المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
The structure of the tone-unit
2024-11-06
IIntonation The tone-unit
2024-11-06
Tones on other words
2024-11-06
Level _yes_ no
2024-11-06
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05



تفسير الأية (58-64) من سورة الحج  
  
3356   06:17 مساءً   التاريخ: 18-9-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الحاء / سورة الحج /

 

قال تعالى: { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } [الحج: 58 - 64]

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي: فارقوا أوطانهم، وخرجوا من مكة إلى المدينة {ثم قتلوا} في الجهاد {أو ماتوا} في الغربة {لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا} وهو رزق الجنة، عن الحسن والسدي والرزق الحسن: ما إذا رآه تمتد عينه إلى غيره. وهذا لا يقدر عليه غير الله تعالى، ولذلك قال: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}. وقيل: بل هو مثل قوله: {بل أحياء عند ربهم يرزقون}.

{لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ} لأن لهم فيه ما تشتهي الأنفس، وتلذ الأعين.

والمدخل يجوز أن يكون بمعنى المكان، وبمعنى المصدر {وإن الله لعليم} بأحوالهم {حليم} عن معالجة الكفار بالعقوبة {ذلك} أي: الأمر ذلك الذي قصصنا عليك {ومن عاقب بمثل ما عوقب به} أي: من جازى الظالم بمثل ما ظلمه. قال الحسن: معناه قاتل المشركين كما قاتلوه. والأول لم يكن عقوبة، ولكن كقولهم:

الجزاء بالجزاء، لازدواج الكلام. {ثم بغي عليه} أي: ظلم باخراجه من منزله، يعني: ما فعله المشركون من البغي على المسلمين حتى أخرجوهم إلى مفارقة ديارهم {لينصرنه الله} يعني المظلوم الذي بغي عليه {إن الله لعفو غفور} روي أن الآية نزلت في قوم من مشركي مكة، لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم، فقالوا: إن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا يقاتلون في هذا الشهر. فحملوا عليهم، فناشدهم المسلمون أن لا يقاتلوهم في الشهر الحرام فأبوا، فأظفر الله المسلمين بهم.

ثم قال سبحانه: {ذلك} أي: ذلك النصر {بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} أي: يدخل ما انتقص من ساعات الليل في النهار، وما انتقص من ساعات النهار في الليل {وأن الله سميع} لدعاء المؤمنين {بصير} بهم {ذلك} أي: ذلك الذي فعل من نصر المؤمنين {بأن الله هو الحق} أي: ذو الحق في قوله وفعله. وقيل: معناه إنه الواحد في صفات التعظيم التي من اعتقده عليها، فهو محق. {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} لأنه ليس عنده نفع ولا ضر {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ} عن الأشياء {الكبير} الذي كل شئ سواه يصغر مقداره عن معناه.

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} أي: مطرا {فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} بالنبات {إن الله لطيف} بإرزاق عباده من حيث لا يحتسبون {خبير} بما في قلوبهم.

وقيل: اللطيف المحيط بتدبير دقائق الأمور، الذي لا يتعذر عليه شئ يتعذر على غيره. {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} أي: له التصرف في جميع ذلك {وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} الغني الحي الذي ليس بمحتاج. الحميد: المحمود بصفاته وأفعاله.

____________

1-تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج7،ص166-168.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{والَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وإِنَّ اللَّهً لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} للهجرة في سبيل اللَّه مظاهر ، منها ان يخرج الإنسان من وطنه مجاهدا أهل البغي والضلال ، ومنها أن يفر بدينه ممن يصده عن القيام بواجبه ، وفي حكمه من هاجر لطلب العلم بالدين من أجل الدين ، أو لطلب الرزق الحلال ، أو لأداء فريضة الحج ، فأي واحد من هؤلاء ومن إليه إذا قتل أو مات في هجرته فان له عند اللَّه ما للشهداء من الأجر العظيم والرزق الكريم .

وتكلمنا عن الهجرة مفصلا عند تفسير الآية 195 من سورة آل عمران ج 2 ص 233 ، والآية 97 من سورة النساء في المجلد المذكور ص 417 وما بعدها .

{لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وإِنَّ اللَّهً لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ} . المراد بالمدخل الجنة ، وبداهة ان من دخلها سعد بها ، ولا يرضى عنها حولا {ذلك} إشارة إلى ما ذكره سبحانه من أن من هاجر في سبيله وقتل أو مات فان له ما يرضيه عند خالقه {ومَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ} أي قاتل دفاعا عن نفسه {ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ} لا لشيء إلا لأنه لم يستسلم للظلم والعدوان {لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ} أي انه تعالى ينصر المبغي عليه ، وينتقم له من الباغي {وإِنَّ اللَّهً لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} فيه إيماء إلى ان العفو عن المسئ عند الظفر به محبوب عند اللَّه ، هذا إذا كان الاعتداء على حق خاص ، اما الحق العام فلا عفو عنه .

{ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهً يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ ويُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وأَنَّ اللَّهً سَمِيعٌ بَصِيرٌ} . تقدم مثله في الآية 27 من سورة آل عمران ج 2 ص 37 . وذكر المفسرون أكثر من وجه لربط هذه الآية بما قبلها ، ولكنهم لم يأتوا بما تركن إليه النفس . . وفي المقدمة ج 1 ص 15 أشرنا إلى أن القرآن ليس كتابا فنيا ، فيكون لكل مقصد من مقاصده باب خاص ، وانما هو كتاب هداية ووعظ ينتقل من شأن إلى شأن ، قال الإمام علي ( عليه السلام) : ان الآية يكون أولها في شأن وآخرها في شأن آخر .

{ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهً هُوَ الْحَقُّ وأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وأَنَّ اللَّهً هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} . اللَّه هو الحق لدوام ذاته وعظيم صفاته ، وهو العلي حيث لا سلطان فوق سلطانه ، وهو الكبير الذي وسع كل شيء قدرة وعلما ورحمة ، والقصد من ذكر هذه الصفات هو الإيماء إلى أن اللَّه تعالى ينصر الذين آمنوا واتقوا ، ويخذل الذين كفروا وأفسدوا في الأرض .

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهً أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهً لَطِيفٌ خَبِيرٌ} . تقدم مثله في الآية 5 من هذه السورة ، والآية 164 من سورة البقرة وغيرها {لَهُ ما فِي السَّماواتِ وما فِي الأَرْضِ وإِنَّ اللَّهً لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} . غني عن العالمين وحمد الحامدين ، وفي نهج البلاغة : هو الغني بلا استفادة أي ان غناه تعالى ذاتيّ لا نسبي ، وانه لو احتاج إلى شيء لم يكن إلها ، وقال ابن عربي في الفتوحات المكية : لا محمود إلا من حمده الحمد . يريد ان اللَّه هو الحمد ، وانه لا أحد يستحق الحمد والثناء إلا من حمده اللَّه أو رضي بأن يحمد ويثنى عليه .

________________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 343-344.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

الآيات تعقب الغرض السابق وتبين ثواب الذين هاجروا ثم قتلوا جهادا في سبيل الله أو ماتوا، وفيها بعض التحريض على القتال والوعد بالنصر كما يدل عليه قوله:{ ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ } الآية.

وقد اختصت هذه الآيات بخصوصية لا توجد في جميع القرآن الكريم إلا فيها فهي ثمان آيات متوالية ختمت كل منها باسمين من أسماء الله الحسنى وراء لفظ الجلالة وقد اجتمعت فيها - بناء على اسمية الضمير{هو} - ستة عشر اسما وإن الله لهو خير الرازقين العليم الحليم العفو الغفور السميع البصير العلي الكبير اللطيف الخبير الغني الحميد الرءوف الرحيم، ثم ذكر في الآية التاسعة أنه تعالى يحيي ويميت وفي أثنائها أنه الحق وأن له ما في السماوات والأرض وهي في معنى أربعة أسماء أعني المحيي المميت الحق المالك أو الملك فتلك عشرون اسما من أسمائه اجتمعت في الآيات الثمان على ألطف وجه وأبدعه.

قوله تعالى:{ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا} لما ذكر إخراج المهاجرين من ديارهم ظلما عقبه بذكر ما يثيبهم به على مهاجرتهم ومحنتهم في سبيل الله وهو وعد حسن برزق حسن.

وقد قيد الهجرة بكونها في سبيل الله لأن المثوبة إنما تترتب على صالح العمل، وإنما يكون العمل صالحا عند الله بخلوص النية فيه وكونه في سبيله لا في سبيل غيره من مال أو جاه أو غيرهما من المقاصد الدنيوية، وبمثل ذلك يتقيد قوله:{ثم قتلوا أو ماتوا} أي قتلوا في سبيل الله أو ماتوا وقد تغربوا في سبيل الله.

وقوله:{ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} ختم للآية يعلل به ما ذكر فيها من الرزق الحسن وهو النعمة الأخروية إذ موطنها بعد القتل والموت، وفي الآية إطلاق الرزق على نعم الجنة كما في قوله:{ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}: آل عمران: 169.

قوله تعالى:{ لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ} المدخل بضم الميم وفتح الخاء اسم مكان من الإدخال واحتمال كونه مصدرا ميميا لا يناسب السياق تلك المناسبة.

وتوصيف هذا المدخل وهو الجنة بقوله:{يرضونه} والرضا مطلق، دليل على اشتمالها على أقصى ما يريده الإنسان كما قال:{لهم فيها ما يشاءون:} الفرقان: 16.

وقوله:{ليدخلنهم مدخلا يرضونه} بيان لقوله:{ليرزقنهم الله رزقا حسنا} وإدخاله إياهم مدخلا يرضونه ولا يكرهونه على الرغم من إخراج المشركين إياهم إخراجا يكرهونه ولا يرضونه ولذا علله بقوله:{وإن الله لعليم حليم} أي عليم بما يرضيهم فيعده لهم إعدادا حليم فلا يعاجل العقوبة لأعدائهم الظالمين لهم.

قوله تعالى:{ ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} ذلك خبر لمبتدإ محذوف أي الأمر ذلك الذي أخبرناك به وذكرناه لك، والعقاب مؤاخذة الإنسان بما يكرهه بإزاء فعله ما لا يرتضيه المعاقب وإنما سمي عقابا لأنه يأتي عقيب الفعل.

والعقاب بمثل العقاب كناية عن المعاملة بالمثل ولما لم يكن هذه المعاملة بالمثل حسنا إلا فيما كان العقاب الأول من غير حق قيده بكونه بغيا فعطف قوله:{بغي عليه} بثم عليه.

وقوله:{لينصرنه الله} ظاهر السياق - والمقام مقام الإذن في الجهاد - أن المراد بالنصر هو إظهار المظلومين على الظالمين الباغين وتأييدهم عليهم في القتال لكن يمكن أن يستظهر من مثل قوله:{ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا:} الإسراء: 33 أن المراد بالنصر هو تشريع حكم للمظلوم يتدارك به ما وقع عليه من وصمة الظلم والبغي فإن في إذنه أن يعامل الظالم الباغي عليه بمثل ما فعل بسطا ليده على من بسط عليه اليد.

وبهذا يتضح معنى تعليل النصر بقوله:{إن الله لعفو غفور} فإن الإذن والإباحة في موارد الاضطرار والحرج وما شابه ذلك من مقتضيات صفتي العفو والمغفرة كما تقدم مرارا في أمثال قوله تعالى:{ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ:} المائدة: 3 وقد أوضحنا ذلك في المجازاة والعفو في آخر الجزء السادس من الكتاب.

والمعنى - على هذا - ومن عامل من عاقبه بغيا عليه بمثل ما عاقب نصره الله بإذنه فيه ولم يمنعه عن المعاملة بالمثل لأن الله عفو غفور يمحو ما تستوجبه هذه المعاملة والانتقام من المساءة والتبعة كأن العقاب وإيصال المكروه إلى الناس مبغوض في نظام الحياة غير أن الله سبحانه يمحو ما فيه من المبغوضية ويستر على أثره السيىء إذا كان عقابا من مظلوم لظالمه الباغي عليه بمثل ما بغي عليه، فيجيز له ذلك ولا يمنعه بالتحريم والحظر.

وبذلك يظهر أيضا مناسبة ذكر وصف الحلم في آخر الآية السابقة - إن الله لعليم حليم - ويظهر أيضا أن{ثم} في قوله:{ثم بغي عليه} للتراخي بحسب الذكر لا بحسب الزمان.

وأما ما أوردوه في معنى الآية: ومن جازى الجاني بمثل ما جنى به عليه ثم بغي عليه بالمعاودة إلى العقاب لينصرنه الله على من بغي عليه إن الله لعفو غفور لمن ارتكبه من العقاب إذ كان تركا للأولى لأن الأولى هو الصبر والعفو عن الجاني كما قال تعالى:{ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، وقال:{ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، وقال:{ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ:} الشورى: 43.

ففيه أولا: أنه لما أخذت{ثم} للتراخي بحسب الزمان أفاد كون العقاب غير البغي ومطلق العقاب أعم من أن يكون جناية، وعمومها للجناية وغيرها يفسد معنى الكلام، وإرادة خصوص الجناية منه - كما فسر - إرادة معنى لا دليل عليه من جهة اللفظ.

وثانيا: أنه فسر النصرة بالنصرة التكوينية دون التشريعية فكان إخبارا عن نصره تعالى المظلوم على الظالم إذا قابله بالمجازاة على جنايته ثم بغيه والواقع ربما يتخلف عن ذلك.

وثالثا: أن قتال المشركين والجهاد في سبيل الله من مصاديق هذه الآية قطعا، ولازم ما ذكر أن يكون تركه بالعفو عنهم أولى من فعله وهو واضح الفساد.

قوله تعالى:{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} إيلاج كل من الليل والنهار في الآخر حلوله محل الآخر كورود ضوء الصباح على ظلمة الليل كشيء يلج في شيء ثم اتساعه وإشغال النهار من الفضاء ما أشغله الليل، وورود ظلمة المساء على نور النهار كشيء يلج في شيء ثم اتساعها وشمول الليل.

والمشار إليه بذلك - بناء على ما تقدم من معنى النصر - ظهور المظلوم بعقابه على الظالم الباغي عليه، والمعنى أن ذلك النصر بسبب أن من سنة الله أن يظهر أحد المضادين والمتزاحمين على الآخر كما يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع لأقوالهم بصير بأعمالهم فينصر المظلوم وهو مهضوم الحق بعينه وما يسأله بلسان حاله في سمعه.

وذكر في معنى الآية وجوه أخر غير منطبقة على السياق رأينا الصفح عن ذكرها أولى.

قوله تعالى:{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} الإشارة بذلك إلى النصر أو إليه وإلى ما ذكر من سببه.

والحصر أن في قوله:{بأن الله هو الحق} وقوله:{وأن ما يدعون من دونه هو الباطل} إما بمعنى أنه تعالى حق لا يشوبه باطل وأن ما يدعون من دونه وهي الأصنام باطل لا يشوبه حق فهو قادر على أن يتصرف في تكوين الأشياء وأن يحكم لها وعليها بما شاء.

وإما بمعنى أنه تعالى حق بحقيقة معنى الكلمة مستقلا بذلك لا حق غيره إلا ما حققه هو، وأن ما يدعون من دونه وهي الأصنام بل كل ما يركن إليه ويدعى للحاجة من دون الله هو الباطل لا غيره إذ مصداق غيره هو الله سبحانه فافهم ذلك، وإنما كان باطلا إذ كان لا حقية له باستقلاله.

والمعنى - على أي تقدير - أن ذلك التصرف في التكوين والتشريع من الله سبحانه بسبب أنه تعالى حق يتحقق بمشيته كل حق غيره، وأن آلهتهم من دون الله وكل ما يركن إليه ظالم باغ من دونه باطل لا يقدر على شيء.

وقوله:{وأن الله هو العلي الكبير} علوه تعالى بحيث يعلوولا يعلى عليه وكبره بحيث لا يصغر لشيء بالهوان والمذلة من فروع كونه حقا أي ثابتا لا يعرضه زوال وموجودا لا يمسه عدم.

قوله تعالى:{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} استشهاد على عموم القدرة المشار إليها آنفا بإنزال الماء من السماء - والمراد بها جهة العلو - وصيرورة الأرض بذلك مخضرة.

وقوله:{إن الله لطيف خبير} تعليل لجعل الأرض مخضرة بإنزال الماء من السماء فتكون نتيجة هذا التعليل وذاك الاستشهاد كأنه قيل: إن الله ينزل كذا فيكون كذا لأنه لطيف خبير وهو يشهد بعموم قدرته.

قوله تعالى:{ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} ظاهره أنه خبر بعد خبر لأن فهو تتمة التعليل في الآية السابقة كأنه قيل: إن الله لطيف خبير مالك لما في السماوات وما في الأرض يتصرف في ملكه كما يشاء بلطف وخبرة، ويمكن أن يكون استئنافا يفيد تعليلا باستقلاله.

وقوله:{ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} يفيد عدم حاجته إلى شيء من تصرفاته بما هو غني على الإطلاق وهي مع ذلك جميلة نافعة يحمد عليها بما هو حميد على الإطلاق فمفاد الاسمين معا أنه تعالى لا يفعل إلا ما هو نافع لكن لا يعود نفعه إليه بل إلى الخلق أنفسهم.

_____________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج14،ص325-328.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

وبما أنّ الآيات السابقة تناولت المهاجرين من الذين طردوا من ديارهم وسلبت أموالهم، لأنّهم قالوا: ربّنا الله، ودافعوا عن شريعته، فقد إعتبرتهم الآية التالية مجموعة ممتازة جديرة بالرزق الحسن وقالت:{ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.

قال بعض المفسّرين: إنّ «الرزق الحسن» هو النعم التي تشدّ نظر الإنسان إليها عند مشاهدته لها فلا يدير طرفه عنها، وإنّ الله وحده هو القادر على أن يمنّ على الإنسان بهذا النوع من الرزق ...

ذكر بعض المفسّرين سبباً لنزول هذه الآية خلاصته: «لمّا مات عثمان بن مظعون وأبو سلمة بن عبدالأسد، قال بعض الناس: من قتل في سبيل الله أفضل ممّن مات حتف أنفه، فنزلت هذه الآية مسويّة بينهم، وإنّ الله يرزق جميعهم رزقاً حسناً، وظاهر الشريعة يدلّ على أنّ المقتول أفضل. وقد قال بعض أهل العلم: إنّ المقتول في سبيل الله والميّت في سبيل الله شهيد»(2).

وعرضت الآية الأخيرة صورة من هذا الرزق الحسن{لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ} فإذا طردوا من منازلهم في هذه الدنيا ولاقوا الصعاب، فإنّ الله يأويهم في منازل طيّبة في الآخرة ترضيهم من جميع الجهات، وتعوّضهم ـ على أفضل وجه ـ عمّا ضحّوا به في سبيل الله.

وتنتهي هذه الآية بعبارة{وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ} أجل، إنّ الله عالم بما يقوم به عباده، وهو في نفس الوقت حليم لا يستعجل في عقابهم، من أجل تربية المؤمنين في ساحة الإمتحان هذه، وليخرجوا منها وقد صلب عودهم وازدادوا تقرّباً إلى الله.

من هم المنتصرون؟

حدّثتنا الآيات السابقة عن المهاجرين في سبيل الله، وما وعدهم الله من رزق حسن يوم القيامة. ومن أجل ألاّ يتصوّر المرء أنّ الوعد الإلهي يختّص بالآخرة فحسب، تحدّثت الآية ـ موضع البحث ـ في مطلعها عن إنتصارهم في ظلّ الرحمة الإلهيّة في هذا العالم:{ ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ} إشارة إلى أنّ الدفاع عن النفس ومجابهة الظلم حقّ طبيعي لكلّ إنسان.

وعبارة «بمثل» تأكيد لحقيقة أنّ الدفاع لا يجوز له أن يتعدّى حدوده.

عبارة{ثمّ بغي عليه} هي أيضاً إشارة إلى وعد الله بالإنتصار لمن يُظلم خلال الدفاع عن نفسه، وعلى هذا فالساكت عن الحقّ والذي يقبل الظلم ويرضخ له، لم يعده الله بالنصر، فوعد الله بالنصر يخصّ الذين يدافعون عن أنفسهم ويجابهون الظالمين والجائرين، فهم يستعدّون بكلّ ما لديهم من قوّة لمجابهة هذا الظلم. ويجب أن تمتزج الرحمة والسماح بالقصاص والعقاب لتكسب النادمين والتائبين إلى الله، حيث تنتهي الآية بـ{إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}.

وتطابق هذه الآية آية القصاص حيث منحت ولي القتيل حقّ القصاص من جهة وأفهمته أنّ العفو فضيلة (للجديرين بها) من جهة أُخرى.

وبما أنّ الوعد بالنصر الذي يقوي القلب لابدّ وأن يصدر من مقتدر على ذلك. لهذا تستعرض الآية قدرة الله في عالم الوجود التي لا تنتهي، فتقول:{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} فما أن يقل من أحدهما حتّى يزداد في الآخر وفق نظام مدروس.

كلمة «يولج» مشتقّة من «الإيلاج» وهو في الأصل من الولوج أي الدخول. وهذه العبارة ـ كما قلنا ـ تشير إلى التغييرات التدريجيّة المنظمّة تنظيماً تامّاً، كمسألة الليل والنهار، فما يقلّ أحدهما إلاّ ليزداد الآخر على مدى فصول السنة.

وربّما تكون إشارة إلى شروق الشمس وغروبها الذي لا يحدث فجأةً بسبب الظروف الجويّة الخاصّة (بالهواء المحيط بالأرض) حيث تمتدّ أشعّة الشمس في البداية نحو طبقات الهواء العليا، ثمّ تنتقل إلى الطبقات السفلى. وكأنّ النهار يلج في الليل ويطرد جيش قوى الظلام.

وعكس ذلك ما يقع حين الغروب، حيث تلملم أشعّة الشمس خيوطها من الطبقات السفلى للأرض، فيسودها الظلام تدريجيّاً حتّى ينتهي آخر خيط من أشعّة الشمس ويسيطر جيش الظلام على الجميع. ولولا هذه الظاهرة، فسيكون الشروق والغروب على حين غرّة، فيلحق الأذى بالإنسان جسماً وروحاً، ويحدث هذا التغيير السريع أيضاً مشاكل كثيرة في النظام الإجتماعي.

ولا مانع من إشارة الآية السالفة الذكر إلى هذين التّفسيرين.

وتنتهي الآية بـ{وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} أجل، إنّ الله يلبّي حاجة المؤمنين، ويطّلع على حالهم وأعمالهم، ويعينهم برحمته عند اللزوم. مثلما يطّلع على أعمال ومقاصد أعداء الحقّ.

وآخر آية من الآيات السالفة الذكر في الواقع دليل على ما مضى حيث تقول:{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}.

إن شاهدتم إنتصار الحقّ وهزيمة الباطل، فإنّ ذلك بلطف الله الذي ينجد المؤمنين ويترك الكافرين لوحدهم.

إنّ المؤمنين ينسجمون مع قوانين الوجود العامّة، بعكس الكافرين الذين يكون مآلهم إلى الفناء والعدم بمخالفتهم تلك القوانين. والله حقّ وغيره باطل. وجميع البشر والمخلوقات التي ترتبط بشكل ما بالله تعالى هي حقّ أيضاً. أمّا غيرها فباطل بمقدار إبتعادها عنه عزّوجلّ(3).

وكلمة «عليّ» مشتقّة من «العلو» بمعنى ذي المنزلة الرفيعة، وتطلق أيضاً على القادر والقاهر الذي لا تقف أمامه قدرة.

أمّا كلمة «الكبير» فهي إشارة إلى سعة علم الله وقدرته، وطبيعي أنّ من يملك هذه الصفات بإمكانه مساعدة أحبّائه وتدمير أعدائه، إذن فليطمئن المؤمنون إلى ما وعدهم الله تعالى.

دلائل الله في ساحة الوجود:

تحدّثت الآيات السابقة عن قدرة الله غير المحدودة وأنّه الحقّ المطلق، وبيّنت هذه الآيات الأدلّة المختلفة على هذه القدرة الواسعة والحقّ المطلق وتقول أوّلا:{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً}.

لقد اخضّرت الأرض المرتدية رداء الحزن ـ من أثر الجفاف ـ بعد ما نزل المطر عليها. فأصبحت تسرّ الناظرين. أجل{إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}. وكلمة «لطيف» مشتقّة من «اللطف» بمعنى العمل الجميل الذي يمتاز برقّته. ولهذا يطلق على الرحمة الإلهيّة الخاصّة لفظ «اللطف». وكلمة «الخبير» تعني المطّلع على الاُمور الدقيقة.

وبلطف الله تنمو البذرة تحت الأرض، ثمّ ترتفع خلافاً لقانون جاذبية الأرض، وترى الشمس وتشمّ نسيم الهواء حتّى تصبح نباتاً مثمراً أو شجرة باسقة.

وهو الذي أنزل المطر فمنح التربة الجافّة لطفاً ورقة لتسمح للبذرة بالحركة والنمو. وهو خبير بجميع الإحتياجات والمراحل التي تمرّ بها هذه البذرة حتّى ترتفع نحو السّماء. يرسل الله المطر بقدرة وبخبرة منه، فإن زاده صار سيلا، وإن نقصه كثيراً ساد الجفاف في الأرض، وتقول الآية الثامنة عشرة من سورة المؤمنين:{ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ}(4).

الآية التالية تعرض علامة أُخرى على قدرة الله غير المتناهية، وهو قوله سبحانه وتعالى:{ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}.

فهو سبحانه خالق الجميع ومالكهم، وبهذا الدليل يكون قادراً عليهم، لذا فهم يحتاجون إليه جميعاً، ولا يحتاج هو إلى شيء أو إلى أحد.

ويزداد هذا المعنى إشراقاً في قوله سبحانه:{ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}والتحام صفتي الغني والحمد جاء في غاية الإحكام:

أوّلا: لأنّ عدداً كبيراً من الناس أغنياء، إلاّ أنّهم بخلاء يستغلّون الآخرين ويعملون لذاتهم فقط، وقد غرقوا في الغفلة والغرور. وتغلّب على أصحاب الثروة الطائلة هذه الصفات. أمّا غنى الله سبحانه فهو مزيج من اللطف والسماح والجود والكرم، لذا استحقّ الحمد والثناء من عباده.

ثانياً: إنّ الأغنياء غيّر الله تعالى غناهم ظاهري، وإذا كانوا كرماء فإنّ كرمهم في الواقع ليس منهم، بل من لطف الله سبحانه وقديم إحسانه، فكلّ إمكاناتهم إنّما هي من أنعم الله. فالله وحده هو الغني بذاته والجدير بكلّ حمد وثناء.

ثالثاً: لأنّ الأغنياء يعملون ما يفيدهم أو يتوخّون فائدته، أمّا ربّ العالمين سبحانه وتعالى، فيجود ويرحم ويعفو دون حساب، ولا إبتغاء فائدة، ولا سدّ حاجة، وإنّما يفعل ذلك كرماً منه ورحمة، فهو أهل الحمد والثناء بلا شريك.

_____________

1- تفسير الامثل ،ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص435-441.

2ـ «الجامع لأحكام القرآن» لأبي عبدالله محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي، المجلّد7،ص4480.

3ـ نقرأ في «الميزان» أنّ إطلاق الحقّ على الله والباطل على غيره، لأنّ الحقّ الذي لم يختلط بباطل أبداً هو الله سبحانه وتعالى، أو لكونه عزّوجلّ مستقلا في حقّانيته والآخرون تابعين له.

4ـ بحثنا في تفسير الآية (103) من سورة الأنعام حول لطف الله. فعلى الراغب مراجعته

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .