أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-10-2014
17660
التاريخ: 25-04-2015
3307
التاريخ: 22-12-2014
2565
التاريخ: 23-09-2015
1863
|
من الممكن أن نجزم بأنّ الظاهرة التي كانت تعمّ التفسير في هذه المرحلة هي مواجهة القرآن الكريم كمشكلة لغويّة . ومن أجل أن نكون أكثر إدراكا لطبيعة هذه المرحلة لا بدّ لنا أن نعرف ما تعنيه (المشكلة اللّغوية) من معنى.
فالكلام في اللغة- وعلى الأخص اللغة العربية- تشترك في تحديد معناه عوامل مختلفة يمكن أن نلخّصها بالأمور التالية :
الف) الوضع اللغوي للفظ. فإنّ كل لفظ في اللغة نجد في جانبه معنى خاصّا محدّدا له.
ب) القرائن اللفظية ذات التأثير الخاص على الوضع اللغوي والتي سبّبت صرف اللفظ عن معناه الحقيقي ، وهذا هو الشيء الذي يحصل في الاستعمالات المجازية بما للمجاز من مدلول عام يشمل الاستعارة والكناية وغيرهما.
ج) القرائن الحالية التي يكون لها أيضا تأثير خاص على المدلول اللفظي، ونعني بها الظروف الموضوعية التي يأتي الكلام بصددها أو يكون مرتبطا بجانب من جوانبها.
فهذه العوامل الثلاثة تشترك في تكوين المدلول العام للفظ والكلام. وحين نواجه الكلام من أجل التعرّف على مدلوله ونصطدم بشيء من هذه الامور الثلاثة في سبيل ذلك فنحن نواجه مشكلة لغوية.
وعلى ضوء هذا المفهوم للمشكلة اللغوية يمكننا أن نتبيّن طبيعة المرحلة التي مرّ بها الصحابة والتابعون حين واجهوا الكلام الإلهي (القرآن الكريم) وحاولوا معرفة معانيه ومدلولاته. فنحن- حين نتصفّح التفسير الذي وصلنا عن هذا العصر- نجد امورا ثلاثة كانت موضع اهتمام الصحابة والتابعين من بعدهم وهي كالتالي :
الف) التعرّف على ما تعنيه المفردات القرآنية من معنى في اللغة العربية مع مقارنة الكلام القرآني بالكلام العربي لتحديد الاستعارة القرآنية.
ب) تتّبع أسباب النزول والحوادث التاريخية أو القضايا التي ارتبطت ببعض الآيات القرآنية.
ج) التفصيلات التي أوردتها النصوص الإسرائيلية عن قصص الأنبياء أو غيرها من الحوادث التي أشار إليها القرآن الكريم.
وهذه الامور الثلاثة لها علاقة وثيقة بتحديد المعنى من ناحية لغوية؛ لأنها تنتهي بالنسب إلى العوامل المؤثّرة في تكوين مدلول اللفظ والكلام.
ولعل من الشواهد على ما نذكره عن طبيعة هذه المرحلة هو ما نعرفه عن ابن عباس الذي يعتبر من أبرز الصحابة في التفسير حيث كان يعتمد في تفسيره للقرآن في أغلب الأحيان على ما يعرفه من مفردات اللغة العربية وما يحفظه من شعر العرب.
وقد اعتبر الاطّلاع الواسع على مفردات اللغة من قبل ابن عباس أساس امتيازه في التفسير وعلوّ شأنه. وهذا الطابع العام نجده أيضا في محاولات بقيّة الصحابة والتابعين أيضا.
فإذا لاحظنا صحيح البخاري- وهو أحد الكتب التي تتعرّض للتفسير في هذه المرحلة- نجده يذكر التفسير في حدود هذه المشكلة ذاتها ولا يكاد يتعدّاها. وهذا الشيء نفسه نجده عند ما نلاحظ الكتب التفسيرية الأخرى التي تنقل إلينا آراء الصحابة والتابعين بدقة.
وإلى جانب هذا الاستقراء توجد لدينا بعض الشواهد التاريخية ذات الدلالة البينة على طبيعة المرحلة والتزام الصحابة لحدودها في محاولاتهم التفسيرية.
فقد روي أنّ رجلا يقال له : (ابن صبيغ) قدم المدينة- في زمن عمر بن الخطّاب- فجعل يسأل عن متشابه القرآن. فأرسل إليه الخليفة وضربه بعراجين النخل حتى ترك ظهره دبره، ثمّ تركه حتى يرى، ثم عاد. وبعد أن تكرر ذلك للمرّة الثالثة دعا به ليعود. فقال ابن صبيغ ضارعا : إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلا جميلا أو ردّني إلى أرضي بالبصرة. فأذن له إلى أرضه، وكتب إلى أبي موسى الأشعري ألّا يجالسه أحد من المسلمين . (1)
وهذه الرواية تدلّنا على مدى استنكار الصحابة للدخول في مشاكل عقلية حول فهم القرآن الكريم وتفسيره؛ لأنّ البحث في المتشابهات يتّصف بالطابع العقلي دون اللغوي.
ويمكن أن نفهم الشيء ذاته من جميع النصوص التي وردت في النهي عن تفسير القرآن بالرأي أو تفسير القرآن بشكل مطلق . (2)
إذا لا نشك في مزاولة الصحابة للتفسير في حدود المشكلة اللغوية. وهو في هذه الحدود ليس من تفسير القرآن بالرأي أو القول في القرآن بغير علم. ولا يبقى في نطاق الشك والنهي غير مواجهة القرآن بشكل أعمق لا يتفق وطبيعة المرحلة ولا يعيش حدود المشكلة اللغوية.
وعلى هذا الأساس يمكن أن نشكك في كل محاولة تنسب إلى الصحابة ولا تعيش حدود المشكلة وجوانبها ولا تتّسم بسماتها وطابعها. فمن المعقول أن يداخلنا الشك في صحّة ما ينسب إلى ابن عباس في تفسيره لسورة الفتح حين يحاول أن يحمّل السورة معنى فوق طاقتها اللغوية ويجعل من الفتح فيها رمزا وعلامة لمجيء أجل الرسول صلّى اللّه عليه وآله كما جاء في البخاري . (3) ويمكننا أن نؤاخذ على هذا الحديث- بالإضافة إلى خروجه عن نطاق طبيعة المرحلة- هذا اللون الخاص من محاولة تمجيد ابن عباس ولو كان ذلك على حساب القرآن الكريم. الأمر الذي يدعونا أن نلحقه بموضوعات العصر العبّاسي.
ويمكن أن يعترينا مثل هذا الشك أيضا حين ننظر إلى المحاولة التفسيرية التي جاءت على لسان ابن عباس أيضا حين يريد أن يعيّن (ليلة القدر) المذكورة في القرآن الكريم على أنّها ليلة السابع والعشرين من رمضان ويفهم ذلك على أساس اهتمام الإسلام بالعدد (سبعة) حيث أخذ في متعلّق بعض الأحكام الإسلامية . (4)
فإنّ هذا الاستنتاج بالإضافة إلى بعده عن المنطق الصحيح لا يتّفق مع البساطة والذوق العربي الذي كان يعيشه ابن عبّاس.
ولقد كان من الطبيعي أن ينظر إلى القرآن الكريم في هذه المرحلة على أساس انّه (مشكلة لغوية) لأنّ هذه المرحلة تمثّل بداية التطوّر في المعرفة التفسيرية عند المسلمين بعد أن كانوا يفهمون القرآن فهما ساذجا وفي مستوى الخبرة العامة المتوفرة لديهم حينذاك.
______________________________
(1) جولد تسيهر، مذاهب التفسير الإسلامي ، ص 74. نقلا عن لوائح الانوار البهية.
(2) راجع بصدد هذه النصوص، الترمذي، ج 11، ص 68.
(3) اخرج البخاري من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فكان بعضهم وجد في نفسه، فقال : لم يدخل هذا معنا وأنّ لنا أبناء مثله؟ فقال عمر : إنّه ممن علمته. فدعاهم ذات يوم فأدخلنى معهم. فما رأيت أنّه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم. فقال : ما تقولون في قوله تعالى ( إذا جاء نصر اللّه والفتح) ؟ فقال بعضهم أمرنا أن نحمد اللّه ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا وسكت بعضهم فلم يقل شيئا. فقال لي : أ كذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت : لا. فقال : ما تقول ؟ فقلت : هو أجل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلمه له، فقال : إذا جاء نصر اللّه والفتح فذلك علامة أجلك فسبّح بحمد ربّك واستغفره إنّه كان توّابا. فقال عمر : لا أعلم منها إلّا ما تقول. الاتقان، ج 2، ص 187.
(4) اخرج أبو نعيم عن محمّد بن كعب القرظي عن ابن عباس أنّ عمر بن الخطاب جلس في رهط من المهاجرين من الصحابة فذكروا ليلة القدر فتكلّم كلّ بما عنده. فقال عمر : مالك يا ابن عباس صامت لا تتكلم؟ تكلم لا تمنعك الحداثة. قال ابن عباس : قلت يا امير المؤمنين ان اللّه وتر ويجب الوتر فجعل أيّام الدنيا تدور على سبع وخلق أرزاقنا من سبع وخلق الإنسان من سبع وخلق فوقنا سماوات سبعا وخلق تحتنا أرضين سبعا وأعطى من المثاني سبعا ونهى في كتابه عن نكاح الاقربين عن سبع وقسّم المواريث في كتابه على سبع ونقع في السجود من أجسادنا على سبع فطاف رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالكعبة سبعا وبين الصفا والمروة سبعا ورمى الجمار بسبع ... فأراها في السبع الاواخر من شهر رمضان.
فتعجّب عمر. فقال ما وافقني فيها أحد إلّا هذا الغلام الذي لم تستو شئون رأسه. ثم قال : يا هؤلاء من يؤديني هذا ؟ كأداء ابن عباس ؟ الاتقان ، ج 2، ص 188.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|