاله إلى رحاب اللّه بفترة قصيرة ..

كما وقد قيل هنا أن آخر ما نزل من القرآن هو قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [البقرة : 278]، وقيل كذلك هو قوله تعالى : {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء : 176] , كما وقيل أن آخر ما نزل هو قوله سبحانه : {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة : 281] (11)

و السر في اختلاف الروايات في آخر ما نزل من القرآن هو غلبة ظن الرواة واجتهاداتهم، فكل واحد يروي ما سمعه من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل مرضه ثم فارقه ..

هذا ما كان من حال آخر آية نزلت من القرآن ، أما بشأن نزول آخر سورة كاملة على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد قيل (12) هي سورة براءة كما وقال آخرون أنها سورة الأنعام والتي ذكر أنه «قد شيّعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد حتى نزلت على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (13)» ..

أما عن أول سورة نزلت بتمامها على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد قيل أنها سورة الفاتحة (14) و قيل غيرها ..

ونشير بعد ذلك إلى أنه سبق أن قلنا في مطلع هذا الفصل إلى أن القرآن الكريم كان قد نزل نجوما أي متفرقا ودفعة دفعة، فكيف- يا ترى- يمكن أن نوفق بين قولنا هذا وبين ما جاء في قوله تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة : 185] وقوله سبحانه : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر : 1]..

أن الجواب على هذا التساؤل يتلخص في أن المقصود من الآيات الكريمة الآنفة الذكر هو أن اللّه تعالى كان قد أنزل القرآن الكريم جملة واحدة في ليلة القدر من شهر رمضان المبارك أنزله إلى اللوح المحفوظ ثم إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم تولى سبحانه إنزال الآيات تباعا ومتفرقة من المكان الأخير إلى صدر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مدة بعثته وبحسب الحاجة والطلب، وهذا يعنى «أن هناك ثلاثة تنزلات للقرآن الكريم» (15)..

ويرتب البعض‏ (16) على تعدد التنزلات هذه هو «ان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حين تنزل عليه الآيات والسور كان على علم سابق بمحكم القرآن لنزوله عليه جملة دفعة واحدة وهو ما يلوح من قوله تعالى : {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه : 114] ..

لقد أشرنا آنفا إلى أن القرآن الكريم لم ينزل على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من السماء الدنيا جملة واحدة ودفعة واحدة لأنه لو فرضنا- جدلا- أنه نزل بهذه الكيفية- جملة واحدة- لتحوّل عاجلا إلى كلمة مقدسة ساكنة وفكرة هادئة ومجرد وثيقة دينية، وليس مصدر وسبب لبعث الأمل والحياة في الفكرة الناشئة والدعوة الجديدة، إضافة إلى ذلك فإن نزوله جملة واحدة سيكون «للكافرين وجه من العذر يلبس الحق بالباطل وينفّس عليهم أمر الإعجاز ويهوّن في أنفسهم من الجملة بعض ما لا يهون من التفصيل» (17)..

أجل لم ينزل القرآن جملة واحدة على صدر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنما نزوله هذا كان مفرقا كل بضع آيات معا ودفعة دفعة وذلك لأسباب عديدة منها تسهيل حفظه وضبطه وليكون أقرب للفهم والقبول وأبعد عن النسيان، وكان «نزوله نجوما حسب مقتضيات حوادث المجتمع الإسلامي، لذا سميت هذه الحوادث بأسباب النزول» (18) نحو جواب‏ على بعض الأسئلة والاستفسارات التي يسأل عنها الرسول الأمين أو بيان لأنواع التكاليف الدينية والأخبار عن الحوادث والأحداث السابقة والإشعار عن المغيبات والوقائع القادمة، اضافة إلى ذلك فإن نزوله بهذه الطريقة كان يراعى فيه «الحاجات المتجددة ووفق النمو المطّرد في الأفكار والتصورات والنمو المطّرد في المجتمع والحياة ووفق المشكلات العملية التي تواجهها الجماعة المسلمة في حياتها الواقعية» (19)..

كما أن نزوله بهذه الكيفية كان يبتغى منه العزاء العاجل لكل ألم أو مصيبة تلم بالرسول وآله وأصحابه والجزاء لكل تضحية والأمل لكل هزيمة والدرس لكل نصر والجهد لكل عقبة واسباب التشجيع لكل خطر أو عقبة، فضلا عن أن نزوله بهذا السبيل كان يراعى فيه أيضا تقبل العرب لاستبدال عاداتهم القديمة بالأحكام الجديدة.

هذا ويمكن هنا اجمال وحصر كافة الأسباب الحقيقية في نزول القرآن منجما على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والتي أشرنا إليها آنفا، يمكن اجمالها في نقاط عدة ليتاح للقارئ حفظها عند اللزوم وهي.

1- أن نزول القرآن منجما هو من أجل أن يقوي قلب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عند محاجة قومه وتحديهم بأن يأتوا بمثله، لأن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة وفي كل واقعة كان أقوى وأثبت للقلب واشد عناية ورعاية بالرسول ..

2- أن نزوله مفرقا وشيئا فشيئا هو أقرب وأسهل للحفظ والاستظهار والتدوين فيما إذا هبط جملة واحدة، ولا سيما وانه ليس لدى غالبية العرب من الوسائل الكتابية ما يضبط أو يحفظ كل ما ينزل من الوحي إلا وسيلة التكرار والحفظ ..

3- آثر اللّه سبحانه أن يكون هناك ناسخ ومنسوخ في الآيات المنزلة فربما حكم كانت المصلحة والرحمة بالناس تتطلب اخذهم به على مراحل كتحريم الخمر مثلا، ولا يمكن أن يتصور حصول هذا الأمر بدون أن ينزل القرآن متفرقا ..

4- تطلّبت الحكمة وأساليب الدعوة بأن يكون من القرآن أجوبة لاستفسارات وحلا لمشكلات واقعة وبيان الحوادث ووقائع وانكار على قول ليكون أقرب للقبول وأبعث لليقين ولا يكون ذلك إلا إذا جاء القرآن دفعة دفعة وأثر كل استفسار وبعد كل قول أو طلب ..

علما بأن قليلا ما كانت تنزل الأحكام مبتدئة بغير سؤال من أحد الناس، أما الأحكام التي أنزلت بدون حادث أو سؤال فهي آيات تقل كثيرا جدا عما جاء اجابات على أسئلة متصلة بأحداث معينة ..

5- لو أن القرآن الكريم نزل كله جملة واحدة لكان لانقطاع الوحي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ذلك اثر كبير في استشعاره الوحشة والغربة، ومهما يكن الرسول قد اوتى من العزيمة والصبر فإن لبشريته أيضا أثرا بينا في حياته ما دام بشر (20)..

6- أن في التفريق رحمة ولطفا للعباد، فلو نزل القرآن دفعة واحدة لثقلت التكاليف والأعباء فتنفر لذلك قلوبهم وترفض نفوسهم عن قبول كافة الأوامر والنواهي في آن واحد ودفعة واحدة ..

لذا جاء التشريع متدرجا مع الوقائع الفردية والأحداث الاجتماعية تبعا لنزول القرآن وهبوطه متفرقا ونجوما لأن التدرج مع التنظيم خير من العجلة والسرعة مع الفوضى والارتباك ..

هذا ولو لا أن الحكمة الإلهية والرغبة الربانية قد آثرت نزول القرآن إلى الأرض منجما بحسب الوقائع والمناسبات لأهبطه اللّه على الرسول‏  (صلى الله عليه وآله وسلم) جملة واحدة كأغلب الكتب الدينية المنزلة من قبل، ولكن اللّه تعالى اختصّ وميّز القرآن عنها فجعل لها الحسنيين، في إنزاله جملة واحدة إلى سماء الدنيا ثم إنزاله من المحل الأخير إلى الأرض مفرّقا، وهذا هو تشريفا وتكريما من اللّه تعالى للمنزل عليه والمنزل به وتعظيما لهما ..

وبصدد عدد وكمية الآيات التي كانت تنزل في كل دفعة على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فالحق أنها كانت تنزل نجوما الواحدة والاثنان والأكثر، كما وقيل (21) أنه صح نزول بعض آية على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما في قوله تعالى : {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ } [النساء : 95]  وكذلك في قوله سبحانه : {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة : 28]  ..

كما وقد كانت تنزل تارة سورة بجملتها كما في الفاتحة والمدثر ويوسف والأنعام، ويقال عن السورة الأخيرة أنها نزلت كلا في مكة المكرمة دفعة واحدة عدا ثلاث آيات منها نزلت في المدينة المنورة.

«كانت هذه الآيات والسور تنزل عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) بين وقت تتابع أحيانا وتبطئ أحيانا أخرى» (22)..

والقاعدة العامة بخصوص نزول السور كاملة هو أن كل سورة يتّحد موضوعها أو تتداعى مواضيعها تداعيا كبيرا ويلتزم فيها نسق معين فيرجح أنها نزلت جملة واحدة بينما نجد أن السور التي تختلف مواضيعها وتتباعد ولا تتداعى ولا تلتزم بآياتها نسق معين فيرجح نزولها متفرقة ..

وهكذا وعلى الترتيب والسبيل المتقدم كان نزول الآيات على الرسول «صلى الله عليه واله وسلم» حتى أكملت الشريعة الإسلامية الغراء بتمام نزول القرآن.

أما أساس هذه الشريعة في القرآن فقد روعي فيه الأمور الثلاثة التالية وهي (23) :

1- عدم الحرج : وهو عدم تكليف الإنسان فوق طاقته، اضافة إلى التسهيلات التي يجدها عند الضرورات.

2- تقليل التكاليف : وذلك إلى أدنى حد ممكن لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) :

«جئتكم بالشريعة السهلة السمحاء» ..

3- التدرج في التشريع : وذلك حتى تتقبل للأحكام البدائية والأولية وتعتاد على ممارستها ليمكن استجابتهم بعد ذلك وبسهولة لأحكام رئيسية اخرى، فضلا عن أن عملية تغيير الإنسانية وبنائها- والذي جاء القرآن من أجلها- يستدعي ويتطلب هذا التدرج ..

هذا وقد استعمل القرآن الكريم في أسلوبه وبيانه الحقيقة والمجاز والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد والتصريح والكناية والإيجاز والإسهاب على نمط العرب في لغتهم وكلامهم مع علوّه وسموّه على اللغة العربية بفنونه وعلومه وقصصه وتعابيره على النحو الذي سنراه مفصلا في الفصول القادمة ..

أما عن كيفية مجي‏ء الوحي إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بتعبير آخر كيف كان الرسول أو غيره من الأنبياء والمرسلين يتلقون آيات اللّه البينات المنزلة عليهم، فأشير إلى أن هذا الأمر كان يتم على واحد أو أكثر من الوسائل والطرق التالية :

1- أن يسمع الرسول أو النبي كلام الملك (الوحي) من وراء حاجز دون أن يشاهده أو يراه بعينه ..

2- أن يسمع الرسول كلام الملك كما ويراه أمامه جليا، وهذا الوضع هو الذي يفرّق ويميز بين درجة الرسول ودرجة النبوة (الرسالة والنبوة) فالرسول وحده هو الذي في استطاعته ومكنته مشاهدة الملك وسماع قوله فضلا عن أن دعوته تكون عامة وشاملة، بينما النبي الذي تكون دعوته محدودة ومحصورة ببلده أو قومه أو ربما بأهل بيته يكون اتصاله وارتباطه بالملك محدودا أيضا وفي إطار وحدود السماع فقط دون الرؤية والمشاهدة ..

3- أن يأتي الملك للرسول أو النبي في النوم (اليقظة) فيكلمه حول الآيات المنزلة، علما بأن رؤيا الرسول أو النبي لا تأتي إلا كمثل فلق الصبح أو الشمس في رابعة النهار وضوحا وجلاء وكما هو الحال في رؤيا الخليل إبراهيم ومشاهدته وهو يذبح ولده إسماعيل ورؤيا الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حول دخوله البيت الحرام آمنا ..

وقيل أن هناك علاوة على ما تقدم طرق وسبل أخرى للاتصال والتلقي من الوحي منها أن ينفث الوحي في روع الرسول الكلام المنزل نفثا ومنها أن يأتيه كصلصلة الجرس أو أن يكلمه من وراء حجاب (24)..

كما ونود أن نشير هنا أيضا إلى أمر آخر وهو هل سبق وان نزلت سور أو آيات لأكثر من مرة واحدة على صدر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عند تجدد نفس الحادثة أو السبب الذي نزلت من أجله السورة أو الآية، وهو المعبر عنه ب «تعدد النازل والسبب واحد» أو عند عدم تجدده ..

لقد قيل بصدد هذه الحالة أنه لا يمنع من ذلك، فهناك آيات وسور عديدة في القرآن الكريم نزلت مرتين فيقال بأن «سورة الفاتحة نزلت على الرسول مرتين» (25) وأنها مكية مدنية معا، فقد «نزلت بمكة حين فرضت الصلاة ثم نزلت بالمدينة حين حوّلت القبلة إلى الكعبة» (26)..

وقيل أيضا أن الآية {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء : 85] هي الأخرى نزلت مرتين في مكة والمدينة (27)..

أما علة نزول السور أو الآيات لمرتين أو أكثر فيقال أنها لأجل التعظيم والتذكير و«لحكمة أرادها اللّه» (28)..

هذا ومثلما هناك سور أو آيات نزلت مرتين فهناك أيضا آية أو آيات تتشابه فيما بينها باللفظ أو مع وجود فرق بسيط بينهما في بعض الكلمات أو التراكيب ..

ومن هذا النوع هو قوله تعالى : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة : 123]  وقوله سبحانه : {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } [البقرة : 48] وهكذا في آيات أخرى (29)..

وقيل هنا بصدد هذا التشابه النسبي في الآيات هو أن نزول الآية الثانية المماثلة للأولى نسبيا إلا في بعض الكلمات والألفاظ هو بسبب تجدد نفس الواقعة السابقة التي نزلت من أجلها الآية الأولى عدا تغيير بسيط في بعض ظروفها ووقائعها مما تطلب الحال تغيير بعض الألفاظ في الآية الثانية بما يناسب ويلائم الواقع الجديد.

كما وهناك اضافة لما تقدم آيات صغيرة في القرآن الكريم مكررة لعدة مرات مثل قوله تعالى : { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [الطور : 11]  وقوله تعالى :

{ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن : 13] وقوله سبحانه : {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } [القمر : 16]..

وهذه الآيات المكررة هي- دون شك- نوع طريف من الإبداع لم يكن معروفا من قبل وقد شاع استعمال هذه الطريقة «التكرار» في اللغة العربية بعد نزول القرآن الكريم. فنجد في المخمسات تكرر بيت واحد كما ونلاحظ ذلك في «الأناشيد القومية والوطنية والتي تتكرر فيها بعض المقاطع الحماسية المثيرة» (30) لمرات عديدة فضلا عن أن «تكرر هذه الآيات ما يثير في نفس سامعيه اليقين بأنه ليس من الصواب نكران نعم تكررت وآلاء توالت» (31) ثم «أنه في ذاته قد يكون اسلوبا من الأساليب البليغة في كلام العرب حينما يكون مظهرا من مظاهر الإطناب البليغ» (32)..

وفي ختام هذا الفصل أشير إلى موضوع قد يكون خارج محيطه إلا أن بحثه قد يكون ذا منفعة لمن أحب الاستزادة من معارف القرآن ومعالمه، وهو أن القرآن الحكيم ينقل إلى البشر في خلال وعبر آياته وسوره- فيما ينقل- كلمات وأقوال ومحادثات سبق أن نطقت من قبل‏ الأنبياء والملائكة أو الجن أو الحيوانات أو جهنم .... الخ وثابت هنا أن لسان ولغة كثير من هؤلاء لم يكن عربيا فقد كان إغريقيا أو روميا أو مسماريا أو عبرية أو هيروغلوفيا أو لغة خاصة لم تكشف أسرارها بعد ..

فيا ليت شعري ما هي علاقة وارتباط تلك الأقوال التي نطقت في وقتها وبغير العربية بما جاء في القرآن من إشارة لها تفصيلا أو إيجازا وبلسان عربي مبين هو في منتهى البلاغة والبيان .

الظاهر أن من تكلم عن حقيقة ذلك انقسم إلى مذهبين :

1- ان ما جاء في القرآن الكريم على لسان كل هؤلاء إنما هو الترجمة الكاملة الأمينة لها من دونما زيادة أو نقص ..

2- أن ما جاء على لسان هؤلاء لا يتعدى أن يخرج عن معانيه الحقيقية، وقد يكون هذا المعنى موجزا كما وقد يكون مسهبا تبعا لما يتطلبه المقام عند نزول الآيات على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ..

فقد تكون هذه المعاني مفصلة ومسهبة إذا كان الحال يتطلب مزيدا من الموعظة والهداية والإرشاد، كما وقد تكون مختصرة وموجزة إذا لم يتطلب المقام الاطناب كرد مفحم قصير على ادعاء أو جواب على سؤال عابر أو نحو ذلك ..

وأخيرا أود أن أعقب على كل ما أكتبه آنفا حول نزول القرآن الكريم فأقول هل ذهبت- يا ترى- الآيات النازلة يمنة ويسرة وتفرّقت هنا وهناك وحفظ ودوّن قسم منها دون الآخر، أم أن أمرها كان على عكس ذلك حيث التقت الآيات الكريمة برمتها في مكان واحد وانتظمت تباعا وحفظت ودوّنت جميعها من دون فقدان حرف أو سقوط نقطة ..

إن الجواب الشافي على كل هذه التساؤلات سيكون مادة الفصول الثلاثة القادمة، فلنبدأ مسيرتنا الهادئة شطرها بعد الاتكال على اللّه والاستعانة به ..

______________________________

(1) التعبير الفني في القرآن - الدكتور بكري شيخ أمين.

(2) وفي هذا المعنى قال الشاعر :

ثوى في قريش بضع عشرة حجة

 

يذكّر لو يلقى صديقا مواتيا

     

(3) الاتقان في علوم القرآن- جلال الدين السيوطي.

(4) خديجة بنت خويلد (الكبرى) هي الزوجة الأولى للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث تزوجها بعد وفاة زوجها وعمرها (40) سنة بينما كان عمر الرسول (25) سنة، ولم يتزوج الرسول عليها حتى انتقالها إلى جوار اللّه تعالى، ولأموالها- رحمها اللّه- دخل كبير في انتصار الإسلام ونشر رسالته حتى قيل في الأمثال : لم يقم للإسلام قائمة إلا بكفاح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأموال خديجة وسيف علي- ع- وكانت أول مسلمة في الإسلام، توفيت في السنة التي توفي فيها أبو طالب عم النبي فكان عاما للأحزان ونكسة للمسلمين وهي السنة الثالثة قبل الهجرة ..

(5) ورقة بن نوفل ينتسب إلى قريش وهو حكيم جاهلي، اعتزل الأصنام والأوثان وتنصر قبل الإسلام وكان شيخا كبيرا قد كف بصره، وقد قرأ كتب الأديان واطّلع على ما ورد فيها بصدد النبي الموعود والرسول المنتظر، وكان يكتب اللغة العربية بالحروف اللاتينية، أدرك عصر النبوة ولم يدرك الدعوة، وهناك من يعده من الصحابة وله شعر جميل سلك فيه مسلك الحكماء، توفي- رحمه اللّه- نحو سنة 12 قبل الهجرة ..

(6) القرآن - محمد صبيح.

(7) القرآن - محاولة لفهم عصري - مصطفى محمود.

(8) رغم ان أبا لهب هو عم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أن هذه القرابة لا تغني عن اسلامه شيئا، فالإسلام هو المعول عليه في الإكرام والقرابة وهو الحجر الأساس في رفعة الفرد وعزته لا أي اعتبار آخر وفي هذا المعنى قال الشاعر :

لقد رفع الإسلام سلمان فارس‏

 

وقد وضع الشرك الشريف أبا لهب‏

     

كما وقال شاعر آخر في هذا المعنى :

كانت مودة سلمان لهم رحما

 

ولم يكن بين نوح وابنه رحم‏

     

 

(9) حياة محمد- الدكتور محمد حسين هيكل (الطبعة الأولى)، الإسلام على ضوء التشيع - الشيخ حسين الخراساني، بحار الأنوار- محمد باقر المجلسي.

(10) الغدير في الكتاب والسنة- الشيخ عبد الحسين الأميني.

(11) البقرة : 281، التعبير الفني في القرآن- الدكتور بكري شيخ أمين.

(12) البرهان في تفسير القرآن- السيد هاشم البحراني.

(13) مقدمتان في علوم القرآن- آرثر جفري.

(14) مجلة منبر الإسلام- العدد العاشر تفسير سورة الفاتحة.

(15) دراسات في علوم القرآن- عبد القهار العاني.

(16) موجز علوم القرآن- داود العطار.

(17) اعجاز القرآن والبلاغة النبوية- مصطفى صادق الرافعي.

(18) تاريخ التشريع الإسلامي- الشيخ محمد الخضري، فلسفة التشريع في الإسلام- الدكتور صبحي المحمصاني لقد تم اعداد فصل خاص بأسباب النزول في نهاية الكتاب.

(19) معالم في الطريق- سيد قطب.

(20) التعبير الفني في القرآن- الدكتور بكري شيخ أمين.

(21) مباحث في علوم القرآن- الدكتور صبحي الصالح، تاريخ القرآن - ابي عبد اللّه الزنجاني.

(22) المصحف الشريف - الدكتور محمد عبد العزيز مرزوق.

(23) تاريخ التشريع الإسلامي - الشيخ محمد الخضري.

(24) روح الدين الإسلامي - عفيف عبد الفتاح طبارة.

(25) البرهان في علوم القرآن- بدر الدين الزركشي.

(26) تفسير النسفي- عبد اللّه النسفي.

(27) البرهان في علوم القرآن- بدر الدين الزركشي.

(28) دراسات في علوم القرآن- عبد القهار العاني.

(29) مثل قوله تعالى في سورة التوبة الآية : 55 { فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ ولا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وهُمْ كافِرُونَ} وقوله سبحانه في نفس السورة الآية : 85 { ولا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وهُمْ كافِرُونَ} ..

(30) القرآن والعلم الحديث - عبد الرزاق نوفل.

(31) من بلاغة القرآن - أحمد أحمد بدوي.

(32) التفسير العلمي للآيات الكونية في القرآن - حنفي أحمد.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .