أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-3-2022
2466
التاريخ: 24-04-2015
1787
التاريخ: 24-04-2015
2002
التاريخ: 26-11-2014
2301
|
لايخفى على المتتبع والمطالع لمباحث علوم القرآن ومفاصلها دور هذا الموضوع وأهميته في حلحلة الكثير من العقد التفسيرية وبسطها ، وماتلعبه أسباب النزول في تسهيل فهم الكثير من المعاني والآيات القرآنية التي نزلت في واقعة أو حدث معين ، وبداعي تلك الأحداث والوقائع تنزل تلك الآيات والكلمات الربانية لترشد نبينا الكريم الى مايلزم فعله إزاء تلك الأحداث والمناسبات .
التعريف والتسمية
إذ كان القرآن ينزل تدريجياً ولمناسبات شتى كانت تستدعي نزول لآية أو آيات تعالج شأنها ، فقد اصطلحوا على تسمية تلك المناسبات بأسباب النزول أو شأن النزول ،(1) وهو علم شريف ولمعرفته دور خطير في فهم معاني القرآن الكريم وحل معضلات التفسير .
مثلاً : قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158].
فقد أشكل على بعض المفسرين تعبير ( لا جناح عليه) ، لأنه لرفع الأثم وليس للإلزام ، فالآية تكون دالة على جواز السعي بين الصفا والمروة لا الوجوب مع أن الوجوب إجماعي . لكن إذا عرفنا سبب نزولها لم يبق مجال بهذا الإشكال.
وذلك أن مراسم الحج والعمرة كانت معهودة منذ العهد الجاهلي غير أن العرب كانوا قد لوثوا هذه المشاعر ببدع أبدعوها ، من ذلك أنهم كانوا قد وضعوا على الصفا صنماً على صورة رجل يقال له ( أساف ) ، وعلى المروة صنماً آخر على صورة أمرأة يقال لها ( نائلة ) ، زعموا أنهما زنيا في الكعبة فمسخهما الله حجرين ، فوضعا على الجبلين ليعتبر بهما . فلما طالت المدة عبدتهما العرب جهلاً وسفهاً . فكانوا إذا طافوا بينهما مسحوهما تبريكاً ، ثم لما جاء الإسلام وكسر الأصنام ، تحرج المسلمون عن الطواف بينهما ، زعماً أنه كان من بدع الجاهلية تقرباً الى الصنمين . فنزلت الآية لترفع هذه الشبهة على أذهان المسلمين ( 2) .
وبما أن الغالب على أحاديث شأن النزول هو الضعف والجهالة والإرسال ، لابد من تقييد الإستناد الى شأن النزول بألا يكون مخالفاً لضرورة دين أو متنافراً مع بديهة العقل .
مثلاً : روي البخاري ومسلم عن المسيب ، قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي (صلى الله عليه واله ) وعند أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية ، فقال النبي (صلى الله عليه واله ) :
(أي عم ، قل : لا إله إلا الله ، أحاج لك بها عند الله ) ، فقال أبو جهل وعبد الله : (يا أبا طالب ، أترغب عن ملة عبد المطلب ؟) فقال النبي (صلى الله عليه واله ) : ( لأستغفرن لك مالم أنه عنك )، فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113](3).
مع أن ابا طالب (عليه السلام ) مات قبل الهجرة بثلاث سنين ، وكان عضداً قوياً لرسول الله ( صلى الله عليه واله ) ، أما آية براءة فإنها نزلت في سنة التسع من الهجرة ، أي بعد وفاة أبي طالب بأثني عشرة سنة ، هذا فضلاً عن الدلائل الوفيرة على إسلام أبي طالب ، ولا يقول بكفره إلا ذوو الأحقاد على الإسلام والمسلمين أحقاد بدر وحنين .
التنزيل والتأويل
روي عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) إنه قال :
(ليس من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن )(4).
قال الإمام الباقر (عليه السلام ) :
( ظهر القرآن الذي نزل فيهم ، وبطنه الذين عملوا بمثل أعمالهم ) .(5)
وذلك أن للآية وجهاً مرتبطاً بالحاثة الوقعة – التي أستدعت نزلها – ووجهاً آخر عاماً تكون للآية بذلك دستوراً كلياً يجري عليه المسلمون أبدياً ، وكما أن الآية عالجت – بوجهها الخاص – مشكلة حاضرة ، فإناه – بوجهها العام – تعالج مشاكل الاُمة على مر الأيام ، غير أن الوقوف على تأويل القرآن وفهم بطون الآيات ، إنما هو من اختصاص الراسخين في العلم .
مثلاً قوله تعالى : {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 115]. هذه الآية تبدوا – في ظاهرها – متعارضة مع آيات التوجه في الصلاة شطر المسجد الحرام (البقرة: 144، 149، 150)، ولكن مع ملاحظة سبب النزول ، وأنه دفع لشبه اليهود ورفع لارتيابهم في تحويل القبلة ، يتبين ان لامعارضة ، ويرتفع الإبهام عن وجه الآية ، لأن الإستقبال في الصلاة والعبادات أمر أعتباري محض ، ينوط باعتبار صاحب الشريعة في مصالح يراها مقتضية حسب الأحوال والأوضاع ، وليس وجه الله محصوراً في زاوية القدس الشريف أو الكعبة المكرمة .
وقد فهم الأئمة (عليهم السلام ) أمراً أخر أيضاً ، أستخرجوه من باطن الأية ، وأنها تعني جواز التطوع بالنوافل الى حيث توجهت به راحلتك ، أو أشتبهت القبلة ، فتصلي الى أي جهات شئت.
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المورد
هذه قاعدة أصولية مطردة في جميع أحكام الشريعة المقدسة ، فما يصدر من منابع الوحي والرسالة بشأن بيان أحام الله وتكاليفه للعباد ، ليس يخص مورداً دون مورد ، ولم يأت الشرع لمعالجة حوادث معاصرة فقط ، وأنما هو شرع للجميع . الأمر الذي دعا الفقهاء الى الغاء الخصوصيات الموردية والأخذ بإطلاق الحكم . نعم ، هناك بعض الخطابات مع فئات معهودة ، صدرت على نحو القضية الخارجية (6)، فإنها لاتعم بلفظها ، وإن كانت قد تعم بملاكها ، إذا كان قد اُحرز يقيناً .
مثلاً: قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [البقرة: 6، 7].
قال العلامة الطباطبائي:
(لا يبعد أن يكون المراد من هؤلاء الذين كفروا هم الكفار من صناديد قريش وكبراء مكة الذين عاندوا و لجوا في أمر الدين و لم يألوا جهدا في ذلك،إذ لا يمكن استطراده في حق جميع الكفار وإلا انسد باب الهداية فالأشبه أن يكون المراد من الذين كفروا، هاهنا وفي سائر الموارد من كلامه تعالى: كفار مكة في أول البعثة إلا أن تقوم قرينة على خلافه، نظير ما سيأتي أن المراد من قوله تعالى : {الذين آمنوا} ، فيما أطلق في القرآن من غير قرينة هم السابقون الأولون من المسلمين، خصوا بهذا الخطاب تشريفا).(7)
نعم ، هذا الحكم يسري فيمن شابه أولئك في العناد واللجاج مع الحق بعد الوضوح.
نزول القرآن ((إياكَ أعني فأسمعي ياجارة))
قال الإمام الصادق (عليه السلام ):
(نزل القرآن بـ((إياك أعني فأسمعي ياجارة)).(8)
وهذا مثل لمن يخاطب شخصاً أو يتكلم عن أمر وهو يريد غيره وعلى سبيل الكناية والتعريض.
قال عليه السلام أيضاً: ( ماعاتب الله نبيه فهو يعني به من قد مضى في القرآن ، مثل قوله : { وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء: 74]، عنى بذلك غيره (صلى الله عليه ) (9). قوله ( قد مضى في القرآن ) أي مضى ذكره إشارة أو تلويحاً وربما نصاً . والأكثر يراد اُمته (صلى الله عليه ) بالعتاب ، ولاسيما المؤمنون صدر الإسلام ، كانوا على قلقٍ واضطراب في موضعهم مع الكفار.
كيف نهتدي الى معالم القرآن؟
خير وسيلة لفهم معالم القرآن هو اللجوء الى الى أبوب رحمة الله ومنابع فيضه القدسي ، وهم أهل بيت الوحي ، لأن أهل البيت أدرى بما فيه ، لأن بيدهم مفاتيح هذه الأبواب ،فإنهم عدل القرآن وأحد الثقلين الذين أوصى بهما الرسول الكريم (صلى الله عليه واله ) وفي كلماتهم الكثير من الإرشادات الى معالم القرآن وفهم حقائقه ، مما لاتجده في كلام غيرهم .
من ذلك قوله تعالى : {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف: 24]. فلولا الأمتناعية دلت على أن الهم من يوسف لم يقع ...لكن ما المراد من (برهان ربه ) الذي منعه وعصمه من همّ المعصية ؟ قيل : إنه رأى صورة أبيه عاضاً على إصبعه ، وقيل : غير ذلك ، مما يتنافى مع عصمة مقام النبوة . والصحيح ماهدانا اليه الأئمة الراشدون : إنه الإيمان الصادق الذي هو منشأ العصمة في أنبياء الله (عليهم السلام ) ، بدليل تعقيبه بقوله : {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } [يوسف: 24]. إشارة الة مقام عصمة الأنبياء(10) .
الخلاصة
1- سميت أسباب النزول بذلك ، لأنها نزول الآيات القرآنية كانت بداعي مناسبة معينة وحادثة خاصة ، فتأتي آية لتعالج تلك الحادثة .
2- بما أن الغالب على روايات شأن النزول هو الضعف والجهل فقد أشترط في الرجوع الى أسباب النزول أمران: إلا يكون مخالفاً لضرورة دينية ولاينافر مع بديهة عقلية .
3- إن مارواه البخاري ومسلم ، من أن قوله تعالى : {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113](11).نزل بحق ابي طالب غير صحيح من وجهين : الأول ، إن ابا طالب توفي قبل الهجرة بثلاث سنين ونزول هذه الآية كان في السنة التاسعة للهجرة ، والثاني : توافر الدلائل الكثيرة على إسلام ابي طالب وموقفه من دعوة ابن اخيه محمد (صلى الله عليه واله ) .
4- إن للآيات القرآنية وجهاً مرتبطاً بالحادثة الواقعة – التي استدعت نزولها – ووجهاً اخر عاماً تكون الآيات بذلك دستوراً كلياً يجري عليه المسلمون فيما بعد ، وهذا مايصطلح عليه بالتأويل والتنزيل.
5- إنما يصدر من منابع الوحي والرسالة بشأن بيان احكام الله وتكاليفه للعباد ، ليس يخص مورداً دون مورد ، فعمل الفقهاء بإطلاق الحكم هنا، أجل لو كانت الخطابات على نحو القضية الخارجية ، عندئذ يجري الخطاب في المورد الخاص.
6- أنطبق قول العرب المشهور ( إياك أعني واسمعي ياجارة ) على الكثير من الآيات القرآنية الكريمة من قبيل قوله : {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا } [الإسراء: 74]،فيكون المقصود بها غير النبي (صلى الله عليه واله ) كالمسلمون الأوائل أو عموم الاُمة ، كما أشارت اليه بعض الروايات الشريفة .
7- أفضل وسيلة للأهتداء الى تعاليم القرآن ومفاهيمه هو اللجوء الى أبواب رحمة الله ومنابع فيضه القدسي ، وهم أهل بيت الوحي ، لأن أهل البيت أدرى بما فيه .
____________
1- إن كانت هناك مشكلة حاضرة ، سواء أكانت حادثة اُبهم أمرها أم مسألة خفي وجه صوابها أم واقعة ضل سبيل مخرجها ، فنزلت الآية لتعالج شأنها وتضع حلاً لمشكلتها ، فتلك هي أسباب النزول ، أي السبب الداعي والعلة الموجبة لنزول قرآن بشأنها . وشأن النزول هو الأمر الذي نزل القرآن – آية أو سورة – لتعالج شأنه بياناً وشرحاً وأعتباراً بموضع أعتباره ، كما في أكثرية قصص الماضين والإخبار عن أمم سالفين ، أو عن موقف أنبياء وقديسين ، كانت مشوهة وكادت نمس من كرامتهم أو تحط من قدسيتهم ، فنزل القرآن ليعالج هذا الجانب ، ويبين الصحيح من حكاية حالهم والواقع من سيرتهم بما يرفع الإشكال والإبهام . وعليه فالفارق بين السبب والشأن – اصطلاحاً – أن الأول يعني مشكلة حاضرة لحادثة عارضة . والثاني مشكلة أمر واقع ، سواء أكانت حاضرة أم غابرة . وقولهم: نزلت في كذا ... أعم ، قد يراد السبب العارض ، وقد يراد شأن أمر واقع في الغابرة ... وقال الزركشي : وقد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال :نزلت هذه الآية في كذا ... فإنه يريد بذلك أن هذه الآية تتضمن هذا الحكم ، لا أن هذا كان السبب في نزولها ... راجع: البرهان :1، 31-32.
2- راجع : أسباب النزول للواحدي:25.
3- صحيح البخاري :6، 87.
4- بحار الأنوار : 33، 155.
5- تفسير العياشي: 1، 11، الحديث 4.
6- من مصطلح علم المنطق ، وهي عبارة عن معهودية الموضوع في القضية ، كقولك : أكرم من في المسجد أو في المدرسة ، تريد من هو في مسجد البلد أو مدرسته في الحال الحاضر ، وليس في كل الزمان وكل المساجد والمدارس على الإطلاق.
7- تفسير الميزان : 1، 50.
8- تفسير العياشي:1، 10 ، الحديث 4.
9- نفس المصدر، الحديث 5.
10- راجع : تفسير الميزان : 11، 14و 188.
11- صحيح البخاري: 6، 87.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|